الصحة النفسية للبنانيين في خطر... وخطة طوارئ وطنية لمواكبتهم

أكثر من نصفهم كانوا يعانون من اضطرابات قبل الحرب

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)
أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)
TT

الصحة النفسية للبنانيين في خطر... وخطة طوارئ وطنية لمواكبتهم

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)
أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

لا يزال اللبناني محمد.ر (34 عاماً) يزور منزله الواقع بمنطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل شبه يومي؛ يستحم فيه، ويشرب القهوة، ويجمع بعض الحاجيات، رغم المخاطر والتهديدات المحدقة بكل ما يقوم به. فهو يشعر براحة نفسية بالوجود في منزله وبين أغراضه.

يقول محمد لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مدرك أنني أعاني اضطراباً نفسياً. أصلاً؛ لن يكون أمراً طبيعياً ألا نعاني من أمراض نفسية بعد كل ما مررنا به، وقد أتت الحرب الراهنة لتقضي على وضعنا النفسي بالكامل».

ولا يفكر محمد راهناً في طلب مساعدة من اختصاصيين نفسيين، لكنه، وفق قوله، قد يعيد النظر في ذلك مع انتهاء الحرب، مضيفاً: «لا شك في أنني أطلب أحياناً رأي اختصاصيين لمعرفة كيفية التعاطي مع أطفالي في رحلة التهجير التي نعيشها، ولطلب أجوبة عن أسئلتهم بشأن أصوات القصف وماذا تعني الحرب».

اضطرابات نفسية

محمد مثل آلاف سواه من النازحين وغير النازحين، يُدركون أنهم يعانون من اضطرابات نفسية، لكنهم لا يعدّون ذلك أولوية في خضم ما يعيشونه. كل ما يعنيهم اليوم الصحة النفسية لأطفالهم.

طفلة لبنانية نازحة تحمل دميتها في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)

لكن قسماً من اللبنانيين بلغت حالتهم النفسية مستويات متطورة، دفعت بهم إلى طلب المساعدة. وكما استعدت وزارة الصحة لتقديم الخدمات الطبية الأساسية، كذلك وضعت خطة طوارئ متعلقّة بالصحة النفسية، أعدّها «البرنامج الوطني للصحة النفسية» مع عدد من الشركاء من نقابات ومنظمات محلية وعالمية.

خطة طوارئ

وتلحظ هذه الخطة، التي وُضعت في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وحُدّثت مع توسع الحرب في سبتمبر (أيلول) 2024، تنسيق الجهود بين جميع الشركاء لتسهيل وصول الناس إلى الخدمات النفسية، والدعم النفسي، والاستجابة للحالات النفسية الطارئة.

خدمات وموارد للصحة النفسية في لبنان (الشرق الأوسط)

وفي حين تشمل الخطة المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية والدعم النفسي في مراكز الإيواء، وخطاً ساخناً للدعم النفسي، فإنها تلحظ أيضاً ضمان توفّر الأدوية النفسية والوصول إليها لجميع المستفيدين؛ القدامى والجدد.

بالأرقام

ويشدد الدكتور ربيع الشمّاعي، مدير «البرنامج الوطني للصحة النفسية»، على أن «الاهتمام بالصحة النفسية في وقت الأزمات مهم جداً، وهذا ضمن الأولويات لا الكماليات»، لافتاً إلى أنه «وفق منظمة الصحة العالمية، فإن واحداً من خمسة على الأقل من الأشخاص الذين يتعرضون لأزمة إنسانية بسبب حرب أو كارثة طبيعية، سيحتاج إلى خدمات مرتبطة بالصحة النفسية».

ويوضح الشمّاعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطة التي وضعها (البرنامج)، لا تُعنى حصراً بالنازحين؛ لأنهم ليسوا وحدهم من يتأثرون بالأزمة، إذ هناك قسم كبير من اللبنانيين يحسون بغياب الشعور بالأمان، ويعيشون في ترقب وخوف دائمين»، مشيراً إلى أن «آخر دراسة أجريت في لبنان قبل الحرب أظهرت أن 60 في المائة من الأشخاص الذين شملتهم هذه الدراسة لديهم اضطراب نفسي، وبالتالي، فهذه الحرب لا شك في أنها زادت الأعداد والنسب».

خط ساخن

ويلفت الشمّاعي إلى أن «معظم من يتصلون بالخط الساخن (على الرقم 1564) يستفسرون عن أمكنة للحصول على خدمات مرتبطة بالصحة النفسية، أو يسألون عن كيفية التعامل مع أطفالهم الذين يشتكون من عوارض معينة، أو إنهم بحاجة إلى الوصول لخدمات صحية عادية، أو حماية، أو مأكل ومشرب، ويوجَّهون إلى ما يريدون، علماً بأنه يمكن حتى لمن يتلقون الاتصالات على الخط الساخن أن يتعاملوا مباشرة مع من يعانون من ضغط نفسي طارئ».

سيدات جنوبيات نازحات بأحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

ومنذ بدء تطبيق هذه الخطة، اتصل بالخط الساخن نحو 1321 شخصاً طلباً للمساعدة، علماً بأن الخطة تتيح أيضاً خدمات عبر تطبيق إلكتروني.

ما هذه المشكلات النفسية؟

وتعدد مستشارة الصحة النفسية، سابين صادر، المشكلات النفسية الكثيرة التي يعاني منها النازحون، «خصوصاً أنهم اضطروا إلى ترك منازلهم، التي عادة ما تمثل الأمان لأي شخص. فعندما نفقد الأمان، لا شك في أننا نشعر بالخوف والقلق والاضطراب والغضب والقهر والعجز، وهذه كلها مشكلات نفسية».

وتشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «التداعيات النفسية غير محصورة في النازحين، إنما تشمل القسم الأكبر من اللبنانيين الذين يعيشون في خوف وقلق دائمين على أمنهم».

وتُنبه المستشارة النفسية سابين صادر إلى تداعيات هذه المشكلات النفسية على مستقبل الأشخاص، خصوصاً الأطفال، لافتة إلى أن «كثيرين ممن بدأوا يتعافون من تداعيات انفجار مرفأ بيروت ساءت أحوالهم النفسية مجدداً بعد هذه الحرب».


مقالات ذات صلة

 11 قتيلاً و48 جريحاً في غارات إسرائيلية على منطقة صور جنوب لبنان

المشرق العربي دخان يتصاعد من قرية بجنوب لبنان بعد غارة إسرائيلية (ا.ف.ب)

 11 قتيلاً و48 جريحاً في غارات إسرائيلية على منطقة صور جنوب لبنان

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم (الأحد)، مقتل 11 شخصاً وإصابة 48 آخرين في غارات إسرائيلية استهدفت بلدات في منطقة صور بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شبان يرفعون العلم الفلسطيني في منطقة رأس النبع في بيروت حيث استُهدف مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف (رويترز)

لبنان يبث التفاؤل حول مفاوضات وقف النار... ومصادر دبلوماسية «تتريث»

واصلت القوى السياسية اللبنانية بث جرعات من التفاؤل فيما يتعلق بتقدم مفاوضات وقف الحرب الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المبنى الذي استُهدف بمنطقة رأس النبع ببيروت وأدى إلى مقتل مسؤول الإعلام في «حزب الله» محمد عفيف (أ.ف.ب) play-circle 00:40

إسرائيل توسّع رقعة قصفها لبيروت وتغتال مسؤول إعلام «حزب الله»

رفعت إسرائيل سقف تصعيدها ضد المناطق اللبنانية بوتيرة غير مسبوقة خلال الساعات الأخيرة، في سباق مع نتائج المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار.

كارولين عاكوم (بيروت)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية أمام مبنى في حيفا أصيب بصواريخ أطلق «حزب الله»  (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يدعو الحكومة إلى قبول الاتفاق السياسي مع لبنان

وقالت مصادر عسكرية رفيعة إن الجيش أنهى المهمة التي حددتها القيادة السياسية في جنوب لبنان، وبات يسعى إلى «الحفاظ على إنجازاته العسكرية».

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم العربي لقاء وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده والرئيس السوري بشار الأسد (سانا)

وزير الدفاع الإيراني في دمشق لبحث «قضايا الأمن والدفاع»

بدأ وزير الدفاع عزيز نصير زاده زيارة إلى دمشق للقاء عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين؛ تلبية لدعوة وزير الدفاع السوري علي محمود عباس.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الجيش الإسرائيلي يعلن قصف أكثر من 200 هدف في لبنان خلال 36 ساعة

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن قصف أكثر من 200 هدف في لبنان خلال 36 ساعة

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

أفاد الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأحد)، بأنه قصف منذ صباح أمس «أكثر من 200» هدف في لبنان، حيث يستهدف خصوصاً مواقع لـ«حزب الله» الموالي لإيران.

وقالت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم، إن الهجمات الإسرائيلية أمس أسفرت عن مقتل 29 شخصاً وإصابة 122 آخرين في لبنان، ليرتفع إجمالي عدد القتلى إلى 3481 بالإضافة إلى 14786 مصاباً، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وخلال الساعات الـ36 الأخيرة، قصف الجيش الإسرائيلي مدينة صور في جنوب لبنان، وضاحية بيروت الجنوبية، مراراً، إضافة إلى وسط العاصمة اللبنانية، حيث قتل مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله»، محمد عفيف.