تباين نيابي لبناني بين حكومة «التكنوقراط» و«التوازنات السياسية»

إصرار على أن تكون متجانسة ومتكاملة مع «خطاب القسم»

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال إلقائه خطاب القَسَم بمجلس النواب بعد انتخابه (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال إلقائه خطاب القَسَم بمجلس النواب بعد انتخابه (أ.ف.ب)
TT

تباين نيابي لبناني بين حكومة «التكنوقراط» و«التوازنات السياسية»

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال إلقائه خطاب القَسَم بمجلس النواب بعد انتخابه (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال إلقائه خطاب القَسَم بمجلس النواب بعد انتخابه (أ.ف.ب)

منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للبنان، بدأ البحث في الكواليس السياسية بشأن شكل الحكومة العتيدة برئاسة القاضي نواف سلام، وتباينت آراء النواب بين من يفضّلها حكومة سياسية تعكس التوازنات داخل المجلس النيابي، ومن يريدها حكومة إنقاذ بعيدة عن المحاصصة، لكنّ المواقف كلّها تقاطعت على أهمية تشكيل حكومة إصلاحية متجانسة وصاحبة رؤية وأهداف تتكامل مع «خطاب القَسَم» الذي يمثل برنامج عمل الرئيس عون.

وكما حظي انتخاب الرئيس باهتمام عربي ودولي، فإن تشكيل الحكومة يقع تحت مجهر القوى الدولية المعنية بإنقاذ لبنان، وعدّ النائب المستقلّ ميشال ضاهر، أن البلد «يحتاج الآن إلى حكومة إصلاحيّة، تعطَى صلاحيات استثنائية، خصوصاً في الملفّات الاقتصادية والمالية». ودعا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «تشكيل حكومة مستقلّة، لا حكومة محاصصة كما تعودنا في المرحلة السابقة، وأن تمثل أمام المجلس النيابي على هذا الأساس، ومن لا يعجبه ذلك، فيمكنه أن يحجب عنها الثقة ويخضع للامتحان أمام الشعب اللبناني».

النائب ميشال ضاهر (أرشيفية)

ومع تشكيل الحكومة الجديدة، ستتغيّر هوية المعارضة والموالاة، وهذا رهن مواصفات رئيسها وأعضائها. ودعا عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص، الحكومة العتيدة إلى «صياغة بيان وزاري يمثل انعكاساً حقيقياً لخطاب القسم». وقال عقيص لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مجموعة سيادية (القوات اللبنانية) نضع أنفسنا اليوم في موقع الموالاة لعهد الرئيس جوزيف عون، انطلاقاً من انتخابنا له ودعمنا المباشر لمسيرته على رأس الدولة»، ورأى عقيص أنه «ليس المهمّ أن يكون وزراء الحكومة من التكنوقراط أو من السياسيين، بل الأهم برنامجها وقدرتها على الإنجاز، فإذا عُيّن وزير تكنوقراط يتحول إلى سياسي داخل الحكومة، وإذا كان سياسياً يصبح داخل الحكومة من التكنوقراط؛ لأنه سيتعاطى مع الملفات التي تهمّ الناس».

وستلقي التوازنات داخل البرلمان بثقلها على شكل الحكومة، إلا إن النائب ميشال ضاهر تمنّى «لو أن نذهب إلى انتخابات نيابية مبكرة تعيد رسم التوازنات داخل المجلس النيابي». وسأل: «هل تعلم الطبقة السياسية أنه لن يأتي دولار واحد للبنان، قبل إجراء الإصلاحات المطلوبة في مؤسسات الدولة بدءاً من القضاء؟». وقال: «الدول العربية الشقيقة، والأصدقاء الدوليون، سيقفون إلى جانب الدولة لدعمها وليس لدعم الأحزاب ومنظومة الحكم السابقة، لكن ما لم نشهد إصلاحات حقيقية، فلن يكون هناك دعم ولا استثمارات». وطالب بـ«فتح صفحة المحاسبة، ورفع السرية المصرفية عن كلّ من تسلّم مركزاً في الدولة». وشدد على ضرورة «تشكيل حكومة تشبه (رئيس الجمهورية) جوزيف عون وتطبّق خطاب القسم». وختم النائب ضاهر: «كنت السبّاق في ترشيح العماد جوزيف عون للرئاسة؛ ليس حبّاً في شخصه فحسب، بل لأنه شخصية تملك الإرادة والعزيمة والتصميم على بناء الدولة».

