التكيّات الخيرية... سبيل الغزيّين الوحيد في ظل مجاعة تتكشف معالمها

المكتب الإعلامي بغزة: القطاع يعيش كارثة إنسانية حقيقية ومجاعة واضحة

نازحون يتدافعون بأوعيتهم الخاوية للحصول على حصة من طعام من «تكية خيرية» في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 11 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
نازحون يتدافعون بأوعيتهم الخاوية للحصول على حصة من طعام من «تكية خيرية» في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 11 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
TT

التكيّات الخيرية... سبيل الغزيّين الوحيد في ظل مجاعة تتكشف معالمها

نازحون يتدافعون بأوعيتهم الخاوية للحصول على حصة من طعام من «تكية خيرية» في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 11 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
نازحون يتدافعون بأوعيتهم الخاوية للحصول على حصة من طعام من «تكية خيرية» في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 11 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

تقف السيدة الغزَّاوية وسط أطفال جوعى تشكو حالها وحالهم، وتقول: «كل يوم بنعيش في حيرة وما بنعرف شو بدنا ناكل وشو بدنا نطعم أولادنا. زهقنا من هالحياة وما فيه إشي في بيوتنا نقدمه لأطفالنا».

وتلخّص العبارة حالة مجاعة حقيقية بالقطاع، هي الثانية منذ اشتعال الحرب الإسرائيلية قبل 16 شهراً، بينما يتوعد الجيش الإسرائيلي بعدم السماح بدخول أي مساعدات للقطاع للضغط على «حماس».

ساعات يقضيها مئات الآلاف من سكان غزة يومياً في طوابير طويلة للحصول على كميات قليلة من طعام تقدمه «تكيَّات خيرية» تنتشر في مناطق مختلفة من القطاع، على أمل أن يجدوا ما يسد رمقهم وعائلاتهم.

ويشهد قطاع غزة حصاراً إسرائيلياً مشدداً منذ بداية شهر مارس (آذار) الماضي بفعل إغلاق المعابر ومنع دخول أي مساعدات، بما في ذلك المواد الأساسية مثل الدقيق (الطحين) وغيره.

وتستهدف إسرائيل مراكز توزيع المساعدات وتكيات الطعام.

وحذر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، يوم الأربعاء، من دخول الوضع الإنساني في القطاع مرحلة الانهيار الكامل بسبب سياسة الحصار والتجويع الإسرائيلية.

وقال المكتب، في بيان، إن «قطاع غزة اليوم يعيش كارثة إنسانية حقيقية ومجاعة واضحة المعالم، يهدد فيها الجوع حياة السكان المدنيين بشكل مباشر، وفي مقدمتهم أكثر من 1.100.000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في ظل غياب الغذاء، وشح المياه، وتدهور المنظومة الصحية بشكل شبه كامل، وحرمان الناس من الحد الأدنى من مقومات الحياة».

عودة المجاعة

مثل غيرها من أهل غزة، تضطر منال السيد (54 عاماً) النازحة من حي الزيتون بجنوب مدينة غزة، وتعيش في خيمة مع 6 من أفراد عائلتها في حي الرمال بوسط المدينة، للوقوف في طوابير «تكيَّات الخير» للحصول على كميات قليلة من طعام.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما ضل عنا إشي ناكله. لا فيه طبايخ ولا خبز ولا إشي. إحنا عايشين على التكيات وبس»، مشيرة إلى أن ما يقدم في تلك التكيات هو «بعض الأرز دون أي إضافات أخرى أو الفاصولياء، أو العدس».

«تكيَّة خيرية» توزع وجبات أرز تخلو من أي إضافات في خان يونس بجنوب قطاع غزة في 11 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

وتضيف السيدة، التي تهدم منزلها إثر قصفه قبل أقل من عام، أن الظروف الحياتية للسكان في القطاع تزداد سوءاً، مشيرة إلى أنه لا يتوفر في الأسواق سوى القليل جداً من الخُضَر.

ويقول الشاب أحمد أبو عصر، النازح من حي الشجاعية إلى حي الرمال ويعيش مع عائلته المكونة من 12 فرداً، إن التكيَّات أصبحت «الملاذ الأخير» بالنسبة لسكان غزة مع عودة المجاعة.

