أكراد سوريا يبدون انفتاحاً تجاه السلطة السورية الجديدة رغم مخاوفهم

أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)
أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

أكراد سوريا يبدون انفتاحاً تجاه السلطة السورية الجديدة رغم مخاوفهم

أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)
أكراد سوريون يتظاهرون في مدينة القامشلي بشمال شرقي البلاد احتجاجاً على هجمات مقاتلين مدعومين من تركيا على مناطق خاضعة للسيطرة الكردية في شمال سوريا (أ.ف.ب)

منذ إعلان الفصائل المعارضة إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد، يبدي أكراد سوريا انفتاحاً متزايداً إزاء السلطة السياسية الجديدة في دمشق، رغم مخاوفهم من أن يفقدهم التغيير المتسارع، وفق محللين، مكتسبات حققوها خلال سنوات النزاع.

في بادرة حسن نية، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية، الخميس، قرارها رفع علم الاستقلال السوري، الذي رفعه السوريون منذ خروجهم في مظاهرات سلمية مناهضة لدمشق عام 2011، على جميع مقراتها ومؤسساتها، معتبرة أنه «يحق للسوريين الاحتفاء بانتصار إرادتهم في إسقاط هذا النظام الجائر».

وجاء قرار الإدارة الذاتية بعد تأكيد مظلوم عبدي، قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، جناحها العسكري، أن «التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة... تضمن حقوق جميع السوريين».

مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) (رويترز)

بعدما عانوا خلال حكم عائلة الأسد من تهميش وقمع طوال عقود، حُرموا خلالها من التحدث بلغتهم وإحياء أعيادهم، وتم سحب الجنسية من عدد كبير منهم، بنى الأكراد خلال سنوات النزاع إدارة ذاتية في شمال شرقي سوريا ومؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية، بعدما شكّلوا رأس حربة في قتال «تنظيم داعش».

ويخشى الأكراد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من خسارة مكتسباتهم.

ويقول الخبير في الشأن الكردي، موتلو جيفير أوغلو، لوكالة «فرانس برس»، إن مصير السلطات الكردية في سوريا «ما زال غير مؤكد»، على وقع «ديناميات تتغير بسرعة في الميدان».

ويواجه الأكراد كذلك «ضغطاً متزايداً من الحكومة التركية والفصائل العاملة بإمرتها»، التي شنّت في الأيام الأخيرة هجمات دامية على منطقتين ذواتي غالبية عربية في شمال سوريا، كانتا تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» التي أخلت مقاتليها منهما تباعاً.

ولطالما أثار وجود قوات يقودها الأكراد في مناطق يشكل المكون العربي فيها أكثرية، حساسية. وقد سعت «قوات سوريا الديمقراطية» إلى التخفيف منها عبر تشكيل مجالس عسكرية تضم مقاتلين محليين بغالبيتها.

وشنّت الفصائل الموالية لأنقرة هذا الأسبوع هجوماً ضد مجلس منبج العسكري، التابع لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، أسفر عن مقتل نحو 220 عنصراً من الطرفين. وأعلن عبدي، الأربعاء، التوصل إلى هدنة برعاية أميركية. وقال في بيان: «هدفنا هو وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية من أجل مستقبل البلاد».

لكن في الشارع، يبدي سوريون أكراد مخاوفهم، مع قيادة «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» قبل فكّ ارتباطها بـ«تنظيم القاعدة») السلطة الجديدة في دمشق.

في مدينة القامشلي، يقول علي درويش، البالغ 58 عاماً، لوكالة «فرانس برس»، باللغة الكردية: «سلبيات الفصائل الموجودة في دمشق كثيرة، فهم لا يعترفون بالأكراد، والآن يريدون تبييض صفحاتهم أمام المجتمع الدولي».

ويضيف: «لكن لدينا الأمل أن نحافظ على مناطقنا... وأن تبقى آمنة، وأن تكون هناك حلول مستقبلية إيجابية».

مقاتلون أكراد في بلدة تل أبيض السورية (أرشيفية - رويترز)

وتوجّه السلطة الجديدة رسائل طمأنة إلى الأقليات في سوريا، التي كان بشار الأسد قدّم نفسه حامياً لها خلال سنوات النزاع بمواجهة هجمات مجموعة متطرفة ومتشددة، كان أبرزها «تنظيم الدولة الإسلامية».

وخاضت «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، معارك ضارية ضد «داعش» في شمال سوريا وشرقها. وتمكنت من إسقاط خلافته ودحره من آخر مناطق سيطرته عام 2019.

وأكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، خلال زيارته لتركيا، أنّه «من الضروري» العمل ضدّ «داعش» في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، بعدما شدّد الخميس على أن دور مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» «حيوي» لمنع عودة هذا التنظيم.

وتبذل تركيا - وفق محللين - كل ما بوسعها لجعل الأكراد في موقع ضعيف في سوريا، على ضوء الأحداث الأخيرة.

ويقول جيفير أوغلو: «يواجه الأكراد السوريون تحديات كبرى، أبرزها الأعمال العدائية التركية المستمرة تجاههم».