وعمّا إذا كان حزب «القوات اللبنانية» يرغب في الاشتراك بالحكومة، أجاب النائب جورج عقيص: «نحن بصفتنا فريقاً سياسياً نعتبر أننا ضمن فريق عمل العهد، فإذا كان الاتجاه حكومة تتمثل فيها القوى السياسية؛ فبطبيعة الحال سنتمثّل بها وسنكون ضمن فريق عمل العهد لدعمه وإنجاحه، وإذا لم تتمثل الأحزاب فلا مشكلة»، مشيراً إلى أن «قوى المعارضة ستستكمل مشاوراتها خلال الساعات المقبلة وتتخذ موقفاً موحداً».

عضو كتلة «القوات» النائب جورج عقيص (أرشيفية)

وعلى أثر انتهاء الاستشارات النيابية الملزمة التي تفضي إلى تسمية رئيس الحكومة المكلّف، يُجري الأخير استشارات نيابية غير ملزمة، اعتادت الكتل فيها طلب تمثيلها في الحكومة وعرض رؤيتها لمهامها، ورأى عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب محمد خواجة، أنه «قبل النظر فيما إذا كانت الحكومة سياسية أم من التكنوقراط، فإنه يجب أن تكون حكومة إصلاحية متجانسة، تمتلك الرؤية والخطط لترجمة مشروعات النهوض بالبلد»، داعياً إلى «وضع معايير لهذه الحكومة قبل اختيار شكلها وأعضائها». وأكد خواجة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس كلّ سياسي فاشلاً، وليس كل تكنوقراط ناجحاً، لكن من المفضّل أن يكون الوزير صاحب خبرة ومجرّب في العمل العام ويتميّز بالكفاءة ونظافة الكفّ». وأمل في «طي المرحلة الماضية وما حملت من مآسٍ للشعب اللبناني، وفتح مرحلة جديدة تغلّب فيها مصلحة لبنان واللبنانيين».

رئيس الجمهورية جوزيف عون مجتمعا مع النائبة بولا يعقوبيان خلال الاستشارات النيابية الملزمة (أ ف ب)

لا يختلف الجميع على أن انتخاب رئيس الجمهورية بعد أكثر من 26 شهراً من الشغور في «قصر بعبدا»، وضع البلاد أمام فرصة الخروج من الأزمات، وشدد خواجة على أهمية «تلقّف فرصة احتضان الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين، وأن يتحّلى المسؤولون بالحسّ الوطني للنهوض بالبلد».

عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب محمد خواجة (أرشيفية)

وأكد أن «المسؤولية الملقاة على الحكومة العتيدة كبيرة جداً، وأهمها ترسيخ الوحدة الوطنية ودولة القانون، ومعالجة المشكلات الحياتية للناس، وأن تتعهّد بتأمين التيار الكهربائي وإعادة هيكلة المصارف؛ إذ لا اقتصاد من دون مصارف وحماية أموال المودعين».


