«اجتثاث البعث» يلاحق زعيم حزب سُنّي في العراق

الخنجر استُدعي للتحقيق فاستقال من رئاسة «السيادة»

رئيس حزب السيادة العراقي خميس الخنجر (إكس)
رئيس حزب السيادة العراقي خميس الخنجر (إكس)
TT

«اجتثاث البعث» يلاحق زعيم حزب سُنّي في العراق

رئيس حزب السيادة العراقي خميس الخنجر (إكس)
رئيس حزب السيادة العراقي خميس الخنجر (إكس)

عاد ملف «اجتثاث البعث» إلى الواجهة، بعد استدعاء زعيم سُنّي للتحقيق حول صِلاته بالحزب المحظور في العراق، الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب الذي يقوده منذ سنوات.

وأُثيرت أسئلة في مكاتب الأحزاب السُّنية حول قدرة القيادات السُّنية على الصمود أمام مراكز القوة والنفوذ الآخِذة في التصاعد من قِبل أحزاب «الإطار التنسيقي» الشيعي.

وأظهر كتاب رسمي مُرسَل من «مفوضية الانتخابات المستقلة» إلى «الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة»، الاثنين الماضي، أنه «تم تأشير استقالة الأمين العام لحزب السيادة، خميس فرحان علي الخنجر، من الحزب».

من هو الخنجر؟

والخنجر هو رجل أعمال بارز، ظل سنوات طويلة خارج البلاد ومراكز التأثير السياسي المحلية، وكان متهماً على الدوام من قِبل القوى الشيعية بدعم «الجماعات المتطرفة» بمختلف أشكالها، قبل أن يُسمح له بالعودة إلى بغداد منذ سنوات قريبة، ليصبح من بين شخصيات مؤثرة في المشهد السياسي السُّني، والعراقي بشكل عام.

وعمد الخنجر إلى تأسيس حزب السيادة عام 2021، بعد أن زادت الخلافات مع نائبه في تحالف «العزم»، مثنى السامرائي، بعد الانتخابات العامة التي جرت في السنة نفسها، وحصل تحالفه «السيادة» مع رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي على نحو 63 مقعداً في البرلمان الاتحادي، ليصبح أكبر كتلة سُنّية داخل البرلمان، قبل أن تمزّقه الانقسامات السياسية، وتطيح بهذا التحالف.

وتُعدّ «الانقسامات الحادة بين الشخصيات والكتل أبرز ملامح العمل السياسي السُّني خلال السنوات الماضية، ومن نتائج ذلك خسارة المكون لأرفع منصب سيادي والذي يتمثل في رئاسة البرلمان»، حسب مصدر سياسي سُنّي.

لقاء سابق بين الحلبوسي والخنجر في بغداد (أرشيفية)

وتعليقاً على استقالة الخنجر من حزب السيادة، يقول المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعرف ما الذي حدث بالضبط، ومسألة استدعاء رؤساء الأحزاب والمسؤولين من قِبل هيئة المساءلة إجراء شبه روتيني، ولا يستدعي استقالة الخنجر من الحزب، وهو المعروف بميوله الإسلامية».

ويميل المصدر إلى الاعتقاد أن «أسباباً خاصة دفعت الخنجر إلى مغادرة منصبه، ومن ضمنها ربما صلته بالحزب الإسلامي».

لكن مصدراً مطلعاً على كواليس حزب السيادة يعتقد أن «3 عوامل أساسية» دفعت إلى تحريك ملف المساءلة والعدالة ضد الخنجر، وتتعلق بـ«مطالباته المُلِحّة بإعادة النازحين إلى منطقة جرف الصخر، وأيضاً مطالباته بحل هيئة المساءلة والعدالة التي يُفترض أن تكون ضمن هيئات العدالة الانتقالية، وينتهي مفعولها بعد عشرين عاماً، وكذلك إصراره على شمول آلاف المُدانين بتُهَم إرهاب بالعفو العام المُزمع إقراره في البرلمان».

وعقب استقالة الخنجر من الحزب بيوم واحد قال في تدوينة عبر منصة «إكس»: «سنبقى مُطالِبين بحقوق أهلنا في العودة إلى مدنهم المنزوعة السكان، ومعرفة مصير المختفين قسراً، وتعويض المنازل المدمَّرة في مدننا، وتعديل قانون العفو العام، وخاصة إعادة التحقيق، وإعادة تعريف الانتماء للتنظيمات الإرهابية، وحل هيئة المساءلة والعدالة».

حرمان الخنجر من المناصب

لا يستبعد المصدر أن يكون «للمنصات الإعلامية، وخصوصاً قناة تلفزيونية عائدة له، دخل في تحريك ملف المساءلة، بعد أن سبّبت بعض برامج القناة إزعاجاً لفصائل وقوى شيعية».

ويتوقع المصدر أن «تُسارع القوى السياسية السُّنية والشيعية في ضرب نفوذ حزب السيادة بعد انسحاب الخنجر، ومن مظاهر هذه المسارعة إمكانية حرمانه من النفوذ في معظم مجالس المحافظات، وقد بدأ ذلك في محافظة ديالى، والمؤكد حرمانه من أي حصة في منصب رئيس البرلمان».

وقرّر حزب السيادة، الثلاثاء، طرد عضو مجلس ديالى، فراس مزاحم الجبوري، واتهمه بالخيانة.

وجاء الإجراء بعد ساعات من تصويت مجلس محافظة ديالى على إقالة رئيسه عمر الكروي عضو حزب السيادة، وذلك عقب جلسة استجواب طارئة.

وقال الحزب في بيان، إن ذلك «نظراً لعدم التزام الجبوري بمبادئ الحزب في ديالى، ومخالفته لتوجيهات القيادة وسياساتها، وخيانة المواثيق، عبر عقد صفقات مشبوهة تضرّ بمصالح المحافظة وأبنائها».

معضلة «المساءلة والعدالة»

وتشتكي معظم القوى السُّنية من «الاستثمار السياسي» الذي تمارسه القوى الشيعية لهيئة المساءلة والعدالة، و«الانتقائية» التي تمارسها في إبعاد المختلفين والمعارضين، واستثناء المقرَّبين من قوانينها.

وقال نائب رئيس الوزراء الأسبق، صالح المطلك، في مقابلة تلفزيونية، إن «خميس الخنجر لم يكن بعثياً في حياته، وشموله بإجراءات المساءلة والعدالة أمر غريب، لكن من حيث المبدأ يجب أن تكون هناك وقفة حول هذا القانون، وما إذا كان يوفر العدالة للناس، فهو بات منذ زمن طويل أداةً للاستهداف السياسي، ومجرد عصا لضرب الخصوم من مكوّن باتجاه مكوّن آخر».

وأضاف أن «إجراءات المساءلة والعدالة تصبح أداة استهداف داخلية بين أطراف المكوّن نفسه، لأغراض سياسية وانتخابية، ولا يمكن الاستمرار بهذا النهج، فمَن يجد في نفسه القدرة على العمل السياسي يجب أن يُتاح له المجال لممارسته».

وتابع المطلك، أن «مَن سَنّ قانون المساءلة والعدالة كان يستهدف إفراغ العراق من الكفاءات التي اكتسبت خبراتها عبر الدراسة خارج البلاد، فالوزارات العراقية صارت خاويةً بعد تطبيق إجراءات القانون».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

المشرق العربي نواب عراقيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس البرلمان يوم 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)

«توافق نادر» بين المالكي والحلبوسي يسهّل انتخاب رئيس البرلمان العراقي

بعد جولتي اقتراع امتدتا لساعات، انتخب أعضاء البرلمان العراقي السياسي المخضرم محمود المشهداني، رئيساً جديداً للمجلس.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
خاص محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)

خاص من هو محمود المشهداني الرئيس الجديد للبرلمان العراقي؟

عاد محمود المشهداني، الطبيب ذو الخلفية الإسلامية، إلى الواجهة بعد مرور نحو 16 عاماً على إقالته من منصب رئيس البرلمان العراقي.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)

بارزاني يحدد 4 مبادئ لتشكيل حكومة كردستان

شدد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، على أربعة مبادئ أساسية لتشكيل حكومة إقليم كردستان، أبرزها توحيد الإدارات وقوات «البيشمركة».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي موظفو «المفوضية المستقلة للانتخابات» بالعراق يفرزون الأصوات مع نهاية الانتخابات البرلمانية بمركز اقتراع في أربيل الأسبوع الماضي (أربيل)

«الحزب الديمقراطي» الحاكم يفوز بانتخابات برلمان كردستان العراق

قالت «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» بالعراق، الأربعاء، إن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الحاكم تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية بإقليم كردستان العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

من هو محمود المشهداني الرئيس الجديد للبرلمان العراقي؟

محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)
محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)
TT

من هو محمود المشهداني الرئيس الجديد للبرلمان العراقي؟

محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)
محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)

عاد محمود المشهداني، الطبيب ذو الخلفية الإسلامية، إلى الواجهة بعد مرور نحو 16 عاماً على إقالته من منصب رئيس البرلمان العراقي.

