أجواء العيد تغيب عن جنوب لبنان: حزن وقلق من عودة الحرب

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة

مواطنون يهربون من منازلهم يوم الخميس إثر تهديدات إسرائيلية قبيل قصف استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
مواطنون يهربون من منازلهم يوم الخميس إثر تهديدات إسرائيلية قبيل قصف استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

أجواء العيد تغيب عن جنوب لبنان: حزن وقلق من عودة الحرب

مواطنون يهربون من منازلهم يوم الخميس إثر تهديدات إسرائيلية قبيل قصف استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
مواطنون يهربون من منازلهم يوم الخميس إثر تهديدات إسرائيلية قبيل قصف استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

تغيب مظاهر العيد في غالبيّة قرى وبلدات الجنوب، حيث لا يزال يعيش الأهالي حالة الحرب في ظل استمرار القصف الإسرائيلي بين الحين والآخر والتهديدات التي لا تتوقف، وكان آخرها ما حصل يوم الأربعاء، إثر إطلاق صواريخ من لبنان.

فالناس، إضافة إلى القلق الدائم من عودة الحرب، لا يزالون مشغولين بهموم إعادة الإعمار. بعضهم يعاني أوضاعاً مادية صعبة، وبعضهم الآخر يعيش مشاعر الحزن والفقد بسبب موت أقاربهم خلال الحرب، فيما يعيش كثير من أبناء القرى الأمامية خارج منازلهم التي هدمها الجيش الإسرائيلي.

لن نحتفل بالعيد

تقول السيدة الجنوبية نجاة (40 سنة): «لا استعدادات ولا أجواء عيد هنا. نحن نعيش حرباً لم تنتهِ بعد؛ قبل أيام اعتقدنا أننا سنخرج من منازلنا مجدداً»، مع التصعيد الإسرائيلي. ونجاة أم لولدين في عمر العاشرة والـ15 سنة، تسكن في بلدة برج الشمالي (صور)، عانت من تجربة النزوح وتضرر منزلها خلال الحرب كمعظم منازل الجنوبيين، تحكي لـ«الشرق الأوسط» كيف يغيب الفرح عن غالبية الناس في الجنوب، وتقول: «نعيش حزناً، ونعاني ظروفاً أمنية ومادية صعبة. زوجي يعمل في أحد المطاعم، وراتبه راهناً لا يكفي حاجياتنا الأساسية، واستهلكنا مدخراتنا خلال فترة النزوح».

وأمام هذا الواقع، تقول: «لن نحتفل بالعيد كذلك لن نشتري ثياباً للعيد، كما اعتدنا أن نفعل في كلّ عام»، وتضيف: «سأشرح لأولادي الأمر وأعتقد أن لديهم من الوعي ما يكفي لفهم ظروفنا أنا ووالدهم هذه المرة».

العيد للأطفال فقط

في المقابل، وكما في كل عام، تستعد فاطمة سبليني لعيد الفطر، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لديَّ ثلاثة أطفال، ولا أريد أن يشعروا بالحزن... يكفي أنهم عاشوا ظروف الحرب وويلاتها، لذا اخترت لهم ملابس عبر تطبيق إلكتروني صيني. كانت الأسعار مرتفعة قليلاً، لكنها مقبولة بالنسبة لي».

تسكن فاطمة بلدة تبنين (قضاء بنت جبيل)، وتعاني راهناً من الوضع الأمني المتقلب لذا تقول: «لا احتفالات في العيد كما اعتدنا سابقاً، نعيش كل يوم بيومه... سيكون هذا العيد للأطفال فقط».

الخوف من التنقل

من جهتها، تروي نسرين، وهي سيدة عشرينية وأم لطفلتين، لـ«الشرق الأوسط»، كيف أن الاستهداف الذي طال قلب مدينة صور، الأسبوع الماضي، أثار قلقها، وهي إلى اليوم لم تتجرأ على النزول إلى السوق وشراء ثياب العيد لطفلتيها. وتقول: «كان زوجي على مقربة من مكان الغارة في صور. أخاف النزول راهناً، لكنني سأترك الأمر إلى قبل يوم أو يومين من العيد، حينها سأكون مضطرة للنزول إلى السوق». وتضيف: «نعيش حالة من القلق والترقب، والخوف من أن يصيبنا مكروه، في حال صودف وجودنا في الأماكن التي يستهدفها الإسرائيلي».

