فكرة دمج مقاتلي «حزب الله» بالجيش اللبناني تصطدم بالواقع

سياسي وخبير: من يتلقّى الأمر بالتكليف الشرعي يصعب استيعابه

عناصر من «حزب الله» يشاركون في مناورة عسكرية في بلدة عرمتا اللبنانية بتاريخ 21 مايو 2023 (رويترز)
عناصر من «حزب الله» يشاركون في مناورة عسكرية في بلدة عرمتا اللبنانية بتاريخ 21 مايو 2023 (رويترز)
TT

فكرة دمج مقاتلي «حزب الله» بالجيش اللبناني تصطدم بالواقع

عناصر من «حزب الله» يشاركون في مناورة عسكرية في بلدة عرمتا اللبنانية بتاريخ 21 مايو 2023 (رويترز)
عناصر من «حزب الله» يشاركون في مناورة عسكرية في بلدة عرمتا اللبنانية بتاريخ 21 مايو 2023 (رويترز)

تحوّل الطرح الذي قدّمه الرئيس اللبناني جوزيف عون، لدمج مقاتلي «حزب الله» في الجيش اللبناني أسوة بما حصل مع مقاتلي الأحزاب بعد الحرب الأهلية (1990)، إلى مادة نقاش في الأوساط السياسية ولدى الخبراء.

وبينما لا يلقى المقترح حتى الآن قبولاً واسعاً لعدم قدرة الجيش على استيعابهم بصفوفه لأسباب مختلفة، حذّر خبراء من أبعاد هذه المسألة، مؤكدين أنها «جائزة ترضية للحزب مقابل تسليم سلاحه للدولة». وشددوا على أنه «لا يمكن لعناصر تتلقى التكليف الشرعي وذات عقيدة آيدولوجية أن تكون جزءاً من الجيش».

وكان الرئيس عون قدّم تصوّراً لاستيعاب عناصر الحزب، وقال في حديث صحافي: «لا يمكن استحداث وحدة مستقلّة من مقاتلي (حزب الله) داخل الجيش، بل يمكن لعناصره الالتحاق بالجيش والخضوع لدورات استيعاب مثلما حصل في نهاية الحرب في لبنان مع أحزاب عديدة مطلع تسعينات القرن الماضي».

وتعليقاً على هذا المقترح رأى عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب غياث يزبك أن الجيش «لا يمكنه استيعاب 100 ألف مقاتل يزعم الحزب أنهم يشكلون جيشه بامتدادات خارجية». وأشار يزبك، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «حتى لو كان لدى الحزب 25 ألف مقاتل يستحيل ضمهم إلى المؤسسة العسكرية التي تسعى الآن لتأمين رواتب ضباطها وعناصرها عبر المساعدات الخارجية».

وأكد يزبك أن «استراتيجية الأمن القومي التي يضعها الجيش مع رئيس الجمهورية والحكومة، لم تحدد حتى الآن ما هي حاجة لبنان لعدد الجيش والقوى الأمنية». وقال: «عندما نرسّم حدودنا، ونزيل أسباب الحرب، ونتجه إلى الحلّ السياسي في لبنان، يصبح العدد الحالي لضباط وعناصر الجيش كافياً ويزيد».

وضعية مقاتلي الحزب

ولا يصحّ إسقاط واقع ميليشيات الحرب على وضعية مقاتلي الحزب بأي حال، ويرى الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية العميد المتقاعد خالد حمادة أن «ما يطرح اليوم حول استيعاب مقاتلي (حزب الله) في الجيش كما حصل بعد الطائف من حل للميليشيات المسلّحة، يأتي بمثابة جائزة ترضية للحزب في سياق محاولات رئيس الجمهورية لإقناعه بتسليم سلاحه للدولة، إنفاذاً لقرار وقف إطلاق النار الذي فاوض عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بدعم وقبول من الحزب، ووافقت عليه الحكومة اللبنانية».

ورأى أن «استيعاب مقاتلي الحزب في الدولة دونه الكثير من العقبات، خصوصاً بعد التطورات التي طرأت بعد توقيع اتفاق وقف النار».

عناصر من «كشافة المهدي» التابع لـ«حزب الله» خلال تشييع الأمين العام للحزب هاشم صفي الدين في بلدة دير قانون النهر بجنوب لبنان في 24 فبراير 2025 (رويترز)

صحيح أن الدولة اللبنانية نجحت بعد وقف الحرب الأهلية في تطويع المئات من مقاتلي الميليشيات في الجيش والأجهزة الأمنية، لكن المقارنة مع حالة «حزب الله» غير جائزة الآن، وفق قراءة العميد حمادة الذي أوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «عند توقيع وثيقة الوفاق الوطني اعترف زعماء الميليشيات بالوثيقة، وأعلنوا حل الميليشيات، وسلموا سلاحهم طوعاً للدولة، وأصبحوا جزءاً من العملية السياسية. أما الآن فـ(حزب الله) لا يعترف بما نصّ عليه اتفاق وقف النار، ولا يقبل بتسليم سلاحه، ومن ثم فإن الحديث عن استيعاب ميليشياته في الجيش دون أن يعترف بأنه بات جزءاً من العملية السياسية ولم يعد لديه أي جناح عسكري، يأتي في غير سياقه الصحيح».

