فلسطينيو «اليرموك» يشاركون السوريين فرحة «إسقاط الديكتاتورية»

بكاء فرح وسجود في «التضامن»... وعَلم الثورة يرفرف بأرجاء المخيم

مدخل مخيم اليرموك الشمالي من شارع اليرموك الرئيسي (الشرق الأوسط)
مدخل مخيم اليرموك الشمالي من شارع اليرموك الرئيسي (الشرق الأوسط)
TT

فلسطينيو «اليرموك» يشاركون السوريين فرحة «إسقاط الديكتاتورية»

مدخل مخيم اليرموك الشمالي من شارع اليرموك الرئيسي (الشرق الأوسط)
مدخل مخيم اليرموك الشمالي من شارع اليرموك الرئيسي (الشرق الأوسط)

لم يكن لدى اللاجئين الفلسطينيين، الذين شاركوا السوريين فرحة «إسقاط الديكتاتورية»، أملٌ بأن يعود «مخيم اليرموك»، قرب دمشق، رمزاً لـ«حق العودة» و«عاصمة للشتات الفلسطيني»، بعد أن طمس ذلك نظام بشار الأسد المخلوع. لكن انتصار الثورة السورية والإطاحة به أعادا للمخيم هذه الرمزية والخصوصية.

وبينما اختلطت دموع فرحة عودة المهجَّرين مع احتفالات النصر في «حي التضامن» داخل المخيم، بدا الاطمئنان في شماله واضحاً لدى مؤيدي النظام المخلوع بخروجهم إلى الشوارع، وعودة الحياة الطبيعية إليه، بعدما لمسوا من فصائل المعارضة المسلَّحة حرصها على عدم التعرض لهم أو إيذائهم.

ارتياح ومباركة

في اليوم الخامس من سقوط حكم الأسد، قامت «الشرق الأوسط» بجولة شملت أغلب مناطق المخيم، الواقع على بُعد أكثر من سبعة كيلومترات جنوب دمشق.

حاجز بركة الذي كان على مدخل حيي التضامن ودف الشوك وكان يوصف بحاجز الرعب (الشرق الأوسط)

ويبدو التغيّر واضحاً على مدخل المخيم الشمالي، إذ إن أول ما يلفت الانتباه هو إضافة عبارة «مخيم اليرموك» على القوس الإسمنتي المثبت في بداية شارع اليرموك الرئيسي، بعدما كان مكتوباً عليه عبارة «شارع اليرموك» فقط. وقد كُتبت العبارة بين عَلمي الثورة السورية وفلسطين.

كما اختفت، في بداية شوارع اليرموك الرئيسي، وفلسطين والـ30، التي تشكل المدخل الشمالي للمخيم، حواجز الرعب التي وضعها النظام، وكذلك عناصره وصوره وأعلامه، وسط ازدياد في حركة المارّة والسيارات.

شارع الجلاء في شمال حي التضامن باليرموك وتبدو الحياة فيه طبيعية (الشرق الأوسط)

والملاحَظ، خلال الجولة، إغلاق الفصائل الفلسطينية التي اصطفّت مع نظام الأسد وقاتلت معه ضد شعبه، مكاتبها واختفاء عناصرها، في حين توضح عدة مصادر أهلية، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم هربوا منذ ليلة سقوط النظام.

المصادر الأهلية، التي تؤكد أن الوضع حالياً «أفضلُ بكثير» مما كان عليه خلال «حُكم الطاغية»، تطالب حكومة الحكم الجديد بالإسراع بإعادة الخدمات الأساسية للمخيم، وإعادة إعماره، لكي يكون كما كان منطقة حيوية على جميع الصُّعد.

شارع نسرين في شمال حي التضامن باليرموك وتبدو الحياة فيه طبيعية (الشرق الأوسط)

ومع قلة انتشار مقاتلي فصائل المعارضة في شوارع المخيم، تؤكد المصادر الأهلية أن الأولوية حالياً لـ«بسط الأمن والأمان في المخيم لقطع الطريق على ضعاف النفوس».

مبادرات أهلية

ووسط حركة نشطة للمارة والسيارات في شارع فلسطين، كان الاحتفال بإسقاط حكم الأسد مستمراً، ويجري التعبير عنه بعدة طرق؛ منها تبادل التهاني مع الأشخاص والعائلات الجديدة العائدة إلى منازلها.

