موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

الرياح الشرقية الموسمية تضرب المحاصيل بسبب جفافها

حريق في وادي النضارة (مواقع)
حريق في وادي النضارة (مواقع)
TT

موجة حرائق تلتهم مساحات واسعة من قلب سوريا الأخضر

حريق في وادي النضارة (مواقع)
حريق في وادي النضارة (مواقع)

صور الحرائق في سوريا هذه الأيام لا علاقة لها بقصف حربي من أي نوع تشهده البلاد وجوارها، بعيدة عن الاهتمام الإعلامي وقريبة من ساحات الحرب. إذ نشبت الحرائق في مواسم حصاد الزيتون بريف حمص الغربي السنوية، الأحد الماضي، ولا تزال تلتهم آلاف الدونمات من الأشجار الحرجية والمثمرة والمزروعات، كما في كل سنة مع مقدم الرياح الشرقية الجافة، وسط نداءات الأهالي بمنع تمدد الحرائق إلى قراهم ومنازلهم.

وقالت مصادر أهلية، الثلاثاء، إن حريق حب نمرة - تنورين الذي اندلع الاثنين، وصل اليوم إلى أحراج مرمريتا وخرج عن السيطرة، مشددة على الحاجة الماسة إلى أعداد أكبر من فرق ومعدات الإطفاء.

وتعد منطقة وادي النضارة في المنطقة الوسطى المحاذية للساحل السوري، من أخصب الأراضي السورية وأجمل المناطق لنضارتها واتساع غاباتها، فهي «قلب سوريا الأخضر» الذي شهد خلال السنوات القليلة الماضية حرائق موسمية كارثية.

قائد فوج إطفاء حمص، الرائد إياد المحمد، قال الثلاثاء، في تصريحات للإعلام المحلي، إنه بعد السيطرة مساء الاثنين بنسبة كبيرة على الحريق الذي نشب في الأراضي الزراعية ببلدة حب نمرة، عاد وتجدد، فجر الثلاثاء؛ بسبب اشتداد الرياح في المنطقة، (تكون عادة جافة آتية من الشرق)، إضافة إلى صعوبة التضاريس التي تعيق عمل وحدات الإطفاء.

حريق في مرمريتا هذا العام بريف حمص الغربي (مواقع)

وبيّن المحمد، أن الحريق امتد بشكل واسع باتجاه الحدود الإدارية قرب بلدة البارقية بمحافظة طرطوس، كما امتد باتجاه بلدة تنورين بمحافظة حمص، وأن «فرق الإطفاء والمجتمع المحلي يبذلون جهوداً كبيرة للسيطرة عليه».

وكانت النيران قد نشبت في منطقة حب نمرة بعد ساعات قليلة من إعلان فوج إطفاء حمص، الأحد، إخماد مساحة كبيرة من الحرائق، واستمر يومين في أراضٍ زراعية مجاورة.

وادي النضارة وسط سوريا الذي تأكل النار خضرته (مواقع)

مصادر محلية في حمص قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن المواسم الزراعية في وادي النضارة على موعد سنوي مع الحرائق التي تلتهم الأخضر واليابس، وكل عام يتكبد الأهالي خسائر فادحة لا تقتصر على محاصيل الموسم، بل لعشر سنوات مقبلة لحين تعويض الأشجار. فقد تفحم الشجر الحراجي المعمر والشجر المثمر، وأغلبه شجر زيتون، بالإضافة إلى الكستناء والتفاح وكروم العنب والفواكه والنباتات الطبية، وغيرها من زراعات تُعدّ مصدر رزق أساسياً لغالبية سكان المنطقة.

إطفاء حريق وادي النضارة بالحوامات (متداولة)

ولا تستبعد المصادر أن تكون تلك الحرائق في جزء منها مفتعلة، فهناك من «يستثمر في تجارة الحطب والفحم مع اقتراب فصل الشتاء».

وتزدهر تجارة الحطب في سوريا في ظل أزمة الوقود اللازم للتدفئة، دون أي شعور بالمسؤولية تجاه تدمير المساحات الخضراء وتضييع سنوات من تعب المزارعين. في ظل عجز الحكومة، ليس فقط عن «تعويض الخسائر»، وإنما في اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على الحرائق التي تلتهم عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية، رغم علمها المسبق أنه في كل عام وفي مثل هذا الوقت، تتسبب الرياح الشرقية الجافة بانتشار الحرائق واندلاعها في كل الاتجاهات.

إنتاج الزيتون وزيت زيتون السوري يتأثر في ريف حمص الغربي بسبب الحرائق (مواقع)

خبير مطلع قال: «كان يمكن لوزارة الزراعة الإيفاء بوعودها بشق خطوط النار لمنع امتداد الحرائق، كذلك إعادة تأهيل فرق الإطفاء بآليات وسيارات غير تلك المتهالكة، وبفرق بشرية مدربة ومعتنى بها تنال ما تستحق من أجور في هذه المهنة الخطرة». وتفتقر الفرق إلى وقود يمكّن آلياتها من العمل، كما تفتقر إلى عدد كافٍ من صهاريج المياه، ويتم الاعتماد على تبرعات الجهات الأهلية لتأمين الوقود وصهاريج المياه.


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
الولايات المتحدة​ امرأة وزوجها وسط أنقاض منزلهما الذي أتى عليه الحريق في كاماريللو (أ.ب)

حرائق كالفورنيا «تلتهم» أكثر من 130 منزلاً

أكد عناصر الإطفاء الذين يعملون على إخماد حريق دمّر 130 منزلا على الأقل في كالفورنيا أنهم حققوا تقدما في هذا الصدد الجمعة بفضل تحسن أحوال الطقس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ رجل إطفاء يوجه خرطوم مياه نحو النار في منزل دمّره حريق «ماونتن فاير» قرب لوس أنجليس (أ.ف.ب)

السيطرة على حرائق غابات مدمّرة قرب لوس انجليس

بدأ رجال الإطفاء السيطرة على حريق غابات استعر قرب مدينة لوس انجليس الأميركية وأدى إلى تدمير ما لا يقل عن 132 مبنى.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ رجال الإطفاء يخمدون حريقاً  ألحق أضراراً بالعديد من المباني في أوكلاند بكاليفورنيا (رويترز)

كاليفورنيا: المئات يخلون منازلهم بسبب حريق غابات

أعلن مسؤول في إدارة الإطفاء الأميركية إنه تم إصدار أوامر للمئات من سكان شمال ولاية كاليفورنيا بإخلاء منازلهم في أحد أحياء مدينة أوكلاند بسبب حريق ينتشر سريعاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم حريق غابات في قرية فيغا بأغويدا في البرتغال - 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي: الفيضانات وحرائق الغابات تظهر أن الانهيار المناخي بات القاعدة

حذّر الاتحاد الأوروبي من الفيضانات المدمّرة وحرائق الغابات التي تظهر أن الانهيار المناخي بات سريعاً القاعدة، مؤثراً على الحياة اليومية للأوروبيين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لم يشهد سكان غزة، اليوم الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال اللذان أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، فيما قال مسعفون إن 21 شخصاً على الأقل قُتلوا في غارات إسرائيلية جديدة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال مسعفون إن ثمانية أشخاص قُتلوا في غارة استهدفت منزلاً في حي الشجاعية بمدينة غزة في شمال القطاع. كما قُتل ثلاثة آخرون في غارة بالقرب من مخبز، وقُتل صياد في أثناء توجهه إلى البحر. وقُتل تسعة أشخاص في ثلاث غارات جوية شنتها إسرائيل في وسط وجنوب القطاع.

منطقة عازلة

في الوقت نفسه، توغلت القوات الإسرائيلية أكثر في الشمال، وكثفت القصف في هجوم رئيسي تشنه منذ أوائل الشهر الماضي.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يهدف إلى منع مقاتلي حركة «حماس» الفلسطينية من شن هجمات وإعادة تنظيم صفوفهم. ويعبّر سكان عن مخاوفهم من أن يكون الهدف هو إخلاء جزء من القطاع بشكل دائم ليكون منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قال سكان في البلدات الثلاث المحاصرة في الشمال، وهي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية فجرت عشرات المنازل.

وذكرت وزارة الصحة بغزة في بيان أن غارة إسرائيلية استهدفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، وهو إحدى المنشآت الطبية الثلاث التي تعمل بالكاد في المنطقة، مما أسفر عن إصابة ستة من العاملين في المجال الطبي، بعضهم في حالة خطيرة.

وأضافت: «أدى الاستهداف أيضاً إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيسي بالمستشفى، وثقب خزانات المياه لتصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى، حيث يوجد فيه 80 مريضاً و8 حالات بالعناية المركزة».

أميركا والفيتو

وعدّ سكان في غزة قرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى اعتقال اثنين من الزعماء الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بمثابة اعتراف دولي بمحنة القطاع. لكن الواقفين في طابور للحصول على خبز من أحد المخابز في مدينة خان يونس بجنوب القطاع يشكون في أن يكون لهذا القرار أي تأثير.

وقال صابر أبو غالي وهو ينتظر دوره بين الناس: «القرار لا ولن يُنفذ؛ لأن إسرائيل تحميها أميركا، ولها حق الفيتو في كل حاجة، أما إسرائيل فلا ولن تُحاسب».

وقال سعيد أبو يوسف (75 عاماً) إنه حتى لو تحققت العدالة فسيكون ذلك بعد تأخير عقود، «المحكمة الجنائية الدولية اتأخرت كتير، إلنا فوق الستة وسبعين عام بنسمع قرارات اللجنة هذه ولا تنفذ ولا تطبق ولا تعمل إلنا أي شيء».

وشنت إسرائيل حملة عسكرية على غزة رداً على هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

وقال مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن 44 ألف فلسطيني تقريباً قُتلوا في غزة منذ ذلك الحين، وتحول جزء كبير من القطاع إلى ركام.

تعثر جهود الوساطة

وقال ممثلو الادعاء في المحكمة إن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائياً عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحاً في الحرب، في إطار «هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة».

كما أصدرت المحكمة أمر اعتقال لمحمد الضيف، القائد العسكري في «حماس»، الذي تقول إسرائيل إنها قتلته في غارة جوية في يوليو (تموز)، إلا أن «حماس» لم تؤكد أو تنف مقتله.

وتقول إسرائيل إن «حماس» هي المسؤولة عن كل ما يلحق بالمدنيين من أذى في غزة؛ لأن مقاتليها مندسّون بينهم، وهو ما تنفيه الحركة.

وندد سياسيون إسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية بأمري الاعتقال، ورأوا أنهما صدرا بناء على تحيز، واستناداً إلى أدلة كاذبة. وتقول إسرائيل إن المحكمة ليست مختصة بنظر قضايا الحرب. وأشادت «حماس» بأمري الاعتقال بوصفهما خطوة مبدئية صوب تحقيق العدالة.

وتعثّرت جهود الوسيطين، مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتريد «حماس» التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، في حين تعهد نتنياهو بأن الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على «حماس».