السوريون مطوقون بالقلق من كل شيء

أبرز مصادره رفع الأسعار وامتداد الحرب إلى بلادهم

سوق بيع الجملة في منطقة الزبلطاني شرق دمشق (الشرق الأوسط)
سوق بيع الجملة في منطقة الزبلطاني شرق دمشق (الشرق الأوسط)
TT

السوريون مطوقون بالقلق من كل شيء

سوق بيع الجملة في منطقة الزبلطاني شرق دمشق (الشرق الأوسط)
سوق بيع الجملة في منطقة الزبلطاني شرق دمشق (الشرق الأوسط)

السوريون مطوّقون من كل جانب داخل سوريا، بالمخاوف والقلق من أن تمتد الحرب في لبنان إلى بلادهم، ويزيد الاستهداف الإسرائيلي لمدنهم وقراهم، أو أن تصدر الحكومة الجديدة قرارات برفع أسعار الوقود، فتختفي السلع أو يصعب الحصول عليها وعلى التدفئة.

وكانت الحكومة قد وافقت خلال جلستها، الثلاثاء الماضي، على زيادة سعر لتر المازوت المدعوم الموزع على القطاع الزراعي من ألفي ليرة سورية إلى 5 آلاف، وزيادة سعر اللتر الموزع على المنشآت الصناعية الزراعية، من 8 آلاف ليرة إلى سعر التكلفة، الذي تقول الحكومة إنه وصل إلى 11183 ليرة.

جلسة مجلس الوزراء السوري الثلاثاء الماضي (الحكومة السورية)

وفي تصريحات للتلفزيون السوري، أكّد وزير النفط والثروة المعدنية، فراس قدور، أن «الحكومة درست بدقة عدم التأثير الكبير للسعر الجديد على أسعار المنتجات الزراعية».

لكن تاجر جملة لبيع الخضار والفاكهة بمنطقة الزبلطاني، شرق دمشق، يرجح أن يؤدي القرار إلى مزيد من التضخم في الأسعار، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في الأصل تكاليف الإنتاج مرتفعة، وهذا القرار يسهم في زيادتها، والفلاح يعاني كثيراً حتى يحصد إنتاجه، وبالتالي لن يقبل إلا بربح مقنع».

عصب الزراعة

يوضح مزارع من مدينة إنخل بمحافظة درعا، أن «المازوت عصب الزراعة»، فمن دونه لا يمكن حراثة الأرض وسقيها ونقل البضائع، وكلما ارتفع «سعره» زادت علينا التكاليف. ويؤكد أن ارتفاع سعر المازوت سيزيد من أسعار الخضار والفاكهة، «ولن نقبل أن تكون زيادة أسعار المازوت على حسابنا فقط، لتكن على حساب الحكومة، فهي التي ترفع الأسعار».

حصاد القمح في درعا (فيسبوك)

وفي الأسواق، يشهد المرء تناقضاً صارخاً بين الأسعار والقدرة الشرائية شبه المعدومة لدى لمواطنين، إذ يبلغ سعر الكيلو الجيد من البطاط 15 ألف ليرة، والفاصولياء الخضراء 25 ألفاً، والكوسا 10 آلاف، والعنب 20 ألفاً.

وأمام هذه الهوة الكبيرة بين الأسعار والقدرة الشرائية للمواطنين، تجد أغلبية الأسر نفسها عاجزة عن شراء أبسط الأصناف، لذا تتجه إلى الأصناف الرديئة الأرخص. يقول رجل خمسيني في سوق، جنوب دمشق، بعد شرائه 3 كيلوغرامات من التفاح التالف: «لن نريه للأولاد (هكذا). سنعمل على تنظيفه وتقطيعه ثم نقدمه لهم».

يذكر أن متوسط تكاليف المعيشة في الشهر لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد، قفز في النصف الأول من العام الحالي، إلى أكثر من 13 مليون ليرة، بينما بقي الحد الأدنى للأجور ثابتاً عند 278 ألفاً و910 ليرات (أقل من 19 دولاراً شهرياً). وذلك وفقاً لـصحيفة «قاسيون» المحلية.

من سيئ إلى أسوأ

في ظل الشحّ الكبير في توفر المحروقات، وتجدد أزمة النقل العامة بشكل غير مسبوق منذ أكثر شهرين، بسبب عدم تزويد حافلات النقل الخاصة بكامل مخصصاتها من الوقود، نقلت وسائل إعلام رسمية عن رئيس مجلس الوزراء محمد الجلالي، قوله الثلاثاء: «المشكلة الحقيقية فيما يخص ملف النقل الجماعي، تكمن في كيفية تسعير المشتقات النفطية التي تخلق أسواقاً موازية للاتجار بها تفوق الأرباح الناتجة عن القيام بخدمات النقل».

