مسيّرات «حزب الله»... رهانه في الحرب مع إسرائيل

تتحايل على الدفاعات الجوية وتنقسم إلى «استطلاعية» و«انقضاضية» و«قاذفة»

صورة نشرها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو
صورة نشرها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو
TT

مسيّرات «حزب الله»... رهانه في الحرب مع إسرائيل

صورة نشرها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو
صورة نشرها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو

تعد المسيّرات رهان «حزب الله» في الحرب مع إسرائيل، إذ لا تكمن أهميتها في إصابة أهدافها وحجم التدمير، بل بقدرة بعضها على الإفلات من رقابة الرادارات و«القبّة الحديدية»، بخلاف الصواريخ التي نجحت إسرائيل في التصدّي لقسم كبير منها وإسقاط معظمها قبل بلوغ الهدف، وفق ما يقول الجيش الإسرائيلي.

وأُحصيت منذ 17 سبتمبر (أيلول) وحتّى أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين 76 عمليّة إطلاق لأكثر من 170 مُسيّرة من مختلف الأنواع والأحجام، عبر بعضها حتى عمق وصل إلى 145 كيلومتراً بالضواحي الجنوبيّة لتل أبيب.

وأحصى الإعلام الإسرائيلي أكثر من 1200 طائرة مسيرة محملة بالمتفجرات توغلت داخل الأراضي الإسرائيلية منذ بدء هجوم «حزب الله» على الشمال في العام الماضي، ولا تزال المؤسسة الأمنية تواجه صعوبة في الرد على «التهديد القاتل».

«إنفوغراف» لأنواع المسيّرات التي يمتلكها «حزب الله» (إعداد الشرق الأوسط)

ويمتلك «حزب الله» أعداداً كبيرة من المسيّرات متعددة الأنواع والمهام. ويشير الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو، إلى أن «كل المسيّرات الموجودة لدى (حزب الله) إيرانية الصنع، وتطير لمسافات بعيدة جداً، ونُقلت إلى لبنان على شكل أجزاء، حيث جُمّعت وأُدخلت تعديلات عليها تتلاءم مع واقع المواجهة وقرب المسافة من إسرائيل».

ويوضح الحلو لـ«الشرق الأوسط» أن «(الحزب) لديه 3 أنواع من المسيّرات: الأولى استطلاعية وهي (الهدهد) صغيرة الحجم، ويبلغ طولها 3.5 متر وعرضها 5 أمتار، وهي قادرة على المناورة، وتحلّق على علوّ منخفض وتطير لنحو 100 كيلومتر، أي إنها قادرة على الوصول إلى تلّ أبيب، ومزودة بكاميرات للتصوير، وأجهزة لتخزين المعلومات، ويمكن برمجتها للتحليق فوق المواقع المنوي تصويرها والعودة إلى القاعدة التي انطلقت منها في لبنان، أو التحكّم فيها من داخل القاعدة وإدخال تعديلات على مهامها الاستطلاعية».

ويشير الحلو إلى ناحية مهمة وهي أن «طائرات الاستطلاع لها مطارات خاصّة لإطلاقها، وهناك مطاران لها: الأول في جزين (جنوب لبنان)، والآخر في الهرمل (البقاع الشمالي)، بالإضافة إلى مطارات مشابهة داخل سوريا، وهي طائرات مُدَوْلَبَة (لها عجلات)، وتحتاج إلى مدرج للإقلاع والهبوط».

مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون صورة لمسيّرات مع شعار «نحن القادرون» خلال إحياء ذكرى عاشوراء الشهر الماضي (أ.ب)

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ذكرت هذا الأسبوع أن كثيراً من الطائرات من دون طيار، خصوصاً تلك المخصصة لجمع المعلومات الاستخبارية، تمكنت من الوصول إلى حيفا دون عوائق، بل ووصلت أبعد من ذلك، دون أن ترصدها على الإطلاق أنظمة الإنذار خلال عبورها من لبنان. وأشارت الصحيفة إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي لم يحاول اعتراضها.

وتتوقع مراكز أبحاث إسرائيلية أن تكون «الهدهد»، التي استُخدمت أخيراً لرصد مواقع في إسرائيل، هي من الجيل الأحدث، وهي مسيّرة كهربائية، ولا تتضمن بصمة حرارية أو صوتية، وتبلغ سرعتها القصوى 70 كيلومتراً في الساعة، ولها القدرة على الإقلاع والهبوط العمودي دون الحاجة إلى مدرج، وتتميز بتقنيات تصوير عالية الجودة، مع قدرة البث المباشر للصور، ويصعب اكتشافها وتتبعها نظراً إلى صغر حجمها وقصر موجاتها الرادارية.

وسبق لـ«حزب الله» أن عرض مقاطع فيديو لطائرات «الهدهد» التي صوّرت مواقع استراتيجية في حيفا وتل أبيب وغيرهما، ووضعتها ضمن «بنك الأهداف» التي تتولّى المسيّرات الهجومية استهدافها.

«إنفوغراف» لأنواع المسيّرات الاستطلاعية التي يمتلكها «حزب الله»... (إعداد الشرق الأوسط)

مسيّرات «انقضاضية»

ويلفت العميد حلو إلى أن «النوع الثاني من المسيّرات هو (الانقضاضية) أو (الجوالة)، ويطلق عليها اسم (شاهد)، وهي تقلع بمحرّك نفّاث، وتحمل ما بين 30 و40 كيلوغراماً من المتفجرات، وتطير ببطء، وهذه ميزة مهمّة جداً تسهّل على مطلقها التحّكم فيها بما يسمح بتوجيهها إلى الهدف وضربه بدقّة».

القاذفة

أما المسيّرة الثالثة فهي «القاذفة»، وفق تقدير العميد الحلو، الذي يقول إنها «قادرة على حمل صواريخ عدّة، وتستطيع أن تطلقها وتعود إلى مقرها، ويمكن أن ترمي الصواريخ وتنقضّ في الوقت نفسه على الهدف وتنفجر من أجل إيقاع ضرر كبير بالموقع المستهدف، وهذه الطائرة هي التي أُطلقت على الثكنة الخاصة بـ(لواء غولاني) في حيفا، حيث أطلقت الصواريخ التي تحملها واحتفظت بصاروخ واحد انقضت به على الهدف».

صعوبة الاعتراض

ولا يجد سلاح الجوّ الإسرائيلي علاجاً ناجعاً حتى الآن لإيقاف خطر هذه المسيّرات. ويؤكد منسّق الحكومة اللبنانية السابق مع قوات الـ«يونيفيل» العميد منير شحادة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «سلاح المسيّرات تحوّل إلى معضلة كبيرة للإسرائيلي، خصوصاً بعد نجاح (حزب الله) في إصابة منزل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو محاولاً اغتياله، وعندما قصف (ثكنة غولاني) في حيفا وأوقع أكثر من 150 ضابطاً وجندياً بين قتيل وجريح، وهو أكبر خطر يواجه الكيان الإسرائيلي منذ إنشائه».

ويلفت شحادة إلى أن «محاولة اغتيال نتنياهو واستهداف (ثكنة غولاني) يثبتان أن المسيّرات التي يستخدمها (الحزب) منذ بداية الحرب حديثة ودقيقة وذات فاعلية».

«هدهد» و«شاهد»

لا معلومات دقيقة عن أسماء المسيّرات ونوعياتها؛ لأنها تعدّ من الأسرار وأوراق القوّة التي تربك الجانب الإسرائيلي. لكنّ النموذج الذي استُخدم منها يوفّر معطيات ولو محدودة عنها.

ويشير العميد شحادة إلى أن «(حزب الله) يستخدم طائرات استطلاعية مثل (هدهد) وطائرات إلهائية، وهي (درون) تُستخدم للتصوير، لكن بحجم أكبر، وهذه مهمتها شغل (القبة الحديدة) حتى تتمكن الطائرات الانقضاضية والصواريخ من تخطي (القبّة) والعبور نحو الهدف».

ويقول: «أهمية المسيّرة (شاهد 101) المصنّعة من مواد غير معدنية أنها تصعّب على الرادار رصدها. أما (شاهد 136) فهي طائرة انقضاضية تحمل صاروخين من نوع (سام5)، وقادرة على ضرب 3 أهداف، فتطلق صاروخاً على كلّ هدف، ويمكن أن تنقض هي على هدف ثالث، كما يمكن أن تضرب هدفاً واحداً لزيادة الأضرار. وهذه المسيرة مزودة بكاميرا تسمح لمشغلها بأن يتحكّم فيها من موقع إطلاقها وأن يختار الهدف المنوي ضربه».

