لبنانيون يحاولون البقاء في قراهم بالجنوب تحت قصف إسرائيلي مدمّر

جنديان لبنانيان قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت حارة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنديان لبنانيان قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت حارة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون يحاولون البقاء في قراهم بالجنوب تحت قصف إسرائيلي مدمّر

جنديان لبنانيان قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت حارة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنديان لبنانيان قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت حارة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

رفض راعي الماشية، خير الله يعقوب، مغادرة جنوب لبنان، بعد مرور أكثر من سنة على بدء تبادل القصف عبر الحدود بين «حزب الله» وإسرائيل، لكن مع تحوّل التصعيد إلى حرب مفتوحة، الشهر الماضي، اضطر للمغادرة، بعدما علق مع 4 أشخاص آخرين في قريته الحدودية التي استحالت خراباً.

كان يعقوب بين مجموعة صغيرة من سكان القرى في جنوب لبنان الذين سعوا للبقاء في منازلهم رغم القصف الإسرائيلي والدمار الكبير. لم يغادر قريته حولا إلا بعدما أُصيب بشظية، وفقد نصف بقراته الـ16 في غارات إسرائيلية.

الدخان يتصاعد من جراء غارات إسرائيلية استهدفت بلدة الخيام جنوب لبنان (أ.ف.ب)

في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، تمكّن جنود تابعون لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) من إنقاذ 3 من آخر 5 أشخاص كانوا لا يزالون في حولا، بمن فيهم يعقوب، في ظل قصف مستمر وطرق تضيق بالركام.

وتعذّر الوصول إلى الشخصين الآخرين، إذ إنّهما لا يملكان هاتفاً جوالاً يمكن معرفة مكانهما عن طريقه.

ويقول يعقوب البالغ 55 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنتُ أريد أن أبقى مع الأبقار، مصدر رزقي، لكن في النهاية غادرت وتركتها، لأنني أصبت».

مع تعذّر وصوله إلى مستشفى، اضطُرّ إلى إزالة الشظية بنفسه باستخدام سكّين، كما عالج جرحه مستخدماً الأعشاب والزيت والملح.

ويتابع: «كان من الصعب الخروج من البيت، لأنّ الطيران يحلّق بشكل دائم في الأجواء».

يمضي يعقوب أيامه حالياً وهو يحلم بالعودة إلى قريته، بعدما نزح إلى منطقة شمال بيروت، في أعقاب يومين أمضاهما في العاصمة.

ويقول: «عندما وصلت إلى بيروت قلت: (ليتني متّ في حولا ولم آتِ)»، متابعاً: «إذا أعلنوا وقفاً لإطلاق النار، فسأعود إلى حولا في الليلة نفسها. ترعرعت وكبرت في حولا... أنا متعلّق جداً بها».

لقطة عامة للدمار في مدينة النبطية جنوب لبنان بعد أن شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة أدت إلى تدمير جزء كبير من السوق القديمة في المدينة والمباني البلدية (د.ب.أ)

في 23 سبتمبر (أيلول)، بدأت إسرائيل حملة جوية في لبنان تستهدف خصوصاً معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، بعد نحو عام على بدء تبادلها القصف عبر الحدود مع «حزب الله»، عقب اندلاع الحرب في قطاع غزة.

وقتل مُذاك 1829 شخصاً على الأقل، وفق حصيلة أعدتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، بناء على بيانات وزارة الصحة. كذلك نزح 1.3 مليون شخص من منازلهم، أكثر من 800 ألف منهم داخل لبنان، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

مع ذلك، رفض بعض القرويين الذين عاشوا في الماضي، في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي (1982 - 2000)، مغادرة منازلهم، وتمسّكوا بالبقاء في قراهم خشية ألا يروها مجدداً.

في 22 أكتوبر، قامت قوة «اليونيفيل» بإجلاء شقيقتين مسنتَيْن، هما من آخر سكان قرية القوزح التي تشهد معارك عنيفة، إلى بلدة رميش المسيحية المجاورة.

قافلة لـ«يونيفيل» تمرّ بجانب جندي لبناني في مرجعيون بالجنوب الثلاثاء (رويترز)

فقد بقيت المناطق ذات الغالبية المسيحية والدرزية القريبة من الحدود آمنة نسبياً، في وقت تستهدف إسرائيل غالباً المناطق ذات الغالبية الشيعية المحسوبة على «حزب الله».

وتواصلت «وكالة الصحافة الفرنسية»، مع نحو 6 رؤساء بلديات، في قرى تقع بين بلدتي الناقورة الساحلية بالقرب من الحدود وقانا التي تبعد عنها نحو 20 كيلومتراً. وقال هؤلاء إنّ القرى والبلدات باتت خالية تماماً.

