تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا... والأولوية لتشكيل حكومة

هددت بعملية عسكرية ضد «قسد»… وتلقت دعماً من ترمب

طفل بأحد شوارع القامشلي في الحسكة وخلفه بدت رسوم لعناصر وأعلام «وحدات حماية الشعب» و«وحدات حماية المرأة» الكردية (رويترز)
طفل بأحد شوارع القامشلي في الحسكة وخلفه بدت رسوم لعناصر وأعلام «وحدات حماية الشعب» و«وحدات حماية المرأة» الكردية (رويترز)
TT

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا... والأولوية لتشكيل حكومة

طفل بأحد شوارع القامشلي في الحسكة وخلفه بدت رسوم لعناصر وأعلام «وحدات حماية الشعب» و«وحدات حماية المرأة» الكردية (رويترز)
طفل بأحد شوارع القامشلي في الحسكة وخلفه بدت رسوم لعناصر وأعلام «وحدات حماية الشعب» و«وحدات حماية المرأة» الكردية (رويترز)

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد، وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لخطواتها الأخيرة.

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن المجتمع الدولي أجمع على 4 بنود متعلقة بسوريا في مرحلة ما بعد الأسد، هي: ألا تشكل تهديداً لجيرانها؛ ألا تكون مأوى للإرهاب بأي شكل، وخاصة لتنظيمي «داعش» وحزب «العمال» الكردستاني، وضمان حقوق الأقليات وأمن الأرواح والممتلكات لجميع السوريين وعدم تعرضهم لسوء المعاملة، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية.

تفاؤل بمستقبل سوريا

وأضاف فيدان، خلال مقابلة تلفزيونية، ليل الثلاثاء – الأربعاء، أن تركيا اقترحت على المجتمع الدولي «خطاباً مقبولاً من الجميع، سواء من الناحية الأخلاقية أو العقلانية أو القانونية، ولاقى هذا الخطاب قبولاً عاماً»، وتم نقل تطلعات الفاعلين الإقليميين والمجتمع الدولي في هذا الخصوص، إلى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الذي أبدى موافقته ولم يعترض عليها.

ولفت فيدان إلى أن اثنين من هذه البنود الأربعة لهما أهمية خاصة بالنسبة لتركيا، «أولهما أن تركيا تستضيف نحو 3.5 مليون من أشقائنا السوريين، أي أن أوضاع هؤلاء الإخوة هي قضية مهمة، والثاني مسألة إنهاء وجود تنظيم حزب (العمال) الكردستاني – (وحدات حماية الشعب) الكردية (الإرهابي)، في سوريا، وتمت مناقشتهما بالتفصيل».

أحمد الشرع خلال استقباله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق في 22 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

ووصف وزير الخارجية التركي، الشرع، بأنه قائد عقلاني ومتزن يدرك جيداً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويتفهم توقعات سوريا والمنطقة منه، وكذلك الفرص المتاحة والقيود، مضيفا: «يبدو أن السنوات التي قضاها في إدلب كانت مفيدة له، لديه خبرة طويلة، وأنا لدي ملاحظات أقوم بتحديثها من حين لآخر».

وعبر فيدان عن تفاؤله بشأن مستقبل سوريا، موضحاً أنه لا توجد مشكلة بشأن الأقليات حالياً، كون الإدارة الجديدة ضامنة لحقوقها، ورغم ذلك، لم يستبعد حدوث مشكلات في المستقبل حول ضمان الأمن القومي ووحدة سوريا.

الحكومة أولوية قصوى

وشدد فيدان على أن الأولوية القصوى حالياً في سوريا هي تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، بحيث تقدم هذه الحكومة الخدمات للشعب وتُحقق التمثيل الدولي، لأن قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع لا يحمل حالياً صفة الرئيس الرسمي للدولة، بل ما زال قائد هيئة الثورة.

وفيما يتعلق بتصريح الشرع حول الحاجة إلى فترة من 4 إلى 5 سنوات لصياغة دستور وإجراء انتخابات في سوريا، عبر فيدان عن اعتقاده بأن الشرع صرح بذلك كـ«مثال» فقط، لافتاً إلى أنه خلال لقائهما في دمشق ناقشا مسألة إعداد الدستور وإجراء الانتخابات.

