ساروا لساعات حاملين أمتعتهم... رحلة عائلة فلسطينية إلى أنقاض منزلها بشمال غزة

إسماعيل محمد يلوّح بيده خلال وصوله إلى منزله المدمر في شمال قطاع غزة (رويترز)
إسماعيل محمد يلوّح بيده خلال وصوله إلى منزله المدمر في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

ساروا لساعات حاملين أمتعتهم... رحلة عائلة فلسطينية إلى أنقاض منزلها بشمال غزة

إسماعيل محمد يلوّح بيده خلال وصوله إلى منزله المدمر في شمال قطاع غزة (رويترز)
إسماعيل محمد يلوّح بيده خلال وصوله إلى منزله المدمر في شمال قطاع غزة (رويترز)

جلست عائلة محمد تتحدث حتى وقت متأخر من الليل قبل بدء رحلتها شمالاً إلى أنقاض منزلها في غزة، وهي رحلة شاقة عبر أرض مقفرة شرع فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين، الأسبوع الماضي، بعد وقف إطلاق النار، وفقاً لوكالة «رويترز».

وبينما كانوا يتجمعون حول النار، ويطبخون الطعام على الرمال بجوار خيمتهم في مخيم شاسع للنازحين بدير البلح في النصف الجنوبي من قطاع غزة، تحدثوا باشتياق عن العودة إلى بيتهم، وخططهم للأيام الصعبة المقبلة، والخوف والصعوبات التي عاشوها لأكثر من 15 شهراً من الحرب.

وقال إسماعيل محمد (47 عاماً) إنه لم ينم طيلة الليالي الثلاث السابقة من الفرح، وإنه اشتاق لأرضه ومدينته جباليا وأهل الشمال وأقربائه.

إسماعيل محمد (47 عاماً) وزوجته بدرية (42 عاماً) اللذان نزحا مع عائلتهما إلى جنوب غزة يفككان خيمتهما قبل العودة إلى منزلهما المدمر (رويترز)

وفرَّت زوجته بدرية (42 عاماً)، وأبناؤهما وسيم (25 عاماً)، ونسيم (22 عاماً)، وميسون (15 عاماً)، وياسر (10 أعوام)، وعبد الرحمن (8 أعوام)، ومحمد (5 أعوام)، بالإضافة إلى زوجة وسيم وطفليهما الصغيرين من جباليا في وقت مبكر من الحرب.

وبدأت إسرائيل حملتها العسكرية في غزة رداً على هجوم قادته حركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأسفر وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية عن مقتل نحو 1200 شخص في جنوب إسرائيل، واحتجاز نحو 250 رهينة.

إسماعيل محمد الذي نزح مع عائلته إلى الجزء الجنوبي من غزة يمشي بعصًا بالقرب من أنقاض منزله المدمر (رويترز)

وأدى الهجوم الإسرائيلي، الذي كان هدفه المعلن القضاء على «حماس»، إلى تدمير مساحات شاسعة من القطاع الصغير، الأمر الذي تسبب في نزوح كل سكانه تقريبا من منازلهم، ومقتل أكثر من 47 ألف فلسطيني، بحسب السلطات الصحية الفلسطينية.

وأمرت إسرائيل المدنيين بإخلاء الشمال في وقت مبكر من الحملة. ونفذ معظمهم الأمر. ومُنع أولئك الذين غادروا من العودة حتى الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الشهر الماضي، لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن.

إسماعيل محمد الذي نزح مع عائلته إلى جنوب غزة بأمر إسرائيل أثناء الحرب يستريح مع عائلته بالقرب من أنقاض منزلهم المدمر (رويترز)

وبعد بدء سريان وقف إطلاق النار، غادر مئات الآلاف من الفلسطينيين الملاذات المؤقتة التي تجمعوا فيها في مختلف أنحاء جنوب قطاع غزة، وعادوا إلى الشمال.

