أشارت نتائج استطلاع رأي أُجري لصالح مجلة «إيكونوميست»، في مارس (آذار)، المنصرم، أنه لا يزال هناك تفاؤل واسع النطاق بشأن قدرة الرئيس السوري أحمد الشرع، على إعادة بناء سوريا.
وبيّن الاستطلاع، الذي شمل 1500 سوري من جميع محافظات البلاد ومختلف المكونات السورية، أن 81 في المائة يوافقون على حكم الشرع. بينما يرى 22 في المائة فقط أن ماضيه كزعيم لتنظيم أصولي، يمنعه من القيادة.

وتقول أعداد كبيرة إنها تشعر بأن نظامه الجديد أكثر أماناً وحرية وأقل طائفية من نظام بشار الأسد. ويشعر نحو 70 في المائة بالتفاؤل بشأن الاتجاه العام للبلاد. وتُعتبر محافظة إدلب، التي كانت في السابق معقل الشرع، أسعد المحافظات؛ حيث أعرب 99 في المائة من أصل 100 مشارك عن تفاؤلهم.
أما محافظة طرطوس الساحلية ذات التنوع الديني والمذهبي؛ حيث قُتِل أعداد من العلويين، الشهر الماضي، فهي الأكثر حزناً. وأعرب 49 في المائة عن تفاؤلهم، بينما أعرب 23 في المائة عن تشاؤمهم حيال الأوضاع العامة.
صعوبات الاستطلاع
ويلفت تقرير «إيكونوميست» إلى أن إمكانية إجراء الاستطلاع من الأساس في سوريا مؤشر جيد في بلد كان النظام السابق يحظر فيه استطلاعات الرأي المستقلة. ومع ذلك، لم تكن الظروف مثالية للفريق الذي اضطر إلى العمل في الأماكن العامة. ونظراً لصعوبة استخدام أساليب، مثل الاتصال الهاتفي العشوائي للحصول على عينة تمثيلية من السوريين، تواصل الفريق مباشرة مع أفراد حتى حصلوا على عدد محدَّد مسبقاً من الردود، من الرجال والنساء، في المناطق الريفية والحضرية، وبما يشمل كل الجغرافيا السورية.

ورغم أن الاستطلاع لم يحدد أهدافاً للعينة بناءً على العرق أو الدين، فإن الإجابات تباينت على أسس دينية وإثنية. ولمواجهة احتمال بعض التحيزات في البيانات، فقد أعادت مجلة «إيكونوميست» مراجعة العينات حسب المنطقة الجغرافية والفئة العمرية، والانتماء إلى كردي أو علوي، وفقاً لأفضل التقسيمات المتاحة لنسب هذه المجموعات من السكان. ولم تُحدث هذه التعديلات سوى تأثير طفيف على النتائج.
خوف من التعبير
يشير التقرير إلى صعوبة تفسير الخوف الكامن لدى المشاركين من التعبير عن آرائهم السياسية بعد عقود من الديكتاتورية القمعية. يقول محمد شيخ أيوب، مدير Middle East Consulting Solutions، التي أجرت الاستطلاع: «في سوريا، لدينا ممارسة تقليدية تتمثل في الخضوع للسلطة».
مع ذلك، يُعرب المشاركون عن انتقادات كثيرة للشرع، خصوصاً ما يتعلق بالاقتصاد.

ويعتقد ما يقرب من 60 في المائة من المشاركين أن الظروف الاقتصادية لم تتحسَّن، أو أنها ساءت في عهده. وتحظى قراراته بإعادة تقييم الرسوم الجمركية على الواردات والسماح بتبادل الدولار دون قيود، بالدعم. لكن معظم رواتب الحكومة لم تُدفع منذ توليه السلطة، والسيولة النقدية شحيحة.
المقاتلون الأجانب
يعارض معظم السوريين بشدة سياسة الشرع في دمج المقاتلين الأجانب في جيشه الجديد؛ فقال 60 في المائة من المشاركين إنه ينبغي ترحيلهم. كما لا يوجد إجماع يُذكر حول كيفية مقاضاة الجرائم المُرتكَبة في عهد النظام السابق. يقول أيوب: «ينبغي على الإدارة الحالية اعتبار هذا التفاؤل مُستعاراً». ويضيف: «يتطلب منع تلاشيه حصول تقدُّم ملموس في الاقتصاد والحوار الوطني والعدالة الانتقالية».

فجوة بين الأكثرية والأقلية
ولعله من غير المُستغرب، في بلدٍ خرج من عقودٍ من استبداد الأقليات، أن يكشف الاستطلاع فجوة عميقة بين الأغلبية السنية والأقليات السورية، خصوصاً العلويين، الذين كان كثير منهم موالين للأسد (ويظهر النتائج أن 6 في المائة فقط من السنَّة متشائمون، مقارنة بـ40 في المائة من العلويين).
من جهة أخرى، تشعر المجتمعات الكردية والدرزية والمسيحية، بأنها أكثر فقراً وأقل حرية وأماناً من العرب السنَّة.
الشريعة والنظام القانوني
أحد الانقسامات اللافتة النظام القانوني، وهو مؤشر مهم على التوجه المستقبلي للبلاد. أكثر من 90 في المائة من السنَّة المستهدَفين في الاستطلاع يفضلون إما إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كلياً أو جزئياً. و7 في المائة فقط يريدون نظاماً قانونياً علمانياً بالكامل. أما بين الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين، فالنتائج معكوسة؛ فنحو 86 في المائة من الدروز والمسيحيين و73 في المائة من الأكراد يريدون نظاماً قانونياً علمانياً. كما أن دعم تطبيق الشريعة الإسلامية الكاملة، أقل بين النساء؛ فقد أيد ذلك 29 في المائة، مقارنة بالرجال 40 في المائة. وأكثر من ثلاثة أرباع المستجيبين يؤيدون المساواة في الحقوق للمرأة.
توحد حيال إسرائيل
على الرغم من الاختلافات الإقليمية حول قضايا السياسة الخارجية الأخرى، خصوصاً بشأن حلفائهم المستقبليين، يتفق السوريون عموماً على كيفية التعامل مع إسرائيل. فمنذ سقوط الأسد، استولت إسرائيل على مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي السورية، متجاوزة الأراضي التي تحتلها منذ عقود في مرتفعات الجولان، ودمرت الترسانة العسكرية السورية. ومع ذلك، لا يرغب السوريون في القتال.

ثلثاهم يُفضّلون الأدوات الدبلوماسية لمواجهة إسرائيل، بينما يُفضّل 10 في المائة فقط الكفاح المسلح.
وإجمالاً، ورغم الانقسامات الطائفية، يُبدي السوريون تفاؤلاً مُفاجئاً. وباستثناء العلويين الذين يُطالب ثلاثة أرباعهم بإجراء انتخابات في غضون عام، فإن معظمهم ليسوا في عَجَلة من أمرهم لاستبدال الشرع. يُعطي السوريون قائدهم الجديد فرصة، والأمر متروك له لاستخدامها بحكمة، بحسب التقرير.