ومنذ عام 2016، نفّذت تركيا عدة عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا وتمكنت من السيطرة على شريط حدودي واسع.

وتعدّ أنقرة الوحدات الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه منظمة «إرهابية» ويخوض تمرداً على أراضيها منذ عقود.

كما صرّح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بعد محادثات مع بلينكن، الجمعة، أن «أولوياتنا تقضي بضمان استقرار سوريا في أسرع وقت ممكن، ومنع انتشار الإرهاب، ومنع (داعش) و(حزب العمال الكردستاني) من السيطرة»،

دبابات تركية تقصف عناصر من المسلحين الأكراد في ريف حلب (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

ويرى جيفير أوغلو أن «كل الهجمات والتهديدات التركية ضد الأكراد هي محاولة مباشرة أو غير مباشرة لتقويض الإدارة الذاتية الكردية وتوسيع السيطرة التركية في شمال سوريا».

وقد تصطدم مساعي أنقرة بمعارضة حلفائها الغربيين إذا ما عزمت على القضاء على الإدارة الذاتية الكردية وتجريد الأكراد من مكتسباتهم.

ومع تفاؤله بالإطاحة بالأسد، يقول خورشيد أبو رشو (68 عاماً) لوكالة «فرانس برس» في القامشلي: «نتمنى بناء دولة ديمقراطية، تكون فيها حقوق الأفراد والأديان كلها مصانة»، متابعاً: «نريد دولة فيدرالية، وليست ديكتاتورية».

ويضيف: «في جسدي ندبات من الحرب في هذه البلاد، ولن أقبل إلا بدولة ديمقراطية».


مقالات ذات صلة

الشرع: سوريا مستعدة لاستقبال قوات الأمم المتحدة في المنطقة العازلة مع إسرائيل

المشرق العربي قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (إ.ب.أ)

الشرع: سوريا مستعدة لاستقبال قوات الأمم المتحدة في المنطقة العازلة مع إسرائيل

قال أحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديدة اليوم الخميس إن بلاده مستعدة لاستقبال قوات من الأمم المتحدة في المنطقة العازلة المشتركة مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دمشق )
المشرق العربي رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني وقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق (سانا)

قطر: سنقدّم الدعم الفني اللازم لإعادة تشغيل البنى التحتية في سوريا

أبدى رئيس مجلس الوزراء القطري محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني، من دمشق، استعداد بلاده لمساعدة الشعب السوري من خلال تشغيل البنى التحتية الرئيسية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي  الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لدى استقباله وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في أنقرة (سانا)

استهداف إسرائيلي للسلطة الجديدة في سوريا

قُتل 3 أشخاص جراء قصف للجيش الإسرائيلي في قرية غدير البستان التابعة لمحافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا، مستهدفاً قوات الإدارة الجديدة للمرة الأولى، حسبما أفادت

«الشرق الأوسط» (دمشق - أنقرة)
المشرق العربي وزيرا الخارجية التركي والسوري في مؤتمر صحافي في أنقرة الأربعاء (الخارجية التركية)

تركيا وإدارة دمشق تتفقان على عملية سياسية شاملة تحفظ وحدة سوريا

أكدت تركيا والإدارة السورية عدم السماح بتقسيم سوريا أو أن تصبح أراضيها منطلقاً لتهديد جيرانها والبدء بعملية سياسية بلا تفرقة بين أبنائها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج نائب وزير الخارجية السعودي ونظيره التركي ترأسا جولة المشاورات في أنقرة الأربعاء (واس)

مشاورات سعودية - تركية لتعزيز التعاون الثنائي

بحثت جولة المشاورات السياسية الثانية بين وزارتي الخارجية السعودية والتركية سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (أنقرة)

قائد «قسد» يلتقي بارزاني في أربيل... وأنباء عن وساطة

مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)
مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)
TT

قائد «قسد» يلتقي بارزاني في أربيل... وأنباء عن وساطة

مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)
مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)

قال وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري إن لقاءً عُقد، اليوم الخميس، بين رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» في شمال شرقي سوريا، مظلوم عبدي.

وكتب زيباري، على حسابه في «إكس»، أن اللقاء «إنجاز كبير لتعزيز الوحدة الكردية وتمكين الحكام السوريين الجدد في دمشق من تحقيق انتقال سياسي سلس».

ولم يكشف زيباري تفاصيل أكثر عن مضمون اللقاء أو نتائجه، إلا أنه شكر مَن وصفهم بالحلفاء والأصدقاء.

كانت وسائل إعلام محلية قد تداولت معلومات أن بارزاني وجّه دعوة لعبدي لزيارة أربيل.

وجاء اللقاء في وقت حساس بالنسبة للكرد في سوريا، منذ سقوط نظام بشار الأسد، إذ تزداد ضغوط أنقرة لنزع سلاح المجموعات الكردية واستهداف مناطقهم.

وتقول مصادر سياسية مطّلعة إن اللقاء قد يعزز وساطة للمصالحة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية.