الجماعات الكردية السورية في موقف دفاعي مع تغير ميزان القوى

الشرع: الأكراد جزء من سوريا ونرفض أي تقسيم

لقطة من فيديو لعناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» تطلق طائرة مسيّرة تحمل قذيفة مضادة للدبابات
لقطة من فيديو لعناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» تطلق طائرة مسيّرة تحمل قذيفة مضادة للدبابات
TT

الجماعات الكردية السورية في موقف دفاعي مع تغير ميزان القوى

لقطة من فيديو لعناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» تطلق طائرة مسيّرة تحمل قذيفة مضادة للدبابات
لقطة من فيديو لعناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» تطلق طائرة مسيّرة تحمل قذيفة مضادة للدبابات

مع حشد جماعات معادية مدعومة من تركيا ضدها في شمال سوريا، وسيطرة جماعة صديقة لأنقرة على دمشق، تقف الفصائل الكردية الرئيسية في سوريا في موقف دفاعي، بينما تسعى للحفاظ على مكاسب سياسية حققتها خلال الحرب على مدى 13 عاماً.

وكان أكراد سوريا، وهم جزء من مجموعة أكبر من الأكراد تمتد من العراق إلى إيران وتركيا وأرمينيا، من بين الفائزين القلائل حتى الآن في الصراع السوري الذي سيطروا خلاله على ما يقرب من ربع مساحة البلاد، وقادوا جماعة مسلحة قوية تُعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم «داعش».

وقال محللان ودبلوماسي غربي كبير، لوكالة «رويترز»، إن ميزان القوى لم يعد يرجح كفة الأكراد منذ اجتياح مقاتلي «هيئة تحرير الشام» لدمشق هذا الشهر، وإطاحتهم بالرئيس بشار الأسد.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا التغيير المزلزل في سوريا إلى زيادة النفوذ التركي، في الوقت الذي يثير فيه أيضاً تغيير الإدارة الأميركية، تساؤلات بشأن المدة التي ستستمر فيها واشنطن في دعم القوات التي يقودها الأكراد في البلاد.

وبالنسبة لتركيا، تمثل الفصائل الكردية تهديداً للأمن القومي؛ إذ تعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يشن تمرداً ضد الدولة التركية منذ عام 1984، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة وقوى أخرى منظمة إرهابية.

وقال آرون لوند، الزميل بمركز أبحاث «سينشري إنترناشيونال» بالولايات المتحدة، إن الجماعات الكردية السورية «تواجه مشكلة كبيرة للغاية».

وتابع قائلاً: «تحوَّل الميزان بشكل جوهري في سوريا نحو ترجيح كفة الفصائل المدعومة من تركيا أو المتحالفة معها، ويبدو أن تركيا مصممة على استغلال ذلك على الوجه الأكمل».

وانعكس هذا التحول على تجدد القتال للسيطرة على الشمال؛ حيث حققت فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، معروفة باسم «الجيش الوطني السوري»، تقدماً عسكرياً في مواجهة «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد.

وقال فنر الكعيط، وهو مسؤول كبير في الإدارة الإقليمية التي يقودها الأكراد، في تصريح لوكالة «رويترز»، إن الإطاحة بالأسد تمثل فرصة لإعادة تماسك الدولة المنقسمة.

وعمل حزب «البعث القومي العربي» الذي قاده الأسد على قمع الأكراد على مدى عقود.

القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي (رويترز)

وقال الكعيط إن الإدارة مستعدة للحوار مع تركيا، لكن الصراع في الشمال أظهر أن أنقرة لديها «نوايا سيئة جداً. بالتأكيد هذا سيدفع المنطقة نحو هاوية جديدة وصراع جديد».

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس الجمعة، إنه يتوقع أن تسحب الدول الأجنبية دعمها للمقاتلين الأكراد بعد الإطاحة بالأسد، وذلك مع سعي أنقرة إلى عزل «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تقود تحالف «قوات سوريا الديمقراطية».

ورداً على أسئلة من «رويترز»، قال مسؤول تركي إن السبب الجذري للصراع «ليس رؤية تركيا تجاه المنطقة، إنما السبب هو كون (حزب العمال الكردستاني) منظمة إرهابية».

وأضاف: «يجب على عناصر (حزب العمال الكردستاني) و(وحدات حماية الشعب) التخلي عن أسلحتهم ومغادرة سوريا».

وفي مقابلة مع «رويترز»، يوم الخميس، أقر القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد، مظلوم عبدي، وللمرة الأولى، بوجود مقاتلين من «حزب العمال الكردستاني» في سوريا.

وقال عبدي إن مقاتلي حزب العمال قدموا الدعم في قتال تنظيم «داعش»، وسيغادرون سوريا إذا جرى الاتفاق مع تركيا على وقف كامل لإطلاق النار. كما نفى وجود أي علاقات تنظيمية مع «حزب العمال الكردستاني».

النسوية والجماعات الإسلامية

في الوقت نفسه، تظهر القيادة الجديدة في دمشق وداً تجاه أنقرة، وتعبّر عن رغبتها في توحيد كل سوريا تحت مظلة إدارة مركزية، وهو ما قد يكون تحدياً للحكم اللامركزي الذي يفضّله الأكراد.

في حين تقدم تركيا الدعم المباشر لـ«الجيش الوطني السوري»، فإنها، شأنها شأن دول أخرى، تصنّف «هيئة تحرير الشام» جماعة إرهابية بسبب صلاتها السابقة بتنظيم «القاعدة».

القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع

وعلى الرغم من هذا، يُعتقد أن أنقرة لديها تأثير كبير على الجماعة. وقال دبلوماسي غربي كبير «من الواضح أن الأتراك يمكنهم التأثير عليهم أكثر من غيرهم».

وصرّح القائد العام للإدارة السورية الجديدةالشرغ أحمد الشرع، لصحيفة تركية، بأن الإطاحة بالأسد «لم تكن انتصاراً للشعب السوري فحسب، بل للشعب التركي أيضاً».

وقال المسؤول التركي إن «هيئة تحرير الشام» ليست تحت سيطرة أنقرة، ولم تكن كذلك مطلقاً، واصفاً إياها بالهيكل «الذي كنا نتواصل معه بسبب الظروف». وأضاف أن العديد من الدول الغربية تفعل ذلك أيضاً.

وسيطرت جماعات كردية سورية بقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» التابعة لها على جزء كبير من الشمال بعد اندلاع الانتفاضة ضد الأسد في عام 2011. وأنشأوا إدارة خاصة بهم مع تأكيدهم على أنهم يسعون إلى الحكم الذاتي وليس الاستقلال.

وتختلف سياساتهم التي تؤكد على الاشتراكية والحركة النسوية اختلافاً تاماً عن توجُّه «هيئة تحرير الشام».

وتوسّعت منطقتهم مع تحالف قوات بقيادة الولايات المتحدة مع «قوات سوريا الديمقراطية» في الحملة على تنظيم «داعش»، وسيطروا على مناطق يغلب عليها العرب.

وصعّدت الجماعات التي يتألف منها «الجيش الوطني السوري»، المدعومة من تركيا، حملتها على «قوات سوريا الديمقراطية» مع الإطاحة بالأسد، وسيطرت على مدينة منبج في التاسع من ديسمبر (كانون الأول).

وتوسطت واشنطن في وقف لإطلاق النار، لكن «قوات سوريا الديمقراطية» اتهمت تركيا وحلفاءها بعدم الالتزام به. وقال مسؤول في وزارة الدفاع التركية إنه لا وجود لمثل هذا الاتفاق.

وأثار دعم الولايات المتحدة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» توتراً بينها وبين تركيا عضو حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وتنظر واشنطن إلى «قوات سوريا الديمقراطية» باعتبارها شريكاً رئيسياً في مواجهة تنظيم «داعش»، الذي حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أنه سيحاول استغلال هذه الفترة لإعادة بناء قدراته في سوريا. ولا تزال «قوات سوريا الديمقراطية» تتولى حراسة عشرات الآلاف من المحتجزين المرتبطين بالتنظيم المسلح.

وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر، الأسبوع الماضي، إن بلاده لم ترصد أي مؤشر على عودة تنظيم «داعش» في سوريا.

وأبلغ وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، نظيرته الألمانية خلال محادثات في أنقرة، أمس الجمعة، بضرورة إيجاد بدائل لإدارة المعسكرات والسجون حيث يوجد المحتجزون.

وفي سياق منفصل، قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، أمس الجمعة، إن واشنطن تعمل مع أنقرة و«قوات سوريا الديمقراطية» من أجل «انتقال محكم فيما يتعلق بدور (قوات سوريا الديمقراطية) في ذلك الجزء من البلاد».

وقالت إدارة الرئيس جو بايدن إن القوات الأميركية ستبقى في سوريا، لكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب قد يأمر بسحبها عندما يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني).

رسالة لترمب

خلال فترته الرئاسية الأولى، سعى ترمب إلى الانسحاب من سوريا، لكنه واجه ضغوطاً في الداخل ومن حلفاء الولايات المتحدة.

وفي رسالة إلى ترمب، في 17 ديسمبر، اطلعت عليها وكالة «رويترز»، قالت المسؤولة السورية الكردية، إلهام أحمد، إن تركيا تستعد لغزو الشمال الشرقي قبل توليه منصبه.

وكتبت أن خطة تركيا «تهدد بإلغاء سنوات من التقدم في تأمين الاستقرار ومحاربة الإرهاب... نعتقد أن لديك القوة لمنع هذه الكارثة».

وقال ترمب، في 16 ديسمبر، إن تركيا «ستمسك بزمام الأمور» فيما يتعلق بما سيحدث في سوريا، لكنه لم يعلن عن خططه للقوات الأميركية المتمركزة هناك.

وقال جوشوا لانديس، الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما: «الأكراد في وضع لا يُحسدون عليه. بمجرد أن تستجمع دمشق قوتها، ستتحرك نحو المنطقة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تبقى هناك إلى الأبد».

وقال قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن الأكراد «جزء من شعبنا» و«لن تنقسم سوريا»، مضيفاً أن الأسلحة يجب أن تكون بالكامل في يد الدولة.

وأقر الشرع بأحد المخاوف الرئيسية لدى تركيا، وهو وجود مقاتلين أكراد غير سوريين في سوريا، وقال: «نحن لا نقبل أن تشكل أراضي سوريا تهديداً وتزعزع استقرار تركيا أو أماكن أخرى».

وتعهّد بالعمل من خلال الحوار والمفاوضات لإيجاد «صيغة سلمية لحل المشكلة»، قائلاً إنه يعتقد أن الاتصالات الأولية تمت «بين الأكراد في شمال شرقي سوريا أو (قوات سوريا الديمقراطية)».

وقال المسؤول الكردي فنر الكعيط إن إدارته تريد «سوريا ديمقراطية، سوريا لا مركزية، سوريا تمثّل جميع السوريين بطوائفهم ودياناتهم وأعراقهم كافة». وأضاف أن «قوات سوريا الديمقراطية» ستكون «نواةً للجيش السوري الجديد».

وأكّد قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، في مقابلته مع «رويترز»، أنه جرى فتح اتصالات مع «هيئة تحرير الشام» لتجنب الاشتباكات بين قوات الجانبين، لكنه قال إن أنقرة ستسعى إلى خلق انقسام بين دمشق والقوات التي يقودها الأكراد.

ومع ذلك، قال إنه يوجد دعم قوي من الأطراف الدولية، منها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لانضمام «قوات سوريا الديمقراطية» إلى «المرحلة السياسية الجديدة» في دمشق، واصفاً إياها بأنها «فرصة عظيمة».

وقال: «نحن نستعد، بعد وقف إطلاق نار كامل بيننا وبين تركيا والفصائل التابعة، للانضمام إلى هذه المرحلة».


مقالات ذات صلة

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

المشرق العربي صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

أعلن رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، الأحد، أنّه طلب الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مقابل الحشد التركي ضد المسلحين الأكراد يعول «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي للإدارة الذاتية على وساطة أميركية - فرنسية لنزع فتيل الحرب مع أنقرة.

كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
شؤون إقليمية الشرع وفيدان خلال لقائهما في دمشق (إ.ب.أ)

تركيا تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا «في أسرع وقت ممكن»

دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا «في أسرع وقت ممكن».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
يوميات الشرق لقطة من لقاء سليمان بـ«نقابة الصحفيين المصرية» (نقابة الصحفيين المصرية)

​جمال سليمان: الدراما قادرة على تطييب جراح السوريين

قال الفنان السوري جمال سليمان إن الدراما السورية لعبت دوراً كبيراً في فضح نظام بشار الأسد وإنها قادرة على تطييب جراح السوريين.

انتصار دردير (القاهرة )

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
TT

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق، وليد جنبلاط، القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في «قصر الشعب».

وزار جنبلاط، الذي كان أول زعيم ومسؤول لبناني يبادر إلى التواصل مع الشرع، دمشق، على رأس وفد من الحزب وكتلة «اللقاء الديمقراطي»، يضم نجله تيمور، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، ووفد من المشايخ والإعلاميين.

لعودة العلاقات ومحاكمة عادلة

وتحمل هذه الزيارة، التي هنّأ خلالها جنبلاط، الشرع، بـ«انتصاره»، بعداً وطنياً يرتكز على مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا، فهي تحمل كذلك بعداً درزياً يرتبط بما ستكون عليه علاقة السلطة الجديدة في سوريا مع الأقليات، تحديداً الطائفة الدرزية، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليها، وهو ما كان الشرع واضحاً بشأنه في لقائه مع الزعيم الدرزي بالقول: «سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاداً لأي طائفة»، مضيفاً أن «عهداً جديداً بعيداً عن الحالة الطائفية بدأ».

وفي كلمة له أثناء لقائه الشرع، هنأ جنبلاط القيادة السورية الجديدة بـ«التحرّر من نظام حكم (بشار) الأسد، والتطلع نحو سوريا الموحدة... عاشت سوريا حرّة أبية كريمة».

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)

وقال جنبلاط: «من جبل لبنان، من جبل كمال جنبلاط، نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية - السورية من خلال السفارات، وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري، وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ».

وأضاف: «الجرائم التي ارتبكت بحق الشعب تشابه جرائم غزة والبوسنة والهرسك، وهي جرائم ضد الإنسانية، ومن المفيد أن نتوجه إلى المحكمة الدولية لتتولى هذا الأمر والطريق طويل»، مشيراً إلى أنه سيتقدم بـ«مذكرة حول العلاقات اللبنانية السورية».

الشرع: النظام السابق قتل الحريري وجنبلاط والجميل

في المقابل، تعهد الشرع، الذي التقى جنبلاط للمرة الأولى مرتدياً بدلة وربطة عنق، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور. وفيما لفت إلى أن «المعركة أنقذت المنطقة من حربٍ إقليميّة كبيرة، وربما من حرب عالمية»، أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني، وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع».

ولفت الشرع إلى أن «النظام السابق كان مصدر قلق وإزعاج في لبنان، وهو عمل مع الميليشيات الإيرانية على تشتيت شمل السوريين»، مؤكداً أن «نظام الأسد قتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل». وتعهد بأن «يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه سوية بدون حالات استخدام العنف والاغتيالات»، وقال: «أرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وشدد الشرع على حماية الأقليات، قائلاً: «مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا... لا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم». وأضاف: «اليوم يا إخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري».

دروز سوريا

وتحدث عن دروز سوريا تحديداً، مذكراً بأن «الإدارة الجديدة أرسلت وفوداً حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد»، وقال: «أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم في الثورة، وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة».

وأضاف: «سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا»، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.

أبي المنى وشعار الدروز

من جهته، قال الشيخ أبي المنى إن «شعب سوريا يستحق هذا السلم، ويستحق الازدهار، لأن سوريا قلب العروبة النابض». وأشار إلى أن «الموحدين الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه، فهم مخلصون للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الأطرش وشعار الكرامة، وكرامتهم من كرامة الوطن، لذلك نحن واثقون أنكم تحترمون تضحياتهم وهم مرتبطون بوطنهم».

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط في «قصر الشعب» بدمشق قبيل لقائه الشرع (أ.ف.ب)

ارتياح في السويداء

ولاقت زيارة الزعيم الدرزي إلى دمشق ارتياحاً في أوساط السوريين الدروز. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أهلية متقاطعة في السويداء، جنوب سوريا، أن هناك توافقاً بين الزعامات الروحية حول الموقف من «إدارة العمليات» ممثلة بقائدها أحمد الشرع، والتأكيد على العمقين الإسلامي والعربي لطائفة الدروز الموحدين وخصوصية جبل العرب، ودورهم التاريخي في استقلال سوريا كمكون سوري أصيل، وتطلعهم إلى دستور جديد يجمع عليه السوريون.

وحسب المصادر، فإن «هذا الموقف كان مضمون الرسالة التي حملها الوفد الدرزي إلى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، الأحد، وقد كانت نتائج الاجتماع إيجابية»، واعتبر دروز السويداء أن زيارة جنبلاط «خطوة عقلانية وحكيمة باتجاه الحفاظ على وحدة سوريا، وقطع الطريق على كل من يحاول تخريب العيش المشترك بين جميع السوريين، ووأد الفتن ما ظهر منها وما بطن».

ووفق المصادر، كان وفد درزي من لبنان زار السويداء قبل يوم من زيارة جنبلاط إلى دمشق، والتقى مشيخة العقل في السويداء، حيث قال شيخ العقل حمود الحناوي إنهم يتطلعون إلى «مواقف جنبلاط وأهلنا في لبنان باعتبارها سنداً ومتنفساً للتعاون من أجل مصالحنا كمواطنين سوريين لنا دورنا التاريخي والمستقبلي».

بعد 13 عاماً

ودخل الجيش السوري، لبنان، عام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق «قوة الوصاية» على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إليها ولاحقاً إلى حليفها «حزب الله»، قبل أن تحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من قادة الحزب بالسجن مدى الحياة، على خلفية قتل 22 شخصاً بينهم الحريري.

ويتهم جنبلاط، دمشق، باغتيال والده كمال في عام 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ونُسبت اغتيالات العديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.

وعلى خلفية هذه الاغتيالات، تأرجحت علاقة الزعيم الدرزي مع النظام السوري السابق، الذي كان قد قاطعه وشنّ هجوماً غير مسبوق على رئيسه المخلوع، واصفاً إياه بـ«القرد» في المظاهرات التي نظمها فريق «14 آذار» إثر اغتيال الحريري عام 2005، قبل أن تعاد هذه العلاقة وترمّم بشكل محدود في عام 2009، لتعود إلى مرحلة العداوة مجدداً مع مناصرة جنبلاط للثورة السورية التي انطلقت عام 2011.

أما اليوم، وبعد 13 عاماً، عاد الزعيم الدرزي إلى دمشق «شامخاً مظفراً بالنصر»، وفق ما وصفه أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، عبر حسابه على منصة «إكس»، مضيفاً: «ها قد عدنا إلى سوريا الحرة مع الأمل الكبير الواعد بأن تنعم سوريا وشعبها بالحرية والديمقراطية والتنوّع والاستقرار والازدهار»، داعياً إلى «بناء أفضل العلاقات التي تحفظ سيادة وحرية واستقلال وطننا الحبيب لبنان وتحفظ سوريا الواحدة الموحدة الأبية».

وتوجه إلى السوريين بالقول: «هنيئاً لكم ولنا الانتصار الكبير، ويبقى الانتصار الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية والحرية والهوية».