ترفض عشرات العائلات العراقية القاطنة في مخيم «روج» الخاص بعناصر ومسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي، والذي يقع في أقصى محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، العودة إلى بلدها خشيةً من انتقام ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقية، وتوسع الحرب الإسرائيلية - الإيرانية التي دخلت أسبوعها الثاني لتشمل دول المنطقة.
ويضم مخيم روج نحو 2600 شخص، من بينهم 900 امرأة، يتحدرون من جنسيات عربية وغربية ولاجئين عراقيين، إلى جانب وجود نازحات سوريات ومعظم الأمهات يصطحبن أطفالهنّ، وهنّ زوجات سابقات لعناصر «داعش»، والمخيم يقع بالقرب من الحدود العراقية ويخضع لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تفرض عليه حراسة مشدّدة وتمنع دخول وخروج هؤلاء نهائياً.
تروي زها، وهي لاجئة عراقية وعمرها (47 عاماً)، تتحدر من مدينة الموصل العراقية، كيف فرت في أثناء المعارك في مسقط رأسها منتصف 2015، حيث قتل زوجها وأكبر أبنائها هناك قبل فرارهم إلى سوريا نهاية العام نفسه، قصدت بدايةً بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشمالي ثم هجين والسوسة والشعفة وآخرها الباغوز، لينتهي بها المطاف للعيش في هذا المخيم.
ومن تحت خيمتها التي لا تقيها حرارة فصل هذا الصيف، حيث تتعدى درجات الحرارة فيه 45 درجة مئوية، بدأت حديثها من خلف برقع وعباءة سوداء وكانت يداها متشابكتين، لتقول: «خرجت برفقة ابنتيّ الاثنتين، أعمارهما 16 و13 سنة، وبقي معي ولد واحد عمره اليوم 11 سنة، قضاها في التنقل والترحال كحالنا»، وذكرت أن ابنها الوحيد عندما قتل والده وشقيقه كان عمره عاماً واحداً فقط.
وعن أسباب رفضها العودة لبلدها والبقاء في هذا المخيم، رغم مرارة ومشقة الحياة فيه، تابعت هذه اللاجئة شريطة عدم ذكر اسمها أو نشر صورها حرصاً على سلامتها: «أخاف من انتقام (قوات الحشد الشعبي) والميليشيات الإيرانية هناك، وما زاد الأمر تعقيداً اشتعال الحرب الإسرائيلية - الإيرانية وأخشى أن تمتد إلى العراق».
وتقول إدارة المخيم وسلطات الإدارة الذاتية إن العراق أعاد مئات العائلات من مخيم «الهول» خلال السنوات الماضية، إضافة لأكثر من 50 عائلة لاجئة كانوا يقطنون في مخيم «روج»، لكن هناك قرابة 40 عائلة أخرى ما زالت في المخيم ترفض العودة لأسباب أمنية، وانتسابها إلى صفوف التنظيم المتطرف الذي قُضي على مناطقه العسكرية وسيطرته الجغرافية في سوريا والعراق ربيع 2019، على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وقوات برية شريكة بينها «قسد».
أكثر من جنسية في عائلة عراقية
وأوضحت إدارة المخيم ومكتب شؤون المخيمات والنازحين لدى الإدارة الذاتية أن كل اللاجئين العراقيين العائدين لبلدهم، يتم ترحيلهم بموافقة شخصية عبر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وذكر مصدر كردي رفيع أن عودة تلك العائلات العراقية: «تحتاج إلى تدقيق أمني وإجراءات من الأجهزة الأمنية العراقية، الأمر الذي يخشاه الكثيرون هنا لارتباطهم بالتنظيم أو مقتل ذويهم في صفوفه سابقاً».
غير أنّ اللاجئة العراقية خديجة ذات الـ38 سنة والمتحدرة من بلدة الحديثة العراقية، وعلى الرغم من قساوة معيشتها وأبنائها الخمسة في خيمة مشتركة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، اعتبرت أن راحتها هنا مردها: «أفضل السكن تحت هذه الخيمة على العيش تحت حكم ميليشيات وبلد تحكمه الطائفية وقوات شيعية خارجة عن الدولة».
وذكرت هذه اللاجئة أن زوجها واثنين من أبناء أعمامها وأقرباء آخرين لها محتجزون في سجون «قسد»، بـ«تهمة الانتساب والقتال» في صفوف «داعش»، ولا تفضل العودة قبل تحديد مصير زوجها، على أن يجري نقلهم تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة وهيئات إنسانية دولية، ولا تخفي مشاعرها القلقة لتقول: «أخشى من عمليات انتقامية ومن الميليشيات المسيطرة على مناطقنا، وإحالة كل ملفات المحتجزين بتهمة (الدواعش) للحكومة العراقية، والحكم عليهم بالإعدام أو المؤبد»، على حد تعبيرها.
بدوره، أوضح شيخموس أحمد، رئيس مكتب «شؤون المخيمات والنازحين واللاجئين» لدى الإدارة الذاتية، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه العائلات العراقية تخشى العودة؛ لأن «لديها خوفاً من انتقام الفصائل المسلحة والإجراءات العراقية الأمنية ضدها»، منوهاً بأن المشكلة الأكثر تعقيداً تكمن في وجود عائلات يكون الزوج والأب عراقياً، «أما النساء من جنسيات أخرى وهناك أطفال موزعون بين هذه الحالات، فيما تشترط بغداد استقبال العراقيين فقط»، مشيراً إلى أن عدة قوافل من العائلات العراقية كانت في مخيم «روج» عادت لديارها.
وكحال اللاجئات العراقيات الأخريات، أعربت جواهر عن حالتها، وأن صبرها قد نفد، وتحولت حالة الانتظار إلى كابوس تعيشه يومياً مرغمة، وارتسمت علامات الحيرة على وجهها وتساءلت: «إلى متى سنعيش هنا دون أن يسمعنا أحد؟ هل يشاهد العالم هذه المأساة والمرارة؟ هل تعلم حكومة بغداد كيف حالتنا وما مصيرنا؟ سؤالنا الأول والخير متى سنعود؟».
يذكر أن الحكومة العراقية وقوات «قسد»، وتحت إشراف قوات التحالف الدولي، رحّلت مئات السجناء العراقيين المتهمين بالقتال في «داعش»، رحّلتهم إلى بلدهم دون معرفة مصيرهم أو تقديمهم إلى محاكمات وطنية، ويقدر عدد المحتجزين المتبقين لدى «قسد» بنحو ألف و500 سجين عراقي.