انطلاق دراسات إعادة إعمار لبنان... والتكلفة تتجاوز الـ6 مليارات دولار أميركي

نحو 50 ألف وحدة سكنية مدمَّرة كلياً

مواطن لبناني يحمل عَلم «حزب الله» وصورة لأمين عام الحزب السابق حسن نصر الله عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت مع عودة النازحين بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
مواطن لبناني يحمل عَلم «حزب الله» وصورة لأمين عام الحزب السابق حسن نصر الله عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت مع عودة النازحين بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
TT

انطلاق دراسات إعادة إعمار لبنان... والتكلفة تتجاوز الـ6 مليارات دولار أميركي

مواطن لبناني يحمل عَلم «حزب الله» وصورة لأمين عام الحزب السابق حسن نصر الله عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت مع عودة النازحين بعد وقف إطلاق النار (رويترز)
مواطن لبناني يحمل عَلم «حزب الله» وصورة لأمين عام الحزب السابق حسن نصر الله عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت مع عودة النازحين بعد وقف إطلاق النار (رويترز)

لا سؤال يعلو لدى اللبنانيين العائدين، في الساعات الماضية، إلى مُدنهم وقُراهم المدمَّرة بعد وقف النار، فوق سؤال «متى إعادة الإعمار وهل الأموال متوافرة ومن أين؟».

فالمشهد والنتائج التي انتهت إليها حرب يوليو (تموز) 2006 ليسا هما ما انتهت إليها حرب سبتمبر (أيلول) 2024، رغم إصرار مناصري «حزب الله» على الترويج للعكس. فإلى جانب الشروط الدولية التي قد تكون قاسية جداً لمدّ لبنان بالمليارات اللازمة لإعادة الإعمار؛ وهي التي تدفقت تلقائياً قبل 18 عاماً، لن تكون الدولة اللبنانية قادرة على المساهمة بأي مبلغ؛ نظراً للانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه البلد أصلاً منذ عام 2019، والذي تَفاقم بشدة نتيجة الحرب الأخيرة.

مواطنون في بلدة شبعا بقضاء حاصبيا يتنقلون على أنقاض المنازل المدمرة بعد ساعات على وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

أما عن جهة العمل الحكومي بشأن إعادة الإعمار، فقد رجح النائب السابق علي درويش، المقرَّب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أن يجري وضع خريطة طريق، خلال أسبوع؛ لتحديد اللجان التي ستُوثّق الأضرار، والصناديق التي ستتولى دفع التعويضات، وما إذا كان مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة سيتوليان هذا الموضوع، لافتاً، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الملف يُبحث راهناً مع الجهات الدولية المعنية والموفَدين الدوليين، على أن تتضح كل الأمور قريباً جداً على اعتبار أن الحلول تأتي على مراحل بدأت بوقف النار، ثم انتشار الجيش، وستستكمل لجهة إعادة الإعمار.

انطلاق دراسات إعادة الإعمار

وكان «حزب الله»، ولطمأنة جمهوره الذي دُمر قسم كبير من منازله، واضطر للنزوح إلى مختلف المناطق اللبنانية، وعده حتى قبل وقف النار بأن الأموال أصبحت جاهزة لإعادة الإعمار. وتتحدث مصادر من بيئته عن 5 مليارات دولار رصدتها طهران لهذه العملية، أصبح قسم منها مع «الحزب»، وسيصل الباقي تباعاً. ويقول الكاتب والباحث السياسي، الدكتور قاسم قصير، المطّلع من كثب على شؤون «حزب الله»، إنه «سيجري إنشاء صندوق لإعادة الإعمار يضم إيران ودولاً عربية وإسلامية ودولية ومرجعيات دينية ولبنانيين»، لافتاً، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «العمل التحضيري بدأ، وشُكلت لجان، وبدأت الدراسات التخصصية».

ويتردد قسم كبير من المتضررين بإطلاق ورش إعادة الترميم والأعمار؛ كي يضمنوا استرداد المبالغ التي سيدفعونها. ففي حين تردَّد أن جهات حزبية طلبت من الناس عدم إحداث أي تغييرات في المنازل والأبنية المتضررة قبل توثيق الأضرار والكشف عليها من قِبل اللجان المعنية، قال مواطنون إنه جرى إبلاغهم بوجوب توفير الفواتير حصراً؛ أي أنه يمكن، لمن يستطيع، أن يدفع راهناً التكاليف ليحصل عليها بعد إبراز الفواتير بوقت لاحق.

وقال أحمد م (40 عاماً)، وهو من مدينة صور، لـ«الشرق الأوسط»، إنه بدأ ترميم منزله المتضرر، وهو يدفع مبالغ مضاعفة؛ حرصاً على إنجاز الأعمال بسرعة؛ كون التكاليف التي يتكبدها في أحد الفنادق ببيروت كبيرة جداً ولم يعد يستطع تحملها.

مواطن يقف على شرفة منزله المدمر بضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

من سيؤمّن الأموال؟

وبانتظار مسح أضرار رسمي، تتفاوت الأرقام لدى الخبراء والمعنيين، فيشير الباحث في الشركة «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين إلى أنه «حتى يوم الأحد الماضي، فإن عدد الوحدات السكنية المدمَّرة كلياً بلغ 48 ألفاً. أما المدمَّرة جزئياً فعددها 32 ألفاً، في حين يُقدر عدد الوحدات التي فيها أضرار بسيطة بـ150 ألفاً، وهذه الوحدات يمكن العودة سريعاً إليها بعد ترميمها»، لافتاً، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «وبالحد الأدنى، فإن كلفة إعادة أعمار المنازل تبلغ نحو 5 مليارات و500 مليون دولار».

حجم الدمار والخسائر

أما الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي فيشدد على أن الأرقام الدقيقة بانتظار تشكيل لجان مختصة تقوم بالكشف على الأرض عن حجم الخسائر وطبيعتها، متحدثاً عن «أرقام تقديرية لكلفة الدمار المرجحة بـ6 مليارات دولار، وكلفة الخسائر الاقتصادية المرجحة بـ7 مليارات دولار، ما يجعل الخسائر الإجمالية للحرب بحدود 13 مليار دولار، مقارنة بـ9 مليارات دولار خسائر إجمالية عام 2006 موزعة بين 3 مليارات دماراً، و6 مليارات خسائر اقتصادية».

ويشرح جباعي، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حجم الدمار في حرب 2024 أكبر بكثير من عام 2006؛ لأن العمليات العسكرية كانت موسَّعة من حيث المناطق، فطالت الجنوب والبقاع وبيروت»، لافتاً إلى وجود «نحو 110 آلاف وحدة سكنية متضررة، ما بين 40 و50 وحدة سكنية دُمّرت بشكل كامل، و60 ألفاً متضررة بشكل شِبه كامل. أضفْ إلى ذلك أن هناك ما بين 30 و40 قرية أمامية دُمرت بالكامل».

ويشدد جباعي على أنه «يفترض أن يضع لبنان خطة واضحة للتعاطي مع المجتمعين العربي والدولي اللذين يفضلان أن تأتي عملية إعادة الإعمار عبرهما، من خلال مؤتمر دولي يجري بعده إنشاء لجنة معنية للكشف عن الإضرار، والتأكد من الأرقام، لتأتي بعدها مبالغ الدعم»، مضيفاً: «كما أن شكل نظامنا السياسي وتطبيق القرارات الدولية سيسهمان إلى حد كبير في الدفع قُدماً بعملية إعادة الإعمار».


مقالات ذات صلة

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

المشرق العربي مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

ذكرت قناة «تلفزيون الجديد»، اليوم الجمعة، أن طائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخين على منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان. ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى عن القصف.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم معلناً «الانتصار الكبير» (رويترز)

قاسم يعلن «انتصار» «حزب الله» ويتعهّد صون الوحدة الوطنية وانتخاب رئيس

قال الأمين العام لـ«حزب الله» إن الحزب حقّق «انتصاراً كبيراً يفوق النصر الذي تحقق عام 2006»، وذلك «لأن العدو لم يتمكن من إنهاء وإضعاف المقاومة».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي اجتماع تكتل «الجمهورية القوية» برئاسة رئيس «القوات» سمير جعجع (حزب القوات اللبنانية)

جنبلاط: دور الجيش أسقط «الأمن الذاتي»... وجعجع: لا عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر

عدّ رئيس «الاشتراكي» أن الدور الذي قام به الجيش اللبناني أسقط نظرية «الأمن الذاتي»، في حين أكد رئيس «القوات» أنه لا عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيباني مع رئيس البرلمان نبيه برّي في زيارة وداعية (رئاسة البرلمان)

السفير الإيراني يعود إلى بيروت بعد تعافيه من إصابة «البيجر»

يعود سفير إيران لدى لبنان مجتبي أماني يوم الأحد إلى بيروت لاستئناف عمله في سفارة بلاده.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

خاص ماكرون يرسم مجدداً خريطة طريق لمساعدة لبنان

ملف لبنان على طاولة المباحثات بين الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان، ويدعو لوقف كافة انتهاكات اتفاق وقف النار وانتخاب «فوري» لرئيس الجمهورية.

