صدمة وسط النازحين العائدين في أول يوم من بدء «اتفاق غزة»

«الشرق الأوسط» ترصد ذهول الناس بعد عودتهم إلى منازلهم المدمرة بـ«جباليا»

TT

صدمة وسط النازحين العائدين في أول يوم من بدء «اتفاق غزة»

غزيون نازحون لدى عودتهم إلى منازلهم المدمرة في مخيم جباليا الأحد مع بدء تنفيذ اتفاق وقف النار (الشرق الأوسط)
غزيون نازحون لدى عودتهم إلى منازلهم المدمرة في مخيم جباليا الأحد مع بدء تنفيذ اتفاق وقف النار (الشرق الأوسط)

صُدم آلاف الفلسطينيين لدى عودتهم إلى منازلهم في قطاع غزة الأحد تزامناً مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية، لمشاهد الدمار التي لحقت بالمباني المدمرة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية. ورصدت «الشرق الأوسط» الذهول الذي أصاب النازحين العائدين بعدما اكتشفوا مدى الدمار الذي لحق بمنازلهم وأحيائهم المدمرة.

لم ينتظر سكان المناطق التي تمركزت بها القوات الإسرائيلية دخول موعد اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فسارعوا لتفقد مناطق سكنهم، إلا أن هول المشاهد كان أكبر من كل التوقعات بعد مسح مربعات سكنية بأكملها.

 

غزيون في حالة صدمة لدى عودتهم إلى أحيائهم المدمرة في مخيم جباليا الأحد مع بدء تنفيذ اتفاق وقف النار (الشرق الأوسط)

«أين بيتنا؟!»

«وين بيتنا؟!»... بهذه الكلمات عبرت آمال العسكري، من سكان مخيم جباليا، عن صدمتها الكبيرة بعدما فشلت في التعرف على منزلها الذي سُوِّي بالأرض أسوة بالمنازل المجاورة له والتي تحولت إلى كومة ركام. وقالت العسكري لـ«الشرق الأوسط» بلغة غاضبة: «ما بقي لنا شيء، حياتنا ومستقبلنا وعمرنا... دمروا بيوتنا ومستقبل أولادنا!». وأضافت: «جئت إلى جباليا على أمل أن أجد شيئاً من رائحة بيتي من ملابس وأثاث، لكن ما وجدنا شيئاً. كل البيت مدمر عن بكرة أبيه!».

تعرض مخيم جباليا إلى جانب بلدتَي بيت لاهيا وبيت حانون، إلى عملية عسكرية إسرائيلية استمرت أكثر من 100 يوم، استخدمت فيها إسرائيل كل قوتها العسكرية من قصف جوي وعمليات برية ونسف للمنازل والمستشفيات وغيرها.

ولم يكن حال العسكري أفضل من المواطن محمود السحار الذي كان يعتقد أن بيته ما زال قائماً، خاصة أنه شاهد منذ أيام صورة التقطها الجيش الإسرائيلي لقواته بالمكان الذي ظهر متضرراً جزئياً. ويقول السحار: «كانت صدمة كبيرة عندما وصلت إلى مخيم جباليا، ووجدت منزلي مدمراً، وهو الذي بنيته حجراً حجراً، حتى أضمن مستقبل عائلتي المكونة من 16 فرداً». وأشار إلى أن تدمير المنزل ربما تم قبل وقت قصير من انسحاب القوات الإسرائيلية، خلال عمليات النسف التي كانت تقوم بها تلك القوات، والتي كثفتها بشكل كبير في اليومين والساعات الأخيرة.

وقامت «الشرق الأوسط» برصد الأوضاع في المخيم، ولاحظت أنه لا يمكن لأي جهة في الفترة الزمنية القريبة أن تكون قادرة على تقدير حجم الدمار الهائل والخسائر المادية.

لم يستطع السكان أن يجدوا طرقاً ليسلكوها بهدف الوصول إلى مناطق سكنهم، وبعضهم لم يتعرف على الشوارع وكأنهم ضلوا طريقهم في مناطق لا يعرفونها.

ويبدو أن خطط بعض الجهات الحكومية والبلديات والفعاليات، ببدء إزالة الركام من الشوارع للسماح للسكان بالتحرك فيها بسهولة، اصطدمت بواقع لم يكن أحد يتخيله. ويمكن القول إن مخيم جباليا تحول إلى أكبر كومة ركام في القطاع.

 

غزيون نازحون يتفقدون منازلهم المدمرة في مخيم جباليا الأحد مع بدء تنفيذ اتفاق وقف النار (الشرق الأوسط)

«لم أتعرف على شارعنا»

لم يجد السكان أي مركبات أو حتى عربات تجرها حيوانات قادرة على الوصول لمخيم جباليا وغيره. وقال الشاب نمر النمنم: «تربيت منذ صغري في المخيم، لكنني لم أعرف شوارعه المدمرة». وأضاف: «قطاع غزة، وخاصة مخيم جباليا والمناطق المحيطة به، سيحتاج إلى أعوام لإزالة الركام من شوارعه ومنازله. وإعادة الإعمار قد تحتاج لعقود في ظل الظروف الحالية».

وأشار إلى أنه كان يأمل أن يعود سريعاً للسكن في مخيم جباليا، سواء داخل خيام أو مراكز إيواء، إلا أنه قال: «لا يوجد أي أثر يمكن أن يظهر أن هناك معالم للحياة... لا مياه ولا مكان يمكن أن يؤوينا. أتينا ووجدنا زلزالاً قد دمر المخيم!».

ولوحظ تعمد تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي لمقرات وكالة «الأونروا» والمقرات الخدماتية الحياتية، وتدمير آبار المياه وغيرها، في محاولة لمنع أي بوادر لإعادة الحياة في المنطقة سريعاً، خاصة أن البنية التحتية مدمرة بأكملها.

وأمام هذا الوضع، قدم البعض نصائح إلى الغزيين النازحين، ومنهم أقاربهم، بعدم العودة لمناطق سكنهم والتوجه بدلاً من ذلك إلى جنوب قطاع غزة.

وقالت الشابة دعاء منير لـ«الشرق الأوسط»، إنها نصحت أقاربها بالتوجه إلى جنوب القطاع؛ لأنه لا يوجد مكان يعودون إليه، «حتى لا توجد هناك ساحات يمكن استغلالها لإنشاء مخيمات نزوح من الخيام وغيرها». وسُمعت مثل هذه الدعوات من العديد من الغزيين خلال تفقدهم لمناطق سكنهم في مخيم جباليا.

ويوجد في جنوب قطاع غزة أكثر من مليون نازح من سكان شمال القطاع، يعيش غالبيتهم في خيام على شاطئ البحر وسط القطاع وجنوبه.

ووفقاً لما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، فإنه سيُسمح لهم بالعودة من اليوم السابع منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ. ويتوق النازحون إلى لحظة عودتهم إلى مدينة غزة وشمالها، وكثيراً ما كانوا يرددون أنهم يفضلون نصب خيام عند منازلهم على أن يبقوا في مناطق مفتوحة قرب شواطئ وسط وجنوب القطاع.

واستغل مواطنون وقتهم في البحث في الشوارع عن جثث ضحايا سقطوا بتلك المناطق، والعمل على دفنهم، في حين تفقد آخرون قبوراً لأقاربهم في بعض المدافن التي تعرضت إلى النبش وأضرار نتيجة القصف. وعُثر على جثث متحللة إلى جانب أخرى يظهر أنها قُتلت حديثاً، وسط عمليات لإجلائها ونقلها للدفن.

يُذكر أنه منذ بدء الحرب بين إسرائيل و«حماس»، نزح معظم سكان غزة البالغ عددهم الإجمالي 2.4 مليون نسمة، مرة واحدة على الأقل، إلى أنحاء أخرى من القطاع. ويؤشر حجم الدمار اللاحق بغزة من جراء الضربات الجوية الإسرائيلية والقصف المدفعي وقتال الشوارع، إلى أن إعادة الإعمار قد تستغرق أكثر من خمس سنوات، وفق وكالات دولية. وبحسب آخر تقييم للأضرار أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية (يونوسات)، فقد تضرّر حتى الأول من ديسمبر (كانون الأول)، أو دُمّر، ما يقرب من 69 بالمائة من مباني القطاع؛ أي ما مجموعه 170.812 مبنى. ووفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن إعادة الإعمار قد لا تنجز قبل عام 2040. وأكّدت إسرائيل وقطر الأحد أن وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» دخل حيز التنفيذ بعد تأخير، بعدما تلقت إسرائيل من «حماس» قائمة بأسماء ثلاث رهينات سيتم إطلاق سراحهن الأحد. وبحسب خطة وقف إطلاق النار، ستستعيد إسرائيل 33 رهينة تحتجزهم «حماس» في غزة منذ هجومها المفاجئ على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في سياق هدنة أولية. وأحصت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» الأحد مقتل 15 فلسطينياً وإصابة 25 آخرين بنيران الجيش الإسرائيلي خلال الساعات الـ24 الأخيرة في قطاع غزة، لافتة إلى أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 46913 شخصاً منذ بدء الحرب بين الحركة وإسرائيل قبل أكثر من خمسة عشر شهراً. وقالت الوزارة في بيان إن حصيلة الحرب «ارتفعت إلى 46913 شهيداً و110750 إصابة» منذ السابع من أكتوبر عام 2023.