وأضاف أن إعداد دستور جديد يتطلب استفتاء شعبياً أو موافقة مجلس النواب، وهذا يستوجب إجراء انتخابات، ولإجراء الانتخابات، يجب أن يعود أكثر من 10 ملايين شخص إلى البلاد.

وشدد فيدان على ضرورة البدء فوراً بهذه العملية، وعند استقرار الأمور، يجب إجراء الانتخابات، لافتاً إلى أن الشرع ليس في موقف «المتهرب من الانتخابات»، وأنه شرح له تفاصيل هذه العملية، خلال لقائه به في دمشق.

جانب من مباحثات فيدان والشرع في دمشق في 22 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

وعن اسم سوريا وهل سيظل كما هو في المستقبل، قال وزير الخارجية التركي إن اسم الدولة سيظل كما هو: «الجمهورية العربية السورية».

وأكد فيدان ضرورة بدء مشاريع إعادة الإعمار لأنها «خطوة ضرورية» لبدء عودة اللاجئين السوريين، وأشاد بدعم «الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، والفصائل الأخرى في الجنوب السوري للإدارة الجديدة، وضمانها الأمن العسكري.

ولفت إلى أنه بعد توحيد هذه الجهود حول جيش واحد، سيتبقى خطران أمام السوريين: إمكانية تنظيم فلول النظام القديم أنفسهم سواء بشكل جماعي أو من خلال خلايا نائمة، والثاني هو دخولهم في صراع مع الإدارة الجديدة.

وشدد فيدان على أن تركيا لا تريد الهيمنة على الإدارة الجديدة في سوريا، مشيراً إلى «أنه بعد التطورات الأخيرة في سوريا، كان هناك بعض التحفظات لـ(أشقائنا العرب) في المنطقة، وأكدت لهم أننا لا نقبل بأي حال سياسة تهيمن فيها تركيا أو إيران أو العرب على الآخرين في المنطقة، وأننا نريد توظيف تأثيرنا الذي نشأ من علاقة الأخوة والجغرافيا والعلاقات الحدودية، لصالح البلدين بأفضل طريقة ممكنة».

تلويح بعمل عسكري

أضاف: «قدرتنا على التأثير نابعة من امتلاكنا القوة الرادعة واستخدامها عندما يكون هناك تلاعب أو محاولات للتحايل ضدنا، ولدينا الأدوات التي تمكننا من الرد، ويجب أن يعلم الآخرون أننا خضنا الحروب ولن نتراجع عن خوضها عندما يتطلب الأمر، وأن يعلموا أننا قادرون على الرد عندما نرى شيئاً خاطئاً».

ولم يستبعد فيدان إمكانية تنفيذ عملية عسكرية تركية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي تقود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إذا لم تحقق مطالب تركيا المتمثلة في إلقاء السلاح ومغادرة القادة والعناصر الأجنبية البلاد، وبدء العناصر المحلية العمل مع الإدارة السورية الجديدة.

وأضاف أن الإدارة السورية تُجري حواراً مع تركيا، وأكدت موقفها سابقاً وستفعل ذلك مجدداً، لكن إذا لم تكن هناك نتائج، فإن الخيار الشرعي سيكون تنفيذ الإجراء اللازم، وهو عملية عسكرية.

ولفت فيدان إلى أن الرئيس رجب طيب إردوغان أصدر أوامر للجنود الأتراك بتولي إدارة السجون والمعسكرات التي يُحتجز فيها أعضاء تنظيم «داعش»، والتي تديرها حالياً قوات «قسد» التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، إذا كانت الإدارة السورية الجديدة غير قادرة على القيام بذلك.

وقال إن الإدارة الجديدة في سوريا وصلت إلى ما وصلت إليه عبر خوض المعارك والحرب، وليست إدارة يمكن الاستهانة بها أو تخاف الحرب، وتملك القدرة على محاربة القوات الكردية.

قوات تركية خلال عملية «نبع السلام» العسكرية ضد «قسد» في شمال شرقي سوريا في 2019 (أرشيفية)

ولفت إلى أن أنقرة وجهت إنذاراً نهائياً للتنظيم عبر أميركا وعبر الصحافة أنه يجب على «الإرهابيين الأجانب» في صفوفه، ممن جاءوا من تركيا وإيران والعراق أن يغادروا سوريا فوراً.

وأوضح أن هدف تركيا من توجيه الإنذارات هو توضيح أنه إذا لم يرغب هؤلاء في عمليات عسكرية في المنطقة، سواء من جانبنا أو من جانب الإدارة السورية الجديدة، فإن الشروط واضحة.

وقال فيدان: «في المقابل، يجب أن يعيش الأكراد السوريون (الأعزاء) ممن لم ينخرطوا في تنظيم حزب (العمال) الكردستاني، بحرية، دون أن يتعرضوا لأي ضرر في أرواحهم أو ممتلكاتهم، ويجب أن يشاركوا في الحياة الطبيعية، والإدارة السورية الجديدة تضمن لنا ذلك». وأشار إلى ضرورة منح الأكراد السوريين الجنسية وبطاقة الهوية.

في السياق، كشفت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية عن أن وفد «قسد» الذي التقى الشرع في دمشق، مؤخراً، طالب بالحصول على فرقة أو فيلق في الجيش السوري الجديد، مقابل ترك أسلحتهم.

وأضافت الصحيفة أن وفد «قسد» اقترح تقاسم إنتاج حقول النفط، التي يقوم بالعمل عليها وتطويرها بدعم أميركي، مع السلطات السورية بالتساوي، وأن إدارة الشرع لم تقبل بأي شروط طرحتها «قسد».

دعم من ترمب

وتلقت تركيا دفعة جديدة من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، الذي أشاد مجدداً بصداقته مع إردوغان.

وفي معرض تقييمه لأجندته الخارجية خلال مؤتمر صحافي بولاية فلوريدا ليل الثلاثاء - الأربعاء، أكد ترمب، أثناء الحديث عن مسار الأحداث في سوريا، أهمية تركيا.

وعما إذا كان سيقرر سحب نحو 2000 جندي أميركي موجودين في سوريا، بعد تسلمه الرئاسة، قال ترمب: «لن أخبركم بهذا لأنه جزء من استراتيجية عسكرية، ومع ذلك أستطيع القول إن هذا وضع يتعلق بتركيا».

أحد لقاءات ترمب وإردوغان خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي (أرشيفية)

وأضاف: «الرئيس إردوغان صديقي وأكن له الاحترام، وأعتقد أنه يبادلني الاحترام، إذا نظرت إلى ما حدث في سوريا، تدرك أن روسيا وإيران أصابهما الوهن، إردوغان رجل ذكي للغاية، أرسل رجاله إلى هناك بأشكال وأسماء مختلفة، وهؤلاء ذهبوا وتولوا السيطرة».

الاشتباكات مع «قسد»

في السياق ذاته، تتصاعد الاشتباكات المستمرة لنحو الشهر بين فصائل «الجيش الوطني السوري»، بدعم تركي، و«قسد»، على محاور شرق حلب. وشنت طائرة حربية تركية غارتين جويتين، الأربعاء، استهدفتا محيط سد تشرين وجسر قره قوزاق، ما أسفر عن إلحاق أضرار مادية بالمواقع المستهدفة، كما قصفت المدفعية التركية محيط المنطقة.

وقصفت «قسد» من جانبها عربتين عسكريتين للفصائل في محيط سد تشرين ما أدى إلى تدميرهما، وأسقطت مسيرة تركية.

قصف تركي على محور سد تشرين شرق حلب (المرصد السوري)

وقتل 3 من عناصر الفصائل خلال محاولة للتسلل على مواقع «قسد» على محور دير حافر في ريف حلب الشرقي، واندلعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان».

في الوقت ذاته، وقعت استهدافات بالطيران المسير التركي في عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشرقي، وتم استهداف برج للاتصالات وشبكة الإنترنت في قرية قراقو الواقعة غرب المدينة، ما أدى إلى تدميره وقطع خدمة الإنترنت عن بعض القرى.

وأفاد المرصد بأن القوات التركية استهدفت بشكل مباشر سيارتين مدنيتين على بعد نحو 100 متر من قافلة شعبية ضمت مئات السيارات المدنية خرجت من مدن ومناطق عين العرب (كوباني) والطبقة والرقة والقامشلي والحسكة، باتجاه سد تشرين احتجاجاً على التصعيد التركي في شرق حلب.


مقالات ذات صلة

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي يزداد استعمال الذكاء الاصطناعي لترويج أخبار مغلوطة على وسائل التواصل (رويترز)

مواقع التواصل ميداناً للشائعات وإثارة الفتن في المجتمع السوري

لا تزال الشائعات والمبالغات وخلط الوقائع سبباً رئيساً في تعزيز القلق والمخاوف في أوساط السوريين عموماً والموالين السابقين للنظام السابق بشكل خاص.

سعاد جرَوس (دمشق)
المشرق العربي سيارات تمر أمام دوار يرفع العلم السوري الجديد بعد الإطاحة بنظام الأسد في مدينة السلام التي كانت تُسمّى سابقاً مدينة البعث نسبة للحزب الحاكم في القنيطرة بسوريا 5 يناير 2025 (أ.ب)

سكان القنيطرة السورية محبطون بسبب عدم اتخاذ إجراءات لوقف التقدم الإسرائيلي

يشعر سكان القنيطرة السورية بالإحباط بسبب عدم اتخاذ إجراءات لوقف التقدم العسكري الإسرائيلي الذي بدأ في ديسمبر الماضي، معربين عن تمسّكهم بانتمائهم السوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ سيارة تابعة للأمم المتحدة في مدينة البعث السورية (أ.ف.ب) play-circle 01:59

إدارة بايدن تخفف بعض القيود على سوريا

تخطط إدارة بايدن مع العد التنازلي لرحيلها، للإعلان عن تخفيف القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية لسوريا، بينما تبقي لإدارة ترمب القرار حيال بقية العقوبات.

هبة القدسي (واشنطن)
تحليل إخباري مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط) play-circle 02:28

تحليل إخباري هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده بالجامعة

فتحية الدخاخني (القاهرة)

سوريون اندمجوا في ألمانياً مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
TT

سوريون اندمجوا في ألمانياً مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

بعد 12 عاماً على صورته بطريقة «السيلفي» مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، يبدو اللاجئ السوري الأكثر شهرة في ألمانيا، أنس معضماني، مُرتاحاً في وطنه بالتبني.

ورغم أنه لم يكن يعرف من هي ميركل حينما التقط معها الصورة وهي تزور مركز اللجوء الذي كان فيه؛ فإنه بات اليوم معلقاً بألمانيا قدر ارتباطه بوطنه الأم سوريا.

مثل باقي السوريين الذين وصلوا لاجئين إلى ألمانيا بعد شرارة الثورة في بلادهم عام 2011، يواجه أنس وغيره من أبناء جيل اللجوء، قراراً صعباً: هل نعود إلى سوريا أم نبقى في ألمانيا؟

وخلال فترة ما بعد سقوط الأسد، يبدو أن خطط أنس بدأت تتضح معالمها: يريد الشاب المتحدر من داريا في ريف دمشق، العودة إلى سوريا لزيارة أهله، ومساعدتهم على إعادة بناء منزلهم كخطوة أولى.

بعدها، يقول أنس لـ«الشرق الأوسط»، إنه يريد أن يُقسّم وقته بين ألمانيا وسوريا، ويفتح مشاريع في البلدين. وكما لو أنه يبرر ذنباً ارتكبه يستدرك: «دمشق أجمل مدينة على الأرض، ولكني أحب ألمانيا وبرلين أصبحت مدينتي الثانية».

في ألمانيا، بات أنس مثالاً للاجئ السوري المندمج؛ فهو تعلم اللغة، وحصل على الجنسية ودخل سوق العمل، حتى إنه تعرف على فتاة أوكرانية تُدعى آنا، ويخططان لمستقبلهما معاً.

ولعل مسألة حصول أنس على جواز سفر ألماني هي ما يسهل قراره بالعودة وإن كانت جزئية إلى سوريا؛ فهو يعلم أنه يمكنه التحرك بحرّية بين الجانبين من دون أن يخشى خسارة أوراقه أو إقامته.

أنس معضماني (الشرق الأوسط)

وأنس واحد من قرابة 260 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية الألمانية، فيما يتبقى أكثر من 700 ألف من مواطنيه يعيشون بإقامات لجوء، أو إقامات حماية مؤقتة يمكن أن تُسحب منهم عندما يستقر الوضع في سوريا.

الارتباك للجميع

غير أن الارتباك لم يكن من نصيب اللاجئين السوريين فقط؛ فالتغيير السريع للوضع في دمشق أربك أيضاً سلطات الهجرة في ألمانيا، ودفعها إلى تعليق البت في 47 ألف طلب لسوريين راغبين في الهجرة... الجميع ينتظر أن تتضح الصورة.

ولقد كان الأساس الذي تعتمد عليه سلطات اللجوء لمنح السوريين الحماية، الخوف من الحرب أو الملاحقة في بلادهم. وبعد انتفاء هذه المخاوف بسبب سقوط النظام، ربما سقط السند القانوني.

وامتد هذا الإرباك بشأن وضع اللاجئين السوريين إلى السياسيين الذين سارعوا بالحديث عن «ترحيل السوريين» إلى بلادهم بعد ساعات قليلة على سقوط الأسد.

ولم تصدر تلك الدعوات من الأحزاب اليمينية فقط، بل أيضاً من الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر المنتمية للحزب، والتي تحدثت عن المساعي لتغيير قواعد اللجوء للسوريين، والعمل على إبقاء «المندمج ومن يعمل» وترحيل المتبقين.

سورية ترتدي علم المعارضة السورية ضمن مظاهرات في شوارع برلين 10 ديسمبر احتفالاً بسقوط النظام الأسد (أ.ب)

ولكن الترحيل ليس بهذه البساطة. والكثير مما يتردد عن ترحيل السوريين قد تكون أسبابه انتخابية قبل أسابيع قليلة عن الانتخابات العامة المبكرة التي ستجري في 23 فبراير (شباط) المقبل.

وصحيح أنه من حيث المبدأ، يمكن سحب الإقامات المؤقتة من حامليها؛ لكن ذلك يتطلب أن تصنف وزارة الخارجية سوريا «دولة آمنة ومستقرة»، وهو ما قد يستغرق سنوات.

نيات البقاء والمغادرة

وحتى مع تأخر التصنيف الألماني لسوريا آمنة ومستقرة، لا يبدو أن الكثير من اللاجئين متشجعون للعودة. وبحسب «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» الذي يجمع معلومات دورية حول نيات اللاجئين بالبقاء أو المغادرة، فإن 94 في المائة من السوريين قالوا قبل سقوط الأسد إنهم يريدون البقاء في ألمانيا.

ورغم أنه ليست هناك إحصاءات جديدة منذ سقوط الأسد بعد، فإن المكتب يشير إلى أنه في العادة تزداد نيات البقاء مع زيادة فترة وجود اللاجئ في البلاد. وكلما طالت فترة وجوده، ازدادت إرادة البقاء.

وصل معظم السوريين إلى ألمانيا قبل أكثر من 5 سنوات، جزء كبير منهم قبل عقد من الزمن، وهذا يعني، حسب المركز، أن تعلقهم بألمانيا بات قوياً.

وتنعكس هذه الدراسة فعلاً على وضع اللاجئين السوريين في ألمانيا.

سيامند عثمان مثلاً، لاجئ سوري كردي، وصل إلى ألمانيا قبل 11 عاماً، يتحدر من القامشلي، وهو مثل مواطنه أنس، تعلم اللغة، وحصل على جواز ألماني، وما زالت معظم عائلته في القامشلي. ومع ذلك، لا يفكر بالعودة حالياً.

سيامند عثمان سوري كردي يعيش بألمانيا لا يفكر في العودة حالياً (الشرق الأوسط)

يقول عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في مناطق الأكراد «صعب في الوقت الحالي، وما زال غير مستقر»، ولكنه يضيف: «أنا أحب العودة وهذه أمنيتي، فأهلي هناك، ولكن أتمنى أولاً أن تتفق كل الأطراف في سوريا، ويصبح هناك أمان في منطقتنا».

أكثر ما يخيف سيامند هو عودة الحرب في سوريا، يقول: «تخيلي أن أترك بيتي هنا وأسلم كل شيء وأبيع ممتلكاتي وأعود إلى سوريا لتعود معي الحرب بعد أشهر وأضطر للنزوح مرة جديدة». ومع ذلك فهو مصرّ على أنه سيعود عندما تستقر الأمور.