ميشال أبونجم (باريس)

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً
TT

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

دخلت فصائل مسلحة؛ بينها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا أمس، أجزاءً غرب مدينة حلب في شمال سوريا، وتقدمت على نحو كبير وسريع بعد قصفها في سياق هجوم بدأته قبل يومين على القوات الحكومية هو من أعنف جولات القتال منذ سنوات.

وبددت المعارك التي باغتت القوات الحكومية السورية؛ وروسيا وإيران الداعمتين لها، هدوءاً سيطر منذ عام 2020 على الشمال الغربي السوري، بموجب تهدئة روسية - تركية.

وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الفصائل «دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية» لحلب. وقال شاهدا عيان من المدينة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهما شاهدا رجالاً مسلحين في منطقتهما، وسط حالة هلع في المدينة.

ومن شأن تقدم تلك الجماعات المسلحة أن يصطدم بمناطق نفوذ شكلتها، على مدار سنوات، مجموعات تدعمها إيران و«حزب الله».

ومع دخول ليل السبت، وتبين تقدم الجماعات المسلحة، أفاد «المرصد السوري» بتوجه «رتل عسكري مؤلف من 40 سيارة تابع لـ(ميليشيا لواء الباقر)، الموالية لإيران، من مدينة دير الزور نحو حلب».

وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيان، «على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب»، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 255 شخصاً، وفقاً للمرصد، معظمهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 24 مدنياً قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم قوات النظام بالمعركة.

ومع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل بسطت سيطرتها على أكثر من 50 بلدة وقرية في الشمال، وفقاً للمرصد، في أكبر تقدّم تحرزه المجموعات المسلحة المعارضة للنظام منذ سنوات.

وفي المقابل، وصلت تعزيزات من الجيش السوري إلى مدينة حلب، ثانية كبرى المدن في سوريا، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري الوكالة الفرنسية.

وقبل إعلان «المرصد السوري» دخول «هيئة تحرير الشام» إلى حلب، أفاد المصدر نفسه عن «معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب».

وأضاف: «وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصاً على سيره، لكن نستطيع القول إن حلب آمنة بشكل كامل، ولن تتعرض لأي تهديد».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 23 غارة على إدلب وقرى محيطة بها.

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن روسيا، التي تدعم قواتها في سوريا الرئيس بشار الأسد، تعدّ الهجوم انتهاكاً لسيادة سوريا، وتريد من السلطات التحرك سريعاً لاستعادة النظام.

ودعت تركيا إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معقل الفصائل السورية المسلحة في شمال غربي سوريا، بعد سلسلة الغارات الروسية - السورية.

وتسيطر «تحرير الشام» مع فصائل أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية عبر منصة «إكس»: «لقد طالبنا بوقف الهجمات. وقد أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية»، مشيراً إلى «التطورات في إدلب ومحيطها الحدودي».

ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر 51 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورميات مدفعية، وأحياناً أصوات طائرات. آخر مرة سمعنا مثل هذه المعارك كانت قبل نحو 5 سنوات».

وأَضاف الموظّف في شركة اتصالات: «نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا، سئمنا هذه الحالة واعتقدنا أنها انتهت، لكن يبدو أنها تتكرر من جديد».

وكان عراقجي عدّ التطورات الميدانية في سوريا «مخططاً أميركياً - صهيونياً لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات وهزائم الكيان الصهيوني أمام المقاومة»، وفق تصريحات أوردتها الوزارة الخميس.

وقال المحلّل نيك هيراس من معهد «نيو لاينز» للسياسات والاستراتيجية للوكالة الفرنسية، إن تركيا ترى أن «حكومة (الرئيس السوري) بشار الأسد تواجه وضعاً صعباً بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، وترسل رسالة إلى دمشق وموسكو للتراجع عن جهودهما العسكرية في شمال غربي سوريا».

ويرى مدير «المرصد السوري» لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن الجيش السوري لم يكن مستعداً أبداً لهذا الهجوم. وأعرب عن استغرابه الضربات الكبيرة التي يتلقاها الجيش السوري على الرغم من الغطاء الجوي الروسي.

وتساءل: «هل كانوا يعتمدون على (حزب الله) المنهمك حالياً في لبنان؟».

بدوره، قال مسؤول بالأمم المتحدة، الجمعة، إن 27 مدنياً، بينهم 8 أطفال، لقوا حتفهم في قتال بشمال غربي سوريا على مدى الأيام الثلاثة الماضية، في إحدى أسوأ موجات العنف منذ أعوام بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية.