77 عاماً على القرار 181... إسرائيل تتجاهل والفلسطينيون يتمنون «التقسيم»

متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)
متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)
TT

77 عاماً على القرار 181... إسرائيل تتجاهل والفلسطينيون يتمنون «التقسيم»

متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)
متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)

يصادف اليوم (الجمعة) مرور 77 عاماً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يحمل رقم 181، وبموجبه تقرر تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية. الدولة اليهودية التي قامت، بموجب القرار، ووافقت عليه، تتجاهل هذه المناسبة. وباستثناء بعض النشاطات الفردية لجمعيات وحركات، وبعضها تنظم جولات سياحية وتعليمية مدفوعة الأجر، لا يوجد أي نشاط رسمي. وكأن إسرائيل ترى فيه لعنة، تريد الهرب منها.

وبالمقابل، الفلسطينيون الذين رفضوا القرار بشكل عام، باستثناء مجموعة قليلة منهم قبلته واعتبرته أفضل الشرور، يتوقون إليه. ويسعون إلى تطبيق جزء منه.

ويتنازلون عن حقهم في معظمه. وإذا كان يمنحهم في الماضي 46 في المائة من فلسطين، يرضون اليوم بدولة فلسطينية على 22 في المائة من فلسطين. ومع ذلك فإن هذه الدولة ما زالت حلماً بعيداً وهدفاً يحتاج إلى نضال مرير لتحقيقه.

القرار اتخذ في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، بعد مداولات دامت عشرات السنين، بدأت بوعد بلفور في سنة 1917، وشملت اقتراحات أخرى بينها إقامة دولة واحدة للشعبين، وانتهت بالتوصية بتقسيم البلاد بين اليهود والعرب. وكان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 57 دولة، وعند التصويت تغيبت تايلاند، واتخذ القرار في حينه بأكثرية 33 دولة، وامتناع 10 دول عن التصويت، ومعارضة 13 دولة.

متظاهرون يشاركون في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في مدينة تورينو الإيطالية الجمعة (د.ب.أ)

لم يكن للشعب الفلسطيني في حينه قيادة رسمية منتخبة، ولكنه أرسل مندوبين عنه يشرحون للأمم أن منح اليهود دولة هو مؤامرة استعمارية وينطوي على ظلم قاسٍ. ولم يُفلحوا في الوقوف بمواجهة الدول العظمى.

وحاولت الدول العربية والإسلامية الممثلة في الأمم المتحدة مساعدة الشعب الفلسطيني على منع التقسيم، وهي أيضاً لم تفلح. وقد صوتت جميعها ضد القرار، وهي: أفغانستان، وإيران، وتركيا، وباكستان، والسعودية، وسوريا، والعراق، وكوبا، ولبنان، ومصر، والهند، واليمن، ووقفت معها اليونان.

في ذلك الوقت، كان الموقف العربي مفهوماً. فقرار التقسيم كان يقضي بمنح اليهود أرضاً عربية، يقيمون عليها دولة أو «وطناً قومياً»، في إطار التكفير عن ذنوب الغرب بحق اليهود. فالغرب اضطهد اليهود وحاول إبادتهم. وللتخلص منهم منحهم حلاً على حساب العرب. وليس هذا فحسب، بل بلغت مساحة الدولة العربية نحو 11 كيلومتراً مربعاً، تعادل 42.3 في المائة من فلسطين، فيما تحصل الدولة اليهودية على نحو 15 كيلومتراً مربعاً، تعادل 57.7 في المائة من فلسطين.

ووفقاً للقرار يتم وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.

وكان عدد اليهود في فلسطين آنذاك 660 ألفاً، يشكلون نسبة 33 في المائة. والعرب 1.2 مليون نسمة. وبموجب القرار يعيش أكثر من 600 ألفاً من الفلسطينيين في إطار الدولة اليهودية.

متظاهرون يشاركون في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني أمام السفارة الأميركية في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)

عملياً، لم يكن القرار عادلاً ولا منصفاً، بل ظالم ومجحف. لكن، في امتحان النتيجة، لا يكفي أن تنشد العدالة وحدها. وفي حسابات القضايا المصيرية، تنشد الشعوب القرارات الحكيمة. وقد ظهر أن رفض قرار التقسيم، لم يكن مدروساً. ولم يدرك أن الحركة الصهيونية كانت قد استعدت لهذا الرفض جيداً. وبالطبع، لم يحسن رفض قرار التقسيم للشعب الفلسطيني ولم يحقق له العدالة. وقد نشبت حرب شرسة، بمقاييس ذلك الزمان، قُتل فيها 6373 إسرائيلياً و17 ألف عربي.

وتم تشريد معظم الشعب الفلسطيني عن أرضه. وأوقعت إسرائيل فيه نكبة أليمة. واحتلت ليس فقط الأراضي المخصصة للدولة اليهودية، بل اقتطعت قسماً كبيراً من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية وأصبحت تمتد على 78 في المائة من فلسطين.

