موظف في «أونروا» يروي لـ«الشرق الأوسط» مسار التحقيق معه

المنظمة الدولية وسعت تحقيقاتها مع مشتبه بانتمائهم لـ«حماس»

مركز لـ«أونروا» استهدفه قصف إسرائيلي شمال قطاع غزة (د.ب.أ)
مركز لـ«أونروا» استهدفه قصف إسرائيلي شمال قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

موظف في «أونروا» يروي لـ«الشرق الأوسط» مسار التحقيق معه

مركز لـ«أونروا» استهدفه قصف إسرائيلي شمال قطاع غزة (د.ب.أ)
مركز لـ«أونروا» استهدفه قصف إسرائيلي شمال قطاع غزة (د.ب.أ)

كشفت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) داخل قطاع غزة وسعت في الشهرين الماضيين من تحقيقاتها مع موظفين يعملون في دوائر وقطاعات مختلفة تابعة لها، يشتبه بانتمائهم لحركة «حماس».

ودفعت الهجمة الإسرائيلية المكثفة على «أونروا»، وخاصة الاتهامات بارتباطها بـ«حماس»، الوكالة لاتخاذ إجراءات جديدة تهدف إلى نفي تلك الاتهامات وتقديم أدلة تدحضها، ضمن خطة وضعتها الوكالة الدولية لمواجهة محاولة تصفيتها وإنهاء دورها الإغاثي الذي مر في السنوات الأخيرة بمنعرجات مختلفة مع تصاعد التوتر بالمنطقة.

وتواجه «أونروا» في الأعوام القليلة الماضية حرباً إسرائيلية توسعت بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ووصلت إلى حد اتهام موظفيها بالمشاركة في الهجوم، والمساعدة في مهمة حراسة أو حماية أسرى إسرائيليين، قبل أن يحظر الكنيست الإسرائيلي نشاط «أونروا» ويقطع كل علاقة بها.

كشوفات إسرائيلية

وقالت المصادر إن التحقيقات التي تجريها «أونروا» طالت مشتبها بهم بمشاركتهم في هجوم السابع من أكتوبر، وغالبيتهم وردت أسماؤهم في كشوفات إسرائيلية قدمت لجهات أممية ودولية مختلفة.

وأكدت المصادر أن إدارة «أونروا» لم تكتف بتلك الأسماء ووسعت تحقيقاتها لتصل إلى موظفين آخرين يشتبه بانتمائهم لحركة «حماس»، وذلك بناءً على علاقاتهم مع أشخاص حقق معهم ممن وردت أسماؤهم من إسرائيل.

وقال أحد الموظفين الذين تم التحقيق معهم على خلفية ورود اسمه في كشوفات إسرائيلية، إنه خلال التحقيق معه لم تثبت مشاركته أو علاقته بأي شكل من الأشكال بالهجوم، كما أنه لم تثبت أي علاقة تنظيمية له بحركة «حماس»، ولذلك لم يصدر بحقه أي قرار.

شهادة موظف

وشرح الموظف الذي فضل عدم ذكر هويته خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، كيف أن التحقيقات معه ومع الآخرين ركزت بشكل أساسي على حقيقة مشاركتهم في الهجوم، أو تدخلهم في أعمال تنظيمية عسكرية أو سياسية وحتى اجتماعية لحركة «حماس»، أو علاقتهم بإخفاء أسرى إسرائيليين داخل القطاع.

وأضاف: «التحقيقات كانت تجري بحضور شخصيات أجنبية وفلسطينية من إدارة المنظمة الأممية، وكانت الأسئلة دقيقة جداً في مجملها وكان من بينها مشاركتهم في اجتماعات مختلفة للحركة». وأشار الموظف إلى أنه من بين 16 موظفاً يعرفهم تم التحقيق معهم، «لم يتم سوى توجيه اتهامات حقيقية لثلاثة فقط منهم»، من دون تفاصيل إضافية.

ورفضت «أونروا» اتهامات إسرائيل وقالت إنها ستحقق فيها.

وقال عدنان أبو حسنة المتحدث باسم «أونروا» خلال تصريحات إذاعية: «إن السلطات الإسرائيلية لم تقدم لنا دلائل وإثباتات لاتهاماتها ضد موظفينا الذين تقول إنهم شاركوا بأعمال إرهابية». وأضاف: «على مدار 15 عاماً لم تقدّم لنا إسرائيل ملاحظات على أي موظف في (أونروا) رغم أننا قدمنا لهم سنوياً قوائم بأسماء وتفاصيل الموظفين».

لكن إسرائيل واصلت اتهامها حتى قبل أيام، معلنة أنها قتلت محمد أبو عطيوي باعتباره «مسؤول وحدة النخبة في لواء وسط قطاع غزة، والمسؤول عن مهاجمة حفل (نوفا) في النقب الغربي في السابع من أكتوبر، والذي قتل وأصيب وأسر منه العشرات من الإسرائيليين».

وقبل أبو عطيوي، أعلنت إسرائيل تصفية آخرين كانوا في مراكز توزيع مساعدات من العاملين في المنظمة الأممية بحجة أنهم ناشطون في «حماس».

فلسطينيون أمام مركز صحي لـ«أونروا» في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وسألت «الشرق الأوسط» عن أبو عطيوي، وتبين أنه أنهى وظيفته في «أونروا» قبل سنوات ولم يعد على صلة بها، وهو الأمر الذي ينطبق على آخرين وردت أسماؤهم في الكشوفات الإسرائيلية التي قدمت للأمم المتحدة وغيرها.

وجاء الإعلان عن أبو عطيوي قبل أيام قليلة من إعلان «الكنيست» الإسرائيلي، بالقراءتين الثانية والثالثة، قانوناً يحظر نشاط «أونروا»، داخل إسرائيل. وحتى قبل القرار قاطعت إسرائيل «أونروا» في قطاع غزة.

وأكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن مؤسسات دولية مختلفة استعانت مؤخراً داخل قطاع غزة بموظفين من «أونروا» لتقديم وتسليم المساعدات الإنسانية للسكان، وتم تقديم كشوفات بأسماء هؤلاء الموظفين إلى إسرائيل قبل تسلمهم مهامهم في ظل الاتهامات الإسرائيلية المتكررة للمنظمة الأممية الدولية أنها توظف نشطاء من «حماس» يحاولون الاستيلاء على تلك المساعدات.

وتوضح المصادر أن هذه الخطوة الخاصة بتسليم كشوفات الموظفين لإسرائيل كان الهدف منها بشكل أساسي منع تل أبيب من تكرار هجماتها بحق الموظفين التابعين لـ«أونروا» وكل القائمين على توزيع المساعدات.

ولا يعرف حتى الآن كيف سيؤثر قرار الكنيست على «أونروا». وبحسب صحيفة «هآرتس» العبرية، فإن القرار بشكل أساسي سيؤثر على الفلسطينيين في القدس لكنه أيضاً سيطال عملها في قطاع غزة والضفة الغربية من خلال منع إدخال المساعدات إليها وتحويل الأموال لصرف رواتب موظفيها وتقديم خدماتها للاجئين في هاتين المنطقتين، ما يزيد من معاناة السكان في القطاع مع استمرار الحرب منذ أكثر من عام.

فيليب لازاريني المفوض العام لـ«أونروا» (أ.ف.ب)

ونددت جهات فلسطينية ودول عربية وأجنبية وحتى الولايات المتحدة بالقانون الإسرائيلي الجديد، فيما حذر فيليب لازاريني المفوض العام لـ«أونروا» من أن ️تفكيك الوكالة سيؤدي إلى تأثير كارثي على استجابة المجتمع الدولي للأزمة الإنسانية في غزة.

وقال لازاريني في تصريح صحافي: ️«انهيار الوكالة ستكون له عواقب وخيمة على السلام والأمن الدوليين، داعياً الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات لدعم الوكالة بما يتناسب مع خطورة الوضع».


مقالات ذات صلة

«الأونروا»: لا بديل للوكالة في غزة سوى أن تتحمل إسرائيل المسؤولية

المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في خان يونس للحصول على طعام برنامج الغذاء العالمي ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) (أ.ف.ب)

«الأونروا»: لا بديل للوكالة في غزة سوى أن تتحمل إسرائيل المسؤولية

أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الاثنين، أنه لا يوجد بديل لوجود «الأونروا» بالأراضي الفلسطينية المحتلة في حين قررت إسرائيل حظر أنشطتها

«الشرق الأوسط» (جنيف )
الخليج جددت السعودية رفضها القاطع لمواصلة الاحتلال الإسرائيلي استهداف المدنيين والوكالات الإغاثية والإنسانية (د.ب.أ)

السعودية تدين وتستنكر الاستهداف الإسرائيلي لمدرسة أبو عاصي في غزة

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة السعودية بأشد العبارات مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلية استهدافها الممنهج لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط (أ.ف.ب)

أبو الغيط يحذر من مغبة القانون الإسرائيلي بحظر «الأونروا»

وجَّه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، اليوم (الخميس)، رسالتين يحذر فيهما من مغبة القانون الإسرائيلي بشأن حظر نشاط «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية فلسطينيون يمرون أمام مبنى تابع لـ«الأونروا» في شمال غزة (د.ب.أ)

