التهريب سبيل الغزيين لتوفير ثياب تحمي أطفالهم من الشتاء

فلسطينيون نازحون وسط مخيم استهدفه قصف إسرائيلي في البريج وسط غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون وسط مخيم استهدفه قصف إسرائيلي في البريج وسط غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

التهريب سبيل الغزيين لتوفير ثياب تحمي أطفالهم من الشتاء

فلسطينيون نازحون وسط مخيم استهدفه قصف إسرائيلي في البريج وسط غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون وسط مخيم استهدفه قصف إسرائيلي في البريج وسط غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

تسبب النقص الشديد في الملابس وكثير من مقتنيات واحتياجات سكان قطاع غزة في دفعهم إلى إيجاد سبل أخرى لتوفيرها مع استمرار إغلاق إسرائيل المعابر منذ نحو 14 شهراً، منعت خلالها دخول كثير من الأصناف إلى القطاع، واكتفت بإدخال بعض المساعدات الغذائية فقط.

وبينما في دول العالم يعملون على تهريب الذهب والمخدرات والسلاح والدخان وغيره، اضطر الغزيون إلى تهريب الملابس من شمال القطاع إلى جنوبه، في ظل النقص الحاد الذي يعانيه أكثر من مليون و700 ألف فلسطيني من عدم توفر الملابس والأغطية والأقمشة المختلفة، وحتى الفراش والكثير من الاحتياجات التي تساعدهم على العيش في ظروف جوية شتوية قاسية عليهم، خصوصاً أن غالبيتهم يعيشون ويتكدسون في مناطق متقاربة في خيام، بالقرب من شاطئ البحر وسط وجنوب القطاع.

فلسطينيون في باحة مدرسة تؤوي نازحين بحي الزيتون جنوب مدينة غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

الغزية إيمان شويدح (51 عاماً) من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، والنازحة إلى مواصي خان يونس جنوبي القطاع، وتعيش منذ عام في خيمة لا تتعدى الأمتار الثلاثة، اضطرت إلى دفع مبلغ وصل إلى 2800 شيقل (ما يعادل نحو 760 دولاراً) من أجل نقل كمية بسيطة من الملابس الخاصة بها وبأفراد عائلتها لارتدائها، في ظل شح شديد في توفرها وارتفاع أسعارها.

وقالت شويدح لـ«الشرق الأوسط» إن شقيقها الوحيد المتبقي في مدينة غزة ولم ينزح، استطاع الوصول إلى منزلها المتضرر جزئياً، في حي الشجاعية الذي يقطنه هو الآخر، وأخرج بعض الملابس الشتوية، وبعد بحث طويل وصل إلى أحد سائقي الشاحنات التي تنقل بضائع من جنوب إلى شمال القطاع، وهرَّب معه تلك الملابس.

وأشارت إلى أن الكثير من العوائل النازحة اضطرت إلى تهريب ملابس من شمال القطاع إلى جنوبه، مؤكدةً أن هناك نقصاً حاداً في الملابس بمختلف أنواعها، بما في ذلك للأطفال والنساء وليس فقط الرجال، موضحةً أن بدء الأجواء الشتوية القارسة أحد العوامل التي دفعتها وكثيراً من العوائل إلى دفع مبالغ مالية باهظة من أجل جلب ملابسهم الشتوية.

ووفقاً للقائمين على عمليات تنسيق نقل البضائع، فإن ما يجري عملية تهريب محدودة، مقارنةً بحجم عدد العوائل الكبيرة النازحة من شمال القطاع إلى جنوبه، وفي بعض الحالات كان الاحتلال الإسرائيلي يسمح بنقل مثل هذه الملابس في إطار محدود وليس كبيراً.

أطفال فلسطينيون مع معلِّمتهم في صف متضرر من القصف الإسرائيلي بخان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)

المواطنة ليلى صافي، من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة ونازحة إلى دير البلح في وسطه، قالت إنه لم يحالفها الحظ في تهريب أي ملابس من منزلها قبيل دخول القوات الإسرائيلية إلى منطقة سكناها في الشهرين الماضيين، مشيرةً إلى أنها لم تستطع دفع المبلغ الذي طلبه سائق الشاحنة من زوجها لتهريب الملابس.

وبيّنت ليلى أن سائق الشاحنة طلب مقابل كل كيلوغرام واحد 100 شيقل (أي ما يعادل 28 دولاراً)، مبينةً أن وزن قطعة الملابس الواحدة قد يصل في بعض الأحيان إلى كيلوغرام واحد من القماش، أو أقل أو أكثر، وهذا يعني أنها ستضطر إلى دفع مبالغ كبيرة.

وذكرت أنها لم تستطع شراء أي قطعة ملابس لأطفالها الثلاثة منذ ما يزيد على 10 أشهر، بسبب النقص الشديد في توفرها، إلى جانب الغلاء الفاحش الذي وصلت إليه أسعار بعض ما يتوفر من ملابس، خصوصاً الشتوية المفقودة بشكل كبير من الأسواق، بسبب حاجة السكان إليها في ظل الظروف المعيشية الصعبة في الخيام مع بدء فصل الشتاء.

وأشارت إلى أن سعر قطعة الملابس الواحدة مثل «البلوزة» لطفل لا يتعدى 4 أعوام وصل إلى 160 شيقلاً (أي ما يعادل 44 دولاراً)، مشيرةً إلى رغبتها الكبيرة في كساء أطفالها الثلاثة الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، وهذا يعني أن تكلفة ما ستشتريه يصل إلى نحو 500 شيقل (ما يعادل نحو 140 دولاراً).

وقالت صافي، وهي ربة بيت ومتزوجة من موظف يعمل في حكومة «حماس» بغزة: «حياتنا معدومة، ولا توجد رواتب منتظمة، وكل ما يتحصل عليه زوجي 800 شيقل (نحو 220 دولاراً)، لا تكاد تكفي لشراء الحاجيات الأساسية من طعام في حال توفره خصوصاً مع نفاد كثير من المواد الغذائية المختلفة بما في ذلك الطحين... أولادي سيضطرون إلى قضاء هذا الشتاء في ظروف صعبة بلا ملابس توفر لهم الدفء الكافي، وهذا سيسبب لهم الكثير من الأمراض مثل الإنفلونزا وغيرها، مما ينتشر من أمراض موسمية».

فلسطينيون نازحون يقيمون في خيام قرب البحر وسط غزة (رويترز)

يقول المواطن إياد الرملاوي (59 عاماً)، من سكان حي الصبرة والنازح إلى خان يونس: «دخلنا فصل الشتاء، ولا توجد حلول أمامنا غير أن ندفع الفلوس مشان نهرّب ملابسنا اللي سبناها في بيوتنا، لأنه مش ملاقيين ملابس ندفّي أولادنا وبناتنا... إحنا عايشين ظروف صعبة هان وما حدا حاسس فينا والكل تركنا نموت ببطء».

وقبيل الحرب الحالية على قطاع غزة، كانت الأسعار معقولة بالنسبة إلى الغزيين، إذ كان سعر قطعة الملابس الواحدة للأطفال لا يتجاوز 20 شيقلاً (ما يعادل 6 دولارات فقط)، فيما كانت تتراوح للنساء والرجال ما بين 40 و60 شيقلاً (ما يعادل نحو 16 دولاراً)، كما أن الظروف الاقتصادية كانت أفضل بكثير بالنسبة لكثير منهم.

وحسب التاجر محمد حميد، الذي كان يستورد ملابس متنوعة من خارج قطاع غزة قُبيل الحرب، فإن الاحتلال الإسرائيلي يمنع استيراد أي أنواع منها، كما يمنع استيراد كثير من البضائع، وما يُسمح به للتجار في بعض الحالات النادرة هو إدخال بعض الخضار فقط.

ويوضح حميد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن بعض التجار حاولوا التواصل مع جهات مختلفة من أجل الضغط على الاحتلال لإدخال الملابس والأحذية والمنظفات والهواتف النقالة، إلا أنهم لم يتلقوا أي إجابات، مشيراً إلى حاجة السكان بشكل كبير إلى الملابس الشتوية خصوصاً أن كثيراً منهم نزح في وقت لم يكن فيه فصل الشتاء قد بدأ.

وأشار إلى أن هناك نقصاً حاداً في كثير من الاحتياجات المهمة بالنسبة إلى السكان، مشيراً إلى أن كثيراً من النازحين اضطروا إلى تهريب ملابسهم وأحذيتهم والمنظفات التي بقيت في بيوتهم التي لم تُهدم.

وتقول صحيفة «هآرتس» العبرية، إن إسرائيل أوقفت إدخال البضائع للتجار والقطاع الخاص في الأشهر القليلة الماضية بسبب معلومات استخباراتية، تشير إلى أن إدخال البضائع إلى القطاع الخاص يساعد «حماس» على استعادة قدراتها خصوصاً أنها تجمع الضرائب من التجار وحتى تشغِّل تجاراً بالنيابة عنها.


مقالات ذات صلة

غارات إسرائيلية على مستشفى كمال عدوان في شمال غزة

المشرق العربي أشخاص يتفقدون الأضرار خارج مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بعد غارة إسرائيلية في 6 ديسمبر 2024 مع استمرار الحرب بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)

غارات إسرائيلية على مستشفى كمال عدوان في شمال غزة

أعلن مدير مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، اليوم (الجمعة)، أن المستشفى تعرّض «لغارات إسرائيلية عدّة منذ الصباح» أدت إلى سقوط عدد كبير من «الشهداء والجرحى».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي باسم نعيم المسؤول في الجناح السياسي لحركة «حماس» يتحدث في إسطنبول... الخميس 5 ديسمبر 2024 (أ.ب)

قيادي ﺑ«حماس»: استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة

قال مسؤول من حركة «حماس» يوم الخميس، إن الوسطاء الدوليين استأنفوا المفاوضات مع الحركة وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (اسطنبول)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون في حي مدمر بسبب الغارات الإسرائيلية على مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

«حماس» و«فتح» تتفقان على لجنة لإدارة غزة

توصلت حركتَا «فتح» و«حماس» إلى اتفاق على ما سمتاها «لجنة الإسناد المجتمعي»؛ لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي للحرب.

العالم العربي قطاع غزة المدمَّر إثر الحرب (أ.ف.ب)

«حماس» و«فتح» تتفقان على تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة

أعلن مسؤول في «حماس» وآخر من «فتح» أن الحركتين اتفقتا على تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل، المتواصلة منذ أكثر من 13 شهراً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية رجل يختبئ خلف عمود بينما ينتشر الدخان والغبار نتيجة انفجار خلال غارة إسرائيلية استهدفت مدرسة في حي الزيتون على مشارف مدينة غزة في الأول من سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«حماس» و«فتح» تتفقان على تشكيل لجنة لإدارة غزة

أكد مصدر فلسطيني مطلع، التوصلَ لاتفاق بين حركتَي «فتح» و«حماس» على تشكيل لجنة تحمل اسم «لجنة الإسناد المجتمعي»؛ لإدارة قطاع غزة في اليوم التالي للحرب. وقال…

كفاح زبون (رام الله)

الحياة تعود تدريجياً إلى مدينة صور... وأبناؤها يلملمون خسائرهم

صورة جوية لمدينة صور وما أصابها من دمار بعد يوم واحد من سريان اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
صورة جوية لمدينة صور وما أصابها من دمار بعد يوم واحد من سريان اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
TT

الحياة تعود تدريجياً إلى مدينة صور... وأبناؤها يلملمون خسائرهم

صورة جوية لمدينة صور وما أصابها من دمار بعد يوم واحد من سريان اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
صورة جوية لمدينة صور وما أصابها من دمار بعد يوم واحد من سريان اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

تعود الحياة تدريجياً إلى مدينة صور (جنوب لبنان)، رغم تدني مقومات العيش الأساسية، بفعل انقطاع المياه وغياب التغذية الكهربائيّة وضعف شبكات الاتصالات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في بلدات وقرى جنوبية عدّة.

الذي يجول في المدينة، يرى أبناءها يلملمون خسائرهم، يرفعون الركام من منازلهم ومؤسساتهم التجارية، التي أصابها العدوان الإسرائيلي، كما أصاب المقاهي والفنادق والكورنيش البحري.

مدينة منكوبة

يُشبّه نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي، هذا العنف الذي استهدف معظم أحياء المدينة البحريّة، بـ«الزلزال»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي مدينة منكوبة بكل ما للكلمة من معنى، الخسائر المادية كبيرة جداً، والدمار كبير». ويضيف: «أسوأ ما يعانيه أبناء المدينة راهناً انقطاع المياه جراء القصف الإسرائيلي الذي أصاب المحطة التي تغذِّي المدينة وجوارها، وقد تولى إصلاحها (الصليب الأحمر الدولي) منذ يوم السبت الماضي، لكن يحتاجون إلى نحو أسبوعين للانتهاء منها»، لافتاً إلى أن البلدية تنتظر قرار مجلس الوزراء لتحديد الأماكن التي ستنقل إليها الركام.

صورة للدمار في أحد أحياء مدينة صور بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

الصيادون يتحسرون على مدينتهم

على الكورنيش البحري؛ حيث تنتشر الفنادق والمقاهي، يأتي الناس من صور وجوارها، لتفقد المكان، يبدو الحزن واضحاً على وجوههم، بسبب ما آلت إليه أمور الواجهة السياحية للمدينة. أما الضربات الإسرائيلية فقد تركت أثراً بليغاً في المكان.

هناك، يجلس ابن مدينة صور الصياد يوسف مصطفى، على كرسي صغير، يشاركه في الجلسة، شبان قدموا من ضواحي صور للاطمئنان عليه. يحمل صنارة صيده، يرمي بها إلى البحر، وإلى جانبه، يضع ما جمعه من الأسماك وخلفه بنايتان مدمَّرتان.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عدتُ إلى المدينة قبل أربعة أيام، أنا وعائلتي، بعد أن نزحت خلال أيام الحرب إلى صيدا، بوابة الجنوب. أتيت اليوم للصيد رغم الدمار، كي أُؤَمِّن قوت يومنا من الطعام».

هنا، وتحديداً على الكورنيش، حيث يجلس مصطفى، وغيره من أبناء المدينة الذين حملوا فناجين قهوتهم، وحضروا إلى المكان، يتناثر زجاج المباني في كل مكان.

صيادو الأسماك يعودون إلى مرفأ صور بعد توقف الحرب (أ.ف.ب)

يُخبرنا مصطفى عن حال منزله الذي يبعد عشرات الأمتار فقط عن مكان الاستهداف: «الأضرار كبيرة بفعل العدوان، وضعت على النوافذ نايلون لاصق، يقينا صقيع الشتاء، لكن لا مشكلة في ذلك، العيش هكذا ولا الذل». ويتابع: «لم تحضر بعد أي لجنة للكشف على أضرار المنزل. لا نعلم راهناً ماذا سيكون مصيرنا. وأنا لا أملك سوى صنارتي لتأمين قوت يومنا. ورغم ذلك ما نريده أن تتوقف الحرب نهائياً، جميع الأمور الأخرى يمكن ترتيبها مجدداً».

خوف من تهجير ثان

وعن الخروقات الإسرائيلية يُخبرنا: «كمواطنين نخاف من أن تعود الحرب مجدداً، لذا أبقيت المنزل الذي نزحت إليه مستأجراً». وهو ما يشير إليه أيضاً فوزي الشعار، وهو أحد أبناء المدينة أيضاً: «الناس خائفة هنا، يُرهبون الناس بطائراتهم الحربية والمسيَّرات وكذلك الاستهدافات الكثيرة، لكن الناس عادت لأشغالها من أجل تأمين حاجياتهم، على أمل أن يكون وقف إطلاق النار نهائياً».

يُحدثنا عن أزمة المياه التي يعاني منها الناس منذ أكثر من 20 يوماً، ويتابع: «بقيت صامداً في المدينة وواكبت جميع الأحداث. ما نطلبه اليوم أن يتحرك المعنيين لتأمين المياه والكهرباء للمدينة وضواحيها، في أقرب وقت ممكن».

شارع أبو ديب ... قلب المدينة النابض يفتقد للحياة

في شارع أبو ديب، أهم الشوارع الحيويّة في صور، وقلب المدينة النابض بات يفتقد للحياة. هنا حيث تكثر المؤسسات التجاريّة المتنوعة، يبدو الدمار واضحاً في المكان، وقد باشر أصحاب المحال التجارية إزالة الزجاج المتناثر وجمع البضاعة التالفة في المكان، لرميها لاحقاً.

يقول أحد أصحاب محال بيع الملابس الرياضية لـ«الشرق الأوسط»: «أتينا اليوم للكشف على مصالحنا. الضرر كبير، لكن لا يمكننا تقدير الخسائر الآن. خسرنا بضاعة تُقدر بعشرات آلاف الدولارات، وتضرَّر كامل المكان».

ويضيف: «لا نعلم ماذا سنفعل في الأيام المقبلة، الأسئلة كثيرة؛ هل هناك أي جهة ستعوض علينا؟ وهل سنتمكن من فتح متاجرنا من جديد». في حين يقول أصحاب بعض المحال الأقل تضرراً إنهم يعتزمون إعادة افتتاحها فور ترتيب أمورهم.

أزمة مياه في المدينة

في الشارع هناك، يروي أحمد أحد أبناء المدينة، أزمة السكان بسبب انقطاع المياه جراء الغارة الإسرائيلية التي أصابت محطة المياه، ويقول: «هناك مساعٍ لحل المشكلة. وفي هذا الوقت نتدبر أمورنا؛ إما عبر شراء المياه، وإما عبر مبادرات مدنية».

يتكرر المشهد هناك في كل مكان، يحاول أبناء المدينة ترتيب أمورهم بما هو متاح، وحدها المتاجر التي تبيع مواد غذائية سارعت إلى فتح أبوابها، لبيع ما توفر لديها من مواد غذائية صالحة للاستخدام، والأفران أيضاً تبيع المخبوزات.

في شارع الحلواني بالقرب من آثار صور، غارة إسرائيلية على أحد المنازل لم تترك أثراً بليغاً في المكان إلا على المبنى المواجه لها، تتمّ إزالة الزجاج المتبعثر، ولم تتسبب بأي ضرر على الآثار.

مواطنون يتفقدون المكان

اللافت، وجود حركة خفيفة في السوق العتيق (الشعبية)، إذ قدِمت الشابة العشرينية ناهد هي وصديقتها، لتفقد المكان، علماً بأنها لا تريد شراء الحاجيات.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن من سكان ضواحي صور، كنا قد نزحنا إلى طرابلس (شمال لبنان) خلال فترة الحرب الإسرائيلية على لبنان. وفور عودتنا، جئنا لزيارة قلب المدينة، وأول محطة لنا هي للسوق القديمة».

وتضيف: «اشتقنا لصور وشوارعها، سنتنقل فيها سيراً على الأقدام. المحطة الثانية ستكون في الميناء وحي الآثار ومنطقة الرمل والخط البحري أي كورنيش المدينة». وعن حجم الدمار تقول: «حين وصلت إلى صور بكيت، على حالها وحالنا معاً، لم نتوقع هذا الكم الهائل من الدمار. ما رأيناه في الصور وعلى شاشات التلفاز من قصف ودمار مضاعف مرات على أرض الواقع».

كلاب على شاطئ صور الذي يعتبر وجهة سياحية أساسية في المدينة في فصل الصيف (أ.ف.ب)

بعض المحال سارعت لفتح أبوابها

تروي إحدى العاملات في متجر لبيع الملابس هناك، كيف سارعت إلى فتح باب رزقها، في يوم إعلان وقف إطلاق النار، فهي ابنة حارة صور (ذات الغالبية المسيحية) التي لم تغادرها، كما كثر من أبناء المدينة، طوال الحرب.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إقبال الزبائن ليس كثيفاً. ورغم ذلك أعدنا فتح أبوابنا، كما فعل عدد من التجار هنا»، وتضيف: «لم نصدق أن الحرب انتهت حتّى نعود إلى حياتنا الطبيعية. لا نشعر بالخوف، ما نريده ألا تتكرر الحرب. كثر من أصحاب المتاجر فقدوا أحباباً لهم ويقيمون العزاء، لكنهم سيعاودون فتح محالهم في وقت قريب».