الخيام... مركز الصراع العربي - الإسرائيلي تختبر «التدمير الرابع»

استقطبت «جيش الإنقاذ» و«الفدائيين» والإسرائيليين... ودُمرت 3 مرات

غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف الخيام وتبدو وراءها الكثافة العمرانية في المدينة (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف الخيام وتبدو وراءها الكثافة العمرانية في المدينة (أ.ف.ب)
TT

الخيام... مركز الصراع العربي - الإسرائيلي تختبر «التدمير الرابع»

غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف الخيام وتبدو وراءها الكثافة العمرانية في المدينة (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف الخيام وتبدو وراءها الكثافة العمرانية في المدينة (أ.ف.ب)

لا يجد أهالي مدينة الخيام في جنوب لبنان، في الغارات الـ12 التي استهدفتها، صباح الأربعاء، حدثاً مستجداً على تاريخ المدينة التي «تعرضت للتدمير مراراً، وأخفت ألماً وراء كل ضربة على مدى السنوات والعقود الماضية»؛ فالمدينة التي دُمّرت 3 مرات منذ عام 1948، وعايشت اشتباكات متواصلة، يتخوف سكانها من تعرضها لتدمير جديد، إثر حملة عسكرية عنيفة جداً تترافق مع محاولات اقتحامها.

والخيام هي كبرى بلدات قضاء مرجعيون (32 بلدة وقرية)، يسكنها 35 ألف نسمة، ويفوق عدد الوحدات السكنية فيها الـ5 آلاف، وتوسعت بشكل كبير، بعد عام 2006، وباتت مقصداً سياحياً، من خلال انتشار قطاع «بيوت الضيافة» المعروف بـ«الشاليهات»، وهي مبانٍ تعرض قسم منها لتدمير، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ كونها مشيّدة على أطراف المدينة الجنوبية والغربية والشرقية، المقابلة لمستعمرة المطلة الإسرائيلية، وللسفح الغربي لجبل الشيخ.

نقطة استقطاب المقاتلين ضد إسرائيل

وتقع الخيام جغرافياً على مرتفع مُطلّ على أصبع الجليل، كما أنها مفتوحة على 3 جوانب، من الشرق والغرب والجنوب، وتُعدّ نقطة اتصال مع الجولان والأردن والجليل الفلسطيني. وإلى جانب موقعها الجغرافي، يُنظر إليها على أنها «آخر تجمع شيعي ثقيل من الناحية الديموغرافية من الحدود الجنوبية إلى العمق اللبناني»، وتحاذي تجمعات ديموغرافية أخرى من المسيحيين والدروز والسنَّة، وهو ما جعلها نقطة استقطاب للمقاتلين العرب ضد إسرائيل منذ الأربعينات، ونقطة اشتباك دائمة مع إسرائيل منذ ذلك الوقت.

ويقول المؤرخ الدكتور منذر جابر إن كل قرى الحافة الحدودية، منذ الأربعينات، عرفت التهجير والقصف المدفعي والجوي الإسرائيلي، وكانت للخيام وبنت جبيل «الحصة الأكبر من اختبار القوة الجوية لدى عصابات (الهاغاناه)، في ذلك الوقت»؛ كونها «كانت أحد أكبر مراكز جيش الإنقاذ الذي جمع متطوعين من كل الجنوب وحوران السورية التي شاركت بـ(كتيبة مجدل شمس) و(كتيبة دير الزور) بقيادة عبد السلام العجيلي»، وذلك بعد تراجع «الإنقاذ» من بنت جبيل، بدءاً من 15 يونيو (حزيران) 1948.

مدينة الخيام في الخلفية ودخان يتصاعد من غارة إسرائيلية استهدفت أحد أحيائها الغربية (أ.ف.ب)

منذ ذلك الوقت، اختبرت الخيام الاشتباكات المباشرة مع الإسرائيليين؛ كونها تقع مقابل المطلة، علماً بأن المستعمرة الواقعة في أقصى أصبع الجليل «هي مسمار ديموغرافي وسياسي واستعماري كبير تراهن إسرائيل على موقعه»، كما يقول جابر لـ«الشرق الأوسط»، ويُضاف إلى ذلك تداخل الممتلكات بين أبناء المنطقة من سوريا ولبنان وفلسطين واليهود، مما ينتج عنه اشتباكات عقارية أيضاً. وساهم التدمير والقتال فيها بإنتاج «طوفان الهجرة إلى بيروت»؛ خصوصاً بعد «سقوط فلسطين، وإغلاق أكبر ميدان عمل أمام أهالي جنوب لبنان، وإقفال سوق الجنوب في مرجعيون وبنت جبيل والخيام، وموته».

تمدد الفلسطينيين

وخسرت الخيام، كما المنطقة، وظيفتيها السياسية والاقتصادية، حتى مطلع عام 1965، حين نُفذت أول عملية فدائية فلسطينية ضد إسرائيل، فتحولت إلى وظيفة أخرى، قتالية هذه المرة، واستفادت المنظمات الفلسطينية واليسار من انقسامات الأخير الذي تمثله العائلات الصغيرة، مع القيادة الاجتماعية للمدينة، فبدأت موجة نزوح من السكان، مقابل اتساع نفوذ القوى الفلسطينية. ويقول جابر: «دفع هذا الصراع لتشكيل نواة صلبة من شباب الخيام التي تؤيد الفدائيين، مع ما يحمله من صدام مع الزعامة المحلية»، وعليه «بات وجود الفلسطينيين بمثابة ذريعة لإسرائيل لقصف المدينة، وإجراء عمليات أمنية فيها، تفاقمت في أواخر 1973، مما دفع السكان إلى النزوح منها».

الدخان يتصاعد جراء غارات جوية إسرائيلية تستهدف الخيام بجنوب لبنان (رويترز)

مجزرة الخيام

تزايدت أهداف إسرائيل العسكرية في المدينة. وفي سبتمبر (أيلول) 1977، تقدمت القوات الإسرائيلية إليها، واندلعت اشتباكات كبيرة شاركت بها ميليشيا سعد حداد المؤيدة لإسرائيل، ضد القوات المشتركة اللبنانية - الفلسطينية، قبل أن تحتلها إسرائيل رسمياً في 14 مارس (آذار) 1978 خلال عملية الاجتياح الأول لجنوب لبنان، إثر قصف مدفعي وجوي عنيف امتد لثلاثة أيام. وبعدها في 17 مارس، نفذت عناصر ميليشيا حداد مجزرة كبيرة فيها، قُتِل فيها 61 شخصاً، كان أصغرهم في سن الستين، وتم تهجير السكان وتدمير المدينة بالكامل، حسبما يقول أهالي الخيام.

تدمير مستدام

على مدى 5 سنوات، لم يعد السكان إليها، لأنها كانت مدينة «غير صالحة للعيش»، وبدأت عودة السكان إليها بعد احتلال جنوب لبنان، وإنشاء إسرائيل لحزام أمني وإدارة مدنية، وتسلمت ميليشيا «لبنان الجنوبي» التي كانت بزعامة أنطوان لحد، إدارة معتقل الخيام سيئ السمعة، وحوّلت إسرائيل المدينة إلى «حقل تدريب لقواتها على حرب الشوارع منذ الثمانينات» حيث كانت «تجري فيها مناورات حرب شوارع»، مما جعلها «في حالة تدمير مستدام على مدى 15 عاماً»، وهي فترة احتلال إسرائيل لجنوب لبنان التي انتهت في عام 2000، وفقاً لما يقول جابر.

توسعت المدينة بعد تحرير جنوب لبنان، وبدأ سكانها بالعودة إليها، وأنشأوا فيها المصانع والمزارع، ورفعوا منازل حديثة وفخمة ومنشآت، قبل أن يتعرض نحو 40 في المائة من تلك المباني لتدمير ممنهج في حرب عام 2006. وكانت تلك موجة التدمير الثالثة، بعد معارك طاحنة دمر فيها «حزب الله» عدداً من دبابات «الميركافا» في سهل الخيام. وأعاد السكان بناء المدينة التي توسعت بشكل كبير، أكثر حداثة وفخامة، وانتشرت القصور على أطرافها، فضلاً عن المنشآت التعليمية والتربوية والصحية والتجارية، لتصبح أبرز نقطة استقطاب في المنطقة.