مقالات ذات صلة

اندفاعة عربية ودولية نحو دعم لبنان تدشّنها زيارة ماكرون

تحليل إخباري الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في القصر الجمهوري (رويترز)

اندفاعة عربية ودولية نحو دعم لبنان تدشّنها زيارة ماكرون

يشكّل انتخاب الرئيس اللبناني جوزيف عون وتسمية الرئيس المكلّف نواف سلام لتأليف الحكومة الأولى للعهد الجديد، موضع اهتمام عربي ودولي غير مسبوق.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون (د.ب.أ)

عون: الجميع متساوون تحت راية العلم اللبناني

أكد الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون اليوم (الأربعاء) أن الهدف حاليا يتمثل في العمل على بناء الدولة واستعادة اللبنانيين في الخارج ثقتهم في بلدهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني المكلف نواف سلام (إ.ب.أ)

سلام «يستشير» النواب في شكل حكومته… وتفاؤل بـ«أداء جديد»

برزت دعوات الكتل النيابية اللبنانية إلى تشكيل «حكومة كفاءات» مع إطلاق الرئيس المكلف، نواف سلام، الاستشارات النيابية غير الملزمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي اللبناني جورج روكز كان ضحية عملية سرقة (إكس)

جريمة سطو مسلح تهزّ بيروت... والأجهزة الأمنية توقف الفاعل

تمكّنت الأجهزة الأمنية في لبنان، من توقيف «ع.ع»، بعد 4 ساعات على ارتكابه جريمة قتل اللبناني جورج روكز داخل معرض السيارات الخاص به في منطقة الضبية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق «لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

ليست الأخبار المحلّية والإقليمية والدولية ما ستتضمّنه النشرة فحسب، وإنما ستفسح المجال «للثقافة وصوت الشباب وتطلّعاتهم ورؤيتهم للبنان سيّداً علمانياً».

فاطمة عبد الله (بيروت)

فرنسا: نريد المساهمة في بزوغ لبنان الجديد

الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
TT

فرنسا: نريد المساهمة في بزوغ لبنان الجديد

الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)

ثلاث رسائل أساسية يحملها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته القصيرة للبنان الجمعة، وهي الزيارة الثالثة من نوعها بعد الزيارتين اللتين قام بهما بعد حادثة تفجير المرفأ صيف عام 2020؛ وتتناول «سيادته على أراضيه، وإصلاحه اقتصاده لتوفير التنمية والازدهار، والمحافظة على وحدته».

ويحط ماكرون في بيروت وبمعيته وفد رسمي ضيق، يضم وزيري الخارجية والدفاع جان نويل بارو وسيباستيان لو كورنو، ومبعوثه الخاص إلى لبنان الوزير السابق جان إيف لو دريان، وعدداً قليلاً من النواب ومجموعة من الشخصيات التي لديها صلات «خاصة» بلبنان، وهم مدعوون شخصيون لماكرون.

ووفق البرنامج المتوافر، فإن ماكرون سيلتقي العماد عون في قصر بعبدا، بعدها سيتحدث الرئيسان إلى الصحافة. كذلك سيلتقي ماكرون الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام الذي سبق لفرنسا أن اقترحته رئيساً لحكومة إصلاحية مقابل انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وفي سياق اجتماعاته، سيلتقي ماكرون قادة الفينول في مقر السفير الفرنسي في بيروت ورئيسي مجموعة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار «الجنرالين الأميركي والفرنسي» لمراجعة كيفية تطبيق الاتفاق، والعمل على تسريع انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني.

تريد باريس أن تكون إلى جانب لبنان اليوم وغداً، كما كانت بالأمس، وهي تعتبر، وفق المصادر الرئاسية، أن لبنان «بلد أكبر من حجمه»، وأنه «يتحلى، في الشرق الأوسط اليوم، بقيم سياسية ورمزية واستراتيجية». وتعتبر هذه المصادر أن «انخراط فرنسا إلى جانب لبنان، اليوم، يمكن أن يتم في ظروف أفضل بعد انتخاب عون وتكليف سلام، وبسبب التطورات التي حصلت في الإقليم». وباختصار، تريد باريس أن «تساهم في بزوغ لبنان الجديد».

يحتل ملف «السيادة» الأولوية في المقاربة الفرنسية، التي تذكر مصادرها بما قامت وتقوم به باريس لمساعدة الجيش اللبناني، إن بالتجهيز أو بالتدريب، أو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإقامة لجنة المراقبة.

