ترمب مصمم على غزة «العقارية» وإسقاط «حق العودة»

تعهَّد بتملك القطاع مجدداً وإسكان الفلسطينيين في «منازل جميلة» خارجه

TT

ترمب مصمم على غزة «العقارية» وإسقاط «حق العودة»

الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً على متن طائرة «إير فورس وان» (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً على متن طائرة «إير فورس وان» (أ.ب)

رأى الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن غزة «موقع عقاري كبير»، مجدِّداً تعهد الولايات المتحدة بالاستيلاء عليها رغم التنديد العربي والدولي بتصريحاته. وأكد أن أكثر من مليونين من الفلسطينيين الذين يسعى إلى ترحيلهم من القطاع لن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.

وأضاف ترمب المزيد من التعقيد إلى اقتراحاته التي أعلنها للمرة الأولى الأسبوع الماضي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مما أثار تنديداً عربياً ودولياً واسع النطاق. وشبهها بعض الخبراء القانونيين بالتطهير العرقي، مذكرين بأن الترحيل القسري أو نقل السكان المدنيين يشكل انتهاكاً للقانون الدولي وجريمة حرب.

وفي مقتطفات من مقابلة بثتها شبكة «فوكس نيوز» الأميركية للتلفزيون، الاثنين، لدى سؤاله عمَّا إذا كان سيحقّ للفلسطينيين العودة إلى غزة بعد ترحيلهم منها، أجاب ترمب: «كلا، لن يعودوا، إذ سيحصلون على مساكن أفضل بكثير»، مضيفاً أنه «بعبارة أخرى، أتحدث عن بناء مكان دائم لهم» خارج القطاع.

وبذلك بدَّد ترمب محاولات عدد من المسؤولين الكبار في إدارته التراجع عن بعض جوانب تصريحاته الأولى، لا سيما لجهة أن أي نقل للفلسطينيين سيكون مؤقتاً.

أسرة فوق أنقاض منزلها في جباليا بغزة (أ.ب)

كانت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، قد تراجعت عن تأكيد ترمب السابق أن سكان غزة بحاجة إلى إعادة توطين دائم في الدول المجاورة، قائلةً بدلاً من ذلك إنه يجب «نقلهم مؤقتاً» بهدف إعادة بناء القطاع. وكذلك، سعى وزير الخارجية ماركو روبيو، إلى احتواء موجة الانتقادات العالمية، وأضاف أن الفكرة هي أن يغادر سكان غزة «مؤقتاً» لإزالة الأنقاض وإعادة الإعمار. وقال إن ما عرضه ترمب «هو قدرة الولايات المتحدة على الذهاب والمساعدة في إزالة الأنقاض، والمساعدة في إزالة الذخائر، والمساعدة في إعادة الإعمار، وإعادة بناء المنازل والشركات وأشياء من هذا القبيل حتى يتمكن الناس من العودة».

وعاد ترمب إلى تصريحاته النارية بشأن ترحيل أكثر من مليونين من الفلسطينيين من غزة في اتجاهات مختلفة عبر المنطقة والعالم. وبينما كان ترمب على متن طائرته «إير فورس وان» الرئاسية لحضور مباراة نهائي «السوبر بول» لكرة القدم الأميركية في نيو أورليانز، قال عن غزة: «فكروا فيها كموقع عقاري كبير، والولايات المتحدة ستمتلكه. أنا ملتزم بشراء غزة وامتلاكها».

وأضاف: «بقدر ما يتعلق الأمر بإعادة بنائها، يمكن أن نمنحها لدول أخرى في الشرق الأوسط لبناء أقسام منها»، كما «يمكن أن يقوم أشخاص آخرون بذلك من خلال رعايتنا. لكننا ملتزمون بامتلاكها، والاستيلاء عليها، والتأكد من عدم عودة (حماس). لا يوجد شيء للعودة إليه. المكان عبارة عن موقع مهدّم. سيهدَم الباقي».

ورأى أن الدول العربية ستوافق على استقبال الفلسطينيين بعد التحدث معها، مصراً على أن الفلسطينيين سيغادرون غزة إذا كان لديهم الخيار.

وزعم ترمب أن الفلسطينيين «لا يريدون العودة إلى غزة. إذا كان بإمكاننا منحهم منزلاً في منطقة أكثر أماناً، فإن السبب الوحيد الذي يجعلهم يتحدثون عن العودة إلى غزة هو عدم وجود بديل. عندما يكون لديهم بديل، فهم لا يريدون العودة إلى غزة».

وزاد: «سنبني من خلال دول أخرى غنية للغاية في الشرق الأوسط، وسيبنون بعض المواقع الجميلة ليعيش فيها الناس، الفلسطينيون».

فلسطينيون في أميركا

وأعلن ترمب أيضاً أنه منفتح على إمكانية السماح لبعض اللاجئين الفلسطينيين بدخول الولايات المتحدة. لكنه سينظر في مثل هذه الطلبات على أساس كل حال على حدة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض (إ.ب.أ)

ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» أن فكرة ترمب لإعادة تشكيل غزة على هيئة مشروع عقاري أميركي «ليست حالة شاذة تماماً في التاريخ الطويل المضطرب للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط وسط الأحلام الأميركية بتحويل المنطقة».

وذكّرت بأن «الكثير من هذه الإجراءات مُني بالفشل، بما في ذلك التفجير الانتحاري عام 1983 الذي أدى إلى مقتل 241 من العسكريين الأميركيين المنتشرين في بيروت، في مهمة غامضة التعريف لمساعدة الحكومة اللبنانية، وغزو العراق عام 2003 الذي أدى إلى خسارة فادحة في أرواح الأميركيين والعراقيين، وزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة» وتوسع الفصائل المسلحة ذات الإسناد الديني.وأضافت أنه «سياسياً، تقلب خطة غزة عقوداً من الدعم الأميركي لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، بدعم من بقية العالم والإدارات الجمهورية والديمقراطية السابقة. وكان رد الفعل العالمي سلبياً للغاية، إذ عبَّرت إسرائيل فقط عن دعمها القوي» للفكرة.

أخلاق وقانون

وأوردت وكالة «أسوشييتد برس» أن «اقتراح ترمب يواجه عقبات أخلاقية وقانونية وعملية»، مرجحةً أن يكون اقتراحه «تكتيكاً تفاوضياً للضغط على (حماس) أو مناورة افتتاحية في المناقشات الرامية إلى تأمين صفقة تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية».

وقوبلت خطة ترمب بإنذار فوري من الأمم المتحدة التي أكدت أنها تنتهك القانون الدولي. وقال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن «أي نزوح قسري للناس يرقى إلى مستوى التطهير العرقي».

وكذلك قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، طوم فليتشر: «من الغريب في الوقت الحالي أن نكون في فترة يبدو فيها أن الحنكة السياسية قد حلَّت محلها الحنكة العقارية». وأضاف أن الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءاً من أي محادثة حول مستقبل غزة. كنت أسأل الكثيرين من الناس عمّا يفكرون فيه وقال كل واحد منهم: نحن لن نذهب إلى أي مكان. سنعيد بناء منازلنا مراراً وتكراراً كما فعلنا دائماً».

وفي مقابلة مع «بوليتيكو»، قالت رئيسة لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة نافي بيلاي، إن «ترمب يجهل القانون الدولي وقانون الاحتلال بشكل مؤسف. إن التهجير القسري لمجموعة محتلة هو جريمة دولية، ويرقى إلى مستوى التطهير العرقي». وأضافت: «لا توجد طريقة بموجب القانون يمكن لترمب من خلالها تنفيذ التهديد بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم».

«صبر» ترمب

ترمب تحدث كذلك عن فقدان صبره حيال الاتفاق بعدما شاهد هزال الرهائن الذين أُطلقوا هذا الأسبوع، معتبراً أنهم «كانوا يشبهون الناجين من الهولوكوست. كانوا في حالة مروعة. كانوا نحيلين. بدا الأمر كما لو كان قبل سنوات كثيرة، مثل الناجين من الهولوكوست، ولا أعرف إلى متى يمكننا أن نتحمل ذلك (...) في مرحلة ما سينفد صبرنا».

ورغم بدء المحادثات في شأن المرحلة الثانية لإطلاق مزيد من الرهائن والأسرى والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، يبدو أن الطرفين لم يحققا تقدماً يذكر.

في غضون ذلك، قال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، إنه ينتظر مزيداً من التفاصيل حول خطة ترمب في شأن غزة.

ووصف المستشار الألماني أولاف شولتس، اقتراح الرئيس الأميركي نقل الفلسطينيين من القطاع بغير المقبول، إذ قال إن «إعادة توطين السكان أمر غير مقبول ويخالف القانون الدولي»، مضيفاً أن تسمية «ريفييرا الشرق الأوسط» فظيعة في ضوء الدمار الهائل في قطاع غزة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا جدوى من مناقشة ما قاله ترمب بشأن خطة السيطرة على غزة. وقال إن «هذه الخطة عبثية تماماً... لا أحد يملك السلطة لإخراج شعب غزة من أرضه».


مقالات ذات صلة

مقتل 6 أطفال في غارة إسرائيلية على مبنى بمدينة غزة

المشرق العربي مشيعون فلسطينيون يحملون جثة طفل قُتل في غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة (د.ب.أ) play-circle 00:31

مقتل 6 أطفال في غارة إسرائيلية على مبنى بمدينة غزة

لقي 6 أطفال حتفهم وأصيب آخرون إثر قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية بمدينة غزة، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (الجيش الإسرائيلي) play-circle

وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد بضم مساحات من قطاع غزة

هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس باحتمال ضمّ أجزاء من قطاع غزة ما لم تفرج حركة «حماس» عن الرهائن، مع توسيع نطاق عمليات الجيش الإسرائيلي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا سيارات إسعاف مصرية تنتظر «جرحى غزة» في وقت سابق (الصحة المصرية)

مصر تؤكد استمرار فتح معبر رفح من جانبها لاستقبال جرحى غزة

أكد مصدر مسؤول في ميناء رفح البري، أن «الجانب المصري من معبر رفح البري لا يزال مفتوحاً، الجمعة، ولليوم الرابع على التوالي في انتظار السماح بإدخال الجرحى».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي صورة الإعلان عن مقتل أسامة طبش التي نشرها الجيش الإسرائيلي play-circle 00:31

إسرائيل تعلن اغتيال رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية لـ«حماس» في جنوب غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الجمعة)، مقتل أسامة طبش رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية لحركة «حماس» في جنوب غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا امرأة فلسطينية تحمل أمتعتها أثناء فرارها من بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«أزمات الداخل» قد تدفع «حماس» ونتنياهو لاستئناف مفاوضات «هدنة غزة»

استئناف الحرب على قطاع غزة بعد نحو شهرين من «الهدنة»، وسّع من دائرة أزمات حركة «حماس»، لا سيما بمزيد من فقد القيادات، وعودة المنع الإسرائيلي للمساعدات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

واشنطن: نراقب السلطات السورية في إطار تحديدنا لسياستنا معها مستقبلاً

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس (رويترز)
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس (رويترز)
TT

واشنطن: نراقب السلطات السورية في إطار تحديدنا لسياستنا معها مستقبلاً

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس (رويترز)
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس (رويترز)

قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، اليوم الجمعة، إن الولايات المتحدة تراقب تصرفات القادة السوريين، وذلك في الوقت الذي تُحدد فيه واشنطن سياستها المستقبلية وتُواصل دعوتها إلى حكومة شاملة بقيادة مدنية في سوريا.

وأضافت، في إفادة صحافية يومية: «نراقب تصرفات السلطات السورية المؤقتة بوجه عام، في عدد من القضايا، بينما نُحدد ونُفكر في السياسة الأميركية المستقبلية تجاه سوريا»، وفق ما نقلته وكالة رويترز للأنباء.

وطالبت عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارن، والنائب بمجلس النواب جو ويلسون، الجمعة، وزيري الخارجية والخزانة بإعادة النظر في العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.

وفي خطابٍ أرسلاه إلى الوزيرين، ونشرته لجنة بمجلس الشيوخ، قال المشرّعان إن «العقوبات التي فُرضت، قبل أكثر من عشر سنوات، استهدفت نظاماً لم يعد قائماً، وتهدد، الآن، بتقويض أهداف الأمن القومي الأميركي وعرقلة إعادة إعمار سوريا».

وأضافا: «بينما تعمل وزارتا الخارجية والخزانة على صياغة سياسة تجاه سوريا، في هذه اللحظة الحرجة، نطلب منكما تعديل العقوبات الشاملة أو القديمة التي من شأنها أن تُقوّض أهداف الولايات المتحدة إذا ما بقيت قائمة».

وفي حين أكد المشرّعان أن «تدابير مكافحة الإرهاب تظل بالغة الأهمية»، فقد أشارا إلى أن تدابير مثل الحظر الشامل على الخدمات المالية والاستثمار، «تعرقل الانتعاش الاقتصادي وتدفع السوريين نحو الأسواق غير المشروعة، وتُتيح فرصاً لخصوم مثل إيران وروسيا لترسيخ نفوذهم».

كما شددا على ضرورة إحداث «تغييرات تدعم الاستقرار مع مواصلة الضغط على التنظيمات الإرهابية» في سوريا.