ويتابع قائلاً إن عائلته، مثل الآلاف من السكان، تعيش على ما تتحصَّل عليه من هذه التكيات، وإن القليل الذي تحصل عليه يخلو من الخبز أو أي إضافات أخرى يمكن أن تُشبع الصغار أو الكبار.

ويقول باسم الطيبي، أحد القائمين على المشاريع الخيرية الممولة من الخارج لتشغيل التكيات، إن ما يتوفر هو بعض المعلبات والعبوات التي تُستخدم في تحضير الطعام للمواطنين، وبكميات قليلة، والتي كان قد تم تخزينها قبل تفاقم الأوضاع.

ويضيف أن التكيّات ليس لديها ما تقدمه للسكان أكثر من هذا حالياً، نظراً للنقص الكبير في المواد الغذائية.

ويخشى القائمون على المشاريع الخيرية استهدافات إسرائيل المتكررة للتكيات التي تقدم الطعام للسكان، وكان أحدثها يوم الأربعاء في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل أحد القائمين عليها.

ووفقاً لإحصائيات حكومية بغزة، استهدفت إسرائيل أكثر من 37 مركزاً لتوزيع المساعدات، و28 تكية طعام، مما أخرجها عن الخدمة.

«جحيم يزداد سوءاً»

وصفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الوضع في غزة بأنه «جحيم يزداد سوءاً»، مشيرة إلى أن مخازنها أصبحت فارغة، وأن هناك عشرات الآلاف من الجائعين في القطاع.

وشددت الوكالة على أن السماح بدخول المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية دون عوائق «بات ضرورة ملحة».

وتلجأ بعض العوائل إلى «طحن الفلافل» لتكون طعاماً وحيداً في ظل توفر كميات من الحمص والعدس اللذين يُستخدمان في تجهيز هذه الوجبة.

وينتشر باعة الفلافل، لا يبعدهم عن بعضهم سوى بضع عشرات من الأمتار، لبيعها للسكان الذين لا يجد بعضهم الحطب المستخدم في «قلي الفلافل».

وتقول انتصار الحاج (39 عاماً)، من سكان حي الشيخ رضوان، إنها لا تجد سوى الفلافل لتقدمها لأطفالها، لكنها أضافت أن الحمص والعدس ومكونات الفلافل بدأت هي الأخرى تنفد، وهو ما يفاقم المجاعة التي بدأت تظهر في الأيام الأخيرة.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار داخل مبنى أصيب الأربعاء في ضربات إسرائيلية في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتقول منظمة «أطباء بلا حدود» الدولية إن قطاع غزة أصبح «مقبرة جماعية للفلسطينيين وللذين يهبون لمساعدتهم»، جراء العمليات العسكرية ومنع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية.

وقالت أماند بازيرول، منسقة الطوارئ في المنظمة بقطاع غزة، إن المنظمة تشهد حالياً «القضاء على سكان غزة وتهجيرهم القسري»، مشيرة إلى أن الاستجابة الإنسانية تعاني كثيراً من انعدام الأمن.

كاتس: لن تدخل أي مساعدات

وبينما دارت في إسرائيل أحاديث عن إمكانية استئناف المساعدات بتوصية من المستوى العسكري، نفى وزير الدفاع يسرائيل كاتس ذلك، وقال، في بيان نُشر الأربعاء، إنه لن يسمح بدخول أي مساعدات إنسانية لغزة، بدعوى مواصلة الضغط على «حماس».

وجاء في البيان: «سياسة إسرائيل واضحة: لن تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ومنع هذه المساعدات إحدى أدوات الضغط الرئيسية» على حركة «حماس».

وأضاف: «لا أحد يخطط حالياً للسماح بدخول أي مساعدات إنسانية إلى غزة، ولا توجد أي استعدادات لإتاحة دخولها».


مقالات ذات صلة

غزة: طبيبة تستقبل جثامين أطفالها الـ9 خلال عملها

المشرق العربي فلسطينيون يبكون خلال مشاركتهم في جنازة أشخاص قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

غزة: طبيبة تستقبل جثامين أطفالها الـ9 خلال عملها

استقبلت اختصاصية الأطفال في مستشفى «التحرير» بمجمع «ناصر» الطبي، آلاء النجار، جثامين 9 من أبنائها خلال تأدية عملها.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية تظهر هذه الصورة التي قدمتها منظمة «كسر الصمت» وهي مجموعة مكونة من جنود إسرائيليين سابقين، اثنين من المعتقلين اللذين استخدما بوصف أنهما درعان بشريان داخل منزل في منطقة مدينة غزة في عام 2024 (أ.ب)

من غزة إلى الضفة... شهادات فلسطينيين واعترافات جنود إسرائيليين باستخدام مدنيين دروعاً بشرية

المرات الوحيدة التي لم يكن فيها الرجل الفلسطيني أيمن أبو حمدان مقيداً أو معصوب العينين كانت عندما استخدمه الجنود الإسرائيليون على أنه درع بشري.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطيني يحمل أمتعة انتشلها من منزل استهدفه قصف إسرائيلي في مخيم النصيرات للاجئين في وسط غزة (أ.ف.ب) play-circle

21 قتيلاً في قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة بغزة

ارتفع عدد قتلى القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر اليوم إلى 21 شخصا، اليوم السبت، حسبما أوردت وسائل إعلام فلسطينية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج فلسطينيون يفرون من موقع ضربة نفذتها مسيّرة إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب) play-circle

فرنسا والسعودية تُطلقان تحضيرات مؤتمر حل الدولتين

أطلقت فرنسا والسعودية، باجتماعين متوازيين في باريس ونيويورك، أمس، زخم التحضيرات لمؤتمر حل الدولتين المفترض أن تستضيفه الأمم المتحدة ما بين 17 و20 يونيو (حزيران)

ميشال أبونجم (باريس) علي بردى (واشنطن) نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي النقيب احتياط رون فينر (وسائل إعلام إسرائيلية)

جندي إسرائيلي يُعاقب بالسجن 20 يوماً بعد رفضه الخدمة بسبب حرب غزة

حُكم على جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي بالسجن 20 يوماً لرفضه الالتحاق بخدمة الاحتياط بسبب استمرار القتال في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

غزة: طبيبة تستقبل جثامين أطفالها الـ9 خلال عملها

فلسطينيون يبكون خلال مشاركتهم في جنازة أشخاص قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يبكون خلال مشاركتهم في جنازة أشخاص قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

غزة: طبيبة تستقبل جثامين أطفالها الـ9 خلال عملها

فلسطينيون يبكون خلال مشاركتهم في جنازة أشخاص قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يبكون خلال مشاركتهم في جنازة أشخاص قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

استقبلت اختصاصية الأطفال في مستشفى «التحرير» بمجمع «ناصر» الطبي، آلاء النجار، جثامين 9 من أبنائها خلال تأدية عملها، بعد استهداف منزلها بغارة إسرائيلية في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

ووفق شبكة «قدس» الإخبارية اليوم (السبت): «وصلت الطبيبة إلى دوامها المعتاد في المجمع، بعد أن قام زوجها الدكتور حمدي النجار بإيصالها إلى المستشفى، ولكنه ما إن عاد إلى المنزل حتى استهدفه صاروخ إسرائيلي، ما أدى إلى استشهاد 9 من أطفالهما، وإصابة الطفل العاشر، بالإضافة إلى إصابة الزوج الذي نقل إلى العناية المركزة في حالة حرجة».

وقال المدير العام لوزارة الصحة، الدكتور منير البرش: «هذا ما تعيشه كوادرنا الطبية في قطاع غزة. الكلمات لا تكفي لوصف الألم. في غزة، لا يُستهدف الكادر الطبي فحسب؛ بل يُمعن الاحتلال الإسرائيلي في الإجرام، ويستهدف عائلات بكاملها».

وأوضحت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أن «عدد الشهداء الأطفال بلغ حتى الآن 16 ألفاً و503، في حصيلة صادمة تعكس حجم الاستهداف المباشر للأطفال من قبل قوات الاحتلال».