مقالات ذات صلة

أبو ردينة: الحرب الشاملة على الضفة وغزة لن تحقق الأمن والاستقرار لأحد

المشرق العربي تصاعد الدخان خلال مداهمة في مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين ضمن عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة في الضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب) play-circle

أبو ردينة: الحرب الشاملة على الضفة وغزة لن تحقق الأمن والاستقرار لأحد

حذّر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، من «مواصلة سلطات الاحتلال حربها الشاملة على شعبنا وأرضنا في الضفة الغربية».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي (رويترز)

الصين: لا ينبغي تهميش أزمة غزة بينما ينصب التركيز على أوكرانيا

أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي اليوم الثلاثاء أنه لا ينبغي تهميش الأزمة في غزة بينما ينصب التركيز على أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بكين)
المشرق العربي صورة ملتقطة في 15 فبراير 2025، في خان يونس بقطاع غزة تظهر مقاتلين لحركة «الجهاد الإسلامي» و«كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مع ممثلة الصليب الأحمر أثناء تسليم ثلاث رهائن إسرائيليين (د.ب.أ)

«حماس»: خروج المقاومة أو نزع سلاحها من غزة أمران مرفوضان

قال المتحدّث باسم «حماس» إن اشتراط إسرائيل إبعاد «حماس» عن القطاع «حرب نفسية سخيفة»، مؤكداً رفض الحركة الخروج من القطاع أو نزع سلاحها ضمن أي اتفاق.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية ملصقات الرهائن المختطفين خلال الهجوم الذي نفّذته «حماس» في 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل... الصورة في تل أبيب 18 فبراير 2025 (رويترز)

من هم الرهائن الإسرائيليون الست المتوقع إطلاق سراحهم السبت؟

الرهائن الإسرائيليون الست الذين من المتوقع إطلاق سراحهم يوم السبت هم: تال شوهام، وعمر وينكرت، وعومر شيم توف، وإيليا كوهين، وأبرا منغيستو، وهشام السيد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

استبعدت مصادر مصرية مطلعة أن يؤدي التوتر المنعكس في وسائل الإعلام بين مصر وإسرائيل إلى أزمة عسكرية أو سياسية كبيرة بين البلدين.

هشام المياني (القاهرة)

أبو ردينة: الحرب الشاملة على الضفة وغزة لن تحقق الأمن والاستقرار لأحد

تصاعد الدخان خلال مداهمة في مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين ضمن عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة في الضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان خلال مداهمة في مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين ضمن عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة في الضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
TT

أبو ردينة: الحرب الشاملة على الضفة وغزة لن تحقق الأمن والاستقرار لأحد

تصاعد الدخان خلال مداهمة في مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين ضمن عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة في الضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان خلال مداهمة في مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين ضمن عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة في الضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

حذّر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، من «مواصلة سلطات الاحتلال حربها الشاملة على شعبنا وأرضنا في الضفة الغربية، خصوصاً في محافظة جنين ومخيمها، ومحافظة طولكرم ومخيمَيْها، مرتكبة المزيد من جرائم القتل والتهجير وتدمير الممتلكات».

ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، الأربعاء، عن أبو ردينة قوله إن «قوات الاحتلال تشنّ حملة تدمير ممنهج للمنازل، وتهجير للمواطنين، ممّا أدّى إلى استشهاد عشرات المواطنين ومئات الجرحى، في ظل صمت دولي عن مخططات الاحتلال الرامية إلى تنفيذ مخطط الضم والتوسع العنصري، استكمالاً لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة والتي أدت إلى استشهاد وجرح وفقدان أكثر من 200 ألف مواطن».

وطالب أبو ردينة بـ«تدخل الإدارة الأميركية لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا وأرضنا، وعدم تشجيعه على التمادي في عدوانه الذي سيؤدي إلى تفجر الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وسيدفع ثمنه الجميع».

وشدد على أن «الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي مخططات، سواء بالتهجير أو الوطن البديل، وتهديد شعبنا لن يكون مفيداً لأحد، بل سيؤدي إلى دمار واسع هنا أو في المنطقة».

كما أدان أبو ردينة «إقدام سلطات الاحتلال على طرح مناقصات لبناء 974 وحدة استيطانية استعمارية جديدة في مستعمرة إفرات»، وعدّها «امتداداً لمخططات الاحتلال الرامية إلى فرض سياسة الأمر الواقع».

وأكد أن «الاستعمار جميعه غير شرعي ومخالف لجميع قرارات الشرعية الدولية التي أكدت وجوب إزالته» ، لافتاً إلى أن «توسيع الاستعمار يؤدي بشكل مباشر إلى تكريس نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ويندرج في إطار فرض إجراءات أحادية الجانب وغير قانونية، لتقويض أي فرصة لتحقيق السلام، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».