بلينكن بالأردن... زيارة «ثقيلة» في توقيت ضيق ومتوتر

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث إلى الصحافيين قبل مغادرة الأردن إلى تركيا (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث إلى الصحافيين قبل مغادرة الأردن إلى تركيا (أ.ب)
TT

بلينكن بالأردن... زيارة «ثقيلة» في توقيت ضيق ومتوتر

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث إلى الصحافيين قبل مغادرة الأردن إلى تركيا (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث إلى الصحافيين قبل مغادرة الأردن إلى تركيا (أ.ب)

اختصر البيان الرسمي الأردني عن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مدينة العقبة (400 كيلومتر تقريباً جنوب عمّان)، ولقائه الملك عبد الله الثاني، الخميس، مناقشات الملف السوري بعبارة «تجديد موقف المملكة من احترام خيارات الشعب السوري، والحفاظ، في الوقت نفسه، على أمن سوريا وسلامة مواطنيها».

لكن زيارة بلينكن، التي تأتي في وقت ضيق؛ إذ يُتوقع أن تكون الأخيرة مع اقتراب تسلم الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترمب السلطة، خَلفاً للديمقراطي جو بايدن، قد لا تحمل أهمية خاصة بالنسبة إلى المملكة، ولا سيما في ظل تسارع وتوتر الأحداث على الأراضي السورية، والتي انتهت بإسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد، وفراره إلى موسكو، وتسلُّم قوى المعارضة، التي تتصدرها «جبهة تحرير الشام»، الإدارة المؤقتة للمدن السورية.

وفي الوقت الذي تشهد فيه أروقة صناعة القرار بالأردن مراجعات سياسية شاملة تهدف إلى رسم سيناريوهات للتعامل مع الإدارة الأميركية الجمهورية الجديدة، فإن عمّان تتحضر للتعامل مع خيارات صعبة قد تطرحها إدارة ترمب تستهدف صياغة حلول قد لا تكون مُرضية للأردن في تسوية القضية الفلسطينية، وذلك أمام التصعيد الذي تشهده مناطق الضفة الغربية، والانتهاكات المستمرة للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

مصادر مطّلعة ذكرت، لـ«الشرق الأوسط»، أن محادثات بلينكن مع الملك عبد الله الثاني ركزت على «استمرار التنسيق المشترك والجهود الأمنية المبذولة لمواجهة خطر التحركات المحتملة لخلايا تنظيم (داعش) الموجود في جيوب داخل البادية السورية، ومواجهة تحديات تهريب المخدرات من الجنوب السوري».

وبينما ركز الخبر الرسمي عن اللقاء على أن الخطوة الأولى لتحقيق تهدئة شاملة بالمنطقة هي وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، شدّد العاهل الأردني على أن تحقيق هذه الخطوة يستدعي تحركاً دولياً فورياً وجاداً.

أما على صعيد الملف السوري، فقد جدد عبد الله الثاني موقف بلاده من التطورات المتسارعة داخل الجارة الشمالية، مؤكداً احترام الأردن خيارات الشعب السوري، والحفاظ، في الوقت نفسه، على أمن سوريا وسلامة مواطنيها.

«تصريحات غير موضوعية»

ووصفت مصادر أردنية مطّلعة، تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، زيارات بلينكن بأنها «ثقيلة»؛ نظراً لتكرار وزير الخارجية الأميركي «تصريحاته غير الموضوعية حيال الحرب على غزة، والكارثة الإنسانية التي تسبب بها العدوان الإسرائيلي».

وأضافت المصادر، إلى أسباب النظر لها أردنياً على أنها زيارة «ثقيلة»، أن الولايات المتحدة الأميركية لم تستجب للتحذيرات الأردنية من تطور الأوضاع بالضفة الغربية، وخطورة الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، والاعتداءات المستمرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

وإن أسرّت مصادر سياسية، لـ«الشرق الأوسط»، بعدم «ترحيب» الأردن بزيارات بلينكن الدبلوماسية، خلال زياراته الأخيرة إلى المنطقة، ومع ذروة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، فقد ذكرت مصادر، لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق، أن الملك عبد الله الثاني طالب الوزير بلينكن بـ«طرح سناريوهات جادة لصالح وقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على المدنيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، وتدمير البنى التحتية الضرورية في قطاعات الصحة والتعليم وتأمين الغذاء والدواء والحاجات الأساسية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«أمن سوريا»

وأفاد بيان لـ«الخارجية» الأردنية بأن بلينكن ونظيره الأردني أيمن الصفدي «شددا على دعم عملية انتقالية سياسية جامعة يقودها السوريون لبناء نظام سياسي يلبي طموحات الشعب السوري ويحترم إرادته ويضمن حقوقه، ويضع سوريا على طريق بناء مستقبل يسوده الأمن والاستقرار، كما شددا على ضرورة احترام وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب».

ونقل البيان عن الصفدي قوله إن «أمن سوريا واستقرارها ركيزة لأمن المنطقة، ما يستدعي تكاتف الجهود لدعم عملية سياسية انتقالية جامعة لتطبيق قرار مجلس الأمن (2254)، ومساعدة الشعب السوري الشقيق على تلبية طموحاته في بناء نظام سياسي يحترم حقوق كل السوريين، ويعيد لسوريا عافيتها دولة آمنة مستقرة ذات سيادة خالية من الإرهاب، ومهيأة للعودة الطوعية للاجئين». كما أدان «احتلال إسرائيل أراضي سورية، وشدد على ضرورة انسحاب إسرائيل فورياً، واحترام سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية».

في السياق نفسه أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال اتصال هاتفي تلقّاه من المستشار الألماني أولاف شولتس، «أن على السوريين وضع مصلحة بلدهم في مقدمة أولوياتهم، خلال المرحلة المقبلة، مشدداً على احترام الأردن خياراتهم»، مشيراً «إلى أهمية الحفاظ على أمن سوريا واستقرارها ومؤسساتها».

مخاوف الفوضى

ولا يُخفي رسميون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى إلى مناطق سورية بعد الخروج الصادم للرئيس السوري السابق بشار الأسد، ولجوئه إلى موسكو، حيث ترى مصادر أمنية أن احتمالات الفوضى مدفوعة بمخاوف التنازع المحتمل على السلطة من قِبل تنظيمات قد تكون لها ولاءات خارجية، وتمتلك كميات من السلاح المنتشر.

وترى مصادر أمنية أردنية، تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، أن «تسارع الأحداث مع بدء تحرك (هيئة تحرير الشام)، وحتى فرار الرئيس السوري السابق، مدفوع من قوى إقليمية ودولية».

وتعتقد المصادر الأمنية الأردنية أن «إعادة تأهيل شخصية أبو محمد الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام) بنسخته الجديدة، الذي كشف عن هويته الأصلية واسمه الصريح أحمد الشرع، والتحولات اللافتة في خطابه (أمر يحتاج لاختبار على المديين القصير والمتوسط)».

القلق الأردني من تطورات الأحداث السورية نابع من تعدد الجهات المؤثرة في الداخل السوري، وتضارب مصالح دول تتصارع على حصتها من «الكعكة السورية».

كما يتصل الأمر في التقدير الأردني باحتمالات «تعرض سوريا ودول جوار سوريا لموجات من «التطرف والإرهاب المدجَّج بأسلحة وترسانات مخزَّنة في مناطق مجهولة»، وقد يُعقِّد المهمة أكثر حجم تعارض الأجندات الداخلية المدفوعة برغبة الانتقام والثأر.

الثقة المُبالغ بها

وصحيح أن الأردن الرسمي أبدى موقفاً مرحِّباً بـ«خيارات الشعب السوري وإرادته»، لكن ما لم يقُلْه الرسميون صراحةً هو حجم المخاوف من الثقة المُبالَغ بها بشخصيات انتمت سابقاً لـ«تنظيم القاعدة»، ثم «داعش»، قبل الانشقاق عنهما وتأسيس «جبهة النصرة»، قبل إعادة إنتاج دورها وشكلها تحت مسمى «هيئة تحرير الشام»، بقيادة الجولاني المدعوم تركياً.

وبعيداً عن شكل انتقال السلطة في سوريا، وانهيار النظام السابق بسرعة مفاجئة، فإن الحسابات الأردنية تأخذ في الحسبان أن تنظيم «داعش» يمتلك جيوباً في البادية السورية، وأن احتمالات عودة ميليشياته تفرض نفسها على طاولة التحديات والمخاوف.

المصادر الأمنية أكدت، لـ«الشرق الأوسط»، متابعتها حركة الجماعات المسلحة في الداخل السوري، وبالأخص في البادية السورية، وأن منظومة الاتصالات الأردنية لم تنقطع مع العشائر السورية وجيشها وجماعات معتدلة في مناطق درعا وما حولها، ما سيساعد في إعادة تشكيل جبهة دفاع متقدمة تسبق المنطقة العازلة بين الحدود الأردنية السورية البالغ طولها نحو 370 كيلومتراً.

وفي رأي أمنيين أردنيين، فإن مرحلة «كمون داعش» قد تكون لصالح إعادة نشاطه العملياتي من خلال التسرب من بوابات الفوضى المحتملة، واستعادة نشاطه عبر توسيع قواعد تحالفاته مع مليشيات جاهزة للدخول في مسرح الفوضى السوري؛ خدمة لأجندات خارجية طامحة بالاستثمار في الموارد السورية الاستراتيجية.


مقالات ذات صلة

مقتل وإصابة 5 عسكريين في هجوم مسلح بشمال غربي سوريا

المشرق العربي رجل ينظر إلى منزله المدمر في حمورية بمنطقة الغوطة الشرقية (أ.ف.ب)

مقتل وإصابة 5 عسكريين في هجوم مسلح بشمال غربي سوريا

قتل عسكريان سوريان وأصيب 3 آخرون، الأربعاء، في هجوم لعناصر من النظام السابق بشمال غربي البلاد، وفق إعلام سوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية مرهف أبو قصرة (رويترز)

وزير الدفاع السوري: ملف «قسد» سيكون عند الإدارة الجديدة

كشف وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية مرهف أبو قصرة أن ملف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، سواء بالتفاوض أو الحل العسكري، سيكون عند الإدارة الجديدة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من قوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية السورية يظهرون في شارع رئيسي بإحدى ضواحي دمشق خلال عملية لمصادرة الأسلحة (أ.ف.ب)

سوريا: قتلى خلال حملة أمنية في ريف حمص

قُتل 6 أشخاص على الأقلّ في الريف الغربي لمحافظة حمص في وسط سوريا وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في إطار حملة «تمشيط».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مقاتلون مدعومون من تركيا على خط مواجهة «قوات سوريا الديمقراطية» على مشارف منبج سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

«قوات سوريا الديمقراطية»: نلاحق عناصر من النظام السابق بمحافظة دير الزور

شدد شامي على أن أمان دير الزور واستقراراها «خط أحمر» ولن يستطيع أحد أن يلحق الضرر به.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع التقي وفداً من الطوائف المسيحية السورية (الإدارة السورية الجديدة)

وفد «الجامعة العربية» يلتقي قيادات الكنائس السورية

واصل وفد جامعة الدول العربية، الأحد، زيارته «الاستكشافية» للعاصمة دمشق، بهدف إعداد تقرير للدول الأعضاء بشأن تطورات الأوضاع في سوريا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

ما طبيعة قوة «حماس» في الضفة؟ وكيف نشأت؟

فلسطينيون يرفعون أعلاماً لـ«حماس» في الضفة الغربية يوم الاثنين الماضي احتفالاً بتحرير أسرى من السجون الإسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون يرفعون أعلاماً لـ«حماس» في الضفة الغربية يوم الاثنين الماضي احتفالاً بتحرير أسرى من السجون الإسرائيلية (رويترز)
TT

ما طبيعة قوة «حماس» في الضفة؟ وكيف نشأت؟

فلسطينيون يرفعون أعلاماً لـ«حماس» في الضفة الغربية يوم الاثنين الماضي احتفالاً بتحرير أسرى من السجون الإسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون يرفعون أعلاماً لـ«حماس» في الضفة الغربية يوم الاثنين الماضي احتفالاً بتحرير أسرى من السجون الإسرائيلية (رويترز)

كان مشهد الأعلام التي حملها المحتفلون في الضفة الغربية بخروج الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، ليل الأحد - الاثنين الماضيين، لافتاً، إذ سيطرت أعلام حركة «حماس» بشكل كبير على المشهد، مع حضور خافت لأعلام فلسطينية، وعلم وحيد تقريباً لـ«حزب الله» اللبناني.

بعد يومين فقط من المشهد السابق، شنت إسرائيل هجوماً على مخيم جنين بالضفة، وقالت إنها تستهدف مسلحين فيه، وسرعان ما دعت «حماس» بدورها إلى «النفير العام» ضد العملية الإسرائيلية التي حملت اسم «السور الحديدي»، وهو ما جدد التساؤلات بشأن طبيعة قوة الحركة في الضفة الغربية.

فلسطينيون يرفعون أعلاماً لـ«حماس» وفلسطين و«حزب الله» في الضفة الغربية يوم الاثنين الماضي (رويترز)

تذهب التقديرات إلى أن «حماس» تمثل القوة الثانية المنظمة في الضفة بعد حركة «فتح»، لكنها أقل تماسكاً مما تبدو عليه في قطاع غزة.

وتحيط بحركة «حماس» في الضفة ظروف أمنية معقَّدة منها الملاحقة الأمنية الإسرائيلية لقياداتها وعناصرها من جانب، والخصومة السياسية مع «فتح» والسلطة الفلسطينية إلى جانب الملاحقة الأمنية من أجهزة السلطة لأبرز نشطائها من جانب آخر.

ولقد بدأت نشأة «حماس» بشكل أساسي من غزة عام 1987، وبالتشاور مع بعض الشخصيات في الضفة الغربية، لكنها فعلياً بدأت تحركاتها في الضفة مع نهاية عام 1989.

أصبحت «حماس» أكثر نشاطاً وحضوراً في الضفة في بداية التسعينات، إذ كان لخلاياها العسكرية دور في تنفيذ هجمات داخل إسرائيل وضد المستوطنين والمستوطنات في مدن الضفة.

ظهور القوة الحقيقية

ورغم أن «حماس» نفذت عشرات الهجمات في الضفة الغربية خلال سنوات التسعينات؛ فإن قوة الحركة الحقيقية برزت بشكل أساسي في سنوات انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت عام 2000.

ونفَّذت «حماس» في أجواء الانتفاضة سلسلة عمليات باستخدام السيارات المفخخة والمسلحين الذين كانوا يحملون أحزمة ناسفة ويفجرون أنفسهم في مطاعم ومقاهٍ وغيرها في القدس وداخل مدن إسرائيلية.

ورداً على نشاط «حماس» وغيرها، نفّذت إسرائيل عملية «السور الواقي» عام 2002، ضد المدن والمخيمات الفلسطينية، وقتلت مئات الفلسطينيين بينهم عشرات المسلحين، واعتقلت الآلاف بينهم قيادات سياسية وعسكرية من الفصائل كافة.

فلسطينيون في رام الله يرمون الحجارة على دوريات إسرائيلية في ذكرى الانتفاضة الثانية سبتمبر 2002 (غيتي)

وفي أعقاب انتهاء العملية الإسرائيلية، قتلت تل أبيب على مدار سنوات قيادات لم تنجح في الوصول إليهم خلال العملية فاستهدفتهم جواً أو من خلال عمليات تفجير عبوات ناسفة.

في فبراير (شباط) 2005 تم التوصل إلى اتفاق هدنة تلتزم بموجبه الفصائل الفلسطينية بوقف هجماتها، فيما ستوقف إسرائيل هجماتها بكل المدن الفلسطينية.

لكن الهدوء لم يدم طويلاً، وعادت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى الواجهة بمدن الضفة، خصوصاً بعد عام 2007، الأمر الذي أدى إلى ظهور مجموعات مسلحة من «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى بما فيها كتائب شهداء الأقصى المنبثقة عن حركة «فتح»، وبدأت بتنفيذ سلسلة عمليات لكنها لم تكن بذات الحجم والقوة اللذين كانت عليهما من قبل.