وبينما كان عدد من الشباب يمرون من الشارع، وهم يقودون دراجات نارية رافعين عَلم الثورة، كانت سيارات لفصائل المعارضة تجوب الشارع، ويرفع المقاتلون من نوافذها شارات النصر.

قيادي بفصائل المعارضة جالس أمام منزله في حي التضامن وعَلم الثورة مرفوع على شرفته (الشرق الأوسط)

في آخِر شارع فلسطين، يلفت الانتباه مبادرة مجموعة من الأهالي إلى إزالة السواتر الترابية من مداخل الجادات المؤدية إلى حي التضامن، على نفقتهم الخاصة. ويقول أحدهم، لـ«الشرق الأوسط»: «نفتح حارات المخيم على التضامن، ونتمنى من القيادة الجديدة أن تُحرك الآليات التابعة لها. الوضع حالياً أحسن بكثير، ونريد أن يضعوا يدهم معنا؛ لأن يدنا وحدها لا تصفق».

غارات مُمنهجة

الارتياح كان جلياً على أمين سر اتحاد عمال فلسطين-فرع سوريا، مهند شحادة، الذي التقته «الشرق الأوسط» في مكتبه وسط شارع اليرموك، حيث بارك للشعب السوري «إسقاط الديكتاتورية».

يشرح شحادة، في بداية حديثه، أنه خلال الحرب في سوريا جرى تدمير المخيمات الفلسطينية؛ ومن بينها «اليرموك»، بالغارات الجوية بشكل مُمنهج، خلال الأيام العشرة الأخيرة من العملية العسكرية التي شنّها نظام الأسد وحلفائه في مايو (أيار) عام 2018، والتي أفضت إلى سيطرتهم على المخيم، وذلك على الرغم من أن الباصات كانت تنتظر على مداخله لتهجير مقاتلي المعارضة وعوائلهم.

عَلم الثورة مرفوع على منزل في حي التضامن بمخيم اليرموك (الشرق الأوسط)

وبعد سيطرة النظام على المخيم أصدر عدة قرارات بإعادة الأهالي إلى منازلهم دون قيد أو شرط، ولكن لم يعد إلا عدد قليل من العائلات بسبب إجراءاته الأمنية التعجيزية، وعدم إعادة، ولو الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، وفقاً لشحادة.

شارع إسكندرون في وسط حي التضامن بمخيم اليرموك وتبدو الحياة فيه طبيعية (الشرق الأوسط)

ويوضح شحادة أن نظام الأسد الذي طالما تبجّح بدعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، واتخذ من ذلك مظلة للتغطية على استبداده وظلمه وجرائمه، قام، بعد سيطرته على المنطقة، بإلغاء صفة «مخيم» عن اليرموك، وأطلق عليه تسمية «منطقة»، كما ألغى «اللجنة المحلية للمخيم» التي كانت قد تأسست عام 1964 لتثبيت خصوصيته بوصفه منطقة إدارية مستقلة، واستبدل بها «دائرة خدمات اليرموك»؛ أي ألحقه بمحافظة دمشق كأي حي من أحياء المدينة.

قرارات وإجراءات نظام الأسد السابقة، وفق أمين سر اتحاد عمال فلسطين-فرع سوريا، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، «أثارت استياء كبيراً لدى اللاجئين الفلسطينيين؛ لأن إلغاء كلمة (مخيم) مسألة كبيرة، تعني إلغاء المخيم بوصفه رمزاً لـ(حق العودة) وكـ(عاصمة للشتات الفلسطيني)».

إعادة للرمزية

ويذكر شحادة أنه بعد سقوط النظام، جرى التواصل مع قيادات في الفصائل المعارِضة، وطلب إعادة الهوية التاريخية للمخيم بوصفه رمزاً لـ«حق العودة» و«عاصمة للشتات الفلسطيني»، بعد أن طمسها نظام الأسد المخلوع، و«جرت الموافقة على ذلك، وتُرجم الأمر على أرض الواقع، وهو واضح على مدخله».

أمين سر اتحاد عمال فلسطين-فرع سوريا مهند شحادة (الشرق الأوسط)

ويؤكد أنه، ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام، تتوافد العائلات العائدة إلى منازلها، سواء من مناطق محيطة بدمشق أم من شمال البلاد، مقدِّراً أعداد العائلات العائدة يومياً، بالعشرات.

تاريخ المخيم

وجرت اللبِنات الأولى لإقامة «مخيم اليرموك» عام 1957، ومع توسع دمشق أصبح جزءاً أساسياً من مكوناتها الجغرافية والديموغرافية، وبات أكبر تجمُّع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن، ورمزاً لـ«حق العودة»، كما يُعرف بـ«عاصمة الشتات الفلسطيني»؛ لأنه يضم 36 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم قبل الحرب أكثر من 450 ألف لاجئ.

مخيم اليرموك جنوب دمشق لحقه دمار كبير خلال سنوات الحرب (أ.ف.ب)

وبلغ عدد سكان المخيم، قبل اندلاع الحرب في عام 2011، ما بين 500 و600 ألف نسمة، بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني، قاتل غالبيتهم إلى جانب فصائل المعارضة، في حين قتل واعتقل النظام الآلاف منهم، وهجَّر أغلبيتهم واستولى على ممتلكاتهم.

ودمَّر نظام الأسد، خلال سنوات الحرب، أكثر من 60 في المائة من الأبنية والمؤسسات والأسواق والبنى التحتية في المخيم، بعد سيطرة فصائل المعارضة، ومن ثم «داعش» و«هيئة تحرير الشام»، أواخر عام 2012 عليه.

فرحة عارمة

في «حي التضامن»، الواقع في أقصى جنوب شرقي العاصمة، ويشكل المدخل الجنوبي لدمشق، كانت الفرحة عارمة بالإطاحة بحكم الأسد، إذ رصدت «الشرق الأوسط»، على مدار الأيام الأربعة الماضية، استمرار الاحتفالات بالنصر وانتشاراً واسعاً لمقاتلي الفصائل المعارِضة، وعودة كثير من العائلات المهجَّرة في شمال البلاد.

ابتسامة فلسطينية في مخيم اليرموك بعد سقوط الأسد (أ.ف.ب)

يوضح قيادي من فصائل المعارضة، وهو جالس مع مجموعة من زملائه أمام منزله الذي يرفرف على شُرفته عَلم الثورة وسط الحي، أنه من أهالي حي التضامن، وعاد مع عائلته إلى منزله مع الإطاحة بالنظام بعد تهجيرهم إلى شمال البلاد منذ عام 2012.

ويقول القيادي، لـ«الشرق الأوسط»، لقد «أثبتت الأيام أننا لسنا إرهابيين. هم (مؤيدو النظام) عذّبونا كثيراً، ولكننا لن نعاملهم بمثل ما عاملونا، والأهالي مبسوطة بوجودنا، وتثبت أننا أفضل منهم، والأيام المقبلة ستثبت ذلك أكثر».

مع التعمق في جنوب الحي؛ حيث كانت تسيطر فصائل المعارضة، كانت مظاهر الفرح تتبدى أكثر، إذ رصدت «الشرق الأوسط» عودة كثير من العائلات المهجَّرة إلى الحي.

وبينما كانت أفراد إحدى العائلات العائدة ينزلون من سرفيس صغير (يتسع لـ12 راكباً) وهم يبكون فرحاً، وبعضهم يسجد على الأرض، ويعانقون مُستقبِليهم، والنساء يطلقن الزغاريد، لم تستطع إحدى النساء التحدث؛ من شدة البكاء، واكتفت بالقول، لـ«الشرق الأوسط»: «ولينصرن الله من ينصره وقد نصرنا».

دمار واسع لحق مخيم اليرموك جنوب دمشق خلال سنوات الحرب (أ.ف.ب)

في المقابل، وبعد أن لزم مؤيدو النظام في شمال الحي منازلهم ليومين بعد سقوط النظام؛ لاعتقادهم أن مقاتلي المعارضة سينتقمون منهم، خرجوا بشكل مكثف إلى شوارع نسرين والجلاء وإسكندرون وبركة، بعدما تأكدوا أن مقاتلي المعارضة الذين انتشروا في الحي حريصون على عدم التعرض لهم، وعدم ممارسة العنف والتنكيل والقتل والتهجير بحقِّهم، علماً بأن مسلحي ميليشيا «الدفاع الوطني»، المؤيدة للنظام، ارتكبوا أبشع الجرائم وشتى أنواع العنف والتنكيل بحق المعارضين في بداية الثورة.