آيديولوجيا «حزب الله»

تتقاطع القراءات السياسية والأمنية حول «أدلجة» مقاتلي الحزب، وتعارض عقيدتهم مع عقيدة الجيش اللبناني، ويرى يزبك أن «آيديولوجيا (حزب الله) تقف العائق الأكبر أمام انخراط مقاتليه في الجيش». ويقول: «الحزب يعد لبنان بقعة جغرافية تشكل امتداداً لإيران، وهذه العقيدة لا تزال موجودة، بدليل إعلان أمين عام الحزب نعيم قاسم أنه لن يسلّم السلاح، وغير مهتمّ بكل ما يُحكى عن حصرية السلاح بيد الدولة».

مقاتلون من «حزب الله» يحملون نعش الأمين العام السابق للحزب هاشم صفي الدين خلال تشييعه في 24 فبراير 2025 (أ.ب)

لا تكمن معضلة استيعاب مقاتلي «حزب الله» في بُعديها الإداري أو الاقتصادي، أو في التأمل في قدرة الجيش على احتوائهم فحسب، بل «بالبعد العقائدي للحزب»، ويذكّر الخبير الأمني والعسكري خالد حمادة، أن «القيادات التي كانت لديها ميليشيات إبان الحرب اللبنانية والتي انضوت تحت مظلة الدولة، هي قيادات لبنانية، وقرارها كان قراراً لبنانياً، وسقفها هو القانون والدستور اللبناني. أما «حزب الله» فهو مرتبط عضوياً بمرجعية إقليمية، وقد لعب أدواراً عسكرية وأمنية خطيرة سواء في داخل لبنان أم في الخارج»، لافتاً إلى أن الحزب «لم يعلن فك ارتباطه بطهران، وقبوله بالتحول إلى مكوّن سياسي محلي، وحلّ ذراعه العسكرية، بحيث يمكن ساعتئذٍ نقاش مسألة استيعاب مقاتليه». واستطراداً، يسأل: «كيف يمكن التوفيق بين مجموعة عسكرية تعمل بالتكليف الشرعي الصادر عن الولي الفقيه والذي لا مناص من تنفيذه، ومجموعة أخرى تعمل في إطار قرار سياسي تتخذه سلطات دستورية بموجب آليات ديمقراطية؟». وتابع حمادة: «هل كانت تجربة ضمّ الميليشيات إلى الدولة سواء للإدارات المدنية أو المؤسسات الأمنية ناجحة كي يتم تكرارها؟».

انضباط الجيش

برأي يزبك، لم يَجْرِ استيعاب مقاتلي الحرب الأهلية في الجيش كما يروِّج البعض، ويشدد على أن «من جرى إدخالهم إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية، كانوا قريبين من النظام السوري الذي كان يحكم لبنان، أما الذين كانوا يقاتلون من أجل سيادة البلد، وواجهوا الاحتلال السوري، فقد تمت مطاردتهم وإدخالهم السجون، واضطُر الكثير منهم إلى مغادرة لبنان»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «الانضباط الذي يمارسه عناصر الجيش لا ينطبق على مقاتلي (حزب الله)، إذ إن الميليشيات لا تنسجم مع الجيش، ولا الأخير ينسجم معها».

وبغضّ النظر عن جدوى البحث في سلبيات وإيجابيات ضمّ مقاتلي الحزب إلى الجيش اللبناني وسائر أجهزة الدولة، يشدد العميد خالد حمادة على أن «المسار الصحيح لا بدّ أن يبدأ بتسليم (حزب الله) سلاحه للدولة، ثم بعدها ينتقل إلى مرحلة يتقدم فيها عناصره إلى مباراة الدخول إلى إدارات الدولة كسائر اللبنانيين، فعناصر الحزب ليسوا فئة معزولة عن المجتمع اللبناني، وينبغي إدماجهم، لكنّ الاندفاع في طرح مسألة استيعابهم كنوع من الإغراء للحزب لتسليم سلاحه لن يحقق الهدف، فالمطلوب أن يعترف الحزب أولاً بالدولة، وبحصرية السلاح، وأن يكون قرار الحرب والسلم بيدها، وبضرورة تنفيذ القرارات الدولية، كمقدمة لأي ترتيبات يمكن أن تحدث بهذا الشأن».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي الرئيس جوزيف عون مستقبلاً أورتاغوس قبل أسابيع وتبدو إلى جانبها السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون (أرشيفية - إ.ب.أ)

نصائح دولية للبنان بعدم إهدار جهود إنقاذه

تتوالى النصائح الدولية والعربية للبنان بعدم هدر الفرصة المتاحة أمامه للعبور إلى مرحلة التعافي.

محمد شقير (بيروت)
تحليل إخباري الرئيسان عباس وسلام في شرفة القصر الحكومة يلقيان نظرة على وسط بيروت (أ.ف.ب)

تحليل إخباري بدء تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان الشهر المقبل... و«حماس» تنتقد استبعادها

أعطى رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام توجيهاته بضرورة الإسراع في الخطوات العملية عبر وضع آلية تنفيذية واضحة وجدول زمني محدد لتسليم السلاح الفلسطيني.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي آلية تابعة لقوات «يونيفيل» في بلدة حولا جنوب لبنان حيث تظهر صورة كبيرة للأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله على أحد المباني (إ.ب.أ)

مرشحون جدد ينافسون الثنائي الشيعي في انتخابات جنوب لبنان

يبذل الثنائي الشيعي - «حزب الله» و«حركة أمل» - في جنوب لبنان جهوداً للتوافق في الانتخابات البلدية والتوصل إلى لوائح تفوز بالتزكية، فيما قرر مستقلون مواجهتهم.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام (يمين) يستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل لقائهما بالسراي الحكومي في بيروت (أ.ب)

تقرير: سحب السلاح من المخيمات الفلسطينية في لبنان يبدأ منتصف الشهر المقبل

اتفق الجانبان، اللبناني والفلسطيني، الجمعة، على البدء بسحب السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين منتصف يونيو.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

من أصل 50 مخبزاً... 4 فقط تعمل في كل غزة

خبز داخل مخبز في دير البلح (أ.ف.ب)
خبز داخل مخبز في دير البلح (أ.ف.ب)
TT

من أصل 50 مخبزاً... 4 فقط تعمل في كل غزة

خبز داخل مخبز في دير البلح (أ.ف.ب)
خبز داخل مخبز في دير البلح (أ.ف.ب)

قال رئيس «جمعية أصحاب المخابز» في قطاع غزة عبد الناصر العجرمي، اليوم (السبت)، إن 4 مخابز فقط تم تشغيلها من أصل 25 مخبزاً متعاقداً مع «برنامج الأغذية العالمي».

ونقلت وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، اليوم، عن العجرمي قوله إن المخابز الأربعة تم تشغيلها في دير البلح وسط القطاع، مشيراً إلى أن «الاحتلال يمنع تشغيل عدد من المخابز الرئيسية في عدد من المناطق؛ بسبب إجباره السكان على النزوح منها، وتصنيفها بأنها (منطقة حمراء)».

أكياس الطحين داخل مخبز في دير البلح (أ.ف.ب)

وأوضح أن محافظة خان يونس لم يتم تشغيل أي مخبز فيها؛ بسبب الأوضاع الأمنية الصعب، والقصف المتواصل ونزوح معظم مناطقها، لافتاً إلى «منع الاحتلال تشغيل مخبز القلعة الرئيسي في المحافظة، أو غيره».

موظفون يعملون داخل مخبز في دير البلح وسط قطاع غزة بعد أن سمحت إسرائيل بدخول مساعدات إنسانية محدودة إلى الأراضي الفلسطينية (أ.ف.ب)

وأوضح أنه تم تشغيل مخبز في مخيم النصيرات وسط القطاع ليوم واحد، ثم أُعيد إغلاقه؛ بسبب حالة الفوضى وعدم قدرة المخبز على تحمُّل أفواج الجوعى الذين اقتحموا المخبز.

وأشار إلى أن المخبز المذكور في النصيرات اضطر لإرجاع المواد لـ«برنامج الأغذية العالمي»، مؤكداً عدم قدرته على العمل في ظل هذه الأوضاع، إلا بحال تم توزيع الطحين على المواطنين لكي يشعروا بنوع من الأمن الغذائي، بعد هذه الأشهر من المجاعة، كما يخفف من اقتحام المخابز والأعداد التي تفوق قدرتها.

موظفو مخبز في دير البلح وسط قطاع غزة يملأون أكياساً بالخبز الطازج (أ.ف.ب)

أما بخصوص شمال القطاع، فنوه العجرمي إلى أن غالبية مخابزه تم استهدافها، كما أن الأخرى التي تبقَّت لا يمكنها العمل في ظل اشتداد حرب الإبادة والقصف المتواصل.

وقال العجرمي: «إن كميات الطحين قليلة جداً، ولم تصل إلى غالبية المحافظات؛ بسبب تحكم جيش الاحتلال في سير الشاحنات، وسرقة عصابات الفوضى بعضها في محافظة خان يونس».

وأكد أن 50 مخبزاً هي مجموع ما تبقَّى من أصل 140 مخبزاً، تم قصفها، مع العلم أن 25 من هذه المخابز هي المعروف مصيرها، لتعاقدها مع «برنامج الأغذية العالمي»، بينما لا يُعرف مصير 25 مخبزاً آخر منذ مارس (آذار) الماضي.

ووفق الوكالة، أدخلت السلطات الإسرائيلية عدداً قليلاً من شاحنات الطحين لقطاع غزة، يوم الثلاثاء الماضي، بقرار من «الكابينت»، لا تكفي لأدنى مستوى من احتياجات القطاع، «وذلك بالتزامن مع تشديد الإبادة والمجازر».