تراجع حركة البيع

ويقصد جنوبيون كثر أسواق صور؛ خصوصاً سوق المدينة القديم وأسواقها الناشئة، كحي الرمل، يأتون من ضواحي صور، وهي اليوم الوجهة الأكبر لأبناء القرى الحدودية، بعد أن تدمرت الأسواق والمحال التجارية هناك، وفيها محال الألبسة والأحذية والذهب وكل ما يحتاج إليه الناس للتبضع، لكنها اليوم تشهد على حركة خجولة مقارنة بالأعوام السابقة.

يُرجع أصحاب المحال التجاريّة تراجع المبيعات إلى أكثر من سبب، أهمها الاستهدافات الإسرائيليّة المستمرة والمتنقلة بين منطقة وأخرى، وكذلك الوجع الذي يعيشه الناس.

التجار متضررون أيضاً

يقول حسين الذي يملك متجراً لبيع الملابس الرجالية في قلب السوق القديم إن «حركة البيع ضعيفة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لكنها أفضل بكثير من الأيام السابقة». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمّة تفاوت في الحركة بين يوم وآخر، لكن بحسب ما يظهره دفتر حسابات المحل، فإنه في مثل هذا اليوم وصلت المبيعات إلى 5 آلاف دولار، واليوم بلغ مجموع مبيعاتي 1200 دولار فقط».

بعض رواد السوق أتى للتبضع، وبعضهم الآخر وجد في الساحة عند مدخل السوق متنفّساً له ولأولاده، يقول أحد الرواد لـ«الشرق الأوسط»: «أتيت إلى هنا، أنا وزوجتي وأولادي الثلاثة كي نرى السوق ونتفرج، ونأكل أكواز الذرة».

على مقربة من أحد متاجر بيع الذهب، تقف سيدة أربعينية تقول لـ«الشرق الأوسط»: «قصدت المتجر هنا لشراء خاتم. فوجئتُ بقلة رواد السوق، ربما بسبب الأوضاع الراهنة». وتختم: «اعتدت أن أرى صور بشكل مختلف تضج فيها الحياة. أعيش في برلين، لكنني أتيتُ لأزور أهلي بعد انتهاء الحرب في بنت جبيل. أتمنى أن تعود الأحوال كما كانت في السابق».

ويختلف المشهد قليلاً، في حي الرمل والكورنيش البحري؛ حيث المطاعم والمقاهي والمتاجر المختلفة، التي تشهد نشاطاً تجارياً مقبولاً.

مواطن لبناني يتفقد أحد المواقع التي تم استهدافها في جنوب لبنان يوم الخميس (أ.ف.ب)

حال السوق اليوم تختلف عما كانت قبل الحرب

وعن حال الأسواق في صور، يقول أمين سر جمعية تجار صور، غزوان حلواني، لـ«الشرق الأوسط»: «كانت أسواق المدينة تشهد ذروة الانتعاش في ليالي رمضان، خصوصاً في الأسبوع الأخير قبل عيد الفطر، ولكن حال السوق اليوم لا تشبه حالها ما قبل الحرب؛ خصوصاً بعد الضربة التي تلقتها المدينة قبل أيام».

ويضيف: «المدينة كانت قد بدأت لملمة جراحها، بعد تضرر المصالح الاقتصادية فيها. وكنا نأمل بموسم صيف واعد بعد عودة المغتربين، لكن التصعيد الإسرائيلي في الجنوب أربك كل لبنان، وخصوصاً الجنوب، فباتت الحركة خجولة، لكنها في اليومين الأخيرين، بدأت تشهد انتعاشاً، ولو أنه ليس على المستوى المطلوب، لكنه يعد إنجازاً في ظل كل الظروف التي يعيشها الناس هنا».

