سكان جنوب لبنان يخشون عودة الحرب والنزوح مجدداً

مع التصعيد الإسرائيلي الذي تشهده المنطقة الحدودية

لبنانيون يقفون عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية إثر التصعيد الذي شهدته المنطقة يوم السبت (رويترز)
لبنانيون يقفون عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية إثر التصعيد الذي شهدته المنطقة يوم السبت (رويترز)
TT
20

سكان جنوب لبنان يخشون عودة الحرب والنزوح مجدداً

لبنانيون يقفون عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية إثر التصعيد الذي شهدته المنطقة يوم السبت (رويترز)
لبنانيون يقفون عند الحدود اللبنانية - الإسرائيلية إثر التصعيد الذي شهدته المنطقة يوم السبت (رويترز)

يعيش غالبيّة سكان جنوب لبنان حالة من القلق والخوف من أن تكون جولات القصف العنيفة التي شنها الجيش الإسرائيلي وطالت بلدات عدّة، مقدمة لنشوب حرب جديدة بين «حزب الله» وإسرائيل، يُرغم خلالها الناس على ترك منازلهم وبلداتهم وخوض تجربة النزوح مجدداً بكل معاناتها، بعدما أعاد بعضهم ترتيب أمور حياته، وترميم منزله واستأنف حياته بشكل طبيعي.

لبنانيون يتفقدون الدمار الذي أصاب مبنى في بلدة تولين الجنوبية جراء قصف إسرائيلي استهدفها يوم السبت (د.ب.أ)
لبنانيون يتفقدون الدمار الذي أصاب مبنى في بلدة تولين الجنوبية جراء قصف إسرائيلي استهدفها يوم السبت (د.ب.أ)

وتقول سمر أبو زيد: «السبت عشنا يوماً مخيفاً وحالة من الرعب من أن تتصاعد الأمور أكثر. لن نكذب ونقول إننا اعتدنا القصف، وإن أصوات الطيران الحربي لا تخيفنا، فنحن نعيش حالة رعب دائمة».

سمر التي تسكن مع أطفالها الخمسة في بلدة كفرا الجنوبية، (قضاء بنت جبيل)، كانت قد عاشت معاناة النزوح خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وتعيش اليوم قلق النزوح مجدداً والوجهة التي قد تقصدها في حال اضطرت إلى الهروب.

وتقول: «إلى أين سنذهب أنا وعائلتي؟ هذا أول ما خطر في بالي، خصوصاً أن ظروفنا لا تسمح بذلك؛ إذ بدأنا مجدداً من الصفر بعد انتهاء الحرب بسبب تضرر عمل زوجي، وحتّى اليوم لم نحصل على تعويض من أي جهة».

وتضيف: «قد يكون ما حصل يوم السبت تصعيداً كبيراً، لكن القصف الإسرائيلي لم يتوقف رغم اتفاق وقف إطلاق النار. ربما الذي اختلف أمس (السبت) أن الهجمات كانت مكثفة ومتتالية، لكن دوامة العنف لم تنته، ونعيشها يومياً».

وكان الجنوب قد شهد السبت تصعيداً أمنياً إثر إطلاق 5 صواريخ باتجاه إسرائيل، ورد الجيش الإسرائيلي بغارات عنيفة ومكثفة على مناطق عدّة في الجنوب والبقاع، وكان لافتاً استهداف قلب مدينة صور لأول مرة منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار، وأسفرت الغارات عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 40 بجروح، وفق آخر إحصاءات وزارة الصحة اللبنانية.

وكان «حزب الله» قد أصدر بياناً نفى فيه إطلاقه الصواريخ، مؤكداً التزامه باتفاق وقف إطلاق النار، داعياً الدولة اللبنانية لمعالجة هذا التصعيد.

الخوف من النزوح

وكما سمر، عاشت سكينة، وهي سيدة ثلاثينية وأم لطفلين، الخوف نفسه. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت في منزلي حين بدأت الموجة الأولى من الضربات، عند ساعات الظهر الأولى. شعرت بالخوف والضياع، خصوصاً حين بدأ أولادي البكاء والصراخ».

تسكن سكينة في حومين (النبطية). لم تكن الضربات قريبة جداً من منزلها، ولكن الأصوات كانت جداً قوية، وفق ما تقول.

ويوم السبت، استعاد أهالي الجنوب، مشهد يوم الاثنين 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، حين توسّعت الحرب، وخرج الأهالي من منازلهم، وهم لا يعرفون وجهة هروبهم، وهو ما تتحدث عنه سكينة قائلة: «تذكرت ذلك اليوم بكل تفاصيله، وأحداثه، عادت إليّ مشاعر الخوف نفسها، وكان كلّ همي: كيف أحمي أولادي ولا أدع الخوف يسيطر عليهم. واليوم عاشوا خوفاً مماثلاً؛ لم أتمكن من التخفيف عنهم».