ولد المشهداني ببغداد عام 1948. وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ثم التحق بكلية الطب عام 1966 وحصل فيها على شهادة البكالوريوس، ثم تخرج برتبة ملازم أول طبيب عام 1972، ليعمل طبيباً في الجيش العراقي.

والمشهداني، الذي انتُخب، اليوم الخميس، رئيساً للبرلمان، أول رئيس تشريعي في العراق بعد عام 2003، كما انتُخب رئيساً للاتحاد البرلماني العربي عام 2008.

كيف عاد المشهداني؟

مع أن عودة المشهداني ارتبطت أول مرة برئاسته للدورة الأخيرة، عام 2021، كونه أكبر الأعضاء سناً قبل انتخاب محمد الحلبوسي لدورة ثانية، لكنه عاد اليوم إلى المنصب مدعوماً من زعيم مسنّ مثله هو نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، بعد تنافس حاد داخل القوى السنية.

وفي 2022، تعرض المشهداني حين كان يرأس جلسة بصفته العضو الأكبر إلى «اعتداء»، أُخرج على إثره من الجلسة وتوجه إلى المستشفى.

ولم يتبق من جيل المشهداني في البرلمان سواه، بعد أنْ كان يُصنّف واحداً من جيل «الآباء المؤسسين» لنظام ما بعد 2003، كما أنه يعد نفسه من كبار المكون السني الذين ابتعدوا أو أُبعدوا عن العملية السياسية، من أمثال طارق الهاشمي، خلف العليان، صالح المطلك، رافع العيساوي، إياد السامرائي.

ومع أن المشهداني كان من بين ضحايا مبكرين لعمليات الإزاحة، لكنه تمكن من العودة عبر اتباعه سياسة ناعمة ضمنت له البقاء في الواجهة بشكل أو بآخر، حتى فوجئ بدعم غير مسبوق قدّمه له صديقه الزعيم الشيعي نوري المالكي الذي لا يزال يُمسك بالعديد من خيوط اللعبة السياسية في العراق، ليكون رئيساً للبرلمان.

وأدى دخول المالكي على خط التنافس السني - السني إلى المزيد من التشظي في جبهة المكون، وصولاً إلى ما بدا أنه توافق شيعي - شيعي على دعم المشهداني بوصفه السني الذي لا طموح له.

كما أن محمد الحلبوسي، الذي يعد نفسه زعيم الأغلبية السنية في العراق، برر دعمه للمشهداني من أجل «تعويضه عن الفترة التي خسرها عندما أُقيل بمؤامرة دبّرها ضده الحزب الإسلامي»، طبقاً لتصريح متلفز.

محمود المشهداني خلال جلسة افتتاحية للبرلمان العراقي عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

جيل المؤسسين

قبل أن يجد نفسه على توافق تام مع المالكي، كان المشهداني شديد الانتقاد للقيادات الشيعية طوال سنوات عمله السياسي، لا سيما خلال توليه رئاسة البرلمان عام 2006، وعندما كانت مساعي المصالحة الوطنية تخفق أمام غليان العنف الطائفي الذي اجتاح البلاد في تلك الفترة، اضطر المشهداني إلى الاستقالة عام 2008، وكانت أقرب إلى الإقالة.

في السنوات اللاحقة، خاض العراق في توترات خلّفها اجتياح تنظيم «داعش»، شملت موجات نزوح. وخلال تلك الفترة بدا أن المشهداني خارج المشهد، سوى إطلالات إعلامية متناقضة.

ومع تكرار ما بدا أنه «تقلبات» المشهداني وآراؤه المثيرة حتى خلال جلسات البرلمان التي كثيراً ما يحوّلها إلى نوع من السخرية حتى على النواب، لكنه وبعد الإزاحة الجيلية للآباء المؤسسين، فقد حصل انسجام مفاجئ بينه وبين المالكي عندما تولى محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة.

وبعد إقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان أواخر 2023، بقرار من المحكمة الاتحادية، توجّهت القوى السياسية التقليدية للبحث عن بديل جديد، وطرح اسم «المخضرم» محمود المشهداني، ضمن صفقة معقدة شملت توافقاً نادراً بين المالكي والحلبوسي.

ويميل مراقبون إلى الاعتقاد بأن عودة المشهداني إلى منصب رئيس البرلمان تفتح شهية أنصار المالكي للحديث عن عودة الأخير أيضاً إلى منصب رئيس الحكومة، في الانتخابات التشريعية المقبلة، عام 2025.