«حزب الله» يحاول احتواء تداعيات الحرب على بيئته مادياً ومعنوياً

بدأ بدفع مبالغ مادية ويطلق وعوداً بإعادة الإعمار... وتشكيك بقدرته

مبنى مدمَّر بشكل كامل في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)
مبنى مدمَّر بشكل كامل في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)
TT

«حزب الله» يحاول احتواء تداعيات الحرب على بيئته مادياً ومعنوياً

مبنى مدمَّر بشكل كامل في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)
مبنى مدمَّر بشكل كامل في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)

يحاول «حزب الله» استيعاب، وإنْ بصعوبة، تداعيات الحرب غير المسبوقة التي طالت بيئته بشكل أساسي والتخفيف مادياً ومعنوياً على أكثر من مليون شخص نزحوا من الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان والبقاع، توزعوا في مناطق لبنانية عدّة، فيما اختار بعضهم المغادرة إلى سوريا والعراق. ويتجنّد لهذا الغرض إعلام الحزب ومسؤولوه من خلال الوعود بالتعويض وإعادة الإعمار، والدعوة للصمود والمقاومة، إضافةً إلى بدء دفع المبالغ المادية المحدودة.

«هدية» مادية

وقبل أيام أطلق «حزب الله» منصة «صامدون» الموجَّهة بشكل أساسي إلى النازحين وتقديم المساعدة المادية لهم، بعدما كان يوزّع عليهم وإنْ بشكل غير كافٍ المساعدات العينية من المواد الغذائية وغيرها. وتتراوح المساعدة المادية بين 300 و 400 دولار لكل عائلة، بعد التسجيل على المنصة. ويخصَّص مبلغ الـ300 دولار للعائلات التي نزحت إلى مناطق ساحلية، والـ400 دولار إلى تلك التي توجّهت إلى مناطق أكثر برودة وتحتاج إلى المازوت للتدفئة. أما العناصر الحزبية فيستفيدون بدورهم من هذه التقديمات عبر إضافتها إلى رواتبهم نهاية الشهر.

لكنَّ هذه المساعدة التي شكّلت متنفساً بالنسبة إلى النازحين الذين يعانون مشكلات مادية كبيرة بعدما صرفوا مدخراتهم، وبات عدد كبير منهم عاطلاً عن العمل، غير واضحة المعالم حتى الآن، ومن غير المعروف ما إذا ستكون شهرية أم دورية أم «هدية» فقط كما يسمّونها اليوم. وهذا ما تشير إليه إحدى السيدات التي تسلّمت «الهدية» قبل يومين، وتفكّر في الاستفادة بهذا المبلغ في استئجار منزل، «ولو غرفة واحدة، لأننا تعبنا من العيش في المدرسة (مركز الإيواء)، وبات أولادي، أحدهم يبلغ من العمر 8 أشهر، يشعرون بالبرد ويمرضون نتيجة غياب التدفئة، لكن المشكلة أننا لا نعلم إذا كنا سنتسلم المبلغ شهرياً أم لا، كي أضمن قدرتي على دفع بدل الإيجار».

مع العلم أن «حزب الله» كان يقدم مساعدات شهرية للنازحين من قرى الجنوب منذ بدء الحرب في 8 أكتوبر (تشرين الأول)، وكان إلى حد كبير قادراً على السيطرة على هذا الموضوع ودفع بدل إيجار للنازحين، قبل أن تنقلب الأمور رأساً على عقب، عليه وعلى عائلات الجنوب والبقاع والضاحية مع توسع الحرب في 23 سبتمبر (أيلول)، وتجاوز عدد النازحين كل التوقعات مع توسع رقعة الحرب.

وعود بالإعمار

ويحرص المسؤولون في «حزب الله» على بث رسائل طمأنة بشكل مستمر حول إعادة الإعمار التي تشكل الهاجس الأكبر بالنسبة إلى آلاف العائلات التي خسرت منازلها، والتي يقدَّر عددها بنحو 100 ألف وحدة سكنية بين تدمير كلي وجزئي، وفق تقرير للبنك الدولي.

كان أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم، قد أكد في كلماته أن الحزب يستعد لعملية إعادة إعمار واسعة، مشدداً على «أن البيوت والمصالح التي تهدمت ستعود أجمل مما كانت». وبعد ذلك قال النائب حسن فضل الله، عضو كتلة «حزب الله»، إن «الحزب يقوم بدوره في مواجهة العدو، وخيارنا أن نكون في خدمة شعبنا»، وفق تعبيره، مؤكداً أن «ملف إعادة الإعمار هو على العهد ووعد المقاومة».

كان بعض المعلومات قد أشار إلى تعهّد طهران بإعادة إعمار الضاحية والجنوب وبعلبك، خلال الزيارات التي أدَّاها المسؤولون الإيرانيون إلى بيروت.

لكن تبقى هذه المحاولات، حسب المحلل السياسي علي الأمين، غير قابلة للصرف و«ترددات صدمة انهيار صورة القوة لـ(حزب الله) مستمرة وتزيد من حالة الإرباك والضياع لدى البعض والاحتجاج لدى البعض الآخر».

ويقول الأمين لـ«الشرق الأوسط»: «محاولة استغلال البعد النفسي والآيديولوجي التي يعتمد (حزب الله) عليها في رسائل إعلامية موجهة إلى بيئته، من قبيل الصبر والثواب والنصر القريب لم تعد قابلة للصرف، خصوصاً لمن لا يجد قوت بيته، وقد تنفع لمن تلقى ما يسد رمقه». مضيفاً: «من هنا يدرك حزب الله أن قدرته على التماسك والمحافظة على الكفاءة السياسية والاجتماعية مرتبطة بصورته العسكرية التي تصدعت ويصعب رأبها».

ويتحدث عن «محاولة تعويض الفضيحة الأمنية والعسكرية التي تعرض لها الحزب خلال هذه الحرب بالعمل على تخفيف الضغط المالي الذي تتعرض له حاضنته الاجتماعية وتداعياتها على مستوى النزوح»، لكن يرى أن الحزب «يبقى قاصراً عن الوفاء لأغلبية النازحين ببعض تكاليف النزوح، ولم يظهر حتى الآن أنه أثبت جدارته أو قدرته فضلاً عن إرادته، بإغاثة أكثر من مليون نازح».

ويلفت الأمين إلى أن «(حزب الله) يولي للفريق الحزبي وعائلاتهم اهتماماً على هذا الصعيد، من خلال الالتزام بدفع الرواتب دون تأخير، وتوفير سكن وتموين إلى جانب الطبابة»، ويؤكد أنه «حسب متابعة استكشافية لا يبدو أن الأمور تسير على ما يرام في المساعدات التي تقدَّم عبر منصة (صامدون)؛ إذ إن الشكوى لا تزال مستمرة من عدم الوفاء بالوعود، ولا تزال الاستجابة جزئية».

أطفال أمام المبنى الذي استُهدف مساء الاثنين في منطقة زقاق البلاط القريبة من وسط بيروت (رويترز)

رسائل عقائدية

في موازاة ذلك، يبذل «حزب الله» والإعلام الحربي جهوداً إعلامية – سياسية واضحة تتركز على الوتر العقائدي والبعد النفسي ودعوة مناصريه وبيئته إلى الصبر والمقاومة، وهو ما تحدث عنه أمين عام الحزب نعيم قاسم في رسالته الأولى بعد توليه القيادة. وكل ذلك يدخل بشكل أساسي في سياق رفع معنويات جمهور الحزب كرسالة المجاهدين الموجَّهة إلى أمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله بعد اغتياله بالتأكيد أنهم «ماضون على العهد حتى نحقق آمالك وأهدافك مهما بلغت التضحيات»، وتلك الموجهة إلى الأمين العام الجديد نعيم قاسم، مجدِّدين البيعة له، ليردّ هو عليها مؤكداً لهم: «أنتم الرؤوس المرفوعة التي تكسر الذل، وأنتم مستقبلنا الواعد»، كما نشر إعلام «حزب الله» أيضاً رسالة من المجاهدين إلى أهالي الشهداء، مؤكدين فيها أن «عطاءاتكم وتضحياتكم ستُزهر نصراً مؤزراً».

كما عمد إعلام «حزب الله» إلى نشر ما قال إنها آخر رسالة كتبها رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، قبل اغتياله، الذي كان يُفترض أن يكون خليفة نصر الله، وقبل أيام نشرت قناة «المنار» التابعة للحزب تقريراً يتحدث خلاله إعلاميون وصحافيون عن لقاءاتهم مع نصر الله.


مقالات ذات صلة

لبنان يرفض بشكل قاطع بقاء الجيش الإسرائيلي في نقاط بالجنوب

المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني ينتشرون في الجنوب بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (أ.ف.ب) play-circle

لبنان يرفض بشكل قاطع بقاء الجيش الإسرائيلي في نقاط بالجنوب

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، اليوم الخميس، إنه أبلغ مسؤولين أميركيين برفض لبنان «المطلق» بقاء إسرائيل في خمس نقاط بجنوب البلاد بعد 18 فبراير (شباط).

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي إحراق إطارات على طريق المطار (متداولة على وسائل التواصل)

إرباك في مطار بيروت بعد منع طائرة إيرانية من التوجّه إليه

شهد مطار رفيق الحريري الدولي حالة إرباك إثر قطع المئات من مناصري «حزب الله» الطرق المؤدية من المطار وإليه بعد منع طائرة إيرانية من التوجه إلى بيروت.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي بري مستقبلاً رئيس لجنة مراقبة وقف النار والسفيرة الأميركية (مجلس النواب)

الأميركيون أبلغوا لبنان قراراً إسرائيلياً بالبقاء في 5 نقاط حدودية

أكد رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أن لبنان يتابع الاتصالات لإلزام إسرائيل بالانسحاب في 18 فبراير (شباط) الحالي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود لبنانيون وآليات تتبع «يونيفيل» في بلدة برج الملوك بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

إسرائيل تتحصن بتأييد أميركي... ولبنان يطالب واشنطن بإلزامها بالانسحاب

إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بعدد من المواقع التي تحتلها في جنوب الليطاني لتحويلها نقاط مراقبة، يشكل تحدياً لأميركا ويهدد مصداقيتها أمام المجتمع الدولي.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي قوى أمن الحدود السوري على طريق فرعي مؤدٍّ للحدود اللبنانية (الشرق الأوسط)

التطورات على الحدود الشرقيّة تفرض يقظة أمنية لبنانية

ارتفع منسوب القلق في لبنان من وجود آلاف السوريين والإيرانيين الذين دخلوا بصورة غير شرعية خلال سقوط النظام السوري، وفرار كبار المسؤولين من سوريا إلى لبنان.

يوسف دياب (بيروت)

لبنان يرفض بشكل قاطع بقاء الجيش الإسرائيلي في نقاط بالجنوب

جنود من الجيش اللبناني ينتشرون في الجنوب بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني ينتشرون في الجنوب بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

لبنان يرفض بشكل قاطع بقاء الجيش الإسرائيلي في نقاط بالجنوب

جنود من الجيش اللبناني ينتشرون في الجنوب بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني ينتشرون في الجنوب بعد انسحاب القوات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، اليوم الخميس، إنه أبلغ مسؤولين أميركيين برفض لبنان «المطلق» بقاء إسرائيل في خمس نقاط بجنوب البلاد، بعد 18 فبراير (شباط) الحالي.

ونقلت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام عن بري قوله، للصحافيين، إن «الأميركيين أبلغوني بأن الاحتلال الإسرائيلي سينسحب في 18 فبراير من القرى التي ما زال يحتلها، لكنه سيبقى في 5 نقاط، وأبلغتهم، باسمي وباسم رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ورئيس الحكومة القاضي نواف سلام، رفضنا المطلق لذلك».

وأضاف: «رفضتُ الحديث عن أي مهلة لتمديد فترة الانسحاب، ومسؤولية الأميركيين أن يفرضوا الانسحاب، وإلا يكونوا قد تسببوا بأكبر نكسة للحكومة».

وتابع قائلاً إن «(حزب الله) يلتزم بشكل كامل»، لكن إذا لم تنسحب إسرائيل فمعنى هذا أنها لديها حرية الحركة والعدوان في لبنان، وهذا أمر مرفوض.

وأكد وزير الدفاع اللبناني الجديد ميشال منسي، في وقت سابق من اليوم، رفض بلاده طلب إسرائيل تمديد احتلال بعض المواقع في جنوب البلاد حتى نهاية فبراير.

وينص اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، الذي جرى التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وإبعاد «حزب الله» عن المنطقة، مع انتشار الجيش اللبناني خلال 60 يوماً. وجرى تمديد الاتفاق حتى 18 فبراير.