وكانت «يديعوت أحرونوت»، قالت الشهر الماضي إن مسيّرة «حزب الله» التي هاجمت قاعدة «بنيامينا» الخاصة بـ«لواء غولاني» فى شمال إسرائيل أصابت هدفها بدقة، وإن المسيّرة هي على الأرجح من طراز «شاهد 107» التي تصنّع في إيران ويستخدمها «حزب الله» على نطاق واسع.

وأشارت الصحيفة إلى أنه يمكن برمجة مسار طيران المسيّرة لتغيير الارتفاع والاتجاه بشكل متكرر، مما يجعل من الصعب اكتشافها وتتبعها. ويبلغ مداها 100 كيلومتر، وهى صغيرة الحجم، ويعتمد اكتشافها على الحرارة المنبعثة من المحرك، ويصعب أيضاً رصدها عبر الوسائل البصرية.

«إنفوغراف» لأنواع المسيّرات الانقضاضية التي يمتلكها «حزب الله»... (إعداد الشرق الأوسط)

«شاهد 101» و«صياد 107»

وتحمل مسيّرة «شاهد 101» محركاً كهربائياً صامتاً، على حدّ تعبير العميد شحادة، الذي يلفت إلى أنها «لا تصدر صوتاً، وقادرة على حمل أكثر من 10 كيلوغرامات من المتفجرات، ويمكن استخدامها لضرب تجمعات عسكرية، والأهم أنها قادرة على تنفيذ اغتيالات واستهداف شخصيات محددة إذا توفرت معلومات دقيقة عن أماكن وجودهم». ويكشف شحادة عن مسيّرة جديدة تحمل اسم «صيّاد 107»، «وهي أيضاً مصنوعة من مواد غير معدنية، وتتميّز بوزنها الخفيف وقدرتها على التحليق لأكثر من 12 ساعة متواصلة، وهي المسيّرة نفسها التي عجز سلاح الجو الإسرائيلي عن رصدها في الأسبوع الماضي، وشكلت حالة خوف وإرباك كبيرة داخل إسرائيل».

اعتراض المسيّرات

خامنئي يستمع لشرح من قائد «الوحدة الصاروخية» في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده أمام نموذج لمسيّرة «شاهد 147» الانتحارية (موقع المرشد الإيراني)

ويؤكد الخبير العسكري العميد خليل الحلو أن «سلاح المسيّرات بات الأعلى أهمية وفاعلية في تحقيق الأهداف، ليس على مستوى الحرب ما بين إسرائيل و(حزب الله) فقط، بل حتى في الحرب الروسية - الأوكرانية»، لافتاً إلى أن أوكرانيا «تطلق يومياً عشرات المسيّرات على روسيا، ورصدت نحو ملياري دولار أميركي لإنشاء أكبر مصنع لإنتاج هذه المسيّرات».

ورغم تفوقها العسكري، فإن إسرائيل لا تجد حتى الآن حلاً للتخلّص من خطر مسيّرات «حزب الله». ويلاحظ العميد منير شحادة أن «(القبة الحديدية) تتحمل عبئاً كبيراً؛ إذ تضطر إلى استخدام صاروخ يقدر ثمنه بعشرات آلاف الدولارات لإسقاط مسيّرة مصنوعة بتكلفة تقدر بمئات الدولارات، ويمكن الاضطرار إلى تحليق طائرة (إف16) من أجل إسقاطها». ويقول: «يجري الحديث حالياً عن سلاحين سوف تستخدمهما إسرائيل، هما: رشاش (الفولكان) الذي يطلق 6 آلاف طلقة في الدقيقة، لكن المشكلة ما زالت في صعوبة كشف المسيّرات. أما الثاني فهو سلاح (الليزر)، وهو من صناعة كوريا الجنوبية، لكن لم تثبت فاعليته بشكل كافٍ؛ لأنه يفقد تأثيره في الطقس المتقلّب ومع تكون الغيوم».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي صورة ملتقطة خلال جولة إعلامية نظمها المكتب الإعلامي لجماعة «حزب الله» في 5 نوفمبر 2024 تظهر سيارة متضررة وسط أنقاض مبنى مدمر في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت الأسبوع الماضي حي الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

غارات إسرائيلية تستهدف مناطق في جنوب لبنان وشرقه

أغار الطيران الحربي الإسرائيلي، ظهر وعصر الثلاثاء، على عدد من المناطق في جنوب لبنان وعلى بلدة حوش الرافقة في البقاع شرق لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قافلة لـ«الصليب الأحمر» و«اليونيفيل» في أثناء توجهها إلى وطى الخيام (متداول)

انتشال جثامين 12 مدنياً قتلوا قبل أسبوع في بلدة الخيام اللبنانية

انتشل مسعفون ينتمون لـ«الصليب الأحمر الدولي» و«اللبناني»، بمؤازرة قوات «اليونيفيل»، جثث اللبنانيين العالقة تحت ركام مبنى في منطقة وطى الخيام.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يشير إلى منزل تعرض لأضرار نتيجة صواريخ «حزب الله» في المطلة (أ.ف.ب)

إشارات إسرائيلية متضاربة حول تقليص العملية العسكرية البرية في جنوب لبنان

ترسل إسرائيل إشارات متناقضة حول العمليات العسكرية في جنوب لبنان؛ إذ تتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن تقليص العمليات في الأسبوعين الأخيرين وسحب فرقتين من أصل أربع.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

عائدون إلى الضاحية: ملجأنا الشاطئ ونفضل الموت في بيوتنا

بعد شهر على إقامة عائلة حمود في منزل مستأجر بجبل لبنان، قررت العودة إلى الضاحية التي يسودها الهدوء الحذر في الأيام الأخيرة، بعدما كانت قد تعرضت للقصف قبل أيام.

كارولين عاكوم (بيروت)

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

تعيش ن. حمود وعائلتها على وقع الإنذارات التي تطلقها إسرائيل إلى سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما قرّرت العودة إلى منزلها في منطقة الغبيري التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بين الحين والآخر، «نفضّل أن نموت في بيتنا ولا نتعرض للذل خارجه».

بهذه الكلمات تعبّر الفتاة العشرينية عن وضعها ووضع عائلاتها التي باتت حياتها وحياة من قرّر العودة إلى الضاحية رغم الخطر، مبرمجة على وقع حساب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي اعتاد أن ينذر الضاحية عبر منصة «إكس»، ويحدد الأبنية المستهدفة قبل قصفها بوقت قصير، مؤكدة أن هناك الكثير من العائلات التي أجبرتها الظروف على اتخاذ هذا القرار بحيث تهرب بعد الإنذارات ومن ثم تعود إلى منازلها.

وإذا كان البعض عاد إلى الضاحية لأسباب مرتبطة بالأوضاع المادية، وعدم القدرة على دفع بدل الإيجار المرتفع أو توفر مكان آمن له، فإن عائلة حمود عادت «لأسباب مرتبطة بالتضييق علينا ولا سيما على إخوتي الشباب، في المنطقة التي لجأنا إليها، في جبل لبنان حيث باتوا يدققون في هوية الأشخاص الذين يأتون إلينا، كما عند خروج إخوتي ودخولهم».

وأتى هذا التضييق بعد التفجيرات التي استهدفت أشخاصاً محسوبين على «حزب الله» في مناطق خارج الضاحية والجنوب والبقاع، والتي تعدّ في معظمها مناطق آمنة، وهو ما أدى إلى حالة من القلق والخوف في أوساط المجتمعات المضيفة انعكست سلباً على وجود النازحين.

وفي ظل هذا الواقع، وبعد شهر على إقامة عائلة حمود في منزل مستأجر في جبل لبنان، قررت العودة إلى الضاحية التي يسود فيها الهدوء الحذر في الأيام الأخيرة، بعدما كانت قد تعرضت للقصف قبل خمسة أيام.

تتحدث نور عبر الهاتف وصوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا يغادر أجواء الضاحية، وتقول: «عدنا قبل عشرة أيام. نظفنا منزلنا بعدما أحضرنا ما تيسّر من السوق؛ كي لا نضطر للدخول والخروج كثيراً، وجهّزنا حقائب صغيرة تحتوي على بعض الأغراض الأساسية، وننتظر الإنذارات الإسرائيلية كي نخرج من الضاحية». المكان الآمن بالنسبة إلى نور وعائلتها اليوم بات شاطئ البحر، «بعد الإنذارات الإسرائيلية نذهب إلى الشاطئ، ننتظر انتهاء القصف، ومن ثم نعود إلى بيتنا على أمل أن يبقى صامداً ليبقى ملجأنا».

وعند سؤال نور عن الشعور بالخوف الذي يعيشونه اليوم في منطقة باتت شبه مدمرة وهدفاً دائماً للقصف الإسرائيلي، تقول: «نحن شعب لا نخاف، نؤمن أنه من الأفضل أن نموت في بيوتنا ولا نتعرض للذل... وما كتب لنا سيحصل... إما أن ننتصر ونحن على يقين بذلك، وإما أن تنتهي الحرب ونكون من الشهداء».

وبانتظار توقف آلة الحرب وانكشاف الصورة الحقيقية للحرب المدمرة، تشير التقديرات وفق الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، إلى أن هناك 240 مبنى مدمراً في الضاحية الجنوبية لبيروت، و360 مبنى تعرضت لدمار جزئي أي نحو 12 ألف وحدة سكنية، كعدد إجمالي، وهي تتوزع بشكل أساسي بين حارة حريك والليلكي والجاموس والغبيري.

وإذا كانت عائلة حمود قادرة على دفع إيجار منزل، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون قدرة الكثير من العائلات على إيجاد أماكن آمنة للجوء إليها، أدت أيضاً إلى عودة بعض العائلات، فيما تفكّر عائلات أخرى بالعودة كذلك إذا لم تجد مأوى.

وهذا ما تعبّر عنه، أم محمد، التي طلب منها وعدد من العائلات الخروج من مدرسة في بيروت كانت قد لجأت إليها مع عائلتها، بعدما اتُّخذ قرار بإعادة فتح المدارس للتعليم، وطلب منهم المغادرة يوم الخميس كحد أقصى. وفي حين تؤكد أن مدير المدرسة الخاصة الذي استقبلهم في منطقة عين الرمانة، منذ بدء الحرب قام بكل ما يلزم لمساعدتهم وقدم لهم كل التسهيلات اللازمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكن اليوم اتخذ القرار وفرضت علينا المغادرة، والمشكلة أننا لا نجد مكاناً نذهب إليه، وإذا بقي الوضع كذلك، فسنعود أنا وولدي وزوجي المريض إلى الشياح، في ضاحية بيروت الجنوبية، كما فعل الكثير من العائلات».

مواطن وعائلته على متن «توك توك» في ضاحية بيروت الجنوبية بعد وقت قصير من تعرضها لقصف إسرائيلي في بداية شهر نوفمبر (أ.ب)

والأسباب نفسها، جعلت من فاطمة تتخذ قرار العودة أيضاً إلى الضاحية الجنوبية، مع أطفالها الثلاثة، رغم خطر القصف الدائم، وذلك بعدما ضاق البيت الذي كانت تسكن فيه مع أقارب لها بسكانه، ونشأت الخلافات فيما بينهم، فما كان لها إلا حمل أغراضها والعودة إلى منزلها وما تبقى من المنطقة التي نشأ أولادها فيها، «على أمل أن ينتهي هذا الكابوس قريباً».

أما من لا يزال صامداً في أماكن النزوح التي لجأ إليها، وبقيت جدران منزله في الضاحية بعيدة عن القصف، فهو يزورها بين اليوم والآخر في فترة الهدوء، ليطمئن عليه ويحمل ما تيسّر له من الأغراض له ولعائلته، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء والمؤشرات التي تجعل الجميع شبه مقتنع أن أيام الحرب ستكون طويلة.

مع العلم أن معظم سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، يتحدرون من منطقتي الجنوب والبقاع، اللتين تتعرضان بدورهما إلى قصف إسرائيلي متواصل وتدمير ممنهج، ما يمنع العودة إليهما أيضاً، وهو ما عاد وحذّر منه أدرعي، الثلاثاء، متوجهاً إلى أهالي الجنوب مذكراً إياهم بأن الحرب لا تزال مستمرة: «نناشدكم بالامتناع عن السفر جنوباً والعودة إلى منازلكم أو إلى حقول الزيتون الخاصة بكم».

مناصر لـ«حزب الله» يجول بين ركام ناتج من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية (أ.ب)