بشار الأسد الرئيس الذي ورث عن والده الطباع الباردة والشخصية الغامضة

TT

بشار الأسد الرئيس الذي ورث عن والده الطباع الباردة والشخصية الغامضة

الأسد يلوح لأنصاره خارج البرلمان في دمشق في 2000 بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
الأسد يلوح لأنصاره خارج البرلمان في دمشق في 2000 بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)

الرئيس بشار الأسد الذي أعلنت فصائل المعارضة فجر الأحد أنه «هرب» مع دخولها دمشق، حاكم قاد حربا بلا هوادة على مدى 13 عاما داخل بلاده تسببت بدمارها واستنزاف مقدراتها بعد قمع دام لشريحة واسعة من شعبه طالبت بالحرية.

أطلقت عليه الفصائل المعارضة المسلحة في بيانها صفة «الطاغية»، وأعلنت «الطاغية بشار الأسد هرب من دمشق». في خضمّ ما وُصف بأنّه إحدى أكثر الحروب عنفا منذ بداية القرن الـ21، لم يبدِ الأسد منذ عام 2011، أي علامات تردّد أو تراجع في مواجهة معارضيه. لكن منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، بدا واضحا أن سلطته مزعزعة وضعيفة، في مواجهة هجوم مباغت نفّذه تحالف من فصائل مسلحة، ونجم عنه خسارة قواته لمناطق عدة بسرعة مذهلة بينها مدن رئيسية مثل حلب وحماة وحمص، وصولا الى دمشق.

بشار الأسد أثناء القاء خطاب في باريس عام 2010 (أ.ف.ب)

لطالما قدّم الأسد نفسه حاميا للأقليات وحصنا ضدّ التطرّف والفوضى، وحظي بدعم من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني في النزاع مكّنه من استعادة السيطرة على الأرض اعتبارا من العام 2015 بعدما كانت قواته خسرت أجزاء واسعة من الأراضي السورية. باستثناء صور قليلة له بالزي العسكري قد يصادفها زائر دمشق أو مدن أخرى عند نقاط أو حواجز أمنية، ظهر الأسد دائما بطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، ببزات رسمية وربطة عنق. وكانت لافتة مشاهد الأيام الماضية عندما أقدم مقاتلون معارضون في مناطق مختلفة من سوريا على إحراق هذه الصور أو تمزيقها أو تحطيمها.

في اجتماعاته الرسمية، وخلال استقباله ضيوفا، في المقابلات أو حتى خلال تفقّده الجبهات في أشد سنوات النزاع عنفا، يتكلّم بشار الأسد، طبيب العيون السابق البالغ من العمر 59 عاما، دائما بنبرة هادئة ولكن حازمة تتخلّلها لحظات توقّف وابتسامات غامضة.

وصل الى الحكم في العام 2000. خلال سنوات النزاع، نظمت انتخابات رئاسية أكثر من مرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وأعيد انتخابه في كل مرة، في انتخابات كانت محور انتقادات وتساؤلات حول نزاهتها من دول عدة.

أتقن لعبة خلط الأوراق

يقول صحافي ممّن التقوا بشار الأسد أكثر من مرة قبل الحرب وخلالها، لوكالة الصحافة الفرنسية، «بشار الأسد شخصية فريدة ومركّبة... في كل مرة التقيته، كان هادئاً وغير متوتر. حتى في أشد لحظات الحرب الحرجة والقاسية، وهذه تماما صفات والده» حافظ الأسد الذي حكم سوريا لمدة ثلاثين عاما.

صورة عائلية تعود إلى عام 1985 تظهر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وزوجته أنيسة مخلوف وأبنائهما الخمسة (أ.ف.ب)

وورث الأسد الابن عن والده الراحل، كما يكرّر عارفوه، الطباع الباردة والشخصية الغامضة. تتلمذ على يده في الصبر واستثمار عامل الوقت لصالحه. ولعب ذلك دوراً أساسياً في «صموده» في وجه «الثورة» التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها، ثم «العزلة» العربية والدولية التي بدأت تنفك منذ سنوات عندما تمكّن من البقاء في منصبه. كان والده حافظ الأسد زعيم حزب البعث الموجود في السلطة منذ أكثر من خمسين عاما، وقد فرض في سوريا نظاما أمنيا مشدّدا أمكن من خلاله سجن أي شخص لمجرّد الشكّ في ولائه.

تبدّلت حياة بشار الأسد بشكل جذري العام 1994، إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتم إعداده ليحكم البلاد خلفاً لوالده، في حادث سير قرب دمشق. واضطر للعودة من لندن حيث كان يتخصّص في طب العيون، وحيث تعرّف إلى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من إحدى أبرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل مع مصرف «جي بي مورغن» في حي المال والأعمال في لندن. قبل الانتفاضة الشعبية، لُقّبت أسماء الأسد بـ«وردة الصحراء»، ثم شُبّهت بعد الثورة بماري أنطوانيت.

بشار الأسد وزوجته أسماء في صورة تعود لعام 2004 (أ.ف.ب)

والتحق الأسد بالسلك العسكري وتدرّب على يد والده على الملفات السياسية. بعد وفاة والده في العام 2000، أصبح بشار، وهو في الرابعة والثلاثين من العمر، رئيسا عن طريق استفتاء لم يشهد أي معارضة.

في بدايات عهده، ضخّ بشار الأسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش إلى الحرية بعد عقود من القمع، فسمح بإقامة ندوات ثقافية ونقاشات سياسية. لكنّ هذه الفسحة الإصلاحية الصغيرة سرعان ما أغلقت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في ما عُرف وقتها بـ«ربيع دمشق».

بشار الأسد يحضر تدريبات عسكرية مع علي أصلان رئيس أركان الجيش السوري السابق في عام 2000 (أ.ب)

قبل اندلاع النزاع، اعتاد سكان دمشق رؤيته في الشوارع، يقود سيارته بنفسه، ويرتاد المطاعم مع زوجته. وكان حتى الآن، يعلّق العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم في دمشق صور شخصية لهم مع الأسد أثناء زياراته. في العام 2011، ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، أعطى الأوامر بقمع المتظاهرين السلميين، وتحولت الاحتجاجات نزاعا داميا سرعان ما تعددت جبهاته ولاعبوه.

رئيس معهد موسكو الحكومي للعلاقات الخارجية أناتولي توركونوف يمنح الأسد درجة الدكتوراه الفخرية في موسكو (أ.ب)

ورغم انشقاقات كثيرة عن الأجهزة الأمنية سجلت في بداية النزاع، بقي الجيش وفيا له. وأودى النزاع بأكثر من 500 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض. وكان الأسد يكرّر منذ السنة الأولى للنزاع أنّ بلاده ستخرج «منتصرة» بمواجهة ما وصفها بأنها «مؤامرة» نسجتها قوى خارجية ضدها.

بعد بدء هجوم الفصائل المسلّحة في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، اعتبر أن «التصعيد الإرهابي» يهدف إلى «محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها، وإعادة رسم الخرائط من جديد».

فجر الأحد، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الأسد غادر العاصمة السورية على متن طائرة اقلعت من مطار دمشق قبل وصول الفصائل المسلحة اليه.

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

مؤتمر باريس لدعم سوريا وإيصال رؤية موحدة للسلطات الجديدة

المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

مؤتمر باريس لدعم سوريا وإيصال رؤية موحدة للسلطات الجديدة

مؤتمر دولي موسع في باريس، الخميس المقبل، لدعم سوريا، والأسرة الدولية تريد إيصال رؤية موحدة للسلطات الجديدة لما هو منتظر منها.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي الجيش السوري يدفع بتعزيزات من الجنود إلى محاور حلب (إكس)

«الدفاع» السورية تبدأ إعادة هيكلة الجيش وتشكيل الفرق العسكرية

بدأت وزارة الدفاع السورية بتشكيل فرق عسكرية تتبع الوزارة في دمشق وحماة وحمص ودرعا وإدلب وتدمر، وتسمية قادتها، في إطار إعادة تشكيل الجيش الوطني السوري.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي سوريون يحاولون عبور الحدود إلى لبنان عقب سقوط بشار الأسد (إ.ب.أ)

عون والشرع يتفقان على التنسيق لضبط الحدود ومنع استهداف المدنيين

أفادت الرئاسة اللبنانية، الجمعة، بأن الرئيس جوزيف عون أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس السوري أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فيصل يوسف المتحدث الرسمي لـ«لمجلس الوطني الكردي» في سوريا (الشرق الأوسط)

تمهيداً للحوار مع دمشق... «المجلس الوطني الكردي» ينسحب من الائتلاف المعارض

أعلن «المجلس الوطني الكردي» في سوريا الانسحاب من الائتلاف السوري المعارض بهدف توحيد القوى الكردية، تمهيداً لدخول مفاوضات مباشرة مع السلطة الانتقالية في دمشق.

كمال شيخو (دمشق)
المشرق العربي أولاف شولتس (رويترز)

شولتس يؤكد للشرع دعم ألمانيا لسوريا «حرة وآمنة»

تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، خلال اتصال هاتفي استمر زهاء ساعة، اليوم (الجمعة)، دعم بلاده لسوريا حرّة وآمنة.

«الشرق الأوسط» (برلين)

المبعوثة الأميركية تطالب باستبعاد «حزب الله» من الحكومة

الرئيس جوزيف عون مستقبلا نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ("الشرق الأوسط")
الرئيس جوزيف عون مستقبلا نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ("الشرق الأوسط")
TT

المبعوثة الأميركية تطالب باستبعاد «حزب الله» من الحكومة

الرئيس جوزيف عون مستقبلا نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ("الشرق الأوسط")
الرئيس جوزيف عون مستقبلا نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ("الشرق الأوسط")

أعلنت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، التزام بلادها موعد انسحاب إسرائيل من لبنان في 18 فبراير (شباط) الحالي، وهو تاريخ انتهاء المهلة الجديدة للانسحاب.

وقالت من بيروت: «كان هذا جزءاً من المفاوضات التي أجريتها مع شريكي إريك تريغر في مجلس الأمن القومي، ومع الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية. وسيكون 18 فبراير موعد إعادة الانتشار عندما تُنهي قوات الجيش الإسرائيلي انسحابها، وبالطبع ستأتي القوات المسلحة اللبنانية لتُعيد انتشارها. نحن ملتزمون بشدة بهذا التاريخ».

وأكدت المسؤولة الأميركية أن بلادها وضعت خطوطاً حمراء «تمنع (حزب الله) من ترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك عبر مشاركته في الحكومة»، مضيفة أن الحزب «انتهى». وقالت إن بلادها «ممتنة لإسرائيل على هزيمة الحزب».

وأربك تصريح مورغان أورتاغوس، المساعي لتشكيل حكومة لبنانية، واعتذر الاسم المقترح «بوصفه تسوية» ليكون الوزير الشيعي الخامس، ناصر السعيدي، عن عدم المشاركة، في حين زار الرئيس المكلف نواف سلام الرئيس جوزيف عون مساء، وخرج من دون الإدلاء بأي تصريح. وأثارت مورغان أورتاغوس غضب «حزب الله»، لناحية تثبيت خاتم يحمل شعار «نجمة داوود»، و«امتنانها لإسرائيل»، فخرج مناصروه إلى الشارع احتجاجاً، وقال النائب محمد رعد إن ما قالته هو «تدخل سافر في شؤون لبنان».