انخفاض ملموس في الأسعار بدمشق وإقبال على الشراء... وارتياح شعبي

وفرة بالمواد الأساسية وسعادة لاختفاء الرشى والإتاوات

موظف يعدّ النقود داخل «البنك المركزي السوري» بدمشق في 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
موظف يعدّ النقود داخل «البنك المركزي السوري» بدمشق في 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

انخفاض ملموس في الأسعار بدمشق وإقبال على الشراء... وارتياح شعبي

موظف يعدّ النقود داخل «البنك المركزي السوري» بدمشق في 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
موظف يعدّ النقود داخل «البنك المركزي السوري» بدمشق في 16 ديسمبر 2024 (رويترز)

المتجول اليوم في أسواق وشوارع العاصمة السورية دمشق يَخَال أنها ليست المدينة التي كانت قبل شهر: انخفاض ملحوظ في أسعار عموم المواد الأساسية، وتوفرها بكثافة، يرافق ذلك تحسن الإقبال على الشراء، بعد أقل من شهر على انهيار نظام بشار الأسد.

واضح هو الارتياح لدى السوريين وتطلعهم إلى مزيد من التحسن في المستوى المعيشي، وكذلك لدى أصحاب المحال التجارية بعد انكماش اقتصادي طال وهدد مصادر أرزاقهم.

إقبال على أحد محال ساندويتشات الشاورما في حي الميدان بدمشق (الشرق الأوسط)

أمام واجهة محل لبيع الفَرّوج وساندويتشات الشاورما في حي كفر سوسة بدمشق، يتجمع عدد من الأفراد في انتظار دورهم لتسجيل طلباتهم، وهو مشهد خَفَتَ في السنوات الماضية بسبب ارتفاع الأسعار الخيالي.

يقول مالك المحل، شاهر طرابيشي: «الأوضاع أفضل الآن. الناس كان لديهم همّ وانفرج. كثير من زبائننا كانوا غادروا البلاد بسبب الوضع غير المستقر، وحالياً أرى كثيراً منهم وقد عادوا للشراء من عندنا».

مبادرات خاصة للخدمات ظهرت بدمشق... وفي الصورة خدمة تعبئة أسطوانات الغاز في «ساحة الأمويين» الثلاثاء (رويترز)

ويؤكد أن حركة البيع تزداد يومياً، وأن مستلزمات الإنتاج (زيت، وفَرّوج، وغاز...) متوفرة، وأن أسعارها انخفضت. ويوضح: «قبل سقوط الأسد كنت أشتري لتر المازوت بـ22 ألف ليرة، واليوم سعره بين 14 و15 ألفاً. أسطوانة الغاز سعة 16 كيلوغراماً سعرها كان مليوناً ونصف، وحالياً 600 ألف. صفيحة الزيت 16 كيلوغراماً كان ثمنها 560 ألفاً، بينما الآن 300 ألف».

ويلفت إلى أن انخفاض تكاليف الإنتاج أدى إلى انخفاض أسعار البيع، فبات سعر الفروج المقلي 115 ألف ليرة، بعد أن كان قد وصل إلى 140 ألفاً، وسعر الفروج النيئ اليوم 55 ألفاً، بينما كان بـ80 ألفاً، يضيف: «ازدادت مبيعاتنا بأكثر من 20 في المائة»، وفق طرابيشي، الذي يأمل أن «تعود أيام زمان عندما كنا نبيع ساندويتشة الشاورما بـ25 ليرة»، في حين أن سعرها اليوم 25 ألفاً.

زبائن لبنانيون داخل أحد محال الحلويات الشهيرة في حي الميدان وسط دمشق (الشرق الأوسط)

انخفاض الأسعار، وتحسن الإقبال على الشراء، يلمسهما المستهلك أيضاً لدى أفران صناعة خبز الصمون والكعك والكاتو، فقد انخفض سعر كيلو الخبز إلى 20 ألف ليرة، بعدما كان 30 ألفاً.

وفي ظل ازدحام الزبائن أمام مخبز في منطقة دوار باب مصلى، يصف نبيل الخجا، صاحب المخبز، لـ«الشرق الأوسط»، الأوضاع حالياً بأنها «واعدة»، فقد «وفرت لنا الإدارة الجديدة للبلاد معظم مستلزمات الإنتاج من مازوت وطحين وغيرهما. ووعدونا بتسهيلات أكبر ليصبح الوضع مريحاً أكثر، مثل توفير الكهرباء، ولكنها لم تتوفر حتى الآن، وإذا توفرت فسينخفض سعر الخبز إلى النصف؛ لأن تشغيل المولدات على المازوت يكلفنا شهرياً نحو 700 مليون ليرة، وإذا رفعوا رواتب الموظفين بنسبة 400 في المائة كما أعلنوا، فكل البلاد ستنتعش».

حركة حيوية في شارع للمخابز بمنطقة دوار باب مصلى (الشرق الأوسط)

أكثر ما يريح الخجا هو انتهاء ظاهرة إجبار موظفي المالية والتموين والصحة أصحابَ المحال على دفع رشى وإتاوات لهم، ويقول: «الجيد بينهم، وهم قلة، كان يطلب بضعة كيلوغرامات كعك وصمون، لكن أغلبيتهم كانوا يأخذون أيضاً لأقاربهم، والمصيبة أنه كان يأتينا في اليوم 3 أو 4 من موظفي التموين والصحة، ويصر كل واحد منهم على قبض مبلغ يتراوح بين 100 ألف و200 ألف، والحمد الله هذه الظاهرة انتهت كلياً؛ لأن مسؤولين في الإدارة الجديدة نبهوا علينا الاتصال بهم فور حدوث ذلك».

ازدحام أسواق حي الميدان بالعاصمة السورية ليلة 29 ديسمبر 2024 (الشرق الأوسط)

ولم تمنع برودة الطقس السكان والزائرين من التجول في سوق حي الميدان العريق، المعروفة بانتشار أفخر محال صناعة أنواع الحلويات، والتزود بما يرغبون. في أرجاء أحد تلك المحال عُلّق علم الثورة (العلم الجديد) ووُضع على علب الحلويات، وقد بدا السرور على وجه صاحبه مع وجود «عجقة» زبائن لبنانيين لديه. وبعد الانتهاء من تلبية طلباتهم، قال أبو بدر لـ«الشرق الأوسط»: «سوريا ولدت من جديد، وصار إقبال على الشراء، وستعود البلاد إلى أفضل مما كانت عليه. نسبة الإقبال على الشراء ازدادت كثيراً. إخواننا في الدول العربية يأتون حالياً إلى سوريا، والمهجّرون عاد معظمهم».

بسطة كبيرة لبيع الخضراوات والفاكهة بمنطقة الزاهرة الجديدة في دمشق (الشرق الأوسط)

انخفاض الأسعار ينسحب أيضاً على الخضراوات والفاكهة؛ إذ رصدت «الشرق الأوسط» وصول سعر الكيلوغرام الواحد من الموز إلى 12 ألف ليرة بعدما كان قبل سقوط نظام الأسد بـ30 ألفاً، والبطاطا إلى ما بين 3 آلاف و4 آلاف في حين كانت بـ12 ألفاً، والسكر وصل إلى 9 آلاف بعدما حلق إلى 15 ألفاً.

بالنسبة إلى محمد الحموي، وهو صاحب محل لبيع الخضراوات والفاكهة في بمنطقة الزاهرة، فإن «السبب الرئيسي الذي ساهم في خفض الأسعار هو إزالة حواجز نظام الأسد من الطرق؛ حيث كان عناصرها يجبرون أصحاب سيارات نقل البضائع على دفع إتاوات كبيرة جداً لهم، وهو أمر كان يرفع الأسعار بشكل جنوني».

وأكثر ما ولّد ارتياحاً لدى السكان هو انتهاء عمليات البلطجة والإذلال على الأفران للحصول على الخبز، التي كان يقوم بها شبيحة نظام الأسد. وتقول سيدة أربعينية: «صارت الناس كلها مثل بعضها. صرت آخذ حصتي بأقل من نصف ساعة، وأعامل باحترام».

الوضع الجديد في البلاد، التي كان يعيش أكثر من 90 من سكانها تحت خط الفقر بسبب سياسات النظام المخلوع، لا يروق للبعض؛ إذ يرد صاحب محل في بداية سوق حي الميدان بعد صمت استمر دقائق، لدى سؤاله من قبل مراسل «الشرق الأوسط» إن كانت الأوضاع تحسنت بعد سقوط نظام الأسد، بالدعاء بأن يبعث لي «مين يحكي».

ازدحام سيارات في «ساحة الأمويين»... وعلى الرصيف بسطة لبيع البنزين (الشرق الأوسط)

وبعدما كان يجري الحصول على 25 لتر بنزين كل 14 يوماً، مما يجبر صاحب السيارة على شرائه من السوق السوداء بسعر مرتفع (25 ألف ليرة للتر)، باتت بسطات بيع عبوات المادة تنتشر بكثافة في معظم الشوارع الرئيسية بسعر 135 ألفاً للواحدة، ويقول الباعة إن سعتها 9 لترات، أي يبلغ سعر اللتر 15 ألفاً.

وتركت عملية السماح بالتعامل بالدولار ارتياحاً كبيراً لدى السكان، وشهد سعر صرف الليرة السورية أمامه تحسناً ملحوظاً؛ إذ سجّلت 13500 مقابل الدولار للشراء، و13635 للبيع في «مصرف سوريا المركزي»، في حين وصلت الليرة في السوق الموازية إلى 12500 لكل دولار للشراء، و13000 للبيع، وفق عدد من التطبيقات.


مقالات ذات صلة

«الصليب الأحمر»: معرفة مصير المفقودين في سوريا «تحدٍّ هائل»

المشرق العربي مقاتلون يقفون بجوار غرافيتي كتب عليه «لن ننسى ولن نسامح» أثناء حراسة مدخل سجن صيدنايا في سوريا (رويترز)

«الصليب الأحمر»: معرفة مصير المفقودين في سوريا «تحدٍّ هائل»

رأت رئيسة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» ميريانا سبولياريتش أن معرفة مصير المفقودين في سوريا يطرح «تحدياً هائلاً» بعد أكثر من 13 عاماً من حرب مدمرة

«الشرق الأوسط» (دمشق)

وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، مستقبلاً قادة فصائل مسلحة (سانا)

دمشق تمهّد لبدء «انخراط الفصائل» في وزارة الدفاع

كشف الحكم الجديد في دمشق، أمس، عن خطوات جديدة مرتبطة بخطة دمج الفصائل المسلحة في المؤسسة العسكرية التي يتم بناؤها على أنقاض النظام السابق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الخليج الطائرة الإغاثية السعودية تحمل على متنها مساعدات غذائية وطبية وإيوائية (واس)

وصول طائرة الإغاثة السعودية السادسة إلى مطار دمشق

وصلت الطائرة الإغاثية السعودية السادسة التي يسيِّرها «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، إلى مطار دمشق، وتحمل على متنها مساعدات غذائية وطبية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة لدى وصوله إلى الدوحة برفقة وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات (أ.ف.ب)

الشيباني من الدوحة: نكرر دعوتنا لرفع العقوبات عن سوريا

وصل وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد حسن الشيباني إلى الدوحة اليوم (الأحد)، في ثاني زيارة خارجية له.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تتمركز في شمال شرقي منبج (أ.ف.ب)

100 قتيل في يومين من الاشتباكات بين الأكراد والفصائل الموالية لتركيا

أسفرت الاشتباكات المتواصلة بين الفصائل الموالية لتركيا و«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، في ريف منبج، شمال سوريا، عن أكثر من مائة قتيل خلال يومين حتى فجر الأحد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مقتل فلسطيني برصاص القوات الإسرائيلية بالضفة الغربية

أقارب شاب فلسطيني قتل علي يد الجيش الإسرائيلي خلال جنازته في مخيم بلاطة بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
أقارب شاب فلسطيني قتل علي يد الجيش الإسرائيلي خلال جنازته في مخيم بلاطة بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

مقتل فلسطيني برصاص القوات الإسرائيلية بالضفة الغربية

أقارب شاب فلسطيني قتل علي يد الجيش الإسرائيلي خلال جنازته في مخيم بلاطة بالضفة الغربية (إ.ب.أ)
أقارب شاب فلسطيني قتل علي يد الجيش الإسرائيلي خلال جنازته في مخيم بلاطة بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

قالت حركة «فتح» الفلسطينية في بيان، إن فلسطينياً قُتل برصاص القوات الإسرائيلية خلال مداهمة في الضفة الغربية المحتلة اليوم (الأحد).

ومن جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إن قواته قتلت مسلحاً «وصادرت 4 قطع أسلحة وآلاف الشواقل من أموال الإرهابيين، وفككت معملاً لتصنيع المتفجرات».

وذكرت وسائل إعلام فلسطينية أن قوات الاحتلال أطلقت النار على منزل رجل يبلغ من العمر 37 عاماً في بلدة جنوب جنين بالضفة الغربية، وأن إسرائيل لا تزال تحتجز جثمانه، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

جنود إسرائيليون يفجرون عبوة زرعها مقاتلون فلسطينيون في مخيم نور شمس بالضفة الغربية الشهر الماضي (أ.ب)

وجنين بشمال الضفة الغربية مركز للجماعات المسلحة الفلسطينية منذ عقود، وقاومت الفصائل المسلحة محاولات متكررة لإخراجها من قبل الجيش الإسرائيلي.

ودخلت قوات الأمن الفلسطينية إلى جنين الشهر الماضي، في خطوة تقول إنها تهدف إلى قمع الجماعات المسلحة من «الخارجين عن القانون» الذين أسسوا قاعدة في المدينة ومخيم اللاجئين المجاور لها.

وقُتل مئات الفلسطينيين وعشرات الإسرائيليين في الضفة الغربية منذ الهجوم الذي شنته حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع الحرب في غزة وصراع أوسع على عدة جبهات.