مقالات ذات صلة

اندلاع حريق في سفينة تجسس روسية قبالة ساحل سوريا

المشرق العربي لقطة تظهر دخاناً يتصاعد جراء حريق على متن سفينة التجسس الروسية «كيلدين» قبالة سواحل سوريا (أ.ب)

اندلاع حريق في سفينة تجسس روسية قبالة ساحل سوريا

أطلقت سفينة تجسس حربية روسية قبالة ساحل ميناء طرطوس السوري رسالة بأنها في وضع صعب، وأنها تنجرف وخارج السيطرة، وطالبت السفن الأخرى بالابتعاد عن مسارها.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

«الخارجية» السورية: كوريا الجنوبية تؤكد حرصها على إعادة العلاقات مع دمشق

ذكرت وزارة الخارجية السورية، اليوم الجمعة، أن مسؤولة في «الخارجية» الكورية الجنوبية أكدت حرص بلادها على إعادة العلاقات مع دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف («الخارجية» الجزائرية)

إعلام سوري: وزير الخارجية الجزائري يزور دمشق السبت

ذكرت صحيفة «الوطن» السورية، اليوم الجمعة، أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف سيزور العاصمة السورية دمشق، غداً السبت.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

مؤتمر باريس لدعم سوريا وإيصال رؤية موحدة للسلطات الجديدة

مؤتمر دولي موسع في باريس، الخميس المقبل، لدعم سوريا، والأسرة الدولية تريد إيصال رؤية موحدة للسلطات الجديدة لما هو منتظر منها.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي الجيش السوري يدفع بتعزيزات من الجنود إلى محاور حلب (إكس)

«الدفاع» السورية تبدأ إعادة هيكلة الجيش وتشكيل الفرق العسكرية

بدأت وزارة الدفاع السورية بتشكيل فرق عسكرية تتبع الوزارة في دمشق وحماة وحمص ودرعا وإدلب وتدمر، وتسمية قادتها، في إطار إعادة تشكيل الجيش الوطني السوري.

سعاد جروس (دمشق)

نزار عوض الله... «كلمة السر الخفية» في مفاوضات غزة

نزار عوض الله مع المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران اليوم (موقع خامنئي - أ.ف.ب)
نزار عوض الله مع المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران اليوم (موقع خامنئي - أ.ف.ب)
TT

نزار عوض الله... «كلمة السر الخفية» في مفاوضات غزة

نزار عوض الله مع المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران اليوم (موقع خامنئي - أ.ف.ب)
نزار عوض الله مع المرشد الإيراني علي خامنئي في طهران اليوم (موقع خامنئي - أ.ف.ب)

مع إفراج حركة «حماس» عن دفعة جديدة من الأسرى الإسرائيليين لديها، اليوم السبت، كشفت مصادر في الحركة وأخرى قريبة منها عن أن قيادياً بارزاً فيها لعب دوراً أساسياً في المفاوضات التي دارت بعيداً عن الأنظار إلى حد كبير، وانتهت بإبرام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين ووقف النار في القطاع غزة.

وقالت هذه المصادر إن القيادي نزار عوض الله يمثّل في الواقع «كلمة السر الخفية» في مفاوضات غزة عشية الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق مع إسرائيل.

وشكّل خليل الحية، رئيس حركة «حماس» في قطاع غزة، الوجه الأبرز لوفد الحركة المفاوض حتى أصبح يطلق عليه أنه رئيس ذلك الوفد. لكن معلومات من أوساط «حماس» تفيد بأنه كان إلى حد كبير بمثابة وجه إعلامي لهذه المفاوضات، علماً بأن الحركة لم تعلن عن هوية جميع أعضاء وفدها المشارك في اتصالات وقف النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، الأمر الذي أثار تساؤلات وتكهنات حول كيفية إدارة المفاوضات من قبل «حماس».

تقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن المفاوضات تُدار من قبل فريق قيادي من الحركة، وإن كل قرار كان يتخذ بشكل جماعي وبعد مشاورات مع مختلف مؤسسات الحركة وقياداتها بالداخل والخارج، وليس فقط من قبل الفريق المفاوض الذي كانت لديه بعض الخطوط الحمراء التي يتصرف وفقها عند الحاجة.

جانب من عملية تسليم الرهائن الإسرائيليين للصليب الأحمر في دير البلح اليوم (رويترز)

وتكشف المصادر عن أن نزار عوض الله، القيادي في «حماس»، كان إحدى الشخصيات الأبرز في ملف المفاوضات وإدارتها طوال الفترة الماضية، وكان له دور حاسم في العديد من القضايا المصيرية بالمفاوضات، وهو واحد من بين عدة أشخاص كانوا يدققون في كل كلمة ترد في نصوص ما يُطرح على «حماس» من الاحتلال الإسرائيلي، أو الولايات المتحدة، وكذلك من الوسطاء، إلى جانب التدقيق في كل رد من قبل الحركة ليكون رداً واضحاً دون أن يكون فضفاضاً.

ولفتت المصادر إلى أن عوض الله في بعض المراحل من المفاوضات كان بمثابة «كلمة السر الخفية» في الكشف عن نقاط لم ينتبه لها البعض، وكان يجد ثغرات تحتاج إلى معالجة، كما أنه كان كثيراً ما كان يلجأ إلى مناقشة كل ذلك مع قيادة «حماس»، وتوضيح النقاط الخلافية؛ منعاً لوقوع الفريق المفاوض في أخطاء قد تؤثر على مسار الاتفاق.

وبيّنت المصادر أن عوض الله لم يشارك كثيراً بشكل مباشر ودائم في كل اللقاءات التي كانت تجري مع الوسطاء، وأنه كان يفضل دوماً أن يلعب دوراً خفياً بعيداً عن المشاركة المباشرة في تلك اللقاءات.

ويوجد عوض الله خارج قطاع غزة، بعد أن غادره قبل الحرب الأخيرة بفترة قصيرة إلى جانب قيادات أخرى من المكتب السياسي.

(من اليسار) نزار عوض الله وخليل الحية ومحمد إسماعيل درويش خلال استقبال المرشد الإيراني علي خامنئي وفداً من حركة «حماس» اليوم السبت (موقع خامنئي - أ.ف.ب)

وأشارت المصادر إلى أنه كان يشارك في اجتماعات مطولة مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، قبيل اغتيال الأخير في طهران، العام الماضي، لدراسة ما كان يُطرح على الحركة من مقترحات أو العمل على تطويرها، كما أنه أصبح أكثر حضوراً وأهمية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمفاوضات بعد اغتيال العديد من قيادات الحركة.

ولفتت المصادر إلى أن عوض الله كان كثيراً ما يحذّر من تلاعب الاحتلال وعدم تنفيذه الاتفاقات، ولذلك كان يطرح خيارات يعتبر أنها تُجبر حكومة تل أبيب على التزام تطبيق مع ما يتم الاتفاق عليه، مشيرة إلى أنه كان يدفع باتجاه خيار أكثر صرامة في آلية تبادل الأسرى.

ورفضت المصادر القول إن عوض الله قد يكون هو فعلياً «مهندس الصفقة» الحالية لوقف النار وتبادل الأسرى، لكنها أكدت أنه كان له دور بارز في ذلك إلى جانب قيادات أخرى في «حماس».

صفقة شاليط

وتؤكد المصادر أن عوض الله لعب دوراً مركزياً في الكثير من محطات التفاوض فيما يتعلق بصفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أُسر عام 2006. وبعد نحو عام من صفقة الإفراج عنه، كُشف للمرة الأولى عن دور لعبه عوض الله الذي وصفته صحف عبرية آنذاك بأنه «مهندس الصفقة» إلى جانب أحمد الجعبري أحد قادة «كتائب القسام» الذراع المسلحة لحركة «حماس».

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال استقباله وفداً من حركة «حماس» اليوم السبت (موقع خامنئي - أ.ف.ب)

وبحسب المصادر، فإن عوض الله في تلك الصفقة خاض غمار تفاصيل كل جانب وكل كلمة في الاتفاق الذي وقّع حينها، وكانت له بصمة في القرار النهائي بالتوصل لاتفاق، مشيرةً إلى أنه شارك بشكل مباشر في الجلسات التي كانت مع الوسيط المصري حينها في القاهرة.

دور لعوض الله في المحادثات مع حركة «فتح»

وكان لعوض الله دور بارز أيضاً في المحادثات التي كانت تجري مع حركة «فتح» لإتمام المصالحة الوطنية والتي استضافتها دول عدة.