الشعب الفلسطيني لم يرضخ لنتيجة الحرب. وعندما تبلورت لديه قيادة وطنية (منظمة التحرير الفلسطينية)، وافق على معاقبة نفسه وقبل بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على مساحة 22 في المائة من فلسطين. لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استبدلت الفلسطينيين في سياسة الرفض. وعملت كل ما في وسعها حتى تمنع قيام الدولة الفلسطينية الصغيرة المقلصة هذه، باستثناء اثنتين: حكومة يتسحاق رابين الثانية في سنة 1993، التي وافقت على منح الفلسطينيين «أكثر من إدارة ذاتية وأقل من دولة»، وهو جوهر اتفاقيات أوسلو، وحكومة إيهود أولمرت، التي وافقت على منح الفلسطينيين دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بشرط أن تكون منزوعة السلاح في إطار اتفاقية سلام. وكما هو معروف، تم قتل رابين بأيدي متطرف يهودي في تل أبيب. وتم عزل أولمرت بتهم فساد. وعملياً، تم قتل فكرة الدولة الفلسطينية وتصفية قرار تقسيم فلسطين، الذي على أساسه قامت إسرائيل وبفضله اكتسبت شرعيتها الدولية. وازدادت قوى اليمين الرفضي ليسيطر على مقاليد الحكم ويسعى لتخليد الاحتلال لكل أرض فلسطين وللتخلص من القضية الفلسطينية وحتى من الشعب الفلسطيني.

كما هو معروف يوجد بين الفلسطينيين تيار سياسي، محدود ويمثل أقلية، ما زال يتمسك برفض قرار التقسيم ويطلق شعارات تهدد بتدمير إسرائيل. لكن أكثرية هذا الشعب وقيادته الشرعية تنازلت عن الرفض وتتخذ موقفاً وطنياً عقلانياً، يتمسك بالحل المبني على أساس الدولتين.

ويرى أن ما جرى من معاناة لهذا الشعب، أكثر من 140 ألف شهيد وسفك دماء مليون جريح ودخول نحو مليون شخص آخر السجون الإسرائيلية وتشرد خارج الوطن لنحو 6 ملايين نسمة وهدر قدرات، يكفي، وأن هناك ضرورة لعمل كل شيء في سبيل تسوية الصراع بشكل سلمي، وهؤلاء مسنودون بدعم عربي وإسلامي واسع وبتأييد المجتمع الدولي، الذين يعرضون على إسرائيل عرضاً سخياً يعدها بالسلام الشامل مع الدول العربية والإسلامية يتضمن حل الدولتين.

لقد مضت 77 عاماً على قرار التقسيم، وفي كل سنة يثبت من جديد أنه الحل الأفضل والأمثل والأجدى. والحرب الأخيرة تثبت أكثر من ذي قبل أن سياسة الرفض لن تجلب سوى الويلات على الشعبين.

وأن المسؤولية الوطنية تحتّم الجنوح إلى السلم، مهما يكلف ذلك من ثمن.

وواضح أن أي ثمن يُدفع لأجل السلام يظل بسيطاً أمام الثمن الذي ندفعه في الحرب. فمن يريد أن يحقن دماء الأطفال والنساء، ومن يريد لأولاد شعبه أن يعيشوا حياة طبيعية وينطلقوا في نهضة علمية وثقافية وعمرانية لا يضيع لحظة واحدة في السعي إلى هذا السلام.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: تنفيذ اتفاق وقف النار في لبنان لا يمكن أن يتم «بين ليلة وضحاها»

المشرق العربي مشهد للدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على منطقة مرجعيون في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: تنفيذ اتفاق وقف النار في لبنان لا يمكن أن يتم «بين ليلة وضحاها»

قالت منسقة الأمم المتحدة لشؤون لبنان، الجمعة، إن تنفيذ اتفاق وقف النار وانسحاب إسرائيل من الجنوب وتعزيز انتشار الجيش اللبناني، لا يمكن أن يتم «بين ليلة وضحاها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا جانب من الدمار جراء الغارات الروسية على أوكرانيا (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة قلقة بشأن «تصعيد جديد» للحرب في أوكرانيا

أعرب مسؤول كبير في الأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، عن قلقه بشأن «تصعيد جديد» للحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي آليات للجيش اللبناني في قانا شرق مدينة صور تنتشر بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (رويترز)

​إسرائيل تفعل إجراءات أمنية في جنوب الليطاني مع دخول «وقف النار» حيز التنفيذ

انتقل الجيش الإسرائيلي من الحرب العسكرية إلى تطبيق إجراءات أمنية في منطقة جنوب الليطاني بجنوب لبنان مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود من قوات «اليونيفيل» يقفون بجوار حفرة ناجمة عن غارة جوية إسرائيلية على طريق في منطقة الخردلي في جنوب لبنان في 27 نوفمبر 2024 بعد دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» حيز التنفيذ (أ.ف.ب)

