قُتل ما لا يقل عن 18 فلسطينياً، اليوم (الثلاثاء)، في أثناء انتظارهم للحصول على مساعدات غذائية في نقطة توزيع قرب محور نتساريم وسط قطاع غزة، حسب مصادر طبية وشهود عيان.
وأفادت مصادر وزارة الصحة في قطاع غزة بأن القتلى كانوا متجمعين أمام ما وصفته بمركز توزيع يخضع لإشراف مؤسسة دولية مدعومة من أميركا وإسرائيل، عندما تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قِبل الجيش الإسرائيلي.
وذكر مسعفون أن المصابين نُقلوا إلى مستشفى العودة في مخيم النصيرات وسط غزة، ومستشفى القدس في مدينة غزة بشمال القطاع، وفق ما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.
وذكر شهود أن مئات المدنيين تجمهروا منذ ساعات الصباح الأولى، في محاولة للحصول على طرود غذائية محدودة، وسط نقص حاد في المواد الأساسية. وقالوا إن إطلاق النار أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وخلق حالة من الذعر في المكان.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في الحادث. وكان الجيش الإسرائيلي قد حذّر الفلسطينيين الأسبوع الماضي من الاقتراب من الطرق المؤدية إلى مواقع «مؤسسة غزة» بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، ووصف هذه الطرق بأنها مناطق عسكرية مغلقة.
ولم يصدر أي تعليق فوري من «مؤسسة غزة» على حادثة اليوم (الثلاثاء). وبدأت «مؤسسة غزة» توزيع الطرود الغذائية في القطاع نهاية شهر مايو (أيار)، وتشرف على نموذج جديد لتوزيع المساعدات تقول الأمم المتحدة إنه يفتقر إلى الحياد والنزاهة.
السير على الأقدام لساعات
ومع ذلك، يقول الكثير من سكان القطاع إنهم يضطرون إلى السير على الأقدام لساعات للوصول إلى مواقع التوزيع؛ مما يعني أنه يتعيّن عليهم بدء التحرك قبل الفجر بوقت كافٍ حتى ينجحوا في الحصول على أي فرصة لتلقي طعام. وفي الوقت الذي تقول فيه «مؤسسة غزة الإنسانية» إن ما تسميها مواقع التوزيع الآمنة لم تشهد حدوث أي وقائع، يقول الفلسطينيون الساعون للحصول على مساعدات إنه لا يوجد نظام، ومسارات الوصول إلى هذه المواقع تشوبها فوضى وأعمال عنف دامية. وقال محمد أبو عمرو، وهو أب لطفلَيْن يبلغ من العمر 40 عاماً لوكالة «رويترز» للأنباء عبر تطبيق مراسلات: «أنا توجهت هناك الساعة 5 الصبح على أمل أجيب شوية أكل؛ لكن وأنا رايح لقيت الناس مروحين ما معاهم شي، وقالوا إن كل المساعدات خلصت في خمس دقائق... جنون هادا ومش كافي». وقال: «عشرات الآلاف من الناس بييجوا من المنطقة الوسطى ومن شمال غزة، وبعضهم بيمشي مسافة 20 كيلومتراً، وبعد كل هيك بيروحوا خيبانين (مُحبطين) ومقهورين». وأضاف أنه سمع دوي إطلاق النار؛ لكنه لم يرَ ما حدث.
وذكرت وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، في وقت سابق، أن «عشرات المواطنين استشهدوا في مواقع توزيع المساعدات التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل، منذ أن بدأت عملها أواخر الشهر الماضي».
«نقطة في محيط»
وقالت السلطات الصحية المحلية، في وقت لاحق من اليوم (الثلاثاء)، إن القوات الإسرائيلية شنّت هجوماً على منزل في دير البلح وسط قطاع غزة أسفر عن مقتل 8 أشخاص، ليرتفع عدد القتلى إلى 25 على الأقل.
وبشكل منفصل، قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض صاروخاً أُطلق من شمال غزة صوب مستوطنات إسرائيلية، مما يشير إلى أن «حماس» وغيرها من الجماعات المسلحة لا تزال قادرة على شنّ هجمات رغم تدمير إسرائيل أسلحتها. سمحت إسرائيل باستئناف عمليات محدودة تقودها الأمم المتحدة بغزة في 19 مايو (أيار) بعد حصار استمر 11 أسبوعاً في القطاع الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، حيث حذّر خبراء من مجاعة تلوح في الأفق. ووصفت الأمم المتحدة المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة بأنها «نقطة في محيط».
وقال شهود إن ما لا يقل عن 40 شاحنة تحمل الطحين (الدقيق) إلى مستودعات الأمم المتحدة تعرّضت للنهب من نازحين فلسطينيين يعيشون ظروفاً بائسة، وكذلك من لصوص، قرب دوار النابلسي بمحاذاة الطريق الساحلي في مدينة غزة. وتقول السلطات الصحية في غزة إن الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ ذلك الحين أدت إلى مقتل ما يزيد على 54 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، إلى جانب تدمير مساحات كبيرة من القطاع الساحلي.
وكانت وسائل إعلام فلسطينية أفادت في وقت سابق، اليوم (الثلاثاء)، بمقتل 12 مواطناً فلسطينياً وإصابة 124 آخرين في إطلاق نار إسرائيلي على منتظري المساعدات في محور «نتساريم» وسط قطاع غزة.
ووفق «المركز الفلسطيني للإعلام»، فإن «طواقم مستشفى القدس في غزة استقبلت منذ ساعات الفجر الأولى 12 شهيداً، وأكثر من 124 إصابة مختلفة، نتيجة استهداف قوات الاحتلال المواطنين المحتشدين لتسلم المساعدات فيما يسمى محور نتساريم».
ويفرض الجيش الإسرائيلي منذ الثاني من مارس (آذار) الماضي حصاراً مشدداً على قطاع غزة، عقب فشل تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».
وتوقفت المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل، مع منع معظم الشحنات الغذائية والطبية من الدخول، وتعطيلها عبر معابر تخضع لإشراف الجيش الإسرائيلي، حيث يتم فحصها لساعات طويلة، ما يعقّد عمليات الإغاثة.
وتسبّب هذا الوضع في تدهور إضافي للظروف الإنسانية في القطاع، حيث يعاني السكان، خصوصاً في المناطق الوسطى والشمالية، من نقص شديد في الغذاء والدواء.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت مراراً من «كارثة إنسانية وشيكة»، مشيرة إلى أن معظم سكان غزة يعيشون في ظروف انعدام أمن غذائي حاد. وفي تقرير مشترك صدر مؤخراً، قالت منظمة الأغذية والزراعة (WFP) ومنظمة الصحة العالمية إن «جميع المؤشرات تقود إلى خطر حقيقي لحدوث مجاعة في أجزاء من قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة»، ما لم يُسمح بدخول المساعدات دون عوائق.
وأدانت منظمات دولية، بينها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» و«هيومن رايتس ووتش»، الاستخدام المتكرر للقوة ضد المدنيين في أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات.
وأسفرت الحرب الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 54 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، التي قالت إن النساء والأطفال يشكلون معظم القتلى.
وتتواصل المحادثات غير المباشرة بين الطرفَيْن بوساطة مصرية وقطرية وأميركية، دون التوصل حتى الآن إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.