بعد الأهداف العسكرية... إسرائيل تنتقل إلى الضغط على «حزب الله» شعبياً واقتصادياً

معتمدة سياسة التهجير وتدمير المدن الكبرى

سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

بعد الأهداف العسكرية... إسرائيل تنتقل إلى الضغط على «حزب الله» شعبياً واقتصادياً

سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)
سيارات محترقة في مدينة صور الجنوبية بعد استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

تبدّل مشهد الحرب الإسرائيلية على لبنان بعد أكثر من شهر على التصعيد الشامل الذي ارتكز في المرحلة الأولى على استهداف مواقع عسكرية ومركزية تابعة لـ«حزب الله»؛ إذ وبعدما اغتالت قادة الحزب وقالت إنها دمّرت أكثر من 80 في المائة من ترسانته الصاروخية، انتقلت إلى مرحلة الضغط على «حزب الله» شعبياً واقتصادياً، في موازاة التدمير الذي طال القرى الحدودية في الجنوب لإنشاء المنطقة العازلة، وبالتالي منع عودة السكان إليها لتأمين عودة سكان الشمال.

وكانت قد أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» قبل أيام بتدمير 37 قرية بشكل كامل، ومسح معظم شوارعها، وأكثر من 40 ألف وحدة سكنية دمرت بشكل كامل، وذلك في منطقة في عمق ثلاثة كيلومترات تمتد من الناقورة حتى مشارف الخيام. وهذا التدمير يطال أيضاً معالم أثرية في الجنوب وبعلبك، بحيث حذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت قبل أيام، من الخطر الذي تشكّله الحرب على مواقع أثرية، وكتبت على منصة «إكس»: «تواجه مدن فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ خطراً شديداً قد يؤدي إلى تدميرها».

وفي هذا السياق، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، السبت، بأن «المقاتلات الحربية الإسرائيلية دمرت منزلين من أهم المنازل التراثية والتاريخية في مدينة النبطية، بعدما دمّرت السوق التجارية في المدينة، واستهدفت مواقع قريبة من آثار رومانية قديمة في مدينة صور». ووصل القصف إلى محيط قلعة بعلبك والذي طال مبنى المنشية الأثري الذي يتوسط قلعة بعلبك وفندق بالميرا الذائع الصيت، الذي لحقت به أضرار كبيرة.

وفي الضاحية التي تعدّ معقل «حزب الله» الشعبي والاقتصادي في بيروت، تظهر المشاهد تدميراً كبيراً يطول معظم مناطقها، فيما لا تزال الأرقام متضاربة حول العدد الدقيق للمباني، ويقدر عدد الوحدات السكنية المدمرة بالآلاف. والضاحية كانت مسرحاً لعمليات عسكرية أساسية؛ أبرزها اغتيال قادة «حزب الله»، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصرالله، إضافة إلى قادة «قوة الرضوان»، وما قالت إسرائيل إنها مخازن للأسلحة و«القرض الحسن» الذي يعدّ المصرف الخاص بالحزب. وهذا ما حصل ليلة السبت، حيث عاشت الضاحية الجنوبية لبيروت ليلة عنيفة مع شن الطيران الإسرائيلي 14 غارة عليها، طالت منطقة الحدث وبرج البراجنة وحارة حريك وحي الجاموس، إضافة إلى محيط مبنى الجامعة اللبنانية في الحدث.

مع العلم، أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت كان قد لفت في منتصف الشهر الماضي إلى أنه لم يتبق من ترسانة «حزب الله» من الصواريخ المتوسطة المدى إلا نحو 30 في المائة، بعدما كانت إسرائيل قالت إنها استهدفت مراكز ومخازن تابعة له في مناطق عدة.

الدمار الذي أصاب مبنى «المنشية» الأثري على مقربة من قلعة بعلبك في البقاع (إ.ب.أ)

وفي ظل هذه السياسة، يرى رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر، أن إسرائيل بعدما فشلت في المعركة البرية باتت اليوم تركز أهدافها على التدمير والتهجير، خاصة في بيئة «حزب الله»؛ كي تمنع أو تؤخر عودة السكان.

في المقابل، لفت العميد المتقاعد، الخبير العسكري خالد حمادة، إلى أنه لا يمكن الحديث عن انتهاء الأهداف الإسرائيلية، بحيث إن كل ما تقوم به تل أبيب اليوم يندرج ضمن الهدف الأساس الذي أعلنته سابقاً، وهو تدمير قدرات الحزب على كل المستويات.

ويقول: «ما أنجزته إسرائيل عسكرياً حتى اليوم هو تدمير منظومة القيادة والسيطرة واغتيال القيادات، وتدمير جزء كبير من احتياطات الذخائر والمخازن، وجزء كبير من البنية التحتية الموجودة في القرى الأمامية»، أما استهداف المدن وتدميرها فهما يندرجان ضمن ضرب اقتصاد الحزب، عبر تدمير مراكز سكنية وتجارية كبيرة ومنشآت القرض الحسن (مصرف الحزب)، وتدمير مدن لها دور في اقتصاد البيئة التي تحتضن الحزب، مثل صور والنبطية وبنت جبيل وبعلبك».

ويذكّر حمادة بما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية لجهة العمل على قطع الأوكسجين عن الأذرع الإيرانية، والتصدي للشريان اللوجيستي الذي يربط إيران بـ«حزب الله»، مؤكداً أن الهدف الإسرائيلي لا يقتصر فقط على الساحة اللبنانية، وبالتالي التصعيد قد يتوسع في المرحلة المقبلة، بانتظار ما قد تنتهي إليه المفاوضات السياسية.

من جهته، يقول جابر لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من تنفيذ اجتياح بري على غرار عام 2006؛ لأن ذلك مكلف كثيراً بالنسبة إليه، فقام بالتوغل عبر خمس نقاط حدودية معتمداً سياسة التدمير غير المكلف بالنسبة إليه، ومستهدفاً بشكل أساسي مناطق محسوبة بشكل أساسي على بيئة «حزب الله».

والهدف الإسرائيلي الأساس من التدمير والتهجير في المناطق الحدودية هو إنشاء منطقة خالية من البشر والحجر بحدود 2 كيلومتر، بحسب جابر، مشيراً إلى أن الإسرائيلي يرى أنه «سيطر عليها بالنار من دون أن يحتلها، بحيث يبعد عنه الصواريخ المضادة للدروع التي يطلقها (حزب الله)، وخطر (قوة الرضوان) التي يقول إنها كانت ستنفذ هجوماً مثيلاً بهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وهذه ورقة قوية في يد الإسرائيلي يستطيع المساومة عليها في المفاوضات».

وفي الضاحية البعيدة عن الحدود، والتي تتعرض بدورها لتدمير ممنهج، فإن الهدف الإسرائيلي الأساس بحسب جابر، هو أيضاً الضغط على «حزب الله»، عبر تهجير بيئته وتدمير المباني والمنازل، ما سيمنع أو يؤخر عودة الأهالي.

الدمار في مدينة صور في جنوب لبنان إثر القصف الإسرائيلي العنيف الذي استهدفها (أ.ف.ب)

ويرى جابر أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيستفيد من المرحلة الانتقالية بانتظار تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب ليستمر في هذه السياسة في الأسابيع المقبلة، محاولاً الحصول على مكاسب إضافية.

وبانتظار ما ستظهره الأيام المقبلة، يتحدث جابر عن سيناريو ثان محتمل، وهو إمكانية قيام الإدارة الأميركية الحالية بجهود لإنهاء الحرب قبل انتهاء ولاية جو بايدن، في محاولة منها لكسب هذه الورقة التي ستنعكس سلباً عليهم في الانتخابات المقبلة.


مقالات ذات صلة

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:54

مقتل مدير مستشفى و6 من زملائه في قصف إسرائيلي على شرق لبنان

قُتل مدير مستشفى دار الأمل قرب بعلبك في شرق لبنان مع ستة من زملائه العاملين في المستشفى، الجمعة، في ضربة إسرائيلية استهدفت منزله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال إنقاذ وسكان يتجمعون حول أنقاض مبنى دمّرته غارة إسرائيلية على قرية يونين بسهل البقاع شرق لبنان في 21 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

مقتل 47 في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

قال مسؤول لبناني إن 47 شخصاً على الأقل، قُتلوا في غارات إسرائيلية على شرق لبنان، اليوم الخميس، لتُواصل إسرائيل بذلك حملة على جماعة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.