الانتخابات والصدام

مع فوز حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وما تبع ذلك من سيطرة الحركة عسكرياً على قطاع غزة، دخلت الحركة في موجة كبيرة من الصدام مع السلطة الفلسطينية، حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة المئات من عناصرها.

ودخلت «حماس» في الضفة حالة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري، واعتقلت إسرائيل الآلاف من عناصرها ونشطائها البارزين وقياداتها خصوصاً ممن عملوا في الحكومة الفلسطينية العاشرة التي قادها حينها إسماعيل هنية، وكذلك أعضاء المجلس التشريعي.

فلسطينيون يتظاهرون في الخليل بالضفة الغربية يوليو 2024 تندّيداً باغتيال زعيم «حماس» إسماعيل هنية (أ.ف.ب)

وأدت الحملة ضد «حماس» إلى تراجع عملياتها في الضفة لسنوات، لكنها نفَّذت مع ذلك بعض محاولات إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية في الضفة بشكل أساسي وأوقعت قتلى.

وتبين لاحقاً أن بعض تلك العمليات لم يكن منظماً، إذ عمل المنفذون من «حماس» بشكل منفرد.

بعد ذلك بسنوات ظهرت عمليات ضد إسرائيل، تحديداً في عام 2014 وما تلاه من أعوام، قادتها خلايا تَبيَّن أنها جُندت على يد أسرى محرَّرين محسوبين على الحركة أُطلق سراحهم في صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011، وأُبعدوا إلى قطاع غزة.

كتائب جنين

ومع ظهور جيل جديد من كتائب مسلحة في جنين، مما شكَّل تحدياً لإسرائيل والسلطة الفلسطينية بشكل أساسي، عام 2020، بقي دور «حماس» وجناحها المسلح يعمل سراً.

ومع عام 2022 بدأت تظهر المجموعات المسلحة لـ«حماس» في العروض العسكرية التي تنظَّم في جنين وطولكرم، وأصبح دورها أكبر حتى في مقاومة القوات الإسرائيلية.

وبرزت خلال الفترة الماضية أسماء قيادية شابة عسكرياً قادت مجموعات «حماس» المسلحة في الضفة، وكانت تتهمهم إسرائيل بتلقي تعليمات مباشرة من صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة وقائدها في الضفة الغربية.

وبعد اغتيال العاروري، أصبح زاهر جبارين، المحرَّر في صفقة شاليط، والمبعَد إلى الخارج، قائداً للحركة في الضفة.

تقديرات صعبة

يصعب اعتماد تقديرات موثوقة لأعداد مسلحي «حماس» في الضفة خصوصاً في الجزء الشمالي من مخيم جنين، لكنَّ بعض التقارير يشير إلى أنهم قد يصلون إلى نحو 270 مسلحاً، يعملون إلى جانب عناصر «كتيبة جنين» التابعة لـ«الجهاد الإسلامي» التي يقدَّر عددها بأكثر من 500.

وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، ازداد نشاط القوات الإسرائيلية في شمال الضفة خصوصاً في جنين وطولكرم ونابلس، للقضاء على المجموعات المسلحة الناشطة هناك، ومنها «عرين الأسود» التي كانت تضم عناصر من عدة فصائل، وقيل إنها تتلقى أموالاً من «حماس»، لكنّ المجموعة كانت تنفي ذلك.

وحاولت السلطة الفلسطينية مراراً وتكراراً محاولة إنهاء الحالات المسلحة إما بملاحقة واعتقال عناصرها وإما بمحاولة تسوية ملفاتهم بما يسمح بإنهاء ملاحقتهم حتى من الجانب الإسرائيلي، ونجحت في حالات مثلما جرى مع بعض قادة «عرين الأسود» التي كانت تنشط في نابلس، لكنها فشلت مع مجموعات «حماس» و «الجهاد الإسلامي» وبعض نشطاء «كتائب الأقصى» في جنين وطولكرم.