بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

تعترف عمان بـ«الدور التركي» في المرحلة الانتقالية التي تشهدها الجارة الشمالية

لقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأردنية عمان (سانا)
لقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأردنية عمان (سانا)
TT

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

لقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأردنية عمان (سانا)
لقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأردنية عمان (سانا)

يبحث الأردن عن فرص واقعية تمكنه من المشاركة في مشروع إعادة بناء «سوريا الجديدة»، كما وصفها وزير خارجية الإدارة المؤقتة أسعد الشيباني، الذي كان على رأس وفد رسمي يضم وزير الدفاع ومدير المخابرات ووزراء فنيين، الثلاثاء، في عمان.

وإن كان من ارتباط بين «إيجابية المباحثات» التي جرت في مقر وزارة الخارجية بحضور الوزير أيمن الصفدي وقائد الجيش اللواء يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات العامة أحمد حسني، ووزير الطاقة صالح الخرابشة، فإن المصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن ارتباط ذلك بـ«إيجابية الموقف التركي» خلال زيارة وفد أردني رفيع لأنقرة، الاثنين.

واثارت زيارة وفد سياسي عسكري أمني برئاسة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى أنقرة، جانبا من تعليقات المحللين بعيدا عن الإعلام الرسمي، فزيارة تركيا قبل استقبال الوفد السوري في عمان، الثلاثاء، وجد فيها بعض المتابعين «اعترافا أردنيا رسميا بتبعية القرار السوري لتركيا»، في حين وجد آخرون أن «التنسيق مع الدول المؤثرة في القرار السوري أمنيا واقتصاديا، مدخله أنقرة، وهو أمر واقعي تفرضه المجريات على الأرض»، ما يستدعي التنسيق والتشاور والتعاون المستمر.

هنا تبدو عمان منفتحة على أي دور إيجابي في استقرار سوريا انطلاقا من سلامة أمن البلدين، لذلك فإن رأيا داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي، للبحث في تخفيف العقوبات على الشعب السوري، و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية في سوريا». ليكون هذا الانفتاح منطلقا «لاجتماعات فنية ثنائية مثمرة بين الوفدين المجتمعين في مقر وزارة الخارجية»، بحسب تصريحات وزيري الخارجية الأردني والسوري.

وتعاملت عمان منذ الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مع الإدارة السورية المؤقتة كـ«أمر واقع» لا يمكن تجاهله حتى تستقر هوية النظام السوري الجديد المرتبط بنماذج من الإسلام السياسي المتشددة، وهو ما يخشاه ساسة أردنيون، وانسحاب ذلك على المشهد السياسي الداخلي، في ظل وجود كتلة وازنة تمثل «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في البلاد في مجلس النواب (ذراعها الحزبية «جبهة العمل الإسلامي»).

فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

وتعترف عمان بـ«الدور التركي» في المرحلة الانتقالية التي تشهدها الجارة الشمالية سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة «هيئة تحرير الشام» على دمشق ليلة السابع/الثامن من ديسمبر الماضي. وتأمل عمان أن تشارك في دور عربي يعيد بناء «سوريا واحدة موحدة تمثل جميع مكونات الشعب السوري، وتضمن استمرارية عمل المؤسسات والخدمات» بحسب أكثر من تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.

مصالح استراتيجية

يُعرّف الأردن مصالحه الاستراتيجية وأولوياته في العلاقة مع سوريا ما بعد هروب الأسد، كما يلي: أولا: ضمان العودة الآمنة و«الطوعية» للاجئين السوريين إلى بلداتهم بعد ضمان استقرار الأمن في الداخل السوري، ثانيا: الالتزام بجهود مكافحة الإرهاب وبالتحديد خلايا تنظيم «داعش» التي تسعى لإعادة نشاطها الإرهابي ضد أكثر من هدف، ثالثا: ضمان تكامل جهود مكافحة صناعة وتهريب المخدرات من سوريا عبر الحدود الشمالية مع الأردن، رابعا: ضمان وحدة الأراضي السورية وعودة عمل المؤسسات.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يتوسط القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ونظيره السوري أسعد الشيباني خلال زيارته لدمشق (سانا)

وفي هذا السياق، فإن الأردن لا يستطيع تجاوز مخاوفه من عودة الفوضى «في أي لحظة» إلى سوريا، وعودة أسباب التوتر الأمني والعسكري على جبهتها الشمالية. غير أن عمان تمتلك أسبابها في البحث عن فرص لتسوية سياسية شاملة تعيد سوريا الجديدة لعمق عربي بعيد عن تأثير دول إقليمية على قرار دمشق.

وهنا، فإن الشرع بحسب حديث مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، طلب من الأردن رسميا خلال زيارة وزير الخارجية الصفدي إلى دمشق في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، ثلاث قضايا تمكنه من تنفيذ خطته ضمن المرحلة الانتقالية التي حددها بسقف زمني لا يتجاوز شهر مارس (آذار) المقبل. وهي: شطبه من قوائم الإرهاب الدولي، دعم حكمه الجديد من خلال رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، دعم خطته في إعادة إعمار سوريا ضمن مسارات سياسية ضامنة وآمنة.

يأتي ذلك مع تحفظ المصادر على إجابة سؤال «الشرق الأوسط»، عن حقيقة طلب الشرع من الأردن دورا «أمنيا وسيطا» مع بعض الجماعات في مناطق جنوب سوريا، وهي مجموعات تعاملت معها الأجهزة العسكرية والأمنية الأردنية خلال سنوات الأزمة السورية، حفاظا على أمن الحدود بين البلدين، وتراجع ذلك التنسيق مع دخول مرحلة خفض التصعيد عام 2018.

مشاريع ومصالح حيوية للبلدين

وفي الوقت الذي ينتظر فيه الأردن استقرار سوريا على هوية سياسية جديدة بعد نظام الأسد، ومعالجة الملفات الأمنية المُكلفة على الحدود بين البلدين، فإن ما يبحث عنه صنّاع القرار محليا هو عودة الحديث عن مشاريع اقتصادية مشتركة تعيد إنعاش الاقتصاد الأردني الذي عانى طويلا من الحرب في سوريا.

عنصران من القوات المسلحة الأردنية خلال عملية مراقبة لشبكات التهريب عبر الحدود مع سوريا أمس (أ.ف.ب)

وفي ظل مساعي الإدارة السورية الجديدة لرفع العقوبات الاقتصادية، والسعي لدعم الشعب السوري بعد تغيير النظام وخروج إيران من معادلة القرار السوري، فإن من جملة ما سمحت به الإدارة الأمريكية لصالح تخفيف العقوبات على دمشق هو ملف الطاقة، إذ يبحث الأردن عن فرص إعادة إحياء مشروع الربط الكهربائي من عمان إلى سوريا وصولا إلى لبنان، ما يشكل دخلا إضافيا للموازنة العامة قد يصب لصالح خفض عجز الموازنة العامة المتفاقم.

كما أن بين عمان ودمشق اتفاقات مبرمة لا تزال سارية الأثر والمفعول، حول حقوق الأردن المائية في مياه نهر اليرموك وسد الوحدة، وهي الاتفاقيات التي ظلت مجمدة في عهد النظام السوري السابق. كما أن دمشق قامت ببناء سدود وحفر آبار حالت دون امتلاء سد الوحدة ومنح الأردن حقوقه المائية منذ عام 2006.

وبينما كان الوفد السوري الرسمي قد بدأ مباحثاته في عمان، أعلنت سلطة الطيران المدني في البلاد، وصول أول طائرة تابعة للملكية الأردنية لمطار دمشق الدولي، وعلى متنها فريق فني للكشف على جاهزية المطار لاستقبال الرحلات الجوية بين العاصمتين، والتي كانت متعددة الأوقات قبل بدء الأزمة السورية، وتم تعليقها بسبب الأحداث.

قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

وعلى ما يبدو فإن الملف الأهم في المصالح الحيوية اليوم بين الأردن وسوريا، جاء في خبر رسمي حول استقبال قائد الجيش اللواء يوسف الحنيطي، الثلاثاء، في مكتبه بالقيادة العامة، وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة. وأكد الحنيطي استعداد القوات المسلحة الأردنية لتسخير مختلف الإمكانات والقدرات التي تمتلكها وتوظيفها بشكل يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة و«تعزيز الأمن الوطني للبلدين الشقيقين».

يأتي ذلك في وقت لمحت فيه مصادر أردنية مطلعة لدور أردني محتمل في إعادة بناء الجيش السوري وتدريبه، ما يفتح على شكل جديد من العلاقات الثنائية على المستوى الأمني والعسكري، وهي قناة مهمة من شكل العلاقات بين البلدين لها أهميتها وأولويتها على الأقل في المرحلة المقبلة أو المدى المنظور.


مقالات ذات صلة

الغرب يحذّر سوريا من تعيين «مقاتلين أجانب» في الجيش

المشرق العربي مقاتلون من «هيئة تحرير الشام» في دمشق (رويترز)

الغرب يحذّر سوريا من تعيين «مقاتلين أجانب» في الجيش

حذّر مبعوثون أميركيون وفرنسيون وألمان الحكام الجدد في سوريا من أن تعيينهم لـ«مقاتلين أجانب» في مناصب عسكرية عليا يمثّل مصدر قلق أمني ويسيء لصورتهم.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي سيارة جيب إسرائيلية الجمعة في المنطقة العازلة على الحدود بين إسرائيل وسوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل (إ.ب.أ)

إسرائيل تريد الاحتفاظ بمجالي «سيطرة» و«نفوذ» في عمق سوريا

تخطط إسرائيل للاحتفاظ بمجالي «سيطرة» (احتلال) و«نفوذ» (استخباراتي) في الأراضي السورية للتعامل مع الواقع الجديد الذي نشأ عقب سقوط نظام بشار الأسد.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي أحمد الشرع مستقبلاً أنطونيو تاياني في دمشق (سانا)

وزير الخارجية الإيطالي: الشرع أعرب عن استعداده «لمنع الهجرة غير الشرعية»

أعلن وزير الخارجية الإيطالي، الجمعة، أن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الذي التقاه في وقت سابق في دمشق، أعرب عن استعداده «لمنع الهجرة غير الشرعية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في إسطنبول (رويترز)

تركيا تستبعد أي دور لفرنسا في ملف الأكراد بشمال شرقي سوريا

استبعد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أي دور للقوات الفرنسية في سوريا عادّاً أن الولايات المتحدة هي المحاور الوحيد لبلاده.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ميقاتي إلى دمشق لتدشين العلاقة الرسمية مع القيادة الجديدة

يتوجّه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى دمشق، السبت، للقاء قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

وزير الخارجية الإيطالي: الشرع أعرب عن استعداده «لمنع الهجرة غير الشرعية»

أحمد الشرع مستقبلاً أنطونيو تاياني في دمشق (سانا)
أحمد الشرع مستقبلاً أنطونيو تاياني في دمشق (سانا)
TT

وزير الخارجية الإيطالي: الشرع أعرب عن استعداده «لمنع الهجرة غير الشرعية»

أحمد الشرع مستقبلاً أنطونيو تاياني في دمشق (سانا)
أحمد الشرع مستقبلاً أنطونيو تاياني في دمشق (سانا)

أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الجمعة، أن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الذي التقاه في وقت سابق في دمشق، أعرب عن استعداده «لمنع الهجرة غير الشرعية».

وقال تاياني خلال مؤتمر صحافي في بيروت التي وصل إليها من دمشق: «الشرع قال إنه مستعد لمنع الهجرة غير الشرعية ومكافحة مهربي المخدرات. هذان التزامان مهمان جداً لإيطاليا». وأضاف: «لا أريد أن يبقى البحر الأبيض المتوسط مقبرة للمهاجرين، بل نريده أن يكون بحراً للنمو والتجارة».

وأشار وزير الخارجية الإيطالي إلى أنه اقترح وقف العقوبات الأوروبية على سوريا.

وبعدما التقى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع خلال أول زيارة لدمشق، توجه تاياني إلى بيروت حيث التقى رئيس الجمهورية الجديد جوزيف عون، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

جوزيف عون يجتمع مع أنطونيو تاياني في بعبدا (أ.ف.ب)

كانت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، أعربت، الجمعة، عن دعمها لعون، وقالت في بيان: «أنا على قناعة بأن الرئيس عون سيكون قائداً جديراً بالثقة وذا سلطة للبنان، وهو بلد صديق لإيطاليا تربطنا به علاقات تاريخية وعميقة».

ورأى تاياني من جهته أن «انتخاب الرئيس عون يمثل لحظة تاريخية للبنان، وإشارة مهمة للمنطقة بأسرها». وأضاف وفق بيان صادر عن وزارته: «نعمل على أن يكون وقف إطلاق النار مع إسرائيل الخطوة الأولى نحو سلام دائم».

وقال تاياني خلال المؤتمر الصحافي في بيروت: «نحن مستعدون لفعل ما أمكن ليكون لبنان بلداً مستقراً وسوريا مستقرة».

وتوافد مسؤولون أوروبيون إلى دمشق للقاء الشرع الذي وصل إلى السلطة في 8 ديسمبر (كانون الأول) بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد.