ليلة عصيبة في دمشق بعد قصف إسرائيلي وبث مشاهد من المعتقلات

اجتماعات بين حكومة الإنقاذ والفعاليات الاقتصادية

TT

ليلة عصيبة في دمشق بعد قصف إسرائيلي وبث مشاهد من المعتقلات

عناصر من المعارضة السورية يوجهون حركة المرور في دمشق (أ.ب)
عناصر من المعارضة السورية يوجهون حركة المرور في دمشق (أ.ب)

عاشت سوريا ليلة ثالثة عصيبة في الليلة على سقوط نظام الأسد، تحت قصف إسرائيلي عنيف لمواقع الجيش السوري في العاصمة والمحافظات، تزامنت مع تدفق التقارير المصورة حول فتح المعتقلات والسجون في دمشق والمشاهد المروعة للمعتقلين والجثامين التي عُثر عليها في مشفى حرستا، وسط سيل من الشائعات المرعبة حول استهداف أسلحة كيماوية، وتحليق طائرات في الأجواء تقوم بضرب المنازل بعد اختراق الهواتف المحمولة، وأخرى عن تجول للرايات السوداء في دمشق، والأهم توغل إسرائيل في الأراضي السورية ووصولها إلى مشارف دمشق.

منظر عام يظهر الدمار الذي لحق بمركز برزة للأبحاث العلمية شمال دمشق (أ.ف.ب)

روان بشارة، من سكان حي المزة، قالت إن غالبية الأهالي كانوا مذعورين ليلة الاثنين ـ الثلاثاء من المظاهر المسلحة في الشوارع، واحتمال انتشار غازات سامة نتيجة القصف الإسرائيلي لمركز البحوث العلمية.

وجرى تداول رسائل صوتية على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، تحمل تحذيرات من الغازات السامة، تحدثت عن انتشار روائح خانقة في الأجواء علمنا لاحقاً أنها ناجمة عن احتراق مواد عزل في المواقع التي قصفت.

بينما قالت أمل عبد الحق، مدرسة لغة عربية، إنها منذ السبت لم تنم: «الحزن والأسى على المفقودين قتل فرحتنا بسقوط المجرم»، مضيفة: «ليلة أمس، كانت رهيبة بعد عودتنا من صيدنايا وحرستا دون أن نعثر على أثر لابن أختي مهندس المعلوماتية المفقود منذ عام 2013، وهناك الآلاف مثلنا. مؤكد أن النظام الساقط أورث السوريين تركة ثقيلة من الدم والقهر ستجعل المقبل صعباً ومعقداً».

وشهدت، ليلة الاثنين ـ الثلاثاء، توغلاً للدبابات الإسرائيلية توغلت في أقصى ريف دمشق الجنوبي الغربي، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، كما استهدفت إسرائيل بستين غارة قطع عسكرية ودمرتها بشكل كامل، وفق المرصد الذي سجل نحو 310 غارات إسرائيلية في كامل الأراضي السورية منذ سقوط النظام.

سوريون في محل بكداش الشهير للمثلجات في سوق الحميدية بدمشق (رويترز)

ولم يتوقف القصف على دمشق، الثلاثاء، وسُمعت أصوات انفجارات خلال النهار، بينما بدأت الحياة تعود إلى الشوارع مع فتح أكثر من 50 في المائة من المحلات أبوابها في مختلف أحياء العاصمة، مع انتشار سيارات الأمن التابعة لإدارة غرفة العمليات ورجال الشرطة والعسكريين، وبدء عودة الموظفين الحكوميين إلى أعمالهم، في ظل خروج المدنيين إلى الشوارع، والتعبير عن فرحهم بسقوط النظام، وبث السيارات المدنية للأغاني الثورية مثل: «ارفع راسك فوق أنت سوري حر»، خلال فترات رفع حظر التجول المتوقع استمراره أياماً، ضمن خطة إدارة العمليات العسكرية لإدارة العاصمة خلال هذه الفترة.

طمأنة الأقليات

وبحسب مصادر مطلعة لم تكشف عن اسمها لعدم تخويلها بالتصريح الرسمي، قالت لـ(الشرق الأوسط) إن القادة العسكريين في كل منطقة، يتولون مهمة اللقاء مع الوجهاء المحليين ورجال الدين، وطمأنة كل منطقة، أبرزها اللقاءات في صيدنايا ذات الغالبية المسيحية ومنطقة القصير بحمص، ذات الحساسية الخاصة.

سيارة أمنية وعنصر من «هيئة تحرير الشام» في شارع نسيب البكري بالجسر الأبيض في محيط قسم الأربعين الأمني سابقاً (الشرق الأوسط)

وفي طرطوس، كانت النتائج إيجابية، حيث جرى التركيز على «التعاون بين كل الأطياف دون استثناء من أجل بناء سوريا»، ووقف هجرة الشباب والخبرات السورية، وإعطاء الأمان للجميع، والحفاظ على الأمن، وإعادة العمل في مؤسسات الدولة. ويجري العمل على تأمين مواد الطاقة اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء لتحسين الكهرباء، كما جرى في حلب. وقالت المصادر إن تحسُّن الخدمات سيبدأ بالظهور الأسبوع المقبل، والمسألة مسألة وقت.

ساحة عرنوس وسط دمشق بعد إسقاط تمثال الرئيس حافظ الأسد (الشرق الأوسط)

ولفتت إلى انعقاد اجتماعات بين وزراء في حكومة الإنقاذ والفعاليات الاقتصادية، في غرفة التجارة واتحاد غرف التجارة، وأن عناوين المرحلة المقبلة «اقتصاد حر تنافسي، ومنع الاحتكار والربح الفاحش والرشوة، وأن عقوبة الرشوة على الراشي، ومنع الابتزاز»، الأمر الذي سينعكس على سير العملية الاقتصادية والأسعار في الأسواق؛ لأن الأهم هو تثبيت الأسعار.

وطمأنت المصادر المواطنين أن الوضع «يسير بشكل جيد» في المحافظات الأخرى، وهناك اهتمام باللاذقية وطرطوس والساحل الذي أعلن أهله «رفض مشروع التقسيم».

ومن المنتظر وصول القائد العسكري أحمد الشرع إلى اللاذقية، وبعد وصول موكب من إدارة العمليات العسكرية إلى اللاذقية، يوم الاثنين، وخروج الأهالي لاستقباله بحفاوة؛ ما أعطى إشارات إيجابية لتقبُّل تلك المناطق التطمينات التي تبثها الإدارة العسكرية.

إلا أن ذلك لم يحد من مخاوف شرائح واسعة من السوريين، لا سيما العلمانيين القلقين من المظاهر الإسلامية، وما عزز تلك المخاوف الفوضى الإعلامية السائدة، وغياب ناطق رسمي باسم العمليات العسكرية، وتأخر بث البيان الرسمي لتوضيح ما يجري.

وبحسب المصادر، فإن الاهتمام متركز على التجمعات السكانية الكبيرة في هذه المرحلة، وطمأنة الأقليات لتهدئة الأوضاع ريثما يستتب الأمن، ويجري ضبط التجاوزات التي تحدث.

واستيقظت دمشق على أنباء اغتيال حمدي إسماعيل أستاذ الكيمياء العضوية في دمشق، بحسب موقع «صوت العاصمة»، ترافقت مع معلومات غير مؤكدة عن اغتيال شخصيات أخرى، ما عزز مخاوف الموالين لنظام الأسد من الانتقام. وقال موظف في مؤسسة الإسكان العسكري، في اتصال هاتفي متحفظاً على ذكر اسمه، إنه لم يخرج من بيته في حي المزة 86، منذ أيام، ولا يعرف ماذا يجري في الخارج، رافضاً التصريح بالمزيد، سوى أنه «خائف على أولاده»، مؤكداً أنه لم يتورط بدماء أحد.


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

خاص سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

يتردد سوريون مقيمون بألمانيا في اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، وعلى وجه خاص بات أبناء جيل اللجوء أمام قرار صعب بعد اندماجهم في المجتمع.

راغدة بهنام (برلين)
خاص مدخل داريا الشمالي وتظهر صورة الأسد  ممزقة إلى اليسار وزُيّن الجدار بالعلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)

خاص «داريا»... سُمّيت «أيقونة الثورة» وفيها تشكل أول مجلس عسكري

سُمّيت بـ«أيقونة الثورة»، وفيها تشكَّل أول مجلس عسكري للثورة، مقاتلوها أول مَن استهدف بالصواريخ قصر بشار الأسد رداً على استهدافه المدنيين وحراكهم السلمي.

موفق محمد (دمشق)
الخليج وفد سعودي يتفقد مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق للاطلاع على الواقع الصحي وتحديد الاحتياجات (سانا‬⁩)

السعودية: 3 آلاف متطوع مستعدون لدعم القطاع الصحي السوري

أكثر من ثلاثة آلاف متطوع من الكوادر الطبية السعودية أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى برنامج «أمل» الذي أتاحه المركز لدعم القطاع الصحي في سوريا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الرئيسان أمين الجميل وحافظ الأسد خلال قمة عدم الانحياز في نيودلهي عام 1983 (غيتي)

خاص حافظ الأسد لأمين الجميل: لهذه الأسباب باقون في لبنان

تنشر «الشرق الأوسط» فصلاً جديداً من كتاب وزير الخارجية اللبناني السابق إيلي سالم بعنوان «الفرص الضائعة».


«لانسيت»: حصيلة قتلى غزة أعلى بنحو 40 بالمئة من أرقام وزارة الصحة

غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

«لانسيت»: حصيلة قتلى غزة أعلى بنحو 40 بالمئة من أرقام وزارة الصحة

غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

أفادت دراسة بحثية نشرتها مجلة «لانسيت» الطبية الجمعة بأنّ حصيلة القتلى في غزة خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب بين إسرائيل وحماس هي أعلى بنحو 40 بالمئة مقارنة بأرقام وزارة الصحة في القطاع الفلسطيني.

وحصيلة القتلى في غزة مدار جدل حادّ منذ أن أطلقت إسرائيل حملتها العسكرية ضد حماس ردا على الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة الفلسطينية ضد الدولة العبرية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وحتى 30 يونيو (حزيران) من العام الماضي، أفادت وزارة الصحة في القطاع الذي تسيطر عليه حماس، بأنّ حصيلة الحرب بلغت 37877 قتيلا.

غير أنّ الدراسة الجديدة التي استندت إلى بيانات للوزارة، واستطلاع عبر الإنترنت وبيانات نعي على مواقع التواصل الاجتماعي خلصت إلى تقديرات تفيد بأنّ حصيلة الوفيات جراء إصابات الحرب في غزة تراوحت بين 55298 و78525 قتيلا في الفترة تلك. وأفضل تقدير لحصيلة القتلى في الدراسة هو 64260، ما يعني أنّها تزيد بنسبة 41% عن الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة عن تلك الفترة. وأشارت الدراسة إلى أنّ هذا الرقم يمثّل 2,9 بالمئة من سكّان غزة قبل الحرب «أو نحو واحد من كل 35» غزّي.

وبحسب تقديرات مجموعة الباحثين بقيادة المملكة المتحدة فإنّ 59 بالمئة من القتلى هم من النساء والأطفال والمسنّين. والعدد يقتصر على الإصابات جراء الحرب، أي لا يشمل الوفيات الناجمة عن عوامل أخرى مثل نقص الرعاية الصحية أو الغذاء ولا الآلاف من المفقودين الذين يُعتقد أنّهم مدفونون تحت الركام. وتعذّر على وكالة الصحافة الفرنسية التحقّق من حصيلة القتلى بشكل مستقل. والخميس، أعلنت وزارة الصحة في غزة أنّ 46006 شخصا قتلوا في الحرب المستمرة منذ 15 شهرا.

وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنّت حركة حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل أسفر عن مقتل 1208 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفقا لتعداد أجرته وكالة الصحافة الفرنسية بالاستناد إلى بيانات رسمية إسرائيلية. وتشكّك إسرائيل في مصداقية حصائل القتلى التي تعلنها وزارة الصحة في غزة، إلا أن الأمم المتحدة تعتبر هذه الأرقام موثوقا بها.