«اليونيفيل» تبدأ «تعديل» عملياتها في جنوب لبنان لتتلاءم مع «الوضع الجديد»

أعلنت «اليونيفيل» في بيان اليوم الأربعاء، أنها بدأت تعديل عملياتها في جنوب لبنان بما يتلاءم مع «الوضع الجديد» في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
TT

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

قال مسعفون إن ما لا يقل عن 40 فلسطينياً لقوا حتفهم في ضربات للجيش الإسرائيلي، مساء أمس الخميس واليوم الجمعة، في غزة، في حين تلقت جهود إحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة دفعة مع توجه قادة من حركة «حماس» الفلسطينية إلى القاهرة؛ لإجراء جولة جديدة من المحادثات.

وذكر مسعفون أنهم انتشلوا 19 جثة لفلسطينيين قُتلوا في المناطق الشمالية من النصيرات، أحد مخيمات اللاجئين الثمانية القديمة في القطاع، فيما قال مسعفون إن غارة جوية إسرائيلية أودت بحياة 10 فلسطينيين على الأقل في منزل ببيت لاهيا بشمال القطاع في وقت لاحق اليوم الجمعة.

وأوضح المسعفون أن الباقين قتلوا في المناطق الشمالية والجنوبية من قطاع غزة. ولم يصدر الجيش الإسرائيلي أي بيان جديد، اليوم الجمعة، لكنه قال أمس إن قواته تواصل «ضرب أهداف إرهابية في إطار العمليات في قطاع غزة».

واقتحمت دبابات إسرائيلية شمال مخيم النصيرات وغربه، الخميس. وانسحبت الدبابات من المناطق الشمالية، الجمعة، لكنها ظلت في المنطقة الغربية من المخيم. وقال الدفاع المدني الفلسطيني إن فرقه لم تتمكن من الاستجابة لنداءات الاستغاثة من سكان محاصرين داخل منازلهم.

وعاد عشرات الفلسطينيين، الجمعة، إلى المناطق التي انسحب منها الجيش لتفقد الأضرار التي لحقت بمنازلهم.

وغطى مسعفون وأقارب جثثاً، بعضها لنساء، كانت ملقاة على الطريق بالبطانيات أو بأكفان بيضاء وحملوها على محفات.

استهداف «كمال عدوان»

وقال مسعفون إن طائرة إسرائيلية مسيرة قتلت في وقت لاحق من الجمعة، أحمد الكحلوت، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى كمال عدوان، في بيت لاهيا في أقصى شمال قطاع غزة.

وقال الجيش الإسرائيلي لوكالة «رويترز» للأنباء إنه ليس لديه علم بحدوث هجوم على المستشفى في هذا الوقت.

ومستشفى كمال عدوان واحد من ثلاثة مرافق طبية تقع في أقصى شمال قطاع غزة، تعمل بالكاد الآن في ظل نقص الإمدادات الطبية والوقود والغذاء. وقال مسؤولون صحيون إن معظم أفراد الطاقم الطبي في المستشفى إما اعتقلهم الجيش الإسرائيلي وإما طردهم.

وذكر الدفاع المدني الفلسطيني و«حماس» ووكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) أن عدد الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم في غارتين إسرائيليتين في بيت لاهيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية يبلغ 70 قتيلاً. ولم تؤكد وزارة الصحة الفلسطينية حتى الآن سقوط هذا العدد من القتلى.

وفي الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، واتهم إسرائيل «باستخدام سلاح التجويع ضد المواطنين (في شمال غزة) بهدف تهجيرهم عن أرضهم ومنازلهم».

استئناف جهود وقف إطلاق النار

قال قياديان من «حماس» لوكالة «رويترز»، في وقت متأخر من مساء الجمعة، إن وفداً من الحركة سيصل إلى القاهرة، السبت، لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين.

وتأتي الزيارة بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة أنها ستبدأ جهوداً جديدة مع قطر ومصر وتركيا؛ لإحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة.

ولم تثمر مفاوضات استمرت لأشهر من أجل وقف إطلاق النار في غزة عن تقدم يذكر. والمحادثات متوقفة الآن.

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية، حليفة «حماس»، حيز التنفيذ قبيل فجر الأربعاء، لتتوقف أعمال قتالية تصاعدت بشدة في الأشهر القليلة الماضية، وصرفت الاهتمام بعيداً عن صراع غزة.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، في أثناء إعلانه عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، إنه سيجدد الآن مساعيه للتوصل إلى اتفاق مماثل في غزة، وحث إسرائيل و«حماس» على اغتنام الفرصة.

وقال مسؤولون في غزة إن الحملة الإسرائيلية أودت بحياة أكثر من 44 ألفاً و300 شخص، وأجبرت كل سكان القطاع تقريباً على النزوح مرة واحدة على الأقل.