في الوقت الذي تعيش فيه بغداد طقساً شديد البرودة وصلت فيه درجات الحرارة إلى الصفر، تشتعل الأجواء السياسية بالشائعات والتوتر منذ عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة الأميركية.
وبينما تتابع بغداد الرسمية بقلق وترقب خطوات الإدارة الأميركية الجديدة، تسعى لاستكشاف آفاق التفاهم معها، خصوصاً في ظل التصعيد الإقليمي المتصاعد على مختلف الجبهات، بما فيها الجبهة الإيرانية وانعكاساتها على العراق.
ويتجلى هذا التصعيد في قضايا مثل وقف استيراد الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة في العراق، والموقف من الفصائل المسلحة. وشهد الأسبوع الماضي سلسلة أحداث عززت حدة التوتر السياسي، ليصبح التصعيد بين مختلف القوى والأطراف العراقية هو العنوان الأبرز للمشهد.
مكالمة روبيو والسوداني
بعد نحو شهر ونصف الشهر من تولي إدارة ترمب السلطة، أجرى وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أول مكالمة مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني. وكان من المتوقع أن تحسم هذه المكالمة الجدل حول مستقبل العلاقة بين البلدين، لكنها زادت الأمور تعقيداً، وفتحت المجال لمزيد من التأويلات والتصريحات من كبار المسؤولين العراقيين بشأن طبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن.
وبينما أصدرت بغداد بياناً رسمياً حول فحوى المكالمة بين السوداني وروبيو، نشرت واشنطن رواية مختلفة حملت تهديدات صريحة لإيران، بل إن البيان الأميركي ذهب إلى حد وصف دور إيران في المنطقة بـ«الخبيث»، وهو تعبير لم يرد في النسخة العراقية من البيان.
رسالة غامضة
رغم تباين وجهات النظر بين بغداد وواشنطن بشأن الملفات العالقة، لا سيما العلاقة مع إيران، يرى المراقبون في العاصمة العراقية أن هذا التباعد قد يكون مقدمة لقطيعة بين إدارة ترمب والحكومة العراقية، ما لم تحسم الأخيرة موقفها بوضوح. غير أن اتخاذ قرار حازم في هذا الشأن يبدو مهمة شديدة التعقيد.
وبينما انشغلت النخب السياسية بتحليل الرسالة الأميركية الغامضة التي حملها روبيو في مكالمته مع السوداني، وما إذا كان تباين بيانات الجانبين يعكس اختلافاً في المواقف، تمر الدبلوماسية بين بغداد وواشنطن بمرحلة انتقالية بين إدارتين. فالسفيرة السابقة، ألينا رومانسكي، كانت على تواصل مستمر مع المسؤولين العراقيين، في حين أن السفيرة الجديدة لم تتسلّم منصبها بعد، مما جعل الاتصال بين البلدين مقتصراً على المكالمة الوحيدة بين وزير الخارجية الأميركي ورئيس الوزراء العراقي.
سوق التأويلات السياسية
ووسط تصاعد التكهنات حول خطوات الإدارة الأميركية الجديدة في العراق، شكّل اقتحام قوة أميركية لمطار النجف الدولي تطوراً غير مسبوق. ورغم تقليل الحكومة العراقية من أهمية الحادث، ونفيها ما أُشيع عن اعتقال قائد «الحشد الشعبي» فالح الفياض، وزعيم منظمة «بدر» هادي العامري، فإن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وصفه بأنه «انتهاك للسيادة الوطنية».
وأثارت عملية الاقتحام الغامضة لمطار النجف من قبل قوة عسكرية أميركية موجة من الشائعات، وأدت إلى زيادة التكهنات بشأن توجهات الإدارة الأميركية الجديدة. ومع ذلك، لم يتعدَّ الأمر حدود ما يُتداول في سوق الشائعات؛ إذ لم يصدر العراق احتجاجاً رسمياً، ولم تقدم واشنطن أي توضيح حول طبيعة الحادث، مما جعل الحادث مصدراً إضافياً يغذي تلك الشائعات بالمزيد من الأخبار.
نشاط الكاظمي والشائعات
وفي الوقت نفسه، كانت عودة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد مفاجئة وفي توقيت غير متوقع، مما أضاف مزيداً من التوتر إلى الأجواء السياسية في البلاد.
ورغم أنه لا توجد قضية قضائية ضد الكاظمي تمنع عودته، فإن تزامن عودته مع سلسلة من الأحداث والتحركات في العراق والمنطقة، جعلها تبدو كما لو كانت مدفوعة أو مرتبطة بتطورات معينة.
وبدأت ماكينة التسريبات الإعلامية تعمل على مدار الساعة، خاصة مع النشاط الملحوظ للكاظمي هذه المرة، حيث زار كبار المسؤولين، واستقبل وزراء وشيوخ عشائر وإعلاميين. وأسهم هذا النشاط في ارتفاع منسوب الشائعات حول ما إذا كانت عودته طبيعية ومرتبطة بالانتخابات المقبلة، أم أنها مرتبطة بتطورات معينة في العراق والمنطقة.