واستخدم الباحثون نهجا إحصائيا يسمى «capture-recapture» سبق أن استخدم لتقدير عدد القتلى في نزاعات أخرى حول العالم. واستند التحليل إلى بيانات من ثلاث قوائم مختلفة، الأولى وفّرتها وزارة الصحة في غزة للجثث التي تم التعرف عليها في المستشفيات أو المشارح. وأُخذت القائمة الثانية من استطلاع عبر الإنترنت أطلقته وزارة الصحة ويبلغ فيه فلسطينيون عن وفاة أقاربهم. أما القائمة الثالثة فاستندت إلى بيانات نعي نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي على غرار إكس وإنستغرام وفيسبوك وواتساب، متى أمكن التحقق من هوية المتوفين.

وقالت المعدّة الرئيسية للدراسة زينة جمال الدين، عالمة الأوبئة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي «أبقينا فقط في التحليل على أولئك الذين أكّد وفاتهم أقرباؤهم أو مشارح أو مستشفيات». ودقّق الباحثون في القوائم الثلاث بحثا عن أيّ بيانات متكررة. وأضافت جمال الدين «بعدها، نظرنا إلى التداخل بين القوائم الثلاثة، وبناء على التداخل، يمكنك الحصول على تقدير إجمالي للسكان الذين قتلوا».

باتريك بول، عالم الإحصاء في «مجموعة تحليل بيانات حقوق الإنسان» ومقرها الولايات المتحدة والذي لم يشارك في الدراسة البحثية، استخدم أساليب «capture-recapture» لتقدير عدد قتلى النزاعات في غواتيمالا وكوسوفو والبيرو وكولومبيا. وقال بول إن التقنية التي تم اختبارها على نحو جيّد استخدمت لقرون وإن الباحثين توصلوا إلى «تقدير جيّد« في ما يتّصل بغزة.

بدوره، قال كيفن ماكونواي، أستاذ الإحصاء التطبيقي في جامعة بريطانيا المفتوحة، إنّ هناك «حتما عدم يقين كبيرا» عند إجراء تقديرات استنادا إلى بيانات غير مكتملة. لكنه قال إنه «من المثير للإعجاب» أنّ الباحثين استخدموا ثلاث مقاربات أخرى للتحليل الإحصائي للتحقق من تقديراتهم. وأضاف «إجمالا، أجد هذه التقديرات مقنعة على نحو معقول».

وحذّر الباحثون من أن قوائم المستشفيات لا تفيد على الدوام بسبب الوفاة، لذلك من الممكن أن تتضمن أشخاصا يعانون من مشاكل صحية، على غرار النوبة القلبية، ما يمكن أن يؤدي لتقديرات أعلى من الواقع. مع ذلك، هناك ما من شأنه أن يعزّز فرضية أنّ الحصيلة المعلنة للحرب أقلّ من الواقع. فالدراسة البحثية لم تشمل مفقودين. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (أوتشا) إنه يُعتقد أنّ نحو عشرة آلاف مفقود من الغزيين مدفونون تحت الركام.

ويمكن للحرب أيضا أن تتسبب بطرق غير مباشرة بخسائر في الأرواح، بما في ذلك نقص الرعاية الصحية أو الغذاء أو المياه أو الصرف الصحي أو تفشي الأمراض. وكل هذه العوامل يعاني منها قطاع غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وفي رسالة مثيرة للجدل، نشرت في مجلة «لانسيت» في يوليو (تموز)، استندت مجموعة أخرى من الباحثين لمعدل الوفيات غير المباشرة المسجّل في نزاعات أخرى للإشارة إلى أن حصيلة القتلى في غزة يمكن أن تقدّر بـ186 الفا في نهاية المطاف.

واعتبرت الدراسة الجديدة أنّ هذه التقديرات «قد تكون غير مناسبة بسبب اختلافات جليّة في عبء الأمراض قبل الحرب» في غزة مقارنة بنزاعات في بلدان على غرار بوروندي وتيمور الشرقية. وقالت جمال الدين إنها تتوقع أن «يأتي الانتقاد من مختلف الأطراف» حول هذه الدارسة البحثية الجديدة. وندّدت بما اعتبرته «هوس» المجادلة حول أعداد الوفيات، وقالت «نحن نعلم بالفعل أنّ هناك وفيات كثيرة جدا».