لكن رغم ذلك، فإنه لم يخطر على بال سكينة الخروج من منزلها إلى مكان أكثر أماناً، تقول: «عانينا كثيراً عندما هُجّرنا من منازلنا. عشت النزوح من مكان إلى آخر، ولمرات كثيرة، وكانت ظروفنا صعبة للغاية».

وهي تتحدث عن تجربة النزوح وتفاصيل حُفرت في ذاكرتها، تقول: «أخاف أن يتكرر اختبار النزوح الصعب... وأكثر من ذلك، هذه المرة بتنا نقول: الموت داخل منازلنا سيكون أهون علينا من تجربة النزوح المُرّة».

ولا يختلف حال الشابة اللبنانية مهى (25 سنة)، وهي من بلدة الدوير بقضاء النبطية، فتقول: «عدنا بذاكرتنا إلى يوم الاثنين المشؤوم (23 سبتمبر 2024). شعرت أن قلبي سيتوقف عن الخفقان. أعصابي كانت مشدودة. قفزت مرات من مكاني على وقع الغارات، وكذلك فعل إخوتي، بشكل لا إرادي، ربما كنا نغير أماكننا تحسباً من أن يسقط سقف المنزل على رؤوسنا. لا أدري لماذا، هذا أثر الخوف؛ لا شيء آخر».

وتروي مهى لـ«الشرق الأوسط» كيف سيطر عليها شعور غريب من الخوف والضياع في آن... «وحده الانتظار كان سيد الموقف، علماً بأن الضربات الإسرائيلية أصابت أهدافاً في محيط النبطية، وليس على البلدة نفسها».

وعن تفاصيل يوم السبت، الذي وافق 22 من شهر رمضان المبارك والعائلة كلها صائمة، تقول: «عشنا ساعات من النقاش بين أفراد العائلة عن خيار الخروج من المنزل وتركه في حال اشتد القصف. سيطر علينا الخوف، وانقسمنا بين مؤيد لفكرة الهروب ومعارض لها، وانتهى بنا الأمر مسمّرين على هواتفنا نتابع الأخبار لحظة بلحظة».

وتتحدث عن مخاوفها، التي تشترك فيها مع غالبية الجنوبيين، وتقول: «نخاف من تكرار تجربة النزوح مرة أخرى، بكل مآسيها وصعوباتها، كما نخاف من أن نخسر أفراداً من عائلاتنا. لم تعد لدينا قدرة على تحمل كل هذا الكم من التعب. لا قدرة لنا حقاً على ذلك».

وتضيف: «ما زلنا نعيد ترتيب أمور منزلنا، وكذلك حياتنا. نحن اليوم في شهر الصوم. سيكون صعباً علينا لو أننا خرجنا من منازلنا ونحن صائمون، ومن ثمّ، لم تنته الحرب بعد... نعيش يومياً استهدافات وغارات إسرائيلية».


مقالات ذات صلة

واشنطن تضغط على بيروت لإبرام اتفاق مع تل أبيب

المشرق العربي 
أورتاغوس نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي في القصر الرئاسي اللبناني خلال زيارتها الأخيرة (أ.ب)

واشنطن تضغط على بيروت لإبرام اتفاق مع تل أبيب

قال مصدر لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن الولايات المتحدة تدفع لبنان لاتفاق مع إسرائيل، يكون «أقل من التطبيع» و«أكبر من اتفاقية الهدنة»، موضحاً أن المقصود به يكمن.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي نازحون سوريون لجأوا إلى مدرسة في قرية المسعودية بمنطقة عكار شمال لبنان... 19 مارس 2025 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: 21 ألف شخص فروا من سوريا إلى لبنان مطلع مارس

قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اليوم (الثلاثاء)، إن أكثر من 21 ألف شخص فروا من الأعمال العدائية في سوريا هذا الشهر بحثاً عن الأمان في لبنان المجاور.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سلام يستمع إلى شروحات في مطار القليعات بشمال لبنان (رئاسة الحكومة)

سلام يتعهد بضبط الأمن في شمال لبنان ومكافحة التهريب

تعهد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام بالحفاظ على الأمن وضبط الاستقرار بمدينة طرابلس في الشمال كما شدّد على ضرورة ضبط الحدود ومكافحة التهريب

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي من عمليات فرز الأصوات في الانتخابات السابقة (أرشيفية - أ.ب)

هل يُحرم المغتربون اللبنانيون من مقاعدهم في برلمان 2026؟

من أبرز التعديلات المطروحة الإطاحة بما يلحظه لجهة تخصيص 6 مقاعد للمغتربين، سيشكلون دائرة انتخابية إضافية تُضاف إلى الدوائر الـ15 المعتمدة.