وعلمت عائلة محمد من أقارب لها أن منزلها دُمر في غارة جوية، لكن أفراد العائلة كانوا جاهزين للعودة بمجرد الاتفاق على وقف إطلاق النار.

وقالت بدرية إن شظايا مرت قرب الأطفال وهم نيام فاخترقت الغطاء، بينما كانت هي في الخيمة. وأوضحت أن الأطفال شعروا بالرعب.

بدرية التي نزحت مع عائلتها إلى جنوب غزة بأمر إسرائيل أثناء الحرب تحزم أمتعتها قبل العودة إلى منزلها المدمر (رويترز)

رحلة شاقة للعودة إلى الأنقاض

لا تبعد دير البلح سوى 18 كيلومتراً عن منزلهم في جباليا شمالاً. لكن السيارات التي يتعين عليها الوقوف لساعات عند نقطة تفتيش إسرائيلية، نادرة واستئجارها يكلف الكثير من المال. ومثل معظم العائلات، كان على عائلة محمد أن تسير على الأقدام.

وكانت الرحلة شاقة بالنسبة لإسماعيل؛ فهو مصاب بمرض السكري، وفقد إحدى ذراعيه بسبب المرض قبل الحرب. وفي العام الماضي، أُصيبت ساقه في غارة جوية إسرائيلية، ولا يمكنه المشي إلا وهو يعرج متكئاً على عصا غليظة.

إسماعيل محمد وأطفاله يصلون إلى منزلهم المدمر في شمال غزة (رويترز)

وبعد تفكيك خيمتهم وإعطائها لأحد الجيران للحفاظ عليها، سارت العائلة لساعات، وكان الجميع، باستثناء الأطفال الصغار، يحملون حقائب كبيرة محملة بفراش وملابس وأدوات مطبخ وطعام وماء.

وعلى امتداد مسافة طويلة، مر العائدون عبر مناطق شبه مدمرة بالكامل. ومع تقدمهم شمالاً، كان البحر المتوسط الفيروزي على أحد الجانبين يتناقض مع الغبار والحطام على الجانب الآخر.

وعندما وصلوا إلى مدينة غزة، بعد تجاوزهم نقطة التفتيش الإسرائيلية في شمال القطاع، وجدوا سيارة أجرة لنقلهم إلى المرحلة الأخيرة من الرحلة فانحشروا فيها بصعوبة.

وفي جباليا، وجدوا أن أجزاءً كبيرة من حيهم قد سُوِيت بالأرض، وأن سقف الطابق العلوي من منزلهم انهار على الطابق الأرضي.

ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بشن قصف عشوائي، بينما تتهم إسرائيل «حماس» بالاندساس بين السكان المدنيين، وتقول إنها حاولت قدر الإمكان التقليل من الأذى الذي قد يلحق بالمدنيين.

وقال إسماعيل إن هناك فرحة وإن كانت غير مكتملة، إذ لا يوجد منزل ولا ماء ولا طعام، وإنه لا يعرف كيف سينام الليل.

إسماعيل محمد يقوم بفك خيمته قبل العودة إلى منزله المدمر بشمال غزة (رويترز)

وكان لقاء أحد الجيران لحظة من الفرح، وسرعان ما بدأ أطفال العائلة الأصغر سناً في البحث بين الأنقاض؛ حيث التقطوا لعبة وحيد القرن المحشوة للعب بها. وبمجرد وضع حشايا النوم على الأرض وإشعال النار استلقى إسماعيل.

وتأمل العائلة أن يستمر وقف إطلاق النار، وأن يتمكنوا من إعادة بناء منزلهم. وكان إسماعيل يعمل في قوات الأمن عندما كانت غزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. وبعد أن سيطرت «حماس» على غزة في عام 2007 قال إنه أُمر بعدم العودة إلى العمل. وهو الآن يريد وظيفة في بيع وجبات خفيفة على جانب الطريق.


مقالات ذات صلة

الآلاف يتظاهرون في لندن ضد خطة ترمب بشأن غزة

المشرق العربي جانب من المظاهرة الاحتجاجية في لندن (إ.ب.أ)

الآلاف يتظاهرون في لندن ضد خطة ترمب بشأن غزة

تظاهر آلاف المؤيدين للفلسطينيين أمام السفارة الأميركية في لندن السبت احتجاجاً على خطة دونالد ترمب للسيطرة على غزة وترحيل سكانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا جانب من تسليم الرهائن خلال عملية التبادل السادسة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

مصر تتحدث عن عدم رغبة «حماس» في «إدارة غزة»

تأكيدات مصرية بالتزام «حماس» بعدم المشاركة في «إدارة قطاع غزة»، تأتي بعد حديث عربي عن أهمية تنحي الحركة خلال الفترة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري نازحون من غزة في وقت سابق تجمَّعوا بمنطقة النصيرات للعودة إلى منازلهم في الجزء الشمالي من القطاع (أ.ف.ب)

تحليل إخباري جولة روبيو للمنطقة... هل «تُنقذ» المرحلة الثانية من «اتفاق غزة»؟

أول جولة لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية ماركو روبيو للمنطقة، تبحث «المضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا وفد الجامعة العربية أمام شاحنة مساعدات قبل عبورها إلى قطاع غزة (الجامعة العربية) play-circle 00:42

ارتياح عربي لآلية إيصال المساعدات إلى قطاع غزة

قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، السبت: «نستشعر الرضا والارتياح بشأن عملية تسليم المساعدات والمعونات إلى قطاع غزة».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
الولايات المتحدة​ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ف.ب) play-circle

غوتيريش: السلام ممكن في الشرق الأوسط... ويبدأ بـ«حل الدولتين»

أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (السبت) أنه من الممكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن ذلك يبدأ بـ«حل الدولتين».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نتنياهو يعرب عن تقديره «للدعم المطلق» من ترمب لقرارات إسرائيل

نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير (د.ب.أ)
نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير (د.ب.أ)
TT

نتنياهو يعرب عن تقديره «للدعم المطلق» من ترمب لقرارات إسرائيل

نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير (د.ب.أ)
نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير (د.ب.أ)

أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السبت، عن تقديره «للدعم المطلق» من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للقرارات الإسرائيلية المقبلة بشأن قطاع غزة، بعد مبادلة 3 رهائن إسرائيليين بمئات الأسرى الفلسطينيين.

جانب من تسليم الرهائن خلال عملية التبادل السادسة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه، إن «الموقف الحازم للرئيس ترمب أدى إلى إطلاق سراح 3 من رهائننا اليوم، رغم رفض (حماس) إطلاق سراحهم مسبقاً»، مضيفاً أنه سيعقد اجتماعاً لمجلس الوزراء الأمني «في أقرب وقت ممكن لاتخاذ القرار بشأن الخطوات التالية لإسرائيل».

وأنجحت «حماس» وإسرائيل الدفعة السادسة من تبادل الأسرى، وتجنبتا بذلك انهيار المرحلة الأولى من الهدنة، بعد تهديدات متبادلة سابقة بإلغاء التسليم والعودة إلى الحرب. وسلّمت «كتائب القسام» السبت، 3 أسرى إسرائيليين، بينما أفرجت دولة الاحتلال مقابل ذلك عن 369 أسيراً فلسطينياً.

أقارب للرهائن الإسرائيليين يحتجون للمطالبة بالإفراج عنهم جميعاً (رويترز)

واختارت «حماس» منطقة خان يونس التي شهدت أعنف المعارك لتسليم الأسرى الإسرائيليين الذين وصلوا إلى الموقع بسيارة إسرائيلية استولت عليها «القسام» في هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ثم وقّع ممثل «القسام» ومسؤولة في طواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر محضر تسليم الأسرى، وسط وجود عسكري كبير لعناصر الجناح العسكري لـ«حماس» وآخرين من «سرايا القدس» التابعة لـ«الجهاد الإسلامي».