لم تقتصر الأجواء الساخنة على الجبهات في لبنان؛ إذ بات الإعلام اللبناني جزءاً من المواجهة في ضوء اتجاه «حزب الله» وحلفائه إلى مهاجمة بعض وسائل الإعلام اللبنانية على خلفية عدم رضاه عن أسلوبها في التغطية، وصولاً إلى إطلاق حملات تخوين بحقها، كما حصل مع محطة «إم تي في» المعروفة بمعارضتها للحزب والتعرض لمراسلين خلال بعض التغطيات الميدانية.
وخصص مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف جزءاً من مؤتمرين صحافيين عقدهما منذ بداية الحرب الموسعة لانتقاد الإعلام، لافتاً إلى أن «ثمة وسائل إعلام محلية تنشر أخبار العدو في إطار الحرب النفسية ضد المقاومة وشعبها وحلفائها». وحض عفيف وزراء العدل والإعلام والمجلس الوطني للإعلام للتدخل ومحاسبة هؤلاء، ما خلق بلبلة واسعة، خصوصاً بعد رد عنيف من تلفزيون «إم تي في» الذي نال حصة الأسد من الاتهامات على خلفية تقرير بثه عن جمعية مؤسسة «القرض الحسن»، عدّه أنصار الحزب مساهمة في الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت الجمعية لاحقاً، وسرعان ما ردت القناة برفع دعوى قانونية إلى المحاكم اللبنانية.
وتقدّم وكيل قناة MTV المحامي مارك حبقة، الأسبوع الماضي، بدعوى ضدّ «المتطاولين على القناة»، وقال إنه تريّث قبل تقديم الدعوى «في ظل ظروف الحرب»، لكن «عندما باتت الأمور في إطار هدر دم رئيس مجلس إدارة القناة ميشال المر والعاملين فيها، كان لا بدّ من رفع الملف إلى القضاء، ولدينا ثقة كاملة به».
وأضاف: «على وزير الإعلام أن يكون أكثر حرصاً على الإعلاميين، وأن يتحرّك بعدما تمّ هدر دم كلّ من يعمل في MTV عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولدينا كلّ الأدلة على ذلك، وسلّمناها إلى القضاء»، وذلك بعد مؤتمر صحافي عقده وزير الإعلام زياد مكاري، السبت.
وزير الإعلام
ودعا الوزير مكاري إلى «تفادي الانجرار وراء الأخبار الكاذبة التي تنشرها إسرائيل، وعدم التفاعل معها على مواقع التواصل الاجتماعي». وشدد في مؤتمر صحافي عقده في وزارة الإعلام على «عدم الانجرار وراء تحويل رسالتنا الإعلامية محل خطر للنازحين، والتحقق من جرائم العدو وأرشفتها لمقاضاة الاحتلال»، مشيراً إلى أن «استشهاد الزملاء الصحافيين دليل على أن العدو لا أمان له». وقال: «سيكون لدينا فريق وغرفة في وزارة الإعلام لرصد كل الأخبار الزائفة وكشفها».
وتابع: «الإعلامُ ليس مسؤولاً عن الحربِ القائمةِ اليومَ في لبنان. ولكنْ، عن قصدٍ أو عن غير قصد، يُمكنُ أن يُضفيَ الإعلامُ شرعيةً على هذه الحربِ ويُسهّلَ مَهمّةَ العدوِّ الداخلية. وشدد على «الامتناع عن الردِّ أو التواصُلِ مَعَ حساباتِ الإعلامِ الإسرائيليّ أو التفاعلِ معها»، و«الحَذَر من التعامُلِ مَعَ إعلامِ العدوِّ بصفَتِهِ مصدراً موثوقاً به».
عقيقي: نحن جسم واحد
ويعزل الصحافيون في المحطات تلك التباينات مع القوى السياسية عن العمل المشترك في التغطية. وتقول المراسلة في «إم تي في»، جويس عقيقي: «إننا كزملاء جسم واحد، ولا فرق بين مراسل من محطّة (MTV) ومراسل في محطّة (المنار) أو (الميادين) مثلاً»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أنه لكل منا رأي سياسيّ مغاير، فإننا كنا ولا نزال موحدين أولاً على حب لبنان، وثانياً في وجه عدو واحد هو العدو الإسرائيلي الذي ينتهك كل القوانين الدولية والعالم يتفرّج». وتضيف: «زملاؤنا استهدفوا واغتيلوا وهم نيام، فبأي شرعة يحق للعدو أن يغتال صحافيين ومدنيين؟».
وتشير إلى أن كل محطة «لها الحرية برسالتها وبرأيها السياسي، وإذا لم يعد لدينا رأي حرّ، فلنذهب إلى دول أخرى ديكتاتورية، أو نسير بسياسة كمّ الأفواه». وتضيف: «نحن نتغنّى بسقف حرية عال جدّاً في لبنان، ولكننا متّفقون على أن لدينا عدوّاً واحداً، وأن من يسقط على أرض الوطن هو شهيد».
نقيب محرّري الصحافة
وفي ظل التباينات والخلافات، يؤكد نقيب محرري الصحافة جوزيف قصّيفي لـ«الشرق الأوسط» أنه يتّفق في نقاط عدّة مع وزير الإعلام لجهة التنبه من تبني الصحافيين والإعلاميين أخباراً كاذبة. وفي هذا الوقت العصيب الذي يمر به لبنان، يرى قصيفي أن «وسائل الإعلام يجب أن تبتعد عن كل ما يثير النعرات ويزيد الأمور تأزّماً ويهدّد السلم الأهلي»، موضحاً أن «هذا لا يعني أن تتخلى هذه الوسائل عن خطّها السياسي ورأيها فيما يجري وحقّها في ممارسة الديمقراطية، لكن ينبغي أن تتحصّن بالوعي وتتمتّع بالحد الأقصى من المسؤولية الوطنية؛ لأن أول الحرب كلام».
وتابع قصّيفي بالقول: «في هذه الأحوال لا بد لمحطات التلفزة والإذاعة من ممارسة عملها بحرية، ولكن بحسّ واطني يحرص على الاستقرار العام ويرفض استفزاز المشاعر».
ويرى نقيب المحرّرين أن المحطّات ليست وحدها المسؤولة عن هذا الأمر، بل يشاركها في ذلك من تستضيف من السياسيين والمحللين والصحافيين لجهة ترشيد الخطاب. ولفت إلى أنه «باستطاعة هؤلاء أن يعبّروا عن آرائهم بكل حرية وجرأة، ولكن بأسلوب رصين ومنطقي يبتعد عن الإثارة والتحريض، وهنا تكمن مسؤولية الزميلات والزملاء في إدارة الحوار وتوجيهه نحو الخواتيم التي تضمن إبداء الرأي كاملاً وبصراحة، من دون أن يؤدي ذلك إلى اشتباك وتشابك إعلامي يزيد التوترات والشروخ في الشارع، ويغذي الأحقاد».
ميثاق شرف إعلامي
وكشف قصيّفي عن أنه جرت في الماضي محاولات لوضع ميثاق شرف عصري يضبط اللّغة الإعلامية ويحدّد المسموح والمحظور، ضماناً لسلامة المهنة وشفافيتها، «وعلى الرغم من الوصول إلى صيغ متقدمة، فإن الأمور ظلّت على ما هي عليه من فوضى، واستمرّ خطاب التخوين المتبادل، ولم تسقط المتاريس المنتصبة بين وسائل الإعلام من دون أن تلقي الأخيرة بالاً للمحاولات الأممية والرسمية والنقابية التي سعت إلى وضع مدوّنة سلوك لنبذ خطاب الكراهية والالتزام بالحدود التي تفرضها أدبيات المهنة».