 لازاريني يدعو العالم إلى إنقاذ «أونروا» من الحظر الإسرائيلي

دعا المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) فيليب لازاريني، العالم إلى إنقاذ الوكالة من حظر إسرائيلي قد يكون له «عواقب كارثية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي أشخاص ينتظرون للحصول على أكياس الدقيق في مركز توزيع مساعدات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بدير البلح... 4 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الصحة العالمية: حظر «الأونروا» لن يعزّز أمن إسرائيل

ندّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الاثنين، بقرار إسرائيل حظر التعامل مع «الأونروا»، قائلاً: إن ذلك لن يجعل إسرائيل أكثر أماناً.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
TT

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة، وسط بيروت فجر الجمعة، ذات طابع عسكري فقط، بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثّل في ضرب منطقة أضحت من البيئات الشعبية المؤيدة لـ«حزب الله»، وتماهت معه منذ تأسيسه في عام 1982 يوم انشق عن حركة «أمل» بصفته تنظيماً مسلّحاً حمل اسم «حركة أمل الإسلامية».

يكفي الحديث عن تاريخ هذه المنطقة لإدراك أن استهدافها وتدميرها لا يقفان عند حدود تعقّب قيادات «الحزب» واغتيالهم وترويع بيئته في قلب العاصمة بيروت فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تدمير أحياء ومبانٍ ما زالت تحفظ على جدرانها وفي ذاكرتها كثيراً من تاريخ بيروت الجميل، رغم تغيّر هويتها، لا سيما شارع المأمون الذي تحمل عقاراته ومبانيه أسماء عائلات بيروتية سنيّة ومسيحية رغم انتقال ملكيتها في السنوات الماضية إلى أسماء أشخاص من الطائفية الشيعية الذين يدورون في فلك «حزب الله»، بعد أن عزز الأخير وجوده ونفوذه في البسطة وامتداداً منها إلى مناطق أخرى، سواء بفعل استملاك العقارات، أو بنقل سجلات قيد عائلات من الجنوب إلى بيروت لغايات سياسية انتخابية وأحياناً أمنية.

لا يختلف اثنان من أبناء بيروت على أن الهوية الطائفية والسياسية لمنطقة البسطة تغيّرت كثيراً، ويشير مختار المصيطبة، صائب كلش، إلى أن «المنطقة التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية، وتحديداً شارع المأمون، ذات غالبية سنيّة بامتياز، وأغلب سكانها من عائلات: عيتاني، وشاتيلا، والنويري، وعيدو، والتنير، ومنيمنة، ومغربل، وسوبرة، وكان فيها عدد لا بأس به من العائلات المسيحية مثل: مجدلاني، وجنحو، ومنيّر، والمطران، وعودة... وغيرها».

وأوضح كلش لـ«الشرق الأوسط» أنه «على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والتهجير من الجنوب إلى بيروت، استوطنت عائلات شيعية في هذه المنطقة، وآثرت البقاء فيها، واستملكت عقارات وشققاً سكنية، ورفضت مغادرتها حتى بعد انسحاب إسرائيل إلى خلف ما كان يعرف بالشريط العازل في الجنوب».

مجزرة «فتح الله»

اللافت أن دور «حزب الله» ووجوده بدأ يتعزز مع اكتشاف ارتباطه بإيران، واتخذ في بداياته من منطقة البسطة مكاناً لقياداته وتقوية نفوذه، وحوّل ثكنة «فتح الله» الواقعة في شارع المأمون مقراً لقيادته. لكن بعد أشهر قليلة من عام 1987، وفي ظلّ تمدده عسكرياً بالمنطقة، اصطدم مع القوات السورية إثر دخول الأخيرة إلى «بيروت الغربية» على أثر إقدام «الحزب» على قتل جندي سوري، عندها عمد الجيش السوري إلى تصفية 27 عنصراً من مقاتلي «الحزب» داخل هذه الثكنة وسيطر عليها، وعرفت العملية يومها بـ«مجزرة فتح الله»، لينقل على أثرها «الحزب» مركز قيادته إلى الضاحية الجنوبية.

اتخذ «حزب الله» من تلك المجزرة عبرة لإعادة صوغ علاقته بالجيش السوري، خصوصاً في ظلّ العلاقات المتنامية بين إيران وسوريا. وأكد المختار كلش أنه «بعد سيطرته عسكرياً على بيروت، سمح الجيش السوري لـ(الحزب) بأن يتمدد في منطقة البسطة شعبياً، وهذا سهّل عليه وعلى مؤيديه استملاك الشقق والمنازل، خصوصاً بين عامي 1988 و1990عندما أطلق العماد ميشال عون ما سماها (حرب التحرير) ضدّ الجيش السوري، وتسبب ذلك في هجرة المئات من أبناء العائلات البيروتية السنيّة والمسيحية من المنطقة، والخشية من استهداف منطقتهم من الجيش اللبناني الذي كان تحت إمرة ميشال عون، كما شمل التهجير النهائي غالبية المسيحيين، وبقي وجود بعضهم رمزياً».

رجال أمن لبنانيون في وسط بيروت... وتبدو خلفهم صورة الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

صحيح أن شوارع وأحياء المصيطبة، القريبة من البسطة، لا تزال تحمل أسماء شخصيات بيروتية سنيّة، إلّا إن وجهها تبدّل أيضاً، وهذا تظهّر بشكل كبير بعد انخراط «حزب الله» في العمل السياسي؛ بدءاً من الانتخابات النيابية في عام 1992 وحصوله على كتلة وازنة، كما تعزز أكثر بعد تحرير الجنوب في عام 2000، لكنّ التحوّل الأكبر انطلق في عام 2005 على أثر خروج الجيش السوري من لبنان على خلفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتصدّر «الحزب» المشهد السياسي ليأخذ الدور الذي كان يمارسه السوريون في لبنان.

نقل نفوس

ويلفت كلش إلى أن «عدد الشيعة المسجلين في دوائر النفوس ببيروت كان ضئيلاً جداً، لكن بعد عام 2005 نُقلت نفوس آلاف العائلات من الجنوب إلى بيروت، وسُجلوا في مناطق مثل المصيطبة، والباشورة، والمرفأ، امتداداً إلى ميناء الحصن وعين المريسة، والسبب في ذلك تعزيز حضور (الحزب) في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، بدليل أن نائب (الحزب) عن بيروت، أمين شرّي، حصد 33 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، بينها 28 ألف صوت شيعي، مقابل 6 آلاف صوت فقط لنائب حركة (أمل) محمد خواجة».

ذاكرة المصيطبة

لم يُكتب الكثير عن منطقة المصيطبة، إلّا إن أبناءها المتجذرين فيها يحملون في ذاكرتهم ووجدانهم تاريخ منطقتهم، ويشير المحامي مروان سلام، رئيس جمعية «بيروت منارتي»، إلى أن البسطة «مصنّفة ضمن قائمة أشهر المناطق التراثية، لكن العوامل التي دخلت عليها غيّرت كثيراً من مزاياها». ويؤكد سلام لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة «تميزت بما تحتوي من مراكز إدارية وتعليمية وطبية، بالإضافة إلى عدد من الحدائق والمتنزهات التي جرى تشويه وجهها؛ إما عمداً، وإما تقصيراً»، لافتاً إلى أنها «غنيّة بالمطاعم والمقاهي الواقعة في مبانٍ تراثية قديمة». ويردّ سلام تسمية المنطقة «البسطة» إلى أنها «اعتُمدت مقراً لسلطة المماليك، وحملت هذا الاسم نسبة إلى الكرسي الخشبي التي كان يجلس عليه السلطان».

أكثر من ذلك، حملت المنطقة اسم «البسطة الشريفة»، كما يقول المحامي مروان سلام؛ «ففيها كانت تقام حلقات تلاوة القرآن الكريم ورواية الأحاديث النبوية الشريفة، وكان لأهل بيروت في ذلك الحين مكانان يتحلقون فيهما للغرض المذكور؛ هما (البسطة الفوقا) و(البسطة التحتا)، ويعنون بهما الحلقات الدينية».

محطة القبضايات

ويتحدث عن مزايا أبناء المنطقة؛ «إذ كانت محطة دائمة للقبضايات الذين يرتادون مقاهيها، وكانت معبراً لـ(ترامواي بيروت) الذي ينطلق من البربير إلى النويري ثم البسطتين الفوقا والتحتا، والباشورة، وصولاً إلى محطته في (ساحة رياض الصلح)». ويضيف سلام أن البسطة «رغم صغر مساحتها، فإنها كات تحوي عدداً من المستشفيات منها: (البربير)، و(الإسلامي)، و(مليح سنو) و(مستشفى الدكتور محمد خالد)، إضافة إلى مدارس: (الشيخ نور)، و(عزيز مومنة)، و(شريف خطاب)، و(العلماوي) و(مكارم الأخلاق). كما خرّجت عدداً كبيراً من الفنانين، منهم: نجاح سلام، ومحمد سلمان، وأنطوان كرباج، وشوشو، ومحمد شامل، ومحيي الدين سلام، والرسام مصطفى فروخ... وغيرهم. وهؤلاء جميعاً من أبنائها وكانت تفخر بهم ويفخرون بها وبتاريخها».