تقرير: أزمة الشرق الأوسط تضغط على الجيش الأميركي وتؤثر على ذخيرته

وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)
وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)
TT

تقرير: أزمة الشرق الأوسط تضغط على الجيش الأميركي وتؤثر على ذخيرته

وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)
وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)

رصدت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تأثير أزمة الشرق الأوسط على الجيش الأميركي؛ حيث إنه للمرة الأولى منذ الأسابيع الأولى للحرب، لن يكون لدى الولايات المتحدة حاملة طائرات قريبة من الشرق الأوسط، إضافة إلى نقص في الأسلحة والذخيرة.

وأضافت أن الأزمة المفتوحة في الشرق الأوسط بدأت في الضغط على وزارة الدفاع (البنتاغون)، مما أدى إلى إثارة المخاوف بشأن قدرة الجيش الأميركي على مواجهة التهديدات الوشيكة للمصالح الأميركية؛ حيث تختبر روسيا والصين واشنطن في أماكن أخرى من العالم.

وتابعت بأن مظاهر المخاوف بدأت تظهر على «البنتاغون» في الأيام الأخيرة، من خلال قرار سحب حاملة الطائرات الأميركية الوحيدة في المنطقة «أبراهام لينكولن» التي ينسب مسؤولون دفاعيون أميركيون لوجودها الفضل في المساعدة على احتواء العنف المستمر بين إسرائيل وإيران ووكلائها.

وأضافت أن إدارة جو بايدن احتفظت بحاملة طائرات واحدة على الأقل، وأحياناً باثنتين، في الشرق الأوسط لأكثر من عام، منذ أن تسبب الهجوم الذي قادته حركة «حماس» على إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في صراع متعدد الأوجه لا نهاية له في الأفق.

حاملة الطائرات الأميركية «أبراهام لينكولن» ومجموعتها القتالية (صفحة حاملة الطائرات على فيسبوك)

وعندما تغادر حاملة الطائرات «لينكولن» في الأيام المقبلة، ستعتمد وزارة الدفاع بدلاً من ذلك على مزيج من القوات الأخرى، بما في ذلك المدمرات البحرية وقاذفات «بي-52» والطائرات المقاتلة، لدعم مهمتها للردع، والتي قد تكون قابلة للاشتعال، والتي تمتد من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الخليج وطرق الشحن المتقلبة الأخرى.

وقال المتحدث باسم «البنتاغون»، باتريك رايدر، للصحافيين، إن نشر القوات الجديدة سيوفر «قدراً كبيراً من القدرات على قدم المساواة مع ما كنا نفعله في الشرق الأوسط» منذ بدء الأزمة هناك.

وتأتي هذه التغييرات في الوقت الذي يعاني فيه «البنتاغون» أيضاً من نقص الذخائر الرئيسية التي استخدمها لصد هجمات الحوثيين في اليمن الذين شنوا حملة استمرت شهوراً استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومساعدة أوكرانيا على مقاومة التوغل الروسي المستمر منذ ما يقرب من 3 سنوات.

مقاتلة صينية تستعد للإقلاع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريبات عسكرية حول تايوان (أرشيفية- أ.ب)

واعترف المسؤولون العسكريون الأميركيون بأنهم يكافحون لتوزيع أنظمة الدفاع الجوي الكافية لحماية المصالح والحلفاء في أوروبا الشرقية، إلى جانب تلك الموجودة في الشرق الأوسط.

ويحذر المحللون من أن الضغط قد يعيق قدرة واشنطن على الدفاع عن تايوان في حالة حدوث غزو صيني.

وكان من المقرر نشر الحاملة «لينكولن»، وعشرات الطائرات المقاتلة التي تعمل منها، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بوصفه جزءاً من استراتيجية «البنتاغون» التي تهدف إلى إظهار القوة في منطقة؛ حيث كان على الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة التعامل مع خطط الصين التوسعية وكوريا الشمالية التي لا يمكن التنبؤ بها إلى حد بعيد.

وفي أغسطس (آب)، وبعد أن بلغت التوترات بين إسرائيل وإيران ذروتها مع مقتل زعيم «حماس» إسماعيل هنية في طهران، صدرت أوامر بنقل حاملة الطائرات من المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط، ثم تم تمديد نشرها في وقت لاحق، بينما كان كبار المسؤولين يقيِّمون المخاطر المحتملة المترتبة على إجراء مثل هذا التحول الكبير.

وظلت المعضلة قائمة لأسابيع؛ حيث كان وزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان الجنرال تشارلز براون، يقيِّمون خيارات مختلفة، مع مراعاة المطالب المتزايدة التي فرضها الصراع في الشرق الأوسط على المعدات الأميركية والأفراد، وقدرة واشنطن على معالجة أهداف جيوستراتيجية ملحة أخرى.

وقال براون في مقابلة أجريت معه مؤخراً، إن «البنتاغون» يجب أن «يتراجع ويلقي نظرة» على مجمل ما يُطلب من الجيش: «ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن في جميع أنحاء العالم حقاً».

وتذهب توصيات رئيس هيئة الأركان بشأن وضع القوات إلى أوستن الذي يتخذ في نهاية المطاف القرارات الجسيمة التي قد تخلق تعقيدات طويلة الأجل لـ«البنتاغون».

وقال مسؤول دفاعي كبير مطلع -تحدث مثل بعض الآخرين بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة التحركات العسكرية الحساسة- إن هذه الاعتبارات تتطلب «مقايضات حقيقية للغاية، ولا أعتقد أن هناك أي قرارات سهلة».

طلبات كبيرة على القوات البحرية

عندما بدأت حرب غزة، تحرك «البنتاغون» بسرعة لتعزيز وجوده في الشرق الأوسط، ونقل عشرات الآلاف من القوات، وأعاد تنظيم الدفاعات، ونشر عشرات من الطائرات الهجومية لتكملة دفاعات «القبة الحديدية» الجوية الإسرائيلية، وإرسال رسالة ردع لإيران ووكلائها. ولقد أثرت الأزمة المستمرة على القوات البحرية مثل أي قوات أخرى.

مدمرة أميركية تبحر بالقرب من حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» في البحر المتوسط (أ.ب)

في الأيام التي أعقبت هجوم «حماس» على إسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيتم تمديد نشر حاملة الطائرات «فورد» وسفن ترافقها، للمساعدة في حماية إسرائيل، مع إرسال حاملة طائرات أخرى (أيزنهاور) إلى المنطقة. وأطلقت القوات الأميركية مئات الصواريخ بتكلفة إجمالية تجاوزت مليار دولار، وفقاً لبيانات القوات البحرية.

وفي أواخر سبتمبر (أيلول)، عندما أثار اغتيال إسرائيل زعيم «حزب الله» حسن نصر الله مزيداً من التصريحات من طهران، مدد أوستن انتشار حاملة الطائرات «لينكولن»، وفي الأيام الأخيرة، كان في خليج عمان مع كثير من سفن الحراسة، كما قال مسؤولون دفاعيون.

وكذلك حاملة الطائرات «ترومان»، تم نشرها من فرجينيا في سبتمبر، وفي الأيام الأخيرة كانت في بحر الشمال، في مهمة مقررة إلى أوروبا؛ حيث قوبلت تصرفات روسيا في أوكرانيا وخارجها بالغضب. وقال المسؤولون إن «ترومان» يمكن تحويلها إلى الشرق الأوسط إذا لزم الأمر.

استنزاف مخزونات الأسلحة

في العام الماضي، أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22.7 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل والعمليات الأميركية في المنطقة، وفقاً لتحليل التكاليف الذي أجراه «معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة» بجامعة براون.

وقال مؤلفو التحليل إن هذا التقدير «متحفظ»، ولا يشمل المساعدات الأمنية الأميركية الإضافية المقدمة لشركاء الولايات المتحدة الآخرين.

وتم إنفاق أكثر من 4.8 مليار دولار لتعزيز العمليات الهجومية والدفاعية في البحر الأحمر والخليج؛ حيث وجد التحليل أن «البحرية الأميركية كانت تعترض طائرات من دون طيار، وصواريخ الحوثيين، على أساس يومي تقريباً».

ويصف تقرير «معهد واتسون» العملية بأنها «الحملة العسكرية الأكثر استدامة من قبل القوات الأميركية» منذ ذروة حملة القصف الموسعة التي شنتها وزارة الدفاع ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا.

مقاتلة أميركية تقلع من حاملة الطائرات «يو إس إس أيزنهاور» لمهاجمة أهداف حوثية (أرشيفية- أ.ف.ب)

وقال ويليام هارتونج، أحد المؤلفين المشاركين، في مقابلة، إن إحدى المشكلات الرئيسية هي «السياق الذي يحدث فيه هذا» واستشهد بحرب أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، والحاجة إلى الاحتفاظ بالذخائر في متناول اليد لأي مواجهة مع الصين.

وركزت التوترات المتزايدة مع الصين بشكل كبير على خططها لجزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تدعي الصين أنها جزء من أراضيها.

ووسعت الصين بشكل كبير حجم جيشها ووجودها في بحر الصين الجنوبي في السنوات الأخيرة، وأشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى أن بكين قد تحاول في النهاية الاستيلاء عليها بالقوة.

وسعت الولايات المتحدة إلى مواجهة نفوذ الصين، من خلال توسيع شبكات حلفائها وشركائها في المنطقة.

وقال هارتونج الذي يدعو إلى ضبط النفس عسكرياً، إنه بعد سنوات من العمليات في العراق وأفغانستان ودول أخرى، تحولت الولايات المتحدة من وجود جنود أميركيين على الأرض إلى استراتيجية تركز على تسليح الحلفاء والشركاء، ملمحاً جزئياً إلى استنفاد المخزونات الأميركية؛ حيث ذكر: «الأمر سينتهي إلى أن يكون له نتائج كارثية. إنه ليس بديلاً آمناً كما كانوا يعتقدون».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

شؤون إقليمية أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن جهود حثيثة لإقناع الإدارة الأميركية بوضع خطة لتنفيذ ضربة عسكرية واسعة ومزدوجة تستهدف الحوثيين في اليمن وإيران في الوقت ذاته.

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم العربي شخص يفحص منزلاً متضرراً في تل أبيب بالقرب من مكان سقوط صاروخ أطلق من اليمن فجر السبت (إ.ب.أ)

إسرائيل تدرس خياراتها في الرد على الحوثيين وتبدأ برسم «صورة استخباراتية»

تدرس إسرائيل خياراتها للرد على الهجمات الحوثية المتكررة ضدها، وآخرها صاروخ سقط أدى إلى أضرار وإصابات يوم السبت، لكنها تواجه عدة مشكلات، بعدّ الجبهة بعيدة.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية من أمام السفارة الإسرائيلية في استوكهولم (إ.ب.أ)

تقرير: إيران تجنّد أطفالاً لمهاجمة أهداف إسرائيلية في أوروبا

قالت وكالة «بلومبرغ» إن إيران تجنّد أطفالاً لمهاجمة أهداف إسرائيلية في أوروبا، في حين دفعت حرب إسرائيل ضد وكلاء طهران إلى تصعيد الهجمات ضد تل أبيب في القارة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية المفاعل النووي الإيراني في بوشهر بجنوب العاصمة الإيرانية طهران (أ.ب)

أنظار نتنياهو على إيران بعد «حماس» و«حزب الله» وسوريا

يتأهب نتنياهو لتوجيه كل الاهتمام لطموحات إيران النووية وبرنامجها الصاروخي، والتركيز على تفكيك وتحييد هذه التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن - تل أبيب)

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

نالت المستشفيات في جنوب لبنان، حصتها من الحرب الإسرائيلية، باستهدافات مباشرة وغير مباشرة. ومع دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، ها هي تحاول النهوض مجدداً رغم كل الصعوبات، بينما لا تزال مجموعة منها، لا سيّما الواقعة في القرى الحدودية، متوقفة عن العمل أو تعمل بأقسام محددة، وتحت الخطر.

مستشفى بنت جبيل

في بلدة بنت جبيل، عاد مستشفى صلاح غندور للعمل. ويقول مدير المستشفى الدكتور محمد سليمان: «فتحنا الأبواب في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار، بداية مع قسم الطوارئ، الذي استقبلنا فيه حالات عدّة، وقد جرى العمل على تجهيز الأقسام الأخرى، منها قسم العمليات، الذي بات جاهزاً، إضافة إلى قسمي المختبر والأشعة».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستتمّ إعادة فتح القسم الداخلي خلال أيام، أما العيادات الخارجية فتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تستقبل المرضى، وكذلك الصيدلية».

ويتحدَّث عن أضرار كبيرة أصابت المستشفى، قائلاً: «لكننا نعمل من أجل إصلاحها. قبل أن نُخلي المستشفى كان لدينا مخزون كافٍ من المستلزمات الطبية، وهو ما سهّل عملنا».

ومع استمرار الخروقات الإسرائيلية والمسيَّرات والطائرات الحربية التي لا تفارق الأجواء، يؤكد سليمان أن «المستشفى يعمل بشكل طبيعي، والأهم أن الطاقمين الطبي والإداري موجودان».

وكان المستشفى قد استُهدف بشكل مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي تسبّب بإصابة 3 أطباء و7 ممرضين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تمّ حينها الإخلاء، علماً بأن محيط المستشفى قُصف لمرات عدة قبل ذلك.

لكن مستشفى بنت جبيل الحكومي لم يفتح أبوابه، في حين استأنف مستشفى مرجعيون الحكومي استقبال المرضى اعتباراً من يوم الخميس، 5 ديسمبر (كانون الأول).

مستشفى ميس الجبل

«لم يُسمح لنا بالتوجه إلى ميس الجبل، لذا بقي المستشفى مقفلاً ولم نعاود فتح أبوابه»، يقول مدير الخدمات الطبّيّة في مستشفى ميس الجبل الحكومي، الدكتور حليم سعد، لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «يقع المستشفى على الحدود مباشرة، أُجبرنا على إقفال أبوابه بعد نحو أسبوع من بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد تمّ قصفه مرات عدة، ونحن حتّى يومنا هذا لم نتمكّن من العودة إليه»، وذلك نتيجة التهديدات الإسرائيلية المستمرة في هذه المنطقة ومنع الجيش الإسرائيلي الأهالي من العودة إلى عدد من القرى، ومنها ميس الجبل.

أما مستشفى تبنين الحكومي، فإنه صامد حتّى اليوم، بعدما كان يعمل وحيداً خلال الحرب، ليغطي المنطقة الحدودية هناك كلها، علماً بأنه استُهدف مرات عدة بغارات سقطت في محيط المستشفى، كما أصابت إحدى الغارات الإسرائيلية قسمَي العلاج الكيميائي والأطفال، وأخرجتهما عن الخدمة.

النبطية

من جهتها، عانت مستشفيات النبطية طوال فترة الحرب من القصف الكثيف والعنيف في المنطقة، والدليل على ذلك حجم الدمار الهائل في المدينة وجوارها؛ ما تسبب في ضغط كبير على المستشفيات هناك.

تقول مديرة مستشفى «النجدة الشعبية» في النبطية، الدكتورة منى أبو زيد، لـ«الشرق الأوسط»: «كأي حرب لها نتائج سلبية، أثرت بنا وعلينا، خصوصاً أننا في القطاع الصحي، نعيش أساساً تداعيات أزمات كثيرة، منذ قرابة 5 سنوات، منها جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والمالية؛ ما منعنا عن تطوير إمكاناتنا وتحسين الخدمات الطبية لمرضانا».

قوات إسرائيلية تتنقل بين المنازل المدمرة في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

أثر نفسي

وتتحدَّث الدكتورة منى أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» عن أمور أساسية مرتبطة بتداعيات الحرب. وتقول: «نقطتان أساسيتان، لا بد من التطرق إليهما عند الحديث عمّا أنتجته الحرب الإسرائيلية، الأولى: الوضع النفسي لجميع العاملين في المستشفى، الذين مكثوا داخله طوال فترة الحرب التي استمرّت 66 يوماً على لبنان. وفور انتهاء الحرب، وجد بعضهم منزله مدمراً وأصبحت عائلته دون سقف أو مأوى، وفقد آخرون أحباباً وأقارب لهم».

وعلى خلفية هذا الواقع، لا يزال كثير من الأطباء خارج المستشفى، لإعادة تنظيم حياتهم؛ ما تسبب بنقص في الكادر البشري داخل المستشفى، وفق ما تؤكد الدكتورة منى، التي اضطرت لدمج أقسام وتسكير أخرى.

وعن يوم إعلان وقف إطلاق النار، تروي الدكتورة منى كيف كان وقع عودة الأهالي إلى بلداتهم وقراهم: «استقبلنا 57 مريضاً في اليوم الأول، الغالبية منهم أُصيبت بوعكة صحية جراء رؤيتهم الدمار الذي حلّ بمنازلهم وممتلكاتهم».

معاناة متفاقمة

أما النقطة الثانية التي تطرّقت إليها، فإنها تتعلق بتبعات مالية للحرب أثرت سلباً على المستشفى، إذ «في الفترة الماضية تحوّلنا إلى مستشفى حرب، ولم يكن لدينا أيّ مدخول لتغطية تكلفة تشغيل المستشفى، ومنها رواتب الموظفين» حسبما تقول.

وتضيف: «لدي 200 موظف، وقد واجهنا عجزاً مالياً لن أتمكّن من تغطيته. نمرُّ بحالة استثنائية، استقبلنا جرحى الحرب وهذه التكلفة على عاتق وزارة الصحة التي ستقوم بتسديد الأموال في وقت لاحق وغير محدد، وإلى ذلك الحين، وقعنا في خسارة ولن يكون بمقدورنا تأمين كامل احتياجات الموظفين».

وعمّا آلت إليه أوضاع المستشفى راهناً، بعد الحرب، تقول: «فتحت الأقسام كلها أبوابها أمام المرضى؛ في الطوارئ وغرفة العناية وقسم الأطفال وغيرها».

وتؤكد: «رغم الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي أصابتنا بشكل غير مباشر، ونوعية الأسلحة المستخدَمة التي جلبت علينا الغبار من مسافات بعيدة، فإننا صمدنا في المستشفى حتّى انتهت الحرب التي لا تزال آثارها مستمرة».

صور

ولا تختلف حال المستشفيات في صور، عن باقي مستشفيات المنطقة، حيث طال القصف، وبشكل متكرر، محيط المستشفيات الخاصة الموجودة هناك، وهي 3 مستشفيات: حيرام، وجبل عامل، واللبناني الإيطالي، لكنها استمرّت في تقديم الخدمة الطبية، وكذلك المستشفى الحكومي، لكنه يعاني أيضاً كما مستشفيات لبنان بشكل عام ومستشفيات الجنوب بشكل خاص؛ نتيجة أزمات متلاحقة منذ أكثر من 5 أعوام.