بولا أسطيح (بيروت)
تحليل إخباري مورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط في القصر الرئاسي اللبناني (أ.ب)

تحليل إخباري إسرائيل تضغط لبنانياً لاتفاق أكبر من الهدنة... وأقل من التطبيع

يترقب لبنان الرسمي الزيارة الموعودة من مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، إلى بيروت، بعد انتهاء عطلة عيد الفطر المبارك.

محمد شقير (بيروت)

نتنياهو يهدد بالسيطرة على غزة... و«حماس» تحذر من استعادة الرهائن «في توابيت»

فلسطينية تبكي قريبها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بمستشفى الأهلي العربي بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي قريبها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بمستشفى الأهلي العربي بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT
20

نتنياهو يهدد بالسيطرة على غزة... و«حماس» تحذر من استعادة الرهائن «في توابيت»

فلسطينية تبكي قريبها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بمستشفى الأهلي العربي بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينية تبكي قريبها الذي قُتل في قصف إسرائيلي بمستشفى الأهلي العربي بمدينة غزة (أ.ف.ب)

حذّرت حركة «حماس» إسرائيل، اليوم الأربعاء، من أن الرهائن المحتجَزين في قطاع غزة سيعودون «قتلى في توابيت»، في حال واصلت الدولة العبرية استخدام القوة، بعد استئناف هجماتها على القطاع، بينما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل ستسيطر على قطاع غزة إذا رفضت حماس إطلاق سراح الرهائن

وعَدَّت الحركة، في بيان، أن العودة إلى الحرب، بعد قرابة شهرين من وقف إطلاق النار في غزة، «كان قراراً مُبيَّتاً عند (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو؛ لإفشال الاتفاق»، مُحذّرة من أنه «كلما جرّب الاحتلال استعادة أَسراه بالقوة، عاد بهم قتلى في توابيت»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولقي ما يقرب من 700 فلسطيني حتفهم، منذ استئناف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، الأسبوع الماضي، وفق السلطات الصحية بالقطاع.

ونشرت «حركة حماس» مقطع فيديو يظهر فيه أسيران إسرائيليان، في خطوةٍ قد تُلقي بظلالها على الجهود المتعثرة لاستئناف الهدنة، خصوصاً مع اقتراب عيد الفطر، حيث تُسابق جهود الوساطة الزمن لوقف الحرب والعودة للتهدئة.

وبعد ساعات قليلة من مقطع مصوّر نشرته «حماس» للأسيرين الإسرائيليين إلكانا بوحبوط ويوسف حاييم يدعوان خلاله لوقف إطلاق النار وإطلاق سراحهما، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في كلمة، الثلاثاء، بالتوسع في احتلال أراض بغزة، إذا استمرت الحركة في رفض تسليم الرهائن، بعدما صادَق على خطط عملياتية في غزة، وفق ما أفادت إذاعة جيش الاحتلال.

بينما قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، في مؤتمر بتل أبيب، الثلاثاء: «أنا مصدوم حقاً كيف أن قضية الرهائن لم تعد في قمة أولوياتنا»، مضيفاً: «يجب علينا... ألا نفقد التركيز (...) على كل ما يتعلق بإعادة الرهائن إلى ديارهم، حتى آخِر واحد منهم»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وناشدت عائلة بوحبوط، في بيان، عقب الفيديو، نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب الإفراج عن الرهائن، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عَدّ الفيديو «حرباً نفسية»، مؤكداً أن «المقاطع المصوَّرة للأسرى بغزة تُعزز لديَّ الإصرار من أجل إعادتهم، وتحرير المخطوفين يتحقق بالضغط العسكري والسياسي معاً».

وميدانيًا، أكد الجيش الإسرائيلي الأربعاء رصد صاروخين أطلقا من وسط قطاع غزة فوق الأراضي الإسرائيلية وأنه اعترض أحدهما.
ومن جهتها، أفادت وسائل إعلام فلسطينية في ساعة مبكرة من يوم الأربعاء بمقتل ثمانية أشخاص في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في شمال قطاع غزة.
وقال «تلفزيون الأقصى» إن خمسة أطفال بين القتلى الذين سقطوا إثر استهداف المنزل في بلدة جباليا البلد، مضيفا أن عددا آخر من الأشخاص أصيبوا أيضا.
ولقي ما يقرب من 700 فلسطيني حتفهم منذ استئناف إسرائيل لهجماتها على قطاع غزة الأسبوع الماضي، بحسب السلطات الصحية في القطاع.