نهاية الحرب لا تخفض إيجار المنازل في لبنان

مواطن يصوّر بيته الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

نهاية الحرب لا تخفض إيجار المنازل في لبنان

مواطن يصوّر بيته الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

رغم دخول قرار وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وعودة عدد كبير من النازحين إلى قراهم وبلداتهم في الجنوب والبقاع وكذلك إلى الضاحية الجنوبيّة لبيروت، فإن الإيجارات لا تزال مرتفعة في جميع مناطق لبنان.

ففي زمن الحرب، رفع أصحاب العقارات وتجار الأزمات الإيجارات بسبب زيادة الطلب على المنازل والوحدات السكنية وحاجة العائلات النازحة الماسة إليها كي لا يكون مصيرهم في مراكز الإيواء التي افتقدت، في أكثر الأحيان، إلى الحاجات الحياتية الأساسية، في الشمال ومنطقة جبل لبنان وكذلك بيروت الإدارية. وبعدما وضعت الحرب أوزارها وبدأ السكان يعودون إلى منازلهم وقراهم، أمِل كثيرون في لبنان أن تعود الإيجارات إلى طبيعتها، لكن ذلك لم يحدث؛ حيث استمرت الأسعار على ما هي عليه خلال مدة النزوح.

وضع كارثي

وتقول منى جهمي لـ«الشرق الأوسط»، وهي صاحبة منزل متضرر في صور (جنوب لبنان): «بعد عودتي إلى الجنوب، اضطررت لاستئجار شقة على مقربة من منزلي لتتسنى لي متابعة عملية إصلاحه من الأضرار التي أصابته نتيجة الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي وقعت بالقرب منه، فدفعت ألف دولار بدل إيجار شقة في منطقة تقع بين الحوش وعين بعال لمدة 3 أسابيع فقط». وتصف جهمي الوضع بـ«الكارثي»، قائلة: «أنا موظفة في التعليم الثانوي، ورواتبنا متدنية. ما حصل معنا هو نكبة العمر».

مع العلم أن بعض النازحين لم يعودوا إلى منازلهم بعد في بلدات بجنوب لبنان في انتظار انتهاء فترة الـ60 يوماً المحددة لانسحاب القوات الإسرائيلية من البلدات الحدودية اللبنانية وانتشار الجيش اللبناني و«قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)»، لضمان انتهاء الحرب كلياً، خصوصاً في ظل الخروقات الإسرائيلية اليومية بالجنوب، حيث لا يزال الطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، وكذلك المسيّرات والاستهدافات مستمرة في القرى الحدودية.

بدوره، يقول عباس، وهو أحد سكان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين تضررت منازلهم، لـ«الشرق الأوسط»: «ارتفعت الإيجارات كثيراً في الضاحية، حتّى باتت تفوق قدرة معظم سكان الضاحية، وذلك بسبب جشع وطمع البعض من أصحاب الأملاك».

ويضيف: «يحتاج منزلي، الذي تضرر بشكل كبير جداً، إلى ما بين 9 أشهر وسنة كي يصبح صالحاً للسكن؛ إذ، وفق المهندسين الذين كشفوا على المبنى، لم يحدَّد بعد ما إذا كان المبنى سيُرمم أم سيهدم بالكامل، وفي الحالتين، سنبقى خلال هذه المدة، أنا وعائلتي المؤلفة من 4 أشخاص، في المنزل الذي استأجرته».

وعن بدل الإيجار الذي يدفعه، يقول: «600 دولار شهرياً، في الضاحية نفسها، تضاف إليها تكلفة الفواتير الأخرى الأساسية، مثل المياه والكهرباء والإنترنت، وهي تكلفة مرتفعة بالنسبة إلينا، فأنا موظف قطاع عام ورواتبنا ليست كبيرة».

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

إيجارات غير واقعية

هذا الواقع ينسحب على منطقة الشمال التي لجأ إليها جزء كبير من اللبنانيين عند توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي.

تقول السيدة الخمسينية داليا: «مرّ أكثر من شهر وأنا أبحث عن شقة للإيجار في منطقة المينا - طرابلس (شمال لبنان) كي أكون على مقربة من مكان عملي، وقد أمِلتُ خيراً بعد أن عاد النازحون إلى مناطقهم، لكنني فشلت في إيجاد خيار يناسبني وبسعر معقول».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «طلب أحدهم 1300 دولار بدل شقة صغيرة مفروشة في شارع (مارالياس)، وهو مبلغ كبير جداً مقارنة بما نتقاضاه في لبنان» وتتابع: «تُضاف إلى هذا المبلغ قيمة فواتير الكهرباء والإنترنت وخدمات المبنى».

وتقول داليا، وهي أم لأربعة أطفال: «كيف يمكن تأمين مصاريف البيت واحتياجات أولادي، من مأكل ومشرب ولباس وتعليم، في حال دفعت شهرياً هذا المبلغ؟»، مضيفة: «كيف لبدل إيجار شقة أن يكون أكثر بكثير من رواتب جزء كبير من اللبنانيين، الأرقام حقاً مخيفة ومبالغ فيها، حتّى ولو كانت في حدود 800 دولار».

مع العلم أن الإيجارات ارتفعت كثيراً في عاصمة الشمال طرابلس، مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان، وذلك نتيجة النزوح واستغلال البعض حاجة النازحين الماسة للمأوى، لكن أبناء المدينة أنفسهم يشتكون أيضاً من هذه الأرقام المبالغ فيها التي تخرج عن قدرة جزء كبير منهم.

حماية المستهلك

وفق الخبير القانوني علي عباس، يفترض أن تخضع العقود بين المالك والمستأجر لحرية التعاقد، ولكن توجد قيم تأجيرية معتمدة على مستوى البلديات والمالية يجب أن تكون معياراً أو مؤشراً للإيجارات في لبنان.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هنا يبرز دور مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، بأن تحمي المستأجرين من مزاجية المالك الذي بات يضع السعر الذي يريده وفيه كثير من الغبن بحق المستأجر».

ويتابع: «على الوزارة التأكد فعلاً مما إذا كان هناك ارتفاع غير مبرر لبدل الإيجار من باب عدم التوازن بين موجبات العقد، وكأن المالك يفرض شروطاً أسدية (بمعنى تصب في مصلحته) على حساب المستأجر، ويلزمه بما هو أكثر من القيمة الحقيقية لبدل الإيجار، بسبب ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية وجشع التجار».

صورة تظهر الدمار بموقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت مدينة النبطية جنوب لبنان (أ.ف.ب)


مقالات ذات صلة

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف بجوار حاجز على جبل الشيخ (أ.ف.ب)

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

نفذت القوات الإسرائيلية تفجيرات في بلدة كفركلا وفي محيط بلدتي عيتا الشعب والوزاني، سُمع دويها في بلدات عدة بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

بعد انتخاب العماد جوزيف عون، تؤكد باريس أن «دعمنا للبنان سيكون متواصلاً وتاماً وغير مشروط»، وتحث السياسيين اللبنانيين على تشكيل حكومة قوية تدعم الرئيس.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي سفراء الدول والدبلوماسيون حاضرون في جلسة انتخاب الرئيس اللبناني (رويترز)

ترحيب عربي ودولي واسع بانتخاب عون رئيساً للبنان

لاقى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبنان ردود فعل دولية وعربية مرحبّة ومشددة على أهمية أن تستعيد البلاد الأمن والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز) play-circle 01:12

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً بـ99 صوتاً، وذلك بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي خلال عملية فرز أصوات النواب في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية (د.ب.أ)

مفاوضات ما بين الجولتين تضم «الثنائي الشيعي» إلى التوافق النيابي

لم يكن إخراج انتخاب الرئيس جوزيف عون سهلاً، بسبب العائق الدستوري المتمثل في نص «المادة 49»، الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى قبل مرور سنتين على استقالتهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

عجلت فرنسا في الإعراب عن سرورها بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في الجولة الثانية من جلسة مجلس النواب، وعدّت أن وصوله إلى «قصر بعبدا» يأتي «في لحظة تاريخية وحاسمة بالنسبة إلى لبنان، هذا الانتخاب يضع حداً لسنتين من الشغور الرئاسي الذي أضعف لبنان. ويفتح صفحة جديدة للبنانيين، وينبغي أن يكون الانتخاب مصدر أمل لهم ولجميع شركاء لبنان وأصدقائه»، فيما أعلن «الإليزيه» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور «لبنان قريبا جدا»، بعد اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس عون وتمنّى فيه الرئيس الفرنسي «كل النجاح» لنظيره اللبناني.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية، قد قالت بعد دقائق قليلة من انتهاء العملية الانتخابية، في بيان قرأه كريستوف لوموان، الناطق باسمها، إن انتخاب الرئيس الجديد «مصدر تشجيع لفرنسا، التي عملت جاهدةً على إعادة تشغيل المؤسسات اللبنانية عبر التعبئة الكاملة للوزير جان نويل بارو، وبعثة المساعي الحميدة التي يقودها منذ يونيو (حزيران) 2023 الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في لبنان، جان إيف لودريان، بالتعاون الوثيق، بالطبع، مع شركائنا في (اللجنة الخماسية)».

هذا وذكرت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون «أبلغ الرئيس عون بأنّ فرنسا ستواصل جهودها الرامية للتوصل سريعاً إلى تشكيل حكومة قادرة على جمع اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم واحتياجاتهم وإجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار والاستقرار والأمن وسيادة لبنان».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً لسفراء بلده عبر العالم الاثنين الماضي... وقد لعب دوراً ميسِّراً ساهم في انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية (أ.ف.ب)

بيد أن الدور الفرنسي لم يتوقف عند بارو وبعثة لودريان؛ إذ إن الرئيس إيمانويل ماكرون أدى درواً خاصاً وفاعلاً عبر الاتصالات الكثيرة التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين، الذين دعا بعضهم إلى باريس، والبعض الآخر تواصل معه عبر الهاتف، حتى في الأيام الأخيرة. فضلاً عن ذلك، أجرى ماكرون مشاورات عدة مع الجانب الأميركي ومع أطراف عربية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، وكذلك مع مصر والأردن وقطر والإمارات. كذلك لعبت الخلية الدبلوماسية في «قصر الإليزيه» دوراً مهماً، ممثلة في مانويل بون، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، وآن كلير لو جاندر، مستشارته لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي.

باريس تدعو لتعجيل تشكيل حكومة داعمة للرئيس الجديد

لم تكتف باريس بالتهنئة؛ بل وجهت مجموعة من الرسائل؛ أولاها دعوة السلطات والسياسيين اللبنانيين إلى «الانخراط في إنهاض مستدام» للبنان الغارق منذ سنوات في أزمات متعددة الأشكال سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، فضلاً عن إعادة إعمار ما تهدم بسبب الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» وما نتج عنها من دمار مخيف. والطريق إلى ذلك، يمر، وفق «الخارجية» الفرنسية، عبر «تشكيل حكومة قوية، وداعمة لرئيس الجمهورية، وقادرة على لمّ شمل اللبنانيين والاستجابة لتطلعاتهم واحتياجاتهم، وإجراء الإصلاحات اللازمة لانتعاش لبنان الاقتصادي واستقراره وأمنه وسيادته».

وسبق لفرنسا أن أسدت، مع دول رئيسية أخرى، هذه النصائح للبنان منذ سنوات كثيرة وقبل الشغور الرئاسي؛ لا بل إنها دعت منذ عام 2018 السلطات اللبنانية إلى القيام بإصلاحات سياسية (الحوكمة) واقتصادية يحتاجها لبنان، ويطالب بها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والاقتصادية الإقليمية والدولية؛ لمد يد العون والمساعدة للبنان. ويتعين التذكير بأن مؤتمر «سيدر» الذي دعت إليه فرنسا واستضافته في عام 2018، وعد بتقديم 11 مليار دولار للبنان قروضاً ومساعدات؛ شرط إتمام الإصلاحات، وهو الأمر الذي لم يحدث.

الرئيس اللبناني الجديد مستعرضاً الحرس الجمهوري لدى وصوله إلى قصر بعبدا الخميس (د.ب.أ)

دعم غير مشروط للبنان

ترى باريس أن انتخاب العماد عون يمكن أن يساهم في أمرين؛ الأول: الذهاب إلى استقرار لبنان من جهة؛ وثانياً، من جهة أخرى، «التنفيذ السليم، في المستقبل القريب، لوقف إطلاق النار» بين لبنان وإسرائيل بموجب الاتفاق المبرم في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي دفعت باريس إليه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

بيد أن الرسالة الأخرى التي شددت عليها وزارة الخارجية الفرنسية عنوانها أن باريس «ملتزمة بحزم» بتحقيق هذا الأمر (احترام وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي رقم «1701»)، وذلك «إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية و(قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - يونيفيل)».

وزيرا خارجية فرنسا والولايات المتحدة يتحدثان للصحافة بمقر وزارة الخارجية الفرنسية الأربعاء (أ.ف.ب)

وبكلام قاطع، أرادت فرنسا أن تقول إنها إذا كان لها دور عبر مشاركتها في «اللجنة الخماسية» وفي دفع الطبقة السياسية اللبنانية إلى الوصول لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إلا إنها لن تتخلى عن لبنان مستقبلاً. وجاء في بيان «الخارجية» أن فرنسا «وقفت إلى جانب لبنان والشعب اللبناني، وستواصل القيام بذلك، وهو الأمر الذي يعلم به رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد جوزيف عون».