سوريا «الهشة» تحت ضغط العقوبات والاعتداءات الإسرائيلية

واشنطن ترى تغيراً في الشرع وتتحدث عن إمكان التطبيع بين دمشق وتل أبيب

دبابة إسرائيلية تدخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا قرب بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل في 17 مارس 2025 (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية تدخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا قرب بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل في 17 مارس 2025 (إ.ب.أ)
TT

سوريا «الهشة» تحت ضغط العقوبات والاعتداءات الإسرائيلية

دبابة إسرائيلية تدخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا قرب بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل في 17 مارس 2025 (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية تدخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا قرب بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل في 17 مارس 2025 (إ.ب.أ)

منذ سقوط نظام الأسد، عمدت إسرائيل إلى تسخين الجنوب السوري، سواء بتوجيه ضربات عسكرية داخل الأراضي السورية، أو في توغلات متواصلة، أو في استغلال الانقسامات الداخلية في السويداء. في وقت بدأت فيه الإدارة الأميركية ترسل إشارات تتعلق بتظهير موقفها من السلطة الجديدة «الهشة» نوعاً ما في دمشق، والتلويح بتخفيف العقوبات عن سوريا، بالتوازي مع طروحات حول إمكانية «التطبيع مع إسرائيل».

وشهد حوض اليرموك، جنوب سوريا، فجر السبت، توغلاً لآليات وعربات تتبع القوات الإسرائيلية في الأطراف الشمالية لقرية معرية في ريف درعا الغربي، وذلك بعد إطلاق القوات الإسرائيلية المتمركزة في ثكنة الجزيرة العسـكرية على أطراف القرية قنابل مضيئة في سماء المنطقة، في محيط قريتي معرية وعابدين، وفق ما أفاد به موقع «درعا 24»، الذي رصد تحليقاً لطيـران الاستطلاع الإسـرائيـلي يحلق في سماء الجنوب السوري. فيما أفادت تقارير أخرى بتوغل القوات الإسرائيلية في بلدة الرفيد وقرية العشة بريف القنيطرة، ووصل رتل عسكري إلى تل الأحمر الغربي في محافظة القنيطرة.

دبابات وجرافة إسرائيلية على مشارف مدينة القنيطرة السورية 19 مارس 2025 (أ.ف.ب)

استهدفت إسرائيل، فجر السبت، مطار تدمر العسكري وسط البادية السورية، بغارات جوية، وفق ما أفادت به «الإخبارية» السورية الرسمية، وأسفرت الغارة عن إصابة عنصرين من «الفرقة 42» من جراء هذه الغارات، كما تم استهداف برج المراقبة وكتيبة صواريخ ومستودع أسلحة داخل مطار «تي فور» ونقاط كانت تتبع للميليشيات الإيرانية في عهد النظام السابق. وأكد الجيش الإسرائيلي، استهداف «قدرات عسكرية استراتيجية» في قاعدتين بريف حمص وسط سوريا.

إشارات أميركية

رأى المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، في مقابلة مع الصحافي الأميركي، تاكر كارلسون، أن الرئيس السوري أحمد الشرع تغير. وقال إن هناك مؤشرات تفيد بأن الرئيس الشرع «لم يعد كما كان في السابق»، مضيفاً أن «الناس يتغيرون، وأنا شخصياً لست كما كنت قبل 30 عاماً، وربما الشرع كذلك».

دمار أحدثته غارة إسرائيلية على مدينة درعا السورية في 18 مارس 2025 (أ.ف.ب)

وقال ويتكوف إن تطبيع العلاقات بين لبنان وإسرائيل، ثم بين سوريا وإسرائيل «يمكن أن يكون جزءاً من عملية أوسع نطاقاً لإحلال السلام في المنطقة»، موضحاً أن إسرائيل تتحرك داخل لبنان وسوريا، وأنها «تسيطر عليهما ميدانياً». معتبراً أن هذه السيطرة تفتح الباب أمام تطبيع شامل في حال تم القضاء على الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران.

الباحث السياسي السوري، علي العبد لله، رأى في تصريح ويتكوف المتعلق بأن التطبيع بات «احتمالاً حقيقياً» بأنه «إعلان موقف» أكثر منه «تقديراً للموقف»، وهذا «تعبير عن توجه أميركي لصياغة الشرق الأوسط من ضمن تصور شامل لصياغة التوازنات في أكثر من إقليم»، وذلك للتفرغ لمواجهة الصين في مجالات السياسة والاقتصاد، خاصة التقنيات الدقيقة، من خلال السيطرة على المواد الخامة النادرة المهمة في هذا المجال، وعلى الممرات المائية لتطويق الصين والحد من تمددها الجيوسياسي والاقتصادي.

وأكد العبد الله أنه «في هذا السياق يأتي الحديث عن تطبيع سوريا ولبنان مع إسرائيل كدعوة واستثمار للظروف القائمة، خاصة حاجة سوريا لرفع العقوبات الأميركية؛ لأن بقاءها يمنع الدول الأخرى من التعامل مع سوريا والاستثمار فيها، ما يبقيها مدمرة وعاجزة عن تلبية متطلبات الحياة والاستمرار».

وعن قراءته لموقف السلطة السورية الجديدة، قال العبد لله: «إنها محشورة بين حاجتها لرفع العقوبات ووقف التغول الإسرائيلي في الجنوب واسترضاء قاعدتها السياسية، ناهيك عن حساب الموقف الشعبي الذي لا يزال يعتبر إسرائيل عدواً قومياً»، مرجحاً «بحثها عن مخرج يتقاطع مع هذه العوامل، ويخفف من ثقلها في الوقت نفسه».

قوة إسرائيلية متموضعة على مشارف مدينة القنيطرة السورية في 19 مارس 2025 (أ.ف.ب)

وحتى الآن تلتزم سلطة الشرع بتعهدها بألا تمثل تهديداً لدول الجوار، من دون إبداء موقف بشأن التطبيع مع إسرائيل، حيث لا تزال تتجنب الاستفزازات الإسرائيلية، وتأكيد تمسكها باتفاق 1974 لفض الاشتباك، وإبلاغ الأمم المتحدة بالتجاوزات الإسرائيلية والمطالبة بردعها. فيما تطالب برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا التي لا تزال تشكل عائقاً كبيرا أمام عملية إعادة الاستقرار في ظل واقع داخلي شديد الهشاشة.

وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، قالت، الجمعة، إن من المتوقع تخفيف العقوبات بما يخص التحويلات المالية، مؤكدة أن بلادها لا تنوي حالياً إلغاء العقوبات، وأنها ستراقب تصرفات الإدارة السورية الجديدة في الوقت الذي تحدد فيه سياساتها تجاه الحكومة بدمشق.

وتفرض أميركا والدول الأوروبية عقوبات على سوريا، منذ عام 2011، على خلفية استخدام النظام السابق العنف المفرط في قمع الاحتجاجات ضده، وبعد سقوط النظام ربط الجانبان الأميركي والأوروبي رفع العقوبات بسلوك السلطة الجديدة.

وجددت واشنطن دعوتها لدمشق بتشكيل حكومة شاملة بقيادة مدنية في سوريا، وفق ما أشارت إليه بروس، التي دعت إلى تشكيل حكومة شاملة يقودها مدنيون يمكنها ضمان أن تكون المؤسسات الوطنية فعالة وسريعة الاستجابة وتمثيلية.

سوريون يرفعون الركام من موقع استهدفته غارة إسرائيلية في مدينة درعا في 18 مارس 2025 (إ.ب.أ)

توتر في السويداء

في محافظة السويداء، اندلعت اشتباكات مسلحة ليل الجمعة - السبت قريباً من حي العشائر في مدينة «شهبا»، وقالت مصادر محلية في السويداء لـ«الشرق الأوسط» إن التوترات لم تهدأ في المحافظة، وأشارت المصادر إلى أن التباين في المواقف من الحكومة بدمشق، المتعقلة بالإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية، ومسألة تسليم السلاح، «ما زال يولد الاحتقان الذي ينذر بمزيد من التصادمات والانقسام». وأكدت المصادر أن جهوداً أهلية تبذل لمنع انفجار التوتر، رغم محاولات بعض الأطراف تفجيرها مع مواصلة الضغط وتأجيج الخلافات.

وكان مركز إعلام السويداء ذكر، في وقت سابق، أن الأمن العام قام، الجمعة، بتأمين طريق دمشق - السويداء بشكل كامل، وذلك عقب إغلاقه من قبل مجموعة من أهالي المنطقة؛ احتجاجاً على حادثة وقعت، الثلاثاء الماضي، في السويداء. وتحرك عدة جهات في السويداء لتهدئة الأوضاع وضمان استقرار المنطقة.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السوري: قرار ترمب رفع العقوبات «نقطة تحوّل محورية»

المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (رويترز)

وزير الخارجية السوري: قرار ترمب رفع العقوبات «نقطة تحوّل محورية»

قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات «نقطة تحوّل محورية» لسوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن الاثنين تصريحات حول سوريا وإيران وإسرائيل خلال مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض (رويترز)

لقاء ترمب بالشرع أول قمة أميركية - سورية في ربع قرن

يلتقي الرئيس دونالد ترمب، الأربعاء، في السعودية والرئيس السوري أحمد الشرع، الذي قاد العام الماضي الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد ونظامه.

«الشرق الأوسط» (الرياض - لندن)
الخليج الرئيس السوري أحمد الشرع (رويترز) play-circle

البيت الأبيض: ترمب يلتقي الشرع الأربعاء في السعودية

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيلتقي غدا الأربعاء في السعودية الرئيس السوري أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - الرياض)
المشرق العربي مطالبات بتشكيل مكتب لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين في ليبيا والعراق ولبنان

مطالبات بتشكيل مكتب لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين في ليبيا والعراق ولبنان

قالت المصادر لـ(الشرق الأوسط)، ان هناك مطالبات شعبية بتشكيل مكتب خاص يتابع شؤون اللاجئين وغيرهم من العالقين في تلك الدول يعمل على إجلائهم.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي استخراج رفات خلال البحث داخل موقع مقبرة جماعية شمال سوريا يوم 7 سبتمبر 2019 في الرقة عاصمة تنظيم «داعش» آنذاك (أ.ب)

«شبكة حقوق الإنسان»: مقتل واختفاء 11 مواطناً أميركياً خلال النزاع في سوريا

تقرير من «الشبكة السورية» يفيد بمقتل واختفاء 11 مواطناً أميركياً خلال النزاع في سوريا، معظمهم قضوا على يد نظام الأسد وتنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)

مقتل فلسطينيين في اشتباكات بين أجهزة الأمن ومسلحين في الضفة

جندي إسرائيلي يسير في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (رويترز)
جندي إسرائيلي يسير في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (رويترز)
TT

مقتل فلسطينيين في اشتباكات بين أجهزة الأمن ومسلحين في الضفة

جندي إسرائيلي يسير في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (رويترز)
جندي إسرائيلي يسير في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (رويترز)

كشف المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، عن أن فلسطينيين قتلا في اشتباكات مع مسلحين في الضفة الغربية في واقعتين منفصلتين، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأضاف أنور رجب المتحدث باسم الأجهزة الأمنية في بيان: «في أثناء قيام قوة أمنية بعملية اعتقال أحد المطلوبين الخارجين على القانون في محافظة طوباس، تفاجأت القوة بتعرضها لإطلاق نار مباشر من الخارجين على القانون، ما شكل تهديداً حقيقياً لحياة أفراد القوة وأمن المواطنين في المنطقة».

وتابع قائلاً: «أمام هذا الخطر المباشر، اضطرت القوة الأمنية إلى الرد على مصدر النيران، وفقاً لقواعد الاشتباك المعتمدة، ما أسفر عن إصابة أحد مطلقي النار، الذي تبين لاحقاً أنه أحد رموز حالة الفلتان الأمني في المنطقة، وقد فارق الحياة متأثراً بإصابته».

وأوضح أنه خلال مداهمة قوات الأمن للحي الشرقي في مدينة جنين جرى اشتباك مع عدد من المسلحين.

وأفاد: «خلال تبادل إطلاق النار أصيب المواطن فيصل خليل سباعية (65 عاماً) في الرأس برصاص الخارج على القانون في أثناء وجوده في المنطقة، وتم نقله إلى مستشفى جنين الحكومي، حيث أعلن عن وفاته لاحقاً متأثراً بإصابته، كما أصيبت في المكان نفسه طفلة بشظية بالرجل حيث أعلن أن وضعها جيد ومستقر ولا خطورة عليها».

ونددت حركة «حماس» بمقتل المواطنين وقالت في بيان لها: «إن هذه اللامبالاة والتمادي الفج في سفك الدم الفلسطيني على يد من يُفترض بهم حمايته، لا يمكن أن يفهما إلا أنهما استهتار صارخ بكل المعايير الأخلاقية والإنسانية لدى قادة وعناصر هذه الأجهزة».

ودعت الحركة «إلى التحقيق الفوري والعادل في جميع الانتهاكات والجرائم المرتكبة على يد أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، وإلى ضرورة الإسراع في محاسبة المتورطين كافة في هذه الجرائم بمختلف مستوياتهم».