ماذا عن الاقتصاد؟

المخاوف من عدم الاستقرار ليست وحدها التي تجعل السوريين مترددين في العودة. فالوضع الاقتصادي يلعب دوراً أساسياً، وفق ما تُقدر آلاء محرز التي وصلت عام 2015 إلى ألمانيا.

تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «بنت نفسها من الصفر»؛ تعلمت اللغة، وعادت وتدربت على مهنتها (المحاسبة)، وهي الآن تعمل في هذا المجال، وحصلت على الجنسية الألمانية.

آلاء محرز لاجئة سورية تعمل في ألمانيا (الشرق الأوسط)

ورغم تفاؤلها الكبير بمستقبل سوريا، فإن آلاء المتحدرة من حمص ما زالت تحمل تحفظات حول الوضع هناك، والمسار الذي قد تسلكه سوريا في السنوات المقبلة، وتخشى أن تترك وظيفتها ومنزلها في برلين وتعود من دون أن تجد عملاً مناسباً.

مصاعب العائلات

وإذا كان قرار فرد المغادرة أو البقاء صعباً، فإنه قد يكون أكثر صعوبة للعائلات السورية التي وصلت مع أبنائها الذين نسوا اللغة العربية وأضاعوا سنوات لتعلم الألمانية.

يقول أنس فهد، المتحدر من السويداء، الذي وصل إلى ألمانيا قبل 3 أعوام تقريباً مع عائلته وابنه المراهق، إنه «ما زال يحمل إقامة حماية مؤقتة، ويعمل مهندساً كهربائياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت مبكر الآن لاتخاذ قرار بالعودة»، شارحاً أن ابنه أمضى عاماً من الدراسة يتعلم اللغة الألمانية، وهو يحقق نتائج جيدة جداً في المدرسة ببرلين، ومن الصعب إعادته إلى مدارس سوريا حيث سيضطر لإضاعة عام آخر لدراسة اللغة العربية.

«وصلت يوم سقط الأسد»

وحتى الواصلون الجدد لا يخططون للعودة. لعل أحدثهم باسل حسين الذي وصل إلى برلين يوم سقوط الأسد، بعد أن دفع أكثر من 13 ألف يورو ليدخل عن طريق التهريب، والذي يقول إنه لن يعود الآن وقد وصل للتوّ.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع ما زال غير واضح، وهناك قرارات جديدة كل يوم». يفضل باسل أن يستكشف مستقبله في ألمانيا حتى ولو كان ذلك يعني أن عليه البدء من الصفر، على أن يعود إلى مستقبل غير معروف.

باسل حسين لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا يوم سقوط الأسد (الشرق الأوسط)

وليس فقط السوريون هم المترددين حيال العودة، بل إن الألمان يخشون خسارة كثير منهم دفعة واحدة، خصوصاً أولئك الذين دخلوا سوق العمل ويملأون فراغاً في مجالات كثيرة.

ويعمل أكثر من 5 آلاف طبيب سوري في مستشفيات ألمانيا، ويشكلون بذلك الشريحة الأكبر من بين الأطباء الأجانب في ألمانيا. ويعمل المتبقون في مهن تعاني من نقص كبير في العمال؛ كالتمريض والبناء وقطاع المطاعم والخدمات.

وبحسب معهد أبحاث التوظيف، فإن معدل دخول السوريين سوق العمل هو 7 سنوات لتعلم اللغة وتعديل الشهادات. ويشير المعهد إلى أن السوريين يملأون شغوراً في وظائف أساسية في ألمانيا، ومع ذلك فإن معدل البطالة مرتفع بينهم، خصوصاً بين النساء اللواتي تعمل نسبة قليلة منهن فقط.

وقد حذرت نقابات الأطباء والعمل من الدعوات لتسريع ترحيل السوريين، لما قد يحمله ذلك من تأثيرات على سوق العمل في ألمانيا.

وحذر كذلك مانفريد لوشا، وزير الصحة في ولاية بادن فورتمبيرغ في غرب ألمانيا التي يعمل بها عدد كبير من الأطباء السوريين، من النقاشات حول تسريع الترحيل، وقال: إذا غادر العاملون السوريون في قطاع الصحة «فستكون هناك ثغرة هائلة».

وقالت نقابة المستشفيات في الولاية نفسها، إن «مغادرة كل طبيب أو عامل صحة سوري ستشكل خسارة لنا».