إيصال رئيس «صنع في لبنان» يتطلب تجاوز الاصطفافات السياسية

طلب مسعد بولس التمهُّل في الانتخاب أحدث مفاجأة نيابية

رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (رويترز)
رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (رويترز)
TT

إيصال رئيس «صنع في لبنان» يتطلب تجاوز الاصطفافات السياسية

رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (رويترز)
رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (رويترز)

تستعد الكتل النيابية اللبنانية لإجراء مشاورات مفتوحة لعلها تتوصل، خلال جلسة الانتخاب التي حددها رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم، لانتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية، إلا إذا صدق مستشار الرئيس الأميركي المنتخب للشؤون العربية والشرق الأوسط، مسعد بولس، بدعوته النواب للتريث إلى حين دخول دونالد ترمب البيت الأبيض، فذلك يعني أن إنهاء الشغور الرئاسي سيُدرج بوصفه بنداً أساسياً على جدول أعماله، لئلا يتكرر ما حصل في انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، الذي سبق انتخاب ترمب لولاية رئاسية أولى.

ومع أن الكتل النيابية باشرت لقاءاتها المفتوحة للتوصل إلى مقاربة موحّدة لانتخاب الرئيس، فإنها تُفضّل أن تبقى تحت سقف التشاور، وتنأى بنفسها عن الانخراط في لعبة الأسماء، على الأقل في المدى المنظور، ريثما تتمكن من اختبار مدى الاستعداد للتوافق على رئيس لا يُشكل تحدياً لأحد، يجمع ولا يفرق على حد تأكيد بري الذي يتطلع، كما نقل عنه، لـ«لبننة» الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس «صُنع في لبنان» قادر على أن يحظى بتأييد عربي ودولي، ويعيد إدراج البلد على لائحة الاهتمام الدولي.

دعوة بحضور السفراء

لكن رهان مصادر نيابية على أن جلسة الانتخاب التي حددها بري بدعوة السفراء لحضورها، ستكون حاسمة ومثمرة هذه المرة، ولن تصرف الأنظار عن التوقف أمام دعوة مستشار الرئيس الأميركي المنتخب النواب للتمهل والتريُّث إلى ما بعد دخول ترمب البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، وما إذا كانت ستؤدي إلى ترحيل الانتخاب فتكون الجلسة مثل سابقاتها من الجلسات التي أبقت الشغور الرئاسي قائماً.

فهل يفعلها النواب بانتخاب رئيس للجمهورية، كما تسأل المصادر النيابية، من دون الالتفات لدعوتهم بالتمهل، خصوصاً أن بري بتحديده موعداً لجلسة مفتوحة يكون قد وضع النواب أمام مسؤولياتهم، من دون أن يعفي نفسه من المهمة التي ألقاها على عاتقه بالتوافق على رئيس، ما دام أن أي فريق نيابي بمفرده لا يستطيع إيصاله إلى القصر الجمهوري في بعبدا؟

قد يكون من السابق لأوانه الإجابة عن السؤال الذي يبقى خاضعاً لإنضاج الظروف المحلية المواتية لتسهيل انتخابه بمؤازرة اللجنة «الخماسية»، التي تُشكل مجموعة دعم ومساندة للنواب لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم، ومن خلفها الدول الأعضاء التي تتشكل منها والمجتمع الدولي بإصراره على انتخابه اليوم قبل الغد.

فهل بدأت الظروف المحلية النضوج، في ظل عدم تبدّل موازين القوى في البرلمان، والتي لا يمكن من دونها قيام قوة نيابية فاعلة ومقررة تضغط للتوافق على رئيس يتمتع بحيثية سياسية جامعة للانتماءات الطائفية، خصوصاً بعد التوصل لوقف النار في الجنوب الذي أسقط تذرُّع «حزب الله» بترحيل الانتخاب إلى ما بعد عودة الهدوء إلى الجنوب.

وكيف ستتصرف «الخماسية» من الآن وصاعداً، في الوقت الذي احتلت ضرورة انتخاب الرئيس حيزاً على جدول أعمال المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في زيارته للمملكة العربية السعودية؟ وهل طلب مستشار الرئيس ترمب التمهُّل يعبّر عن رأيه الشخصي، ويبقى في حدود الاجتهاد واختبار ردود الفعل، بلا أي مفاعيل سياسية؟ وإلا ما المبرر من تأكيد الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، في زيارته الأخيرة لبيروت، أن التنسيق بين واشنطن وباريس لم ينقطع؟ وهل المقصود من كلامه أن التنسيق يقتصر على الإدارة الحالية للبيت الأبيض ولا يشمل الفريق الخاص بالرئيس ترمب؟

مفاجأة بولس

في هذا السياق، كشفت المصادر النيابية لـ«الشرق الأوسط» أن ما صرّح به بولس أحدث مفاجأة نيابية، استدعت التواصل مع سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان ليزا جونسون، لجلاء الأسباب الكامنة وراء الموقف المفاجئ الصادر عن مستشار ترمب، والذي جاء بعد ساعات على تعيينه في منصبه.

وقالت المصادر إن الوسيط الأميركي آموس هوكستين، الذي تفاوض مع بري وتوصل وإياه لوقف النار بين لبنان وإسرائيل، كان قد أكد أنه يحظى بضوء أخضر من الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وخلفه الرئيس المنتخب، سمح له بتوسيع مهامه لتشمل الملف الرئاسي.

وأملت بأن تجيب السفيرة ليزا جونسون على التساؤلات التي خلفها تصريح بولس الذي فسّرته كتل نيابية على أنه يعطي الأولوية لدخول ترمب إلى البيت الأبيض ليكون صاحب كلمة الفصل في انتخاب الرئيس، بدلاً من حصرها في سلفه الرئيس جو بايدن، وقالت إن باريس تواصلت بدورها مع واشنطن للغرض نفسه، لعلها تستوضح حقيقة الموقف الأميركي لقطع الطريق على الإرباك التي أحدثه تصريحه، رغم أنه لم يخفف من اندفاع الكتل النيابية في مشاوراتها، سعياً وراء التوافق على رئيس لن توكل إليه مهمة إدارة الأزمة، ويُفترض أن يتمتع بالمواصفات التي تلقى الدعم المطلوب عربياً ودولياً.

استعادة الثقة الدولية

وأكدت أن الكتل النيابية تقف حالياً أمام مهمة صعبة، وإنما ليست مستحيلة، للتوافق على رئيس يُمهد لقيام حكومة فاعلة، عازمة على تأمين انتقال لبنان لمرحلة سياسية جديدة بتطبيق القرار «1701» بكل مندرجاته، وقادرة على تصويب علاقته بالدول العربية بعد التصدع الذي أصابها، لأن هناك ضرورة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان بوصفه شرطاً لتوفير الدعم الذي يتيح له التعافي على مراحل. وسألت عن مدى استعداد النواب، أكانوا في المعارضة أو في محور الممانعة، ومعهم من يتموضع في الوسط بصفته القوة الراجحة للتقاطع على رئيس من العيار السياسي الثقيل، بخلاف ملء الشغور الرئاسي بمرشح «كيفما كان»، يفتقد حيثية سياسية جامعة، ولا يُشكل حجر الأساس للنهوض بالبلد، ما يمنع إعادة إدراج اسمه على لائحة الاهتمام الدولي لإنقاذه.


مقالات ذات صلة

مستشار وزير الصحة الإيراني: علاج 500 مصاب في هجمات البيجر بطهران

شؤون إقليمية نقل مصاب إلى طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية (مهر)

مستشار وزير الصحة الإيراني: علاج 500 مصاب في هجمات البيجر بطهران

قال مستشار لوزير الصحة الإيراني إن بلاده أجرت 1500 عملية جراحية لعلاج 500 مصاب في هجمات البيجر، خلال الشهر الأول من وقوع الهجمات التي هزت بيروت خلال سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي الجيش اللبناني يدخل مدينة بنت جبيل (المركزية)

الجيش اللبناني يدخل مدينة بنت جبيل

دخل الجيش اللبناني مدينة بنت جبيل قبل أسبوع من انتهاء مهلة الـ60 يوماً للانسحاب الإسرائيلي من القرى التي احتلتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (نقابة الصحافة)

منصوري: لا فساد في مصرف لبنان المركزي والأهم استقرار سعر الصرف

أبدى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري تفاؤله بالمرحلة المقبلة على لبنان متحدثاً عن «أخبار إيجابية من ناحية صندوق النقد الدولي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي ملقياً عظة الأحد (الوكالة الوطنية للإعلام)

الراعي: الحياد هو أساس الميثاق الوطني في لبنان

أكد البطريرك الماروني بشارة الراعي أن «الحياد هو أساس الميثاق الوطني في لبنان».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال إلقائه خطاب القَسَم بمجلس النواب بعد انتخابه (أ.ف.ب)

دعوات في لبنان لفصل النيابة عن الوزارة

ارتفعت أصوات عدد من النواب خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة مطالبة بفصل النيابة عن الوزارة

بولا أسطيح (بيروت)

الدفاع المدني في غزة: الآلاف «تبخّروا»...ومهمة شاقة للبحث عن 10 آلاف جثمان تحت الأنقاض

دمار مروع كان ينتظر الفلسطينيين العائدين إلى مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة أمس (أ.ف.ب)
دمار مروع كان ينتظر الفلسطينيين العائدين إلى مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

الدفاع المدني في غزة: الآلاف «تبخّروا»...ومهمة شاقة للبحث عن 10 آلاف جثمان تحت الأنقاض

دمار مروع كان ينتظر الفلسطينيين العائدين إلى مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة أمس (أ.ف.ب)
دمار مروع كان ينتظر الفلسطينيين العائدين إلى مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة أمس (أ.ف.ب)

قال الدفاع المدني في غزة، الاثنين، إنه تنتظره «مهام شاقة وصعبة» خلال البحث عن جثامين أكثر من 10 آلاف قتيل، يعتقد أنهم ما زالوا تحت أنقاض المنازل والمباني والمنشآت المدمرة في القطاع، ولم تُضف أسماؤهم للحصيلة التي تصدرها وزارة الصحة.

ولفت الدفاع المدني، في بيان، النظر إلى «تبخر» جثامين 2840 قتيلاً لم يعثر لهم على أثر، وذلك «بفعل استخدام جيش الاحتلال أسلحة تنتج عنها درجات حرارة ما بين 7000-9000 درجة مئوية تصهر كل ما هو في مركز الانفجار».

وأفاد الدفاع المدني بأنه تلقى أكثر من نصف مليون إشارة استغاثة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لافتاً النظر إلى أن قرابة 50 ألف إشارة استغاثة منها لم تستطع طواقمه الوصول إليها «لعدم توفر الوقود، أو لعدم القدرة على التنسيق للمهام الميدانية والدخول للمناطق التي تصل إلينا منها نداءات استغاثة نظراً للخطر الشديد والاستهداف من قبل الاحتلال».

وأضاف البيان: «انتشلت طواقمنا في جميع محافظات القطاع أكثر من 38 ألف شهيد من الأماكن والمنازل والمباني التي استهدفها جيش الاحتلال الإسرائيلي. وانتشلت طواقمنا من أماكن الاستهداف نحو 97 ألف مصاب، ونقلت إلى المستشفيات أكثر من 11 ألف حالة مرضية».

وطالب الدفاع المدني بإدخال «طواقم دفاع مدني بمعداتها من الدول الشقيقة إلى قطاع غزة» للمساعدة في «التعامل مع الواقع الكارثي الذي خلفته الحرب، والذي يفوق قدرة جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة».

وعن خسائر جهاز الدفاع المدني خلال الحرب، ذكر البيان مقتل 99 عنصراً من الجهاز وإصابة 319 آخرين، واستهداف 17 مركزاً منها 14 دُمرت كلياً، بالإضافة إلى استهداف 61 مركبة دُمرت بشكل كلي أو جزئي، وأكد البيان أن الجهاز فقد ما نسبته 48 في المائة من منتسبيه بين قتيل وجريح وأسير، وفقد 85 من مركباته.

وأعلنت مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية في بيان ثلاثي مشترك، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل و«حماس»، دخل حيز التنفيذ يوم الأحد.

محمود بصل المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة (وسط) خلال إلقاء بيان الجهاز أمام الصحافيين (الدفاع المدني في غزة)

وينهي الاتفاق أكثر من 15 شهراً من القتال بين الطرفين المتنازعين. ويتضمن الاتفاق ثلاث مراحل، حيث سيتم الإفراج في المرحلة الأولى التي تمتد لمدة 42 يوماً عن 33 رهينة إسرائيلية مقابل الإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين.

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرباً واسعة النطاق ضد «حماس»، أسفرت عن مقتل أكثر من 46 ألف فلسطيني في غزة، ودمرت البنية التحتية بشكل غير مسبوق.

وجاءت هذه الحرب رداً على هجوم مفاجئ شنته «حماس» على بلدات ومواقع عسكرية في جنوب إسرائيل، مما أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي واحتجاز رهائن.