وبينما فسّر البعض كلام الجلالي، أنه تلميح إلى نية الحكومة رفع أسعار المحروقات المخصصة لوسائل النقل، عدّه آخرون تمهيداً لرفع أسعارها بشكل عام من جديد.

ندرة سيارات الأجرة العاملة بسبب شح الوقود وارتفاع التكلفة (مواقع)

ويشكو أغلبية المواطنين من معاناة مريرة جراء أزمة النقل، ويقول موظف: «بدلاً من تحسين أوضاعنا، هذه الحكومة كسابقاتها تسير بنا من سيئ إلى أسوأ». ويضيف: «معقول أن أدفع كل مرتبي أجور نقل».

الازدحام على فرن منطقة الزاهرة في جنوب دمشق (الشرق الأوسط)

تمهيد للخبز

وأصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في 24 الحالي تعميماً موجهاً إلى مديريات الوزارة في المحافظات، يتضمن حجب الدعم عن الغاز ومازوت التدفئة والخبز، للمستفيدين الأجانب حاملي البطاقات العائلية الإلكترونية، بحيث يتم بيع ربطة الخبز الواحدة بسعر 9 آلاف ليرة اعتباراً من أول نوفمبر (تشرين الثاني).

صحيفة «قاسيون» علّقت على التعميم، بالقول: «المشكلة باعتماد هذا السعر الجديد المرتفع للخبز هي أن العتبة السعرية الجديدة ستكون مهمازاً لزيادة سعر ربطة الخبز (7 أرغفة) في السوق السوداء، ما يعني مزيداً من الأعباء المادية على المضطرين للجوء إلى هذه السوق لتغطية احتياجاتهم من الخبز، باعتبار أن المستحقات بموجب البطاقة الإلكترونية المخصصة للسوريين ومن في حكمهم، مسقوفة بواقع 3 أرغفة لكل فرد يومياً».

تجدر الإشارة إلى أن أول قرارات الحكومة الجديدة، الذي صدر في الثاني من الشهر الحالي، كان رفع سعر لتر مازوت التدفئة للعائلات إلى 5 آلاف ليرة، بعد أن كان بألفي ليرة، ما يعني أن ثمن الدفعة البالغة 50 لتراً أصبح يلتهم مرتب شهر كامل.

مصادر متعددة للقلق

القلق الذي يعم أوساط المواطنين لا يقتصر على جانب واحد، وبحسب «م.ن» الذي يقيم في ضاحية قدسيا بدمشق: «أي مرض بسيط أصبح مصدر قلق لارتفاع أسعار الدواء والمعاينات، وذهاب بنتي للجامعة بسبب أزمة النقل، وشراء الخبز بسبب الازدحام». في حين يؤكد أحد سكان حي المزة، وسط دمشق، أن الخوف من الصواريخ الإسرائيلية التي قد تسقط في أي لحظة مستهدفةً قيادياً من «حزب الله» أو «الحرس الثوري الإيراني» لا يفارق السكان.

الجيش الإسرائيلي استهدف سيارة شرق خان أرنبة في القنيطرة على طريق دمشق (أ.ف.ب)

في هذا السياق، يبدي سكان في محافظة القنيطرة، جنوب غربي سوريا، مخاوف من قيام إسرائيل بتوغل عميق في قراهم الملاصقة للمنطقة العازلة المحاذية لخطّ وقف إطلاق النار في الجولان.

أحد سكان قرية الحرية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يتوغلون في المنطقة العازلة وقصفهم لا يتوقف، ومن غير المستبعد أن يتوغلوا بشكل أعمق بحجة وجود الميليشيات و(حزب الله)». يضيف الرجل، الذي سبق أن نزح عام 2012 من منطقة الحجر الأسود بريف دمشق، إلى قرية الحرية بعد سيطرة الفصائل المسلحة عليها آنذاك: «لم يبقَ لنا منزل ننزح إليه، إن اضطررنا للنزوح من هنا، بعد أن تدمر منزلنا في الحجر الأسود».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

المشرق العربي دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

نفّذت القوات الأسرائيلية أوسع اختراق بري داخل العمق اللبناني، منذ بدء الحرب، بوصولها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس، وفصل النبطية عن مرجعيون.

نذير رضا (بيروت)
شؤون إقليمية تصاعد الدخان من مبنى انهار على أثر غارة جوية إسرائيلية على الشياح (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يشن غارات متتالية على ضاحية بيروت

شن الطيران الحربي الإسرائيلي، عصر الجمعة، سلسلة من الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفاً مناطق جديدة على تخوم الضاحية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تحليل إخباري أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)

تحليل إخباري ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

كان لافتاً أن يخرج أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم، أخيراً، للحديث عن مرحلة ما بعد وقف النار وانتهاء الحرب الإسرائيلية.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يجدد الغارات على ضاحية بيروت بعد إنذارات بالإخلاء

تجدَّدت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجَّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 3 مواقع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».