وكانت الجمعية قد ألغت حفل افتتاح الأسواق الذي كان مقرراً يوم الاثنين في 24 مارس (آذار)، بسبب الاستهداف الإسرائيلي للمدينة، الذي أسفر عن سقوط مدنيين وعدد من الجرحى، على أن تبقى الأسواق مفتوحة كما كانت طيلة شهر رمضان المبارك وحتّى عيد الفطر.


مقالات ذات صلة

لبنان يترقب تداعيات المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية

المشرق العربي المفتي دريان يستقبل السفير بخاري في «دار الفتوى» (المركزية)

لبنان يترقب تداعيات المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية

شدد سفير السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، على «أهمية نأي لبنان بنفسه عما يحصل» من حرب بين إيران وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أشخاص بجانب لافتة تحمل صورة حسن نصر الله بأحد شوارع طهران (رويترز)

«حزب الله» يلوّح بالقتال مجدداً

عاد «حزب الله» للتلويح بالعودة إلى القتال مرة جديدة في خضم المواجهات الدائرة بين إسرائيل وإيران.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي صواريخ دفاع جوي تعترض مقذوفات إيرانية فوق تل أبيب (د.ب.أ)

أجواء لبنان ساحة لقدرات الهجوم والدفاع بين إسرائيل وإيران

يشاهد اللبنانيون بشكل متغيّر منذ ليل الجمعة الماضي، أشكالاً متعددة من المقذوفات تلتقي مع بعضها قرب الحدود الجوية مع لبنان.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي صواريخ دفاع جوي إسرائيلية تعترض صواريخ إيرانية فوق الأراضي اللبنانية (المركزية)

اللبنانيون يوثقون الاشتباك الصاروخي الإيراني - الإسرائيلي فوق أراضيهم

تحولت مشاهدة الاشتباك بين صواريخ إيران وإسرائيل، إلى ظاهرة تجمّع الآلاف منهم ليلياً على أسطح المنازل والمباني، لمراقبة الصواريخ والمسيرّات الإيرانية واعتراضاتها

يوسف دياب (بيروت)
الاقتصاد لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)

الحرب الإيرانية - الإسرائيلية تعرقل الموسم السياحي في لبنان

أطاحت الحربُ الإيرانية - الإسرائيلية كلَّ الجهود التي تُبذل منذ أسابيع لضمان موسم سياحي غير مسبوق منذ سنوات في لبنان.

بولا أسطيح (بيروت)

قوات كردية قلقة من انسحاب أميركا من قاعدتين إضافيتين

القوات الأميركية في قاعدة «خراب جير» الواقعة بريف بلدة رميلان النفطية شمال شرقي سوريا (أرشيفية)
القوات الأميركية في قاعدة «خراب جير» الواقعة بريف بلدة رميلان النفطية شمال شرقي سوريا (أرشيفية)
TT

قوات كردية قلقة من انسحاب أميركا من قاعدتين إضافيتين

القوات الأميركية في قاعدة «خراب جير» الواقعة بريف بلدة رميلان النفطية شمال شرقي سوريا (أرشيفية)
القوات الأميركية في قاعدة «خراب جير» الواقعة بريف بلدة رميلان النفطية شمال شرقي سوريا (أرشيفية)

أفاد مراسلو وكالة «رويترز»، بأن القوات الأميركية انسحبت من قاعدتين إضافيتين في شمال شرقي سوريا، ما يُسرع من وتيرة تقليص عدد القوات التي وصفها قائد قوات كردية سورية مدعومة من الولايات المتحدة، بأنها تسمح بعودة تنظيم «داعش».

ووجد مراسلو «رويترز»، الذين زاروا القاعدتين الأسبوع الماضي، أنهما مهجورتان في الغالب، وتحرسهما وحدات صغيرة من «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي مجموعة عسكرية يقودها الأكراد، ودعمتها واشنطن في الحرب ضد تنظيم «داعش» لمدة 10 سنوات. وأزيلت الكاميرات المستخدمة في القواعد التي تُقيم فيها قوات التحالف العسكري، الذي تقوده الولايات المتحدة، كما بدأت الأسلاك الشائكة على المحيط الخارجي تنثني.

وصرح سياسي كردي يُقيم في إحدى القواعد بأنه لم يعد هناك أي جنود أميركيين. وقال حراس «قوات سوريا الديمقراطية» في القاعدة الثانية إن القوات غادرت مؤخراً، لكنهم رفضوا تحديد موعد ذلك، ورفض البنتاغون التعليق.

ويُعد هذا أول تأكيد ميداني من صحافيين على انسحاب الولايات المتحدة من قاعدتي «الوزير» و«تل بيدر» في محافظة الحسكة. وبذلك، يرتفع عدد القواعد التي غادرتها القوات الأميركية في سوريا منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه إلى 4 قواعد على الأقل.

أرشيفية لقافلة للقوات الأميركية على الحدود بين سوريا والعراق (رويترز)

وكانت إدارة ترمب قد صرحت هذا الشهر بأنها ستُخفض وجودها العسكري في سوريا إلى قاعدة واحدة من 8 قواعد في أجزاء من شمال شرقي سوريا تُسيطر عليها «قسد».

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في أبريل (نيسان)، أن عدد القوات قد ينخفض ​​من 2000 إلى 500 جندي في عملية الانسحاب. ولم تُجب «قوات سوريا الديمقراطية» عن الأسئلة حول العدد الحالي للقوات والقواعد الأميركية المفتوحة في شمال شرقي سوريا.

لكن قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، مظلوم عبدي، الذي تحدّث لـ«رويترز» في قاعدة أميركية أخرى، (الشدادي)، قال إن وجود بضع مئات من الجنود في قاعدة واحدة «لن يكون كافياً» لاحتواء تهديد التنظيم. وتابع: «لقد تصاعد تهديد التنظيم بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، لكن هذه هي خطة الجيش الأميركي، ونحن على علم بها منذ فترة طويلة. نعمل معهم لضمان عدم وجود ثغرات، والحفاظ على قدرتنا في مواصلة الضغط على التنظيم».

مظلوم عبدي

وتحدّث عبدي لـ«رويترز» يوم الجمعة، بعد ساعات من شن إسرائيل حربها الجوية على إيران، ورفض التعليق على كيفية تأثير الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الجديدة على سوريا، قائلاً ببساطة إنه يأمل ألا تمتد إلى هناك، وأنه يشعر بالأمان في قاعدة أميركية.

وبعد ساعات من المقابلة، استهدفت 3 صواريخ إيرانية الصنع قاعدة «الشدادي»، وأسقطتها أنظمة الدفاع الأميركية، وفقاً لمصدرين أمنيين من «قوات سوريا الديمقراطية».

وأوضح عبدي أن خلايا تنظيم «داعش» باتت تنشط في عدد من المدن السورية، من بينها دمشق، مشيراً إلى أن مجموعة من الجهاديين الأجانب، الذين سبق أن قاتلوا إلى جانب فصائل ضد النظام السوري، انضموا مؤخراً إلى صفوف التنظيم. ولم يُدلِ بمزيد من التفاصيل.

وقال إن «داعش» استولى على أسلحة وذخيرة من مستودعات النظام السوري خلال الفوضى التي أعقبت سقوط الأسد.

عربات أميركية في دورية عسكرية تَعبر حقول رميلان النفطية بريف المالكية شمال شرقي سوريا (أرشيفية)

وصرح عدد من المسؤولين الأكراد لـ«رويترز» بأن «داعش» بدأ بالفعل التحرك بحرية أكبر حول القواعد الأميركية التي أُغلقت مؤخراً، بما في ذلك بالقرب من مدينتي دير الزور والرقة، اللتين كانتا معقلين للجماعة المتطرفة.

وقال عبدي، إن «داعش» شنّ سلسلة من الهجمات في المناطق التي تُسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» شرق نهر الفرات، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 من مقاتليها وقوات الأمن. وشملت الهجمات قنبلة مزروعة على جانب الطريق استهدفت قافلة من ناقلات النفط على طريق بالقرب من القاعدة الأميركية حيث أجرى المقابلة.