وتركز فرنسا على أهمية تمكين الدولة اللبنانية بفرض الرقابة على حدودها، والسيطرة على كامل أراضيها، معتبرة أن ذلك يعد «جزءاً لا يتجزأ من تنفيذ القرار 1701». وتضيف المصادر، المشار إليها، أن ثمة «فرصة للبنانيين لإظهار أنهم قادرون على ترميم سيادتهم». أما بخصوص الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، فقد قالت المصادر الرئاسية إن باريس تريد أن يتم وفق البرنامج الموضوع له، داعية إسرائيل، و«حزب الله» أيضاً، إلى الالتزام به.

ثمة عنصر آخر أشار إليه قصر الإليزيه، في معرض العمل لسيادة لبنان، ويتمثل في تركيز وزير الخارجية الفرنسي، عند زيارته لدمشق ولقائه أحمد الشرع، على «ضرورة احترام السيادة اللبنانية، وفرض الرقابة على الحدود، ومنع التهريب، وألا تكون سوريا مصدر تهديد لجيرانها»؛ وهي المسائل نفسها التي تناولها ميقاتي في زيارته إلى سوريا مؤخراً.

تقيم باريس فاصلاً بين عودة السيادة وبين دعوة «حزب الله» للتحول إلى حزب سياسي مثل بقية الأحزاب العاملة في لبنان، وهي تدرج هذا التحول في إطار المحافظة على وحدة لبنان. وتقوم القراءة الفرنسية على اعتبار أن «حزب الله» فقد الكثير من قدراته العسكرية ومن قياداته، وخسر استراتيجياً بسبب سقوط نظام الأسد، ويصعب عليه اليوم التزود بالسلاح كما كان الحال في السابق.

وبالنظر لكل هذه التحولات، فقد ذكرت مصادر «الإليزيه» أن الرئيس ماكرون «شجع دوماً (حزب الله) على التحول إلى حزب سياسي، وأنه كان جزءاً من طاولة الحوار التي ترأسها ماكرون في عام 2020، وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر التخلي عن سلاحه، والدخول بشكل كامل في اللعبة السياسية» اللبنانية. وترى باريس أنه «بدلاً من ميزان القوى الذي كان سائداً في السابق، فإن المطلوب أن يدخل (حزب الله) في عقد سياسي حكومي، ما يمكن من عودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي، ويحافظ على وحدة جميع اللبنانيين».

أما الرسالة الثالثة التي يحملها ماكرون، فعنوانها «رغبة باريس في الاستمرار في مواكبة اللبنانيين ومساعدتهم على القيام بالإصلاحات البنيوية المطلوبة منهم»، التي تمر بداية بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يعد شرطاً لإعادة إنهاض الاقتصاد اللبناني.

وتعتبر فرنسا أن لا مساعدات للبنان «من غير ترميم الثقة الدولية به»؛ الأمر الذي يحتاج إلى توفير الشفافية و«تنظيف» الاقتصاد. والأهم من ذلك، أن باريس التي تريد العمل من أجل إنهاض الاقتصاد اللبناني، تصر على إجراء الإصلاحات من أجل أن تكون قادرة على تعبئة الأسرة الدولية من أجل مساعدة لبنان. ولدى سؤالها عما إذا كانت فرنسا تحضر لمؤتمر دولي، على غرار الذي دعت إليه الخريف الماضي لدعم الجيش واللبنانيين، لم توفر إجابة واضحة، بل فهم أن فرنسا لن تتردد في القيام بكل مع هو مفيد من أجل مساعدة لبنان.

وأشارت المصادر الفرنسية، أكثر من مرة، إلى العمل المشترك الذي تقوم به باريس بالتشاور والتنسيق مع السعودية، وأيضاً مع الولايات المتحدة، بما في ذلك فريق العمل الذي سيصل إلى البيت الأبيض في «حقائب» دونالد ترمب، مؤكدة أن التشاور «مستمر» مع واشنطن، وأن الطرفين «توصلا إلى رؤية مشتركة» بالنسبة للبنان.