لبنانيون يعدّون سقوط الأسد «عدالة سماوية» لكنهم ينتظرون دور القضاء

سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في مدينة طرابلس شمال لبنان (أ.ف.ب)
سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في مدينة طرابلس شمال لبنان (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون يعدّون سقوط الأسد «عدالة سماوية» لكنهم ينتظرون دور القضاء

سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في مدينة طرابلس شمال لبنان (أ.ف.ب)
سوريون ولبنانيون يحتفلون بسقوط النظام السوري في مدينة طرابلس شمال لبنان (أ.ف.ب)

يرى لبنانيون فقدوا أحباء في اغتيالات أو تفجيرات منسوبة إلى سوريا التي هيمنت على الحياة السياسية في لبنان لمدة 30 عاماً، في سقوط بشّار الأسد نوعاً من «العدالة السماوية»، وينتظرون عدالة القضاء، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ودخل الجيش السوري لبنان في عام 1976 بوصفها جزءاً آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق «قوة الوصاية» على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في انفجار مدوٍّ في بيروت وجهت أصابع الاتهام فيه إليها وفي وقت لاحق إلى حليفها «حزب الله» اللبناني.

وتقول رانيا غانم غنطوس التي اغتيل والدها أنطوان غانم بعد انسحاب الجيش السوري، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، تعليقاً على سقوط الأسد، «تحقّقت العدالة نوعاً ما. صحيح أن العقاب لم ينفَذ، لكن العدالة السماوية أخذت مجراها».

وتضيف: «أؤمن بأن الله يمهل ولا يهمل»، قبل أن تتابع: «لكن يهمني أن يُنفذ العقاب وأن أعرف من هم الأشخاص الذين نفذوا الجريمة على الأرض».

وقُتل غانم في 19 سبتمبر (أيلول) 2007 في انفجار سيارة مفخخة قرب منزله شرق بيروت، وكان ينتمي إلى حزب «الكتائب» المناهض لسوريا، وواحد من مجموعة شخصيات سياسية وإعلامية تعرضوا لاغتيالات خلال الفترة بين 2004 و2007 بسبب رفضهم استمرار النفوذ السوري في لبنان.

وتصف غنطوس الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 بأنه «يوم مجيد». وتعبّر عن فرحها «بسقوط نظام الطاغية بشار الأسد بعد 50 عاماً من القمع»، ولو أن لديها في الوقت نفسه «مزيجاً من الأحاسيس» و«شعوراً بالحزن، فَوَجَعُنا كبير جداً، وأنا مشتاقة إلى والدي كثيراً فهو لن يعود».

وبـ«مزيج من المشاعر»، يقول زاهر عيدو إنه تلقّى خبر خروج الأسد من السلطة بعد 17 عاماً على اغتيال والده النائب وليد عيدو في 13 يونيو (حزيران) 2007 بتفجير سيارته في بيروت، ما أدى أيضاً إلى مقتل شقيقه خالد.

وكان وليد عيدو عضواً في الكتلة النيابية لتيار المستقبل الذي أسسه الرئيس رفيق الحريري.

ويقول زاهر عيدو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «سقوط النظام يبرّد قلب أمي وقلوبنا وقلوب الناس الذين ظلموا جراء هذا النظام».

إلا أنه يضيف: «نحن عائلة تعمل في مجال القانون، ووالدي كان قاضياً قبل أن يكون نائباً، وشقيقي الذي استُشهد معه كان محامياً (...)، وبالتالي العدالة بنظرنا لا تتحقّق كاملة إلا عندما يُحاكَم (الأسد) دولياً، ويُنفَّذ فيه حكم إعدام أو سجن مؤبد أو أي عقوبة قانونية».

ويتابع: «عندها يكون حقّي وصلني وكذلك حقّ كلّ الذين ظلمهم كلّ هذه الأعوام هذا النظام المجرم، من الشعبين السوري واللبناني».

«مسألة وقت»

تعبّر شريحة واسعة من اللبنانيين عن الشعور نفسه. مساء الأحد، قالت محطة محلية تلفزيونية في مقدّمة نشرتها الإخبارية: «سقط مَن ارتكب أفظع المجازر والاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات سواء في سوريا أم في لبنان أم في حق الفلسطينيين».

وأضاءت الألعاب النارية ليل المنطقة المحيطة باستوديوهات محطة محلية أخرى شمال بيروت ابتهاجاً بسقوط الأسد. واصطف صحافيون في المحطة وقوفاً داخل الاستوديو في مقدمة نشرة الأخبار حاملين صور ضحايا اغتيالات وُجّهت أصابع الاتهام فيها إلى النظام المخلوع، على خلفية صورة عملاقة لأبرز هؤلاء، رئيس الجمهورية بشير الجميّل الذي قُتل بانفجار في 14 سبتمبر 1982 بعد 20 يوماً على انتخابه، والرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 بعد وقت قصير على انتخابه، ورفيق الحريري الذي قضى بانفجار في 14 فبراير (شباط) 2005، والزعيم الدرزي الاشتراكي كمال جنبلاط الذي قُتل في مارس (آذار) 1977.

أشخاص يحملون الأعلام السورية واللبنانية أثناء احتفالهم بسقوط نظام بشار الأسد في طرابلس شمال لبنان (رويترز)

وتقول يَسمى فليحان، أرملة الوزير والنائب السابق باسل فليحان الذي قضى في 19 أبريل (نيسان) 2005 متأثراً بحروق أصيب بها في الانفجار الذي أودى بالحريري، إنها آمنت «دائماً بأن العدالة مسألة وقت، وبأنها ستحلّ في الوقت المناسب».

وتضيف: «جاءت (العدالة) في الوقت المناسب للشهداء والمعتقلين والأهالي، وأحدثت طاقة في كل المنطقة، ووعياً بأن القتل والإجرام عبثي، ولا يخرج منه أحد منتصراً».

وتتابع أن «خسارة باسل لا تُعوّض طبعاً، وسقوط النظام في سوريا لن يعيده»، لكن الإطاحة بالأسد «تحقّق العدالة لكل من قُتلوا، وتعرضوا للتهديد والضغط والتعذيب» من حكمه.

في ساحة ساسين في الأشرفية في شرق بيروت التي تعرضت خلال الحرب الأهلية لقصف مدمر من الجيش السوري، يقول نسيب إبراهيم (76 عاماً): «لا يمكن أن أنسى الليالي التي قضيناها في الملاجئ عندما كان جيش الأسد يقصفنا عام 1978 من برج رزق» القريب.

ويضيف: «كنا نقيم في الجوار، وقُتل شقيقي جرّاء قذيفة سورية. لقد نال المجرم جزاءه اليوم».

ويتابع: «سقوط هذا النظام أجمل يوم في حياتي وحياة كثر من اللبنانيين. حاول إذلالنا، فخرج هارباً ذليلاً».


مقالات ذات صلة

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

العالم العربي الشرع وميقاتي (أ.ف.ب)

اجتماع لبناني - سوري يبحث ملفات مشتركة ويخرق جمود العلاقات

انتظر رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، انتخاب رئيس جديد للبنان قبل تلبية دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع لزيارة سوريا.

الخليج السفارة الإماراتية لدى لبنان (الشرق الأوسط)

الإمارات ولبنان يتفقان على إعادة فتح سفارة أبوظبي في بيروت

اتفق رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس اللبناني جوزيف عون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة فتح سفارة دولة الإمارات في بيروت.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي وحدات الجيش اللبناني تواصل انتشارها في الجنوب (مديرية التوجيه)

الجيش اللبناني يوسّع انتشاره جنوباً مع تواصل الانسحابات الإسرائيلية

الجيش اللبناني يوسّع انتشاره جنوباً

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً المفتي دريان (الرئاسة اللبنانية)

ميقاتي يتقدّم المرشحين لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة... بانتظار موقف المعارضة

شدّد رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزيف عون، على أنه لم يأتِ ليعمل في السياسة «بل لبناء دولة لا تقوم إلا على العدالة والمساواة بين جميع المكونات التي…

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان (المركزية)

الرئيس اللبناني: لم آتِ لأعمل بالسياسة... وآمل تشكيل الحكومة بأسرع وقت

أمل الرئيس اللبناني جوزيف عون بـ«تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن»، مؤكداً أنه «لم يأت ليعمل بالسياسية»، بل «لبناء الدولة» التي «لا تقوم إلا بالعدالة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

نتنياهو يرسل وفداً برئاسة مدير الموساد إلى قطر لإجراء محادثات بشأن الرهائن

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يرسل وفداً برئاسة مدير الموساد إلى قطر لإجراء محادثات بشأن الرهائن

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، السبت، إن إسرائيل سترسل وفداً برئاسة رئيس جهاز الموساد إلى قطر لمواصلة المحادثات بشأن اتفاق محتمل لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.

وأضاف مكتب رئيس الوزراء، في بيان، أن نتنياهو «عقد جلسة نقاش لتقييم الوضع حول قضية الرهائن مع وزير الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومع المعنيين بالملف والمبعوثين من الإدارات الأميركية المنتهية الولاية والقادمة».

وتابع: «في نهاية الجلسة، وجّه رئيس الوزراء رئيس الموساد ورئيس (الشاباك)، واللواء نيتزان ألون، والمستشار السياسي أوفير فالك بالتوجه إلى الدوحة، بهدف مواصلة دفع صفقة الإفراج عن رهائننا».

وتلعب قطر، إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، دور الوسيط في محادثات متواصلة منذ أشهر خلف الكواليس؛ بهدف التوصل إلى هدنة في غزة والإفراج عن الرهائن.

لكن باستثناء أسبوع توقف فيه القتال أواخر عام 2023، وتم خلاله إطلاق سراح عشرات الرهائن المحتجزين لدى «حماس» في مقابل فلسطينيين كانوا في السجون الإسرائيلية، فشلت جولات التفاوض المتتالية خلال الحرب.

وانتهت جولة سابقة من الوساطة في ديسمبر (كانون الأول) بإلقاء كل طرف اللوم على الآخر بالفشل؛ إذ اتهمت «حماس» إسرائيل بوضع «شروط جديدة»، في حين اتهمت الدولة العبرية الحركة الفلسطينية بوضع «عقبات جديدة» أمام التوصل إلى اتفاق.