وتكشف المصادر عن أن عوض الله أدار رئاسة المكتب السياسي لحركة «حماس» في قطاع غزة، لفترة قصيرة في ظل ظروف حرجة، وهي الفترة الممتدة ما بين نهاية 2004 وحتى بدايات 2007. وسيطرت الحركة عسكرياً في تلك الفترة على قطاع غزة. كما شهدت تلك الفترة خطف الجندي الإسرائيلي شاليط، وتعرضت الحركة لحصار سياسي وعسكري ومالي على أصعدة مختلفة، بعد أن شكّلت وحدها الحكومة الفلسطينية العاشرة قبل أن تُعزل من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس سريعاً.

يقول قيادي سابق في «حماس»، فضّل عدم ذكر هويته، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن نزار عوض الله شخصية صامتة وهادئة لا يُفضّل الظهور العلني، مضيفاً أنه حتى عندما كان يشارك في اجتماعات للمصالحة الفلسطينية في دول عربية (بينها مصر)، لم يكن معروفاً حتى لأقرب الشخصيات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي لم تكن تعرفه مسبقاً جيداً، وكل ما كانت تملكه عنه كان عبارة عن معلومات سطحية.

يوضح القيادي السابق، وهو من المشاركين في حوارات المصالحة آنذاك: «لقد لعب عوض الله أدواراً مهمة جداً في محطات (حماس) السياسية منذ عام 2003 وحتى أيامنا الحالية»، مشيراً إلى أنه دوره الحالي أساسي في المفاوضات الجارية بشأن قطاع غزة. ويتابع أن «بصمته» المتعارف عليها بين من يعرفه واضحة في هذه المفاوضات.

صورة أرشيفية لزعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار وإسماعيل هنية إلى جواره تعود إلى عام 2017 (رويترز)

ويتابع القيادي السابق نفسه أن البعض كان يمازح عوض الله بأنه رآه على التلفزيون مع الحاضرين في جلسة هنا أو هناك، فيرد عليهم بالنفي، ويصر على أنه شخص آخر قد يكون يشبهه.

يقول القيادي السابق: «قد تراه في اجتماع مهم أو غيره. يناقش لكنه لا يعطي قراره فوراً. تراه يفكر في كثير من الأحيان (قبل الرد). في المفاوضات الحاسمة، ومنها حوارات المصالحة كان يستمع ويبدي رأيه فقط في المناقشات الداخلية ولا يبديها أمام وفود مثلاً من (فتح) أو أي تنظيم أو جهة أخرى تتحدث بأي ملف كان... من يراه يعتقد أنه مجرد شخصية أتى فقط للحضور كضيف».

يُجمع القيادي السابق في «حماس» ومصادر من داخل الحركة لا تزال على رأس عملها حالياً، أن عوض الله شخصية تتمتع بالكثير من الصفات القيادية، لكنه دوماً يفضل إبقاء نفسه بعيداً عن الضوء الإعلامي، رغم أنه كانت له بصمة واضحة في العديد من المحطات.

تاريخه... مقرب من الشيخ أحمد ياسين

ووفقاً للقيادي السابق، فإن عوض الله كان محسوباً على جيل المؤسسين في «حماس»، كما أنه كان مقرباً جداً من الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة، وكذلك مع عبد العزيز الرنتيسي، وغيرهما من القيادات التاريخية والأولى للحركة، والذي كان هو واحداً منهم.

لمع نجم عوض الله، وهو مهندس معماري يبلغ من العمر (68 عاماً)، ويقطن في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وقصف منزله عدة مرات في حروب سابقة. ومعلوم أن الانتخابات الداخلية لحركة «حماس» دفعت به لمنافسة يحيى السنوار على قيادة المكتب السياسي في قطاع غزة، عام 2021، والتي خسرها حينها لصالح السنوار بعدما جرت جولة إعادة ثانية للانتخابات آنذاك.

ويعتبر عوض الله من الشخصيات التي لها علاقة بقيادة الجناح العسكري لحركة «حماس»، كما أنه قاد الجناح لفترة صغيرة بعد اغتيال إسرائيل لمؤسسه صلاح شحادة عام 2002، وعمل على إعادة ترتيب صفوفه، وهذا ما قد يكون دفع بالولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليه عام 2023.

وفقد عوض الله نجله الأكبر «عبيدة» في قصف إسرائيلي طاله خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

حقائق

«عبيدة» عوض الله

فقد عوض الله نجله الأكبر «عبيدة» في قصف إسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة