القبض على أحد رؤوس المسؤولين عن مجزرة «التضامن» بدمشق

«الشرق الأوسط» ترصد مسرح المجازر حيث جرت تصفية أكثر من 500 رجل وامرأة

0 seconds of 42 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:42
00:42
 
TT
20

القبض على أحد رؤوس المسؤولين عن مجزرة «التضامن» بدمشق

محتجون في مظاهرة أخيرة بحي التضامن يجوبون شوارع الحي لعدم اعتقال المسؤولين عن المجزرة (الشرق الأوسط)
محتجون في مظاهرة أخيرة بحي التضامن يجوبون شوارع الحي لعدم اعتقال المسؤولين عن المجزرة (الشرق الأوسط)

أعلن مدير أمن دمشق، المقدم عبد الرحمن الدباغ، الاثنين، إلقاء القبض على أحد رؤوس المجرمين المسؤولين عن مجزرة حي التضامن بدمشق، التي ارتُكبت قبل 12 عاماً، وشخصين ممن شاركوا فيها، لافتاً إلى أنهم اعترفوا بتورطهم بارتكاب مجازر في الحي تمت فيها تصفية أكثر من 500 رجل وامرأة.

ألقت مديرية أمن دمشق القبض على منذر أحمد جزائري وهو أحد المتهمين المتورطين بمجزرة حي التضامن (سانا)
ألقت مديرية أمن دمشق القبض على منذر أحمد جزائري وهو أحد المتهمين المتورطين بمجزرة حي التضامن (سانا)

ونقلت وكالة «سانا» السورية الرسمية عن الدباغ قوله: «بعد الرصد والمتابعة تمكنا من إلقاء القبض على أحد رؤوس المجرمين المسؤولين عن مجزرة التضامن بدمشق قبل 12 عاماً، وإثر التحقيقات الأولية مع المجرم، توصلنا إلى أشخاص عدة كانوا قد شاركوا بالمجزرة وألقينا القبض على اثنين منهم».

وأضاف الدباغ: «اعترف الموقوفون الثلاثة بتورطهم بارتكاب مجازر في حي التضامن، تمت فيها تصفية أكثر من 500 رجل وامرأة من أهلنا المدنيين من دون أي محاكمة أو تهمة، ونعمل على البحث عن مواقع المجازر المرتكبة بالتنسيق مع الجهات المختصة».

وتابع: «نؤكد لأهلنا في سوريا أن المجرمين لن يفلتوا من العقاب، وسنعمل على تقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل».

موقع ارتكاب مجزرة حي التضامن في 16 أبريل 2022 (الشرق الأوسط)
موقع ارتكاب مجزرة حي التضامن في 16 أبريل 2022 (الشرق الأوسط)

ولم يوضح المصدر الأمني في دمشق إن كان من تم إلقاء القبض عليهم كانوا يتبعون للأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد البائد أم لميليشيا «الدفاع الوطني» التي كانت تقاتل إلى جانب جيشه وكان لها نفوذ كبير في الحي.

وأردف الدباغ: «نعمل على البحث عن مواقع المجازر المرتكبة بالتنسيق مع الجهات المختصة».

وشدد على أن «المجرمين لن يفلتوا من العقاب، وسنعمل على تقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل».

عظام بشرية في طابق أرضي لبناء يبعد 100 متر عن مكان ارتكاب مجزرة حي التضامن (الشرق الأوسط)
عظام بشرية في طابق أرضي لبناء يبعد 100 متر عن مكان ارتكاب مجزرة حي التضامن (الشرق الأوسط)

كما لم يكشف المسؤول الأمني عن هوية الموقوفين الثلاثة، إلا أن الوكالة الرسمية (سانا) أشارت في وقت لاحق إلى أن من بينهم المدعو «منذر أحمد جزائري»، وأنه تمت إحالته للجهات المختصة أصولاً.

وكانت صحيفة «الغارديان» كشفت في تحقيق نشرته في 27 أبريل (نيسان) عام 2022، عن معلومات حول مجزرة ارتكبتها قوات الأسد في 16 من الشهر ذاته عام 2013، في حي التضامن، أسفرت عن مقتل نحو 41 شخصاً ودفنهم في مقبرة جماعية.

ويعرض التحقيق مقطعاً مصوّراً لصف ضابط اسمه «أمجد يوسف» في «فرع المنطقة» الذي كان يتبع لشعبة الاستخبارات العسكرية وهو يدفع مع عناصر آخرين عشرات الأشخاص وهم معصوبو الأعين إلى حفرة كبيرة وعميقة في أحد شوارع منطقة سليخة، ومن ثم إطلاق النار عليهم بعد أن يسقطوا فيها، ثم حرق جثثهم.

عظام بشرية في ساحة تبعد 200 متر عن موقع ارتكاب مجزرة حي التضامن (الشرق الأوسط)
عظام بشرية في ساحة تبعد 200 متر عن موقع ارتكاب مجزرة حي التضامن (الشرق الأوسط)

«الشرق الأوسط»، قامت بجولة ميدانية أخيرة في المنطقة التي تم فيها ارتكاب «مجزرة التضامن» ومحيطها، ورصدت أماكن عدّة كانت مسارح لمجازر إضافية أو تصفية أشخاص، ودل على ذلك العثور على باقي عظامهم.

ففي منطقة سليخة، أقصى شرقي الحي، التي ارتكبت «مجزرة التضامن» في أحد شوارعها، كان دليلنا بضعة أطفال يلعبون كرة القدم في ساحة محاطة بأبنية أغلبها مدمر وبعضها لا يزال قيد الإنشاء، بينما المأهول منها قليل جداً.

ولم تكن الحنكة تنقص بعض هؤلاء الأطفال، فبمجرد معرفتهم بالصحافيين تسابقوا إلى إرشادهم لمسارح عدّة لعمليات تصفية تمت لأشخاص في تلك الأبنية، وتم اكتشافها بعد عودة الأهالي إثر سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

امرأة من سكان حي التضامن خلال الوقفة الاحتجاجية وهي تحمل صورة لذويها الذين قضوا في المجزرة (الشرق الأوسط)
امرأة من سكان حي التضامن خلال الوقفة الاحتجاجية وهي تحمل صورة لذويها الذين قضوا في المجزرة (الشرق الأوسط)

في طابق أرضي بمبنى قيد الإنشاء، يقع على بعد نحو 100 متر غربي مكان ارتكاب «مجزرة التضامن»، تشاهد كومة من عظام بشرية وقسماً من جمجمة على الأرض، بينما يردد الأطفال عبارة: «شوف شوف يا حرام».

وعلى بعد نحو 200 متر شمال مكان ارتكاب «مجزرة التضامن»، تنتشر في ساحة محاطة بأبنية قيد الإنشاء عظام قفص صدري وعظام أرجل وأيدٍ بشرية على الأرض وبجانبها ثياب ملطخة بالدماء.

شارع إسكندرون في وسط حي التضامن بمخيم اليرموك وتبدو الحياة فيه طبيعية الآن (الشرق الأوسط)
شارع إسكندرون في وسط حي التضامن بمخيم اليرموك وتبدو الحياة فيه طبيعية الآن (الشرق الأوسط)

ولقطع الشك بأن هذه العظام المنتشرة ربما تعود لضحايا «مجزرة التضامن» الأولى، يؤكد شاب من سكان الحي للشرق الأوسط، أن الحفرة التي جرى ارتكاب المجزرة الأولى فيها، جرى طمرها من قِبل مركبيها، ولا يوجد أي علائم على أنه جرى نبشها.

الشاب الذي تحفظ على ذكر اسمه وتصويره خوفاً من الانتقام منه من قِبل فلول النظام البائد، قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نقطن في المنطقة منذ عام 1999 وتعرفنا على مكان ارتكاب المجزرة من خلال الفيديو الذي تم عرضه في وسائل الإعلام».

وأضاف: «هناك عظام بشرية تنتشر في الكثير من الأماكن في الحي، وبالتالي هناك أكثر من مجزرة تم ارتكابها في الحي، قد تكون تلك المجازر جماعية وقد تكون فردية».

وتابع: «المنطقة كانت مهجورة، وعندما عدنا لاحظنا وجود علامات لحصول حرائق عدة يمكن أن تكون لنفايات، وأيضاً يمكن أن تكون لإخفاء معالم مجازر وتصفيات».

 

 

لافتة رُفعت خلال الوقفة الاحتجاجية ضد ظهور المتهم الأساسي في «مجزرة التضامن» في اجتماع للحي مع مسؤولين عن الأمن بدمشق (الشرق الأوسط)
لافتة رُفعت خلال الوقفة الاحتجاجية ضد ظهور المتهم الأساسي في «مجزرة التضامن» في اجتماع للحي مع مسؤولين عن الأمن بدمشق (الشرق الأوسط)

وفي السادس من فبراير (شباط) الحالي، ظهر بشكل مفاجئ للمرة الأولى منذ حصول التغيير السوري، قائد ميليشيا «الدفاع الوطني» فادي أحمد، المعروف بـ«فادي صقر»، في حي التضامن، الذي يتهمه الأهالي بأنه «المسؤول الأول» عن المجزرة التي ارتُكبت في الحي.

ووفق المعلومات، شارك «صقر» في اجتماع عقدته قيادات من الأمن العام وما تسمى «لجنة السلم الأهلي» في «معهد الخطيب» بـ«شارع نسرين».

وأثار حضور «صقر» إلى الحي موجة غضب كبيرة في أوساط السكان، ونفذ المئات من الأهالي في اليوم التالي عقب صلاة الجمعة، وقفة استنكار واحتجاج في مكان ارتكاب «مجزرة التضامن»، رفعوا خلالها لافتات كُتب عليها عبارات تتهم «صقر» بأنه «المسؤول الأول» عن «مجزرة التضامن»، وأخرى تطالب بمحاكمته وإعدامه. والى جانب العَلم الجديد، رفع المشاركون صوراً لضحايا قضوا في المجزرة، بينها صورة لرجل واثنين من أولاده.

صورة الشيخ حسن النصيني المكنى بـ«أبو إياد» إمام طائفة الموحدين الدروز في حي التضامن جنوب شرقي دمشق (الشرق الأوسط)
صورة الشيخ حسن النصيني المكنى بـ«أبو إياد» إمام طائفة الموحدين الدروز في حي التضامن جنوب شرقي دمشق (الشرق الأوسط)

وحينها، قال الشيخ حسن النصيني المكنى بـ«أبو إياد»، إمام طائفة الموحدين الدروز في حي التضامن، لـ«الشرق الأوسط» خلال الوقفة: «الناس الشرفاء التي انظلمت وتمت محاربتها بلقمة عيشها وانهدمت بيوتها واغتصبت نساؤها، قامت بالاحتجاج لوجود فادي صقر القاتل في التضامن... لا نستطيع إلا القول برسالة قصيرة: هذا القاتل موجود حالياً في لجنة سلم أهلي ولا يمكن أن يٌقبل بسلم أهلي إنسان قاتل ونطالب بمحاكمته هو وأمثاله».

وبحسب شهود عيان من أهالي الحي تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فقد اعتقل الأمن العام في اليوم ذاته «غدير سالم» من منزله في «شارع الجلاء» وهو كان من كبار مساعدي «صقر».


مقالات ذات صلة

إسرائيل قصفت 60 تكية طعام ودمرت 1000 مسجد و3 كنائس في غزة

المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون لتلقي مساعدات الطعام في جنوب قطاع غزة (رويترز) play-circle

إسرائيل قصفت 60 تكية طعام ودمرت 1000 مسجد و3 كنائس في غزة

أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن الجيش الإسرائيلي قصف أكثر من 60 تكية طعام ومركزاً لتوزيع المساعدات وأخرجها عن الخدمة.

العالم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان يتحدث للصحافيين لدى وصوله إلى كينشاسا 24 فبراير 2025 (رويترز) play-circle

«الجنائية الدولية»: سنواصل التحقيق في حرب غزة على وجه السرعة

قال مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إن المحكمة ستُواصل على قدم وساق تحقيقاتها في جرائم ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شؤون إقليمية مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ف.ب)

قانونان إسرائيليان يجرّمان كشف جرائم حرب

المصادقة النهائية على مشروعي قانونين في الكنيست ستؤدي إلى تعريض أي صحافي للسجن، في حال نشر تحقيقاً من شأنه أن يدل على جريمة حرب.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
المشرق العربي ملصق المؤتمر السوري للعدالة الانتقالية (موقع)

في أول مؤتمر سوري لـ«العدالة الانتقالية»... مطالبات بتسريعها منعاً لتحولها إلى «انتقامية»

في أول فعالية سورية تناقش العدالة الانتقالية في سوريا، لخص والد الناشط غياث مطر مفهوم هذه العدالة بأنها تتحقق بـ«رفض الانتقام وتشكيل محاكم نزيهة».

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي أشخاص يبحثون عن جثث في خندق يُعتقد أنه استُخدم مقبرةً جماعية على مشارف دمشق ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

مسؤولة أممية: معرفة مصير المفقودين خطوة للسلام في سوريا

شددت رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، على أن معرفة مصير المفقودين إبان حكم النظام البائد، تعد الخطوة الأولى نحو تحقيق السلام الدائم.

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)

لجنة «السلم الأهلي» في طرطوس تقدم التعازي بضحايا مجزرة حرف بنمرة

انتشار قوات الأمن في قرية حرف بنمرة (وسائل الإعلام الرسمية)
انتشار قوات الأمن في قرية حرف بنمرة (وسائل الإعلام الرسمية)
TT
20

لجنة «السلم الأهلي» في طرطوس تقدم التعازي بضحايا مجزرة حرف بنمرة

انتشار قوات الأمن في قرية حرف بنمرة (وسائل الإعلام الرسمية)
انتشار قوات الأمن في قرية حرف بنمرة (وسائل الإعلام الرسمية)

في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يعبّر عن تعزز الآمال برفع العقوبات عن سوريا مع «تزايد الدعم الدولي الواسع للحكومة السورية الجديدة»، كانت لجنة «السلم الأهلي» في طرطوس تقدم التعازي بضحايا مجزرة قرية حرف بنمرة، التي وقعت أول أيام عيد الفطر؛ لتؤكد للأهالي أن «الجميع متساوون أمام القانون» وستتم محاسبة الجناة.

وتسعى لجنة «السلم الأهلي» لاحتواء تداعيات جريمة القتل التي نفذها مسلحون في قرية حرف بنمرة بريف بانياس، وقضى فيها ستة أشخاص، أربعة من عائلة واحدة بينهم طفل (12 عاماً)، ومختار القرية ورجل ذو إعاقة.

وقدمت اللجنة واجب العزاء للضحايا، الأربعاء، وفق وسائل الإعلام الرسمية السورية. وخلال مجلس العزاء، أكد عضو اللجنة، الشيخ أنس عيروط، التزام الجهات المختصة بمحاسبة الجناة، وقال: «كلنا متساوون تحت سقف الدولة والقانون»، موضحاً أن «السلم الأهلي» لا يعني تجاوز العدالة ومسامحة المجرم، وإنما هي «نزع فتيل الطائفية وطمس بذور الفتنة» التي هي مهمة اللجنة، متعهداً بأن «الدماء مصونة والأموال والأعراض مصونة أيضاً» وأنه «لا يجوز الاعتداء على أي نفس بشرية إلا بالحق»، وأن «من يقوم بهذا الحق هو الدولة ولا ينبغي لأي شخص أن يأخذ الحق بنفسه».

من زيارة لجنة قرية بارمايا بريف بانياس مارس الماضي (المكتب الإعلامي لمدينة بانياس)
من زيارة لجنة قرية بارمايا بريف بانياس مارس الماضي (المكتب الإعلامي لمدينة بانياس)

وكانت الرئاسة السورية قد حددت مهام «لجنة للحفاظ على السلم الأهلي» التي شكلتها في مارس (آذار) الماضي، عقب الأحداث الدموية التي شهدتها مناطق الساحل، بالتواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري والاستماع إلى مطالبهم. وتقديم الدعم اللازم لضمان حماية أمنهم واستقرارهم. وتعزيز الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة. وذلك في إطار جهود الدولة لضمان الاستقرار في مختلف المناطق. وتألفت اللجنة من الشيخ أنس عيروط، وحسن صوفان وخالد الأحمد.

انتشار قوات الأمن السوري في قرية حرف بنمرة (وسائل إعلام رسمية)
انتشار قوات الأمن السوري في قرية حرف بنمرة (وسائل إعلام رسمية)

وفي سياق متصل، ظهر المسؤول الأمني في بانياس مجدداً بتسجيل مصوَّر، الأربعاء، أكد فيه إلقاء القبض على الجناة في حادثة قرية حرف بنمرة، وصرح بأنه بعد التحري «أفاد شهود بأن شخصين يرتديان لباساً عسكرياً، قاما بإطلاق النار على تجمع للأهالي ولاذا بالفرار إلى منطقة الديسنة. عندها، توجهت دوريات الأمن العام على الفور إلى منطقة الديسنة للتحري عن المشتبه بهما، حيث وجدت مجموعة مسلحة، وعند السؤال عن تبعيتهم أفادوا بأنهم أتوا مؤازرةً لوزارة الدفاع عند ورود أنباء عن تحرك فلول النظام، وبأن لهم أقارب قُتلوا في الحملة السابقة عند تحرك فلول النظام في المنطقة» مارس الماضي. وبعد التعرف على هوية الجناة جرى توقيفهما وفي التحقيق الأولي، اعترفا بما نسب إليهما، وقد تحويلهما إلى القضاء، مؤكداً على «محاسبة أي شخص يقوم بأفعال تخل بالسلم الأهلي».

تحديات بناء الدولة

ولا يزال تحدي ضبط الأمن وتعزيز السلم الأهلي، أبرز ما يواجه جهود الدفع نحو إعادة بناء الدولة، مع تواصل وقوع حوادث أمنية وجرائم ذات طابع انتقامي، في مناطق متفرقة من البلاد، تؤجج خطاب الكراهية وإشاعة الخوف وتعميق غياب الثقة بين مكونات المجتمع السورية، وذلك رغم تشكيل لجان «سلم أهلي» محلية، في مناطق التوتر عملت خلال الفترة الماضية، قبل أن تشكل الرئاسة السورية، «لجنة سلم أهلي» على مستوى حكومي بعد أحداث الساحل في مارس الماضي.

يقول الناشط في قضايا السلم الأهلي والباحث في قضايا الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك مشكلة كبيرة تواجه عملية «السلم الأهلي»، تتمثل في الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها السلطة السورية من حاضنتها الشعبية الداعمة، بينها نخب محسوبة على السلطة، ترى ما يحصل أمر طبيعي، حيث «تلعب دورا سلبيا بعدم تفهمها لضرورة تحقيق السلم الأهلي»، على حد تعبيره، وأخرين ليس لديهم الصبر الكافي، حتى انطلاق مسار العدالة الانتقالية واسترداد حقوقهم، ويريدون استردادها بأيديهم، وهو أمر يمكن أن يؤدي إلى وأد الدولة، التي تسعى السلطة إلى بنائها.

الزعبي الذي يعد من أوائل الذين دعوا إلى تعزيز السلم الأهلي في الساحل السوري، بعد سقوط النظام، عبر لقاءات مع النخب في اللاذقية، دعا إلى تسريع إنشاء «هيئة للعدالة الانتقالية» بغرض مواجهة النزعة الانتقامية، وتعزيز التعاون بين اللجنة التي شكلتها السلطات من جهة، ولجان السلم الأهلي المحلية والمبادرات الأهلية لضبط الأمن من جهة أخرى، محملاً مسؤولية كبح الخطاب التحريضي المتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعية، للنخب السياسية والثقافية؛ فهي مطالبة أكثر من غيرها للعمل على تحقيق السلم الأهلي.

وتتطلع السلطة السورية الجديدة إلى الحصول على الدعم الدولي لتخفيف العقوبات الاقتصادية التي تعد العائق الأكبر لعملية الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار. حيث لا تزال الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، تربط قرار رفع عقوباتها على سوريا، بشروط سياسية تتعلق بـ«تمثيل الأقليات» و«وقف الانتهاكات» وملفات حقوقية أخرى. لكن كل ذلك يحتاج إلى مجتمع طبيعي بمؤسساته المتعددة لمواجهة الاضطرابات، لكن العقوبات الدولية تمنع الأموال عن سوريا وتجعل السلطات من دون ذراع مالية تساعدها في تسيير أعمالها وتخفيف الاحتقانات في المجتمع.

وجاء الترحيب الواسع على المستويين العربي والدولي، بتشكيل الحكومة الجديدة ليعزز الآمال برفع العقوبات، وفق وزير الخارجية أسعد الشيباني، الذي غرد على حسابه في منصة (إكس)، الأربعاء، بالقول: «مع تزايد الدعم الدولي الواسع للحكومة السورية الجديدة، تتعزز الآمال برفع العقوبات الجائرة، وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب السوري، وفتح آفاق جديدة لإعادة الإعمار، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتعزيز الشراكات السياسية».