خريطة يتداولها لبنانيون لمحاور توغل القوات الإسرائيلية باتجاه الخيام (متداول)

حرب 2023

يتكرر المشهد اليوم في الخيام، بعد افتتاح «حزب الله» حرب مساندة غزة، في 8 أكتوبر 2023. تقدر مصادر رسمية نسبة التدمير حتى تاريخ توسعة الحرب في 23 سبتمبر الماضي، بأكثر من 550 وحدة سكنية، ولا يخلو يوم من قصف الخيام بالمدفعية، وتنفيذ الطيران الإسرائيلي غارات فيها. وتكثفت تلك الغارات في الأيام الأخيرة، مع إطلاق القوات الإسرائيلية عملية توغل بري للسيطرة على المدينة والقبض على مرتفعاتها.


مقالات ذات صلة

إصابة 19 شخصاً بصاروخ على وسط إسرائيل... و«حزب الله» يستهدف قاعدة غليلوت

شؤون إقليمية عناصر من قوات الأمن الإسرائيلية يجمعون أدلة من سيارة مدمرة في موقع هجوم بطائرة مسيرة (رويترز)

إصابة 19 شخصاً بصاروخ على وسط إسرائيل... و«حزب الله» يستهدف قاعدة غليلوت

أصيب ما لا يقل عن 19 شخصاً ليل الجمعة - السبت في الطيرة في وسط إسرائيل جراء سقوط صاروخ على مبنى، على ما أعلنت السلطات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي لبنانيان يستقلان دراجة نارية يمران بمبان دمرها القصف الإسرائيلي في حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية أمس (أ.ف.ب)

لبنان: التدمير الإسرائيلي يتقدم على الحلول السياسية

تقدم التدمير الإسرائيلي على الحلول السياسية المقترحة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، إذ اندفع الجيش الإسرائيلي إلى تصعيد غير مسبوق بالقصف الجوي في جنوب

ثائر عباس (بيروت)
الولايات المتحدة​ قاذفة أميركية تقود سرباً من المقاتلات خلال تدريبات مشتركة فوق إسرائيل في يناير 2023 (أ.ب)

«البنتاغون» يعلن نشر قدرات عسكرية إضافية بالشرق الأوسط

أعلنت الولايات المتحدة نشر قدرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط ستصل خلال الأشهر المقبلة في خطوة تأتي «دفاعا عن إسرائيل» ولتحذير إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي رجال الدفاع المدني اللبناني يحاولون إخماد النيران بعد غارات جوية إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية (د.ب.أ)

 52  قتيلاً في غارات إسرائيلية على شرق لبنان

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 52 شخصاً، الجمعة، في غارات إسرائيلية على شرق البلاد لم يصدر الجيش الإسرائيلي إنذارات إخلاء بشأنها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
حصاد الأسبوع من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات

محمد خير الرواشدة (عمّان)

رؤساء وكالات الأمم المتحدة: الوضع في شمال قطاع غزة «مروع»

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)
TT

رؤساء وكالات الأمم المتحدة: الوضع في شمال قطاع غزة «مروع»

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب)

حذّر رؤساء الوكالات الإنسانية الكبرى التابعة للأمم المتحدة من أن الوضع في شمال قطاع غزة «مروع» وجميع سكانه يواجهون «خطر الموت الوشيك».

وكتب 15 من هؤلاء المسؤولين أن «جميع سكان شمال غزة معرضون لخطر الموت الوشيك جراء المرض والمجاعة والعنف»، مطالبين «دولة إسرائيل بأن توقف هجومها على غزة وعلى الطواقم الإنسانية»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات الأممية من أن جميع سكان شمال غزة يواجهون الموت بسبب القصف الإسرائيلي والمرض والمجاعة.

وانتقدت اللجنة قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وجاء في بيان للجنة «لنكن واضحين: لا يوجد بديل للأونروا... يجب وقف التجاهل الفاضح للإنسانية وقوانين الحرب، يتعين أيقاف جميع الهجمات ضد المدنيين وما تبقى من بنية تحتية مدنية في غزة».