لكن على بُعد كيلومترات قليلة شمال قانا، رفض أبو فادي (80 عاماً) مغادرة بلدة طير دبا التي قصفتها إسرائيل مراراً.

ويقول الشرطي المتقاعد الذي عمل في إحدى بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت، وبات لديه كشك لبيع القهوة، في ظل شجرة زيتون: «منذ عام 1978، وفي كلّ غزو أعود إلى القرية... أحضّر النرجيلة، وأجلس في مكاني غير خائف».

ويضيف أنّ نحو 5 آلاف شخص كانوا يعيشون في القرية الواقعة شرق مدينة صور، ولكن «الآن، لم يبقَ منهم سوى عشرات». ويتابع: «ليس هناك شارع في القرية لم يشهد خراباً... هناك نحو 10 منازل في حيّنا تضرّرت، وباتت غالبيتها على الأرض».

ويصرّ أبو فادي على أنّه لن يغادر ويقول: «منذ زمن، أنا متعلّق بالبيت والأرض. أنا إنسان وطني».

لكنه يؤكد أنّه «شعر بالارتياح»، لأنّ أبناءه التسعة وأحفاده الستين ليسوا في القرية، علماً بأنهم يحاولون إقناعه بالمغادرة.

غير أنّ القنابل لا تشكّل الخطر الوحيد على سكان الجنوب.

في الأسابيع الأخيرة، اعتقل الجيش الإسرائيلي رجلاً وراهبة في قريتين حدوديتين ثمّ أطلق سراحهما، وفق ما أفاد به مصدر أمني.

أحدهما إيهاب سرحان، وهو في الستينات. كان يعيش مع قطته وكلابه في كفركلا، إلى أن دخلت القوات الإسرائيلية القرية واعتقلته.

ويقول سرحان: «كان الأمر مخيفاً، لكنني لم أتعرّض للتعذيب».

أُطلق سراحه بعد نحو 10 أيام، ثم استجوبه الجيش اللبناني مجدداً.

رجال الإنقاذ من الدفاع المدني يبحثون عن ناجين في موقع غارة جوية إسرائيلية على قرية حارة صيدا بالقرب من مدينة صيدا جنوب لبنان في 29 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

وأدى القصف إلى تدمير سيارته ما جعله عالقا من دون كهرباء أو مياه أو اتصالات أو إنترنت، بينما تحوّلت قريته ساحة معركة. ويضيف: «كنت عنيداً، لم أرد أن أترك بيتي».

ويشير إلى أنّ والده الراحل كان يحلم دائماً بأن يمضي شيخوخته في القرية، لكنه توفي قبل نهاية الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، عام 2000. ولم يتمكّن من العودة إلى كفركلا.

ودُمّر بيت العائلة في الحرب الحالية.

ويقول سرحان: «لا أدري ماذا حصل لحيواناتي... لم يبقَ أي بيت قائماً في كفركلا».


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت من أن لبنان بات «على شفير الانهيار» بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من المباني بعد قصف سابق على حمص (أرشيفية - رويترز)

هجوم إسرائيلي يستهدف معبراً بريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية

ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، السبت، أن الطائرات الإسرائيلية شنّت هجوماً استهدف معبر جوسية بمنطقة القصير في ريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)
عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)
TT

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)
عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أن حصيلة الضحايا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق مختلفة في البلاد ارتفعت إلى 3670 قتيلاً، و15413 مصاباً.

وقالت الصحة اللبنانية في بيان، اليوم السبت، إن «الغارات الإسرائيلية المتواصلة على مختلف المناطق اللبنانية تسببت بمقتل 3670 شخصاً وإصابة 15413 آخرين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية»، وفقاً للوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.

فرق الإنقاذ تبحث تحت أنقاض مبنى مدمر بعد غارات إسرائيلية على منطقة سكنية في حي البسطة بوسط بيروت (إ.ب.أ)

ولفت البيان إلى أن حصيلة الغارات الإسرائيلية على مختلف المناطق اللبنانية أسفرت عن مقتل 25 شخصاً، وإصابة 58 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة خلال الساعات الـ24 الماضية.

يذكر أن الطائرات الحربية الإسرائيلية بدأت منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي بشن سلسلة واسعة من الغارات لا تزال مستمرة حتى الساعة، استهدفت العديد من المناطق في جنوب لبنان والبقاع شرق لبنان والعاصمة بيروت والضاحية الجنوبية لبيروت وجبل لبنان وشمال لبنان.

وبدأ الجيش الإسرائيلي في أول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عملية عسكرية برية مركزة في جنوب لبنان.

وطالت الغارات الإسرائيلية منازل المواطنين والمنشئات المدنية والصحية والطرقات، ومراكز للجيش اللبناني والقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل».