الرد الإسرائيلي على طهران... هل بقي تحت السيطرة الأميركية؟

اللبنانيون مرتاحون لصرخة ماكرون بوقف حرب الآخرين على أرضهم

إعلاميون لبنانيون يحملون صور ثلاثة إعلاميين قتلوا في استهداف إسرائيلي لتجمع للصحافيين في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
إعلاميون لبنانيون يحملون صور ثلاثة إعلاميين قتلوا في استهداف إسرائيلي لتجمع للصحافيين في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الرد الإسرائيلي على طهران... هل بقي تحت السيطرة الأميركية؟

إعلاميون لبنانيون يحملون صور ثلاثة إعلاميين قتلوا في استهداف إسرائيلي لتجمع للصحافيين في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
إعلاميون لبنانيون يحملون صور ثلاثة إعلاميين قتلوا في استهداف إسرائيلي لتجمع للصحافيين في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

بدّد الرد الإسرائيلي على إيران المخاوف، ولو مؤقتاً، من توسع الحرب في جنوب لبنان نحو الإقليم، لكونه جاء محدوداً وبقي تحت السيطرة، ما طرح أسئلة حول دور الولايات المتحدة الأميركية في ضبط إيقاعه بعدم تجاوز الخطوط الحمر المعمول بها حسب قواعد الاشتباك التي ظلت صامدة، بخلاف تلك التي أدت إلى تفلُّت الوضع جنوباً، وعزّز الاعتقاد السائد لدى الغالبية اللبنانية بأن الصرخة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه لدى افتتاحه مؤتمر دعم لبنان بوقف حرب الآخرين على أرضه كانت في محلها وقوبلت بارتياح لبناني، خصوصاً وأنه غمز قناة إسرائيل وإيران و«حزب الله»؟

فالرد الإسرائيلي المحدود بمفاعيله جاء بمثابة نسخة عن الرد الإيراني على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق واغتيالها لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، ولن تترتب عليه مضاعفات تستدعي من طهران الرد، طالما أنه لم يشمل المنشآت النفطية والنووية ولم يخرج عن تهديد المرشد الإيراني علي خامنئي بالرد في حال لم يكن محدوداً، إلا إذا ارتأت طهران، كما يقول مرجع سياسي لـ«الشرق الأوسط»، بأن يأتي الرد من لبنان الذي تحوّل ساحة لتصفية الحسابات وتسجيل المواقف التي تعطّل تطبيق القرار 1701.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مجتمعاً مع رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي (أ.ب)

ويسأل المرجع السياسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أين تقف واشنطن من الرد الإسرائيلي؟ وما مدى صحة ما يتردد بأنها تشرف على ضبطها للردود ورعايتها؟ فيما تترك طهران «حزب الله» وحيداً في إسناده لغزة، وإصرارها على ربطها بالجنوب؟

ويؤكد أن إيران تراهن على أن يأتي السباق الرئاسي الأميركي لمصلحة انتخاب نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس لتأمين استمرارية تفاوضها مع واشنطن الذي لم ينقطع رغم تصاعد وتيرة الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل التي تمضي في تدميرها للجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وبلدات بقاعية، رغم أن غاراتها اليومية لم تمكنها من اغتيال قيادات وكوادر ميدانية أسوة بغاراتها السابقة، ومن ثمّ تأتي لتوسيع دائرة التدمير والتهجير للضغط على الحزب والحكومة للتسليم بشروطها لتطبيق الـ1701، لكن على طريقتها.

ويلفت إلى أن رهان إيران على تعويم تفاوضها مع واشنطن يأتي للتعويض عن تراجع نفوذها في الإقليم في ضوء التوتر الذي يسود علاقاتها بدول الاتحاد الأوروبي على خلفية تهديدها لأمنها بوقوفها إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا. ويقول إن وحدة الساحات، التي يتشكل منها محور الممانعة بقيادتها، لم تعد قائمة، وتقتصر فقط على «حزب الله»، ما يدعوها إلى الإمساك بالورقة اللبنانية للإبقاء على نفوذها في المنطقة.

كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة والاستثمار آموس هوكستين (رويترز)

ويؤكد المرجع السياسي أن الرد الإسرائيلي المحدود يدعونا للتساؤل عمّا إذا كانت تل أبيب أودعت مسبقاً الإدارة الأميركية نسخة عن الأمكنة التي حددتها للرد على إيران، وذلك أسوة بما قامت به الأخيرة استباقاً لردها على إسرائيل ثأراً منها لاستهدافها قنصليتها في دمشق واغتيالها هنية؟

ويتوقف أمام الإرباك الذي تتخبط فيه إيران في معرض تناولها لمفاوضاتها مع واشنطن، ويستحضر بهذه المناسبة التناقض الذي أوقع وزير خارجيتها عباس عراقجي نفسه فيه بقوله على هامش زيارته الأخيرة لقطر، إنها مستمرة عن طريق طرف ثالث، لينقلب على أقواله بعد أقل من أسبوع، بتأكيده في أثناء وجوده في سلطنة عمان أنها متوقفة لغياب الأرضية لاستمرارها. ويسأل: لماذا هذا الإرباك؟ وهل جاء بضغط من الحرس الثوري الذي يشرف مباشرة على إدارته للملف اللبناني وكان وراء تمسكه بعدم الفصل بين جبهتي غزة والجنوب؟

ويدعو المرجع السياسي «حزب الله» إلى أن يتجهز للدخول في مرحلة سياسية جديدة فور انتهاء الحرب في الجنوب، لن تكون امتداداً للحالية، إفساحاً في المجال أمام استرداده لدوره بالانخراط في مشروع إعادة بناء الدولة، وهذا يستدعي منه أن يعيد النظر في خياراته السياسية تحت سقف حصرية السلاح بيد السلطة الشرعية بعد أن أقحم لبنان في مواجهة لا حدود لها مع إسرائيل تحت عنوان إسناده لغزة، من دون العودة إلى الحكومة التي وحدها تمسك بقرار السلم والحرب، مع أن خياره في هذا الخصوص لم يكن صائباً ولم يؤدّ إلى إشغالها للتخفيف عن «حماس». ويقول إن الرهان على إلغاء الحزب أو إضعافه في المعادلة السياسية مع تطبيق القرار 1701 ليس في محله، لكن في المقابل لن يكون في مقدوره التمسك بخياراته كممر إلزامي لمد اليد لشركائه في الوطن الذين يتوجب عليهم بأن يعاملوه بالمثل، لكونه واحداً من المكونات الفاعلة في البلد، وهو من أدار ظهره لهم.

المبعوث الأميركي آموس هوكستين خلال لقائه مع برّي ببيروت في 21 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ويؤكد أن لرئيس المجلس النيابي نبيه بري دوراً في إقناع الحزب بمد اليد للآخرين لفتح صفحة جديدة معه، لكونه يتقن سياسة تدوير الزوايا، شرط أن يفوّضه الحزب فعلاً لا قولاً، وذلك باتخاذ القرار السياسي الشجاع الذي من شأنه أن يتيح للبنان أن يسترد مظلوميته أمام المجتمع الدولي التي انتزعتها إسرائيل منه على خلفية إسناد الحزب لغزة، ما قوبل بمعارضة إقليمية ودولية تسببت في إضعاف موقفه، وهو ما يؤدي إلى تحصين الساحة الداخلية وتوحيد الموقف لحشر إسرائيل وعبرها الولايات المتحدة للسير قدماً لوقف حربها المدمّرة.

ويؤيد الرأي القائل إن ما انتهى إليه مؤتمر باريس يشكل إحراجاً للحزب ويضعه أمام ضرورة إعادة النظر في خياراته، لأن ما صدر عنه تجاهل أي إشارة لمقاومته إسرائيل، لا بل شكل انتقاداً له أسوة بإيران، وبلهجة أشد لإسرائيل، عبّر عنه ماكرون في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ويسأل: ما الجدوى من استمرار الحزب في مكابرته وعناده، وهو يدرك أن التحاقه بمحاور الصراع في المنطقة تسبب للبنان الانكشاف عربياً ودولياً وأفقده شبكة الأمان التي لا بد منها للخروج من أزماته المتراكمة؟

لذلك؛ ليس مطلوباً من الحزب التسليم بشروط إسرائيل أو الاستسلام لها بمقدار ما أن تكون هناك ضرورة لفتح ثغرة في انسداد الأفق لوقف التدمير الإسرائيلي للبنان، وإن كان يراهن على الصمود في الميدان، ما يدعو إسرائيل لأن تعيد النظر في حساباتها لإعادة طرح النداء الأميركي - الفرنسي على الطاولة رغماً عن إرادة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، في مقابل استعداد الحزب للوقوف وراء الدولة في مفاوضاتها لتطبيق الـ«1701».


مقالات ذات صلة

5 قتلى بغارة إسرائيلية استهدفت مدينة صور في جنوب لبنان

المشرق العربي تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

5 قتلى بغارة إسرائيلية استهدفت مدينة صور في جنوب لبنان

أفادت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم الاثنين، بسقوط خمسة قتلى جراء غارة إسرائيلية استهدفت مدينة صور في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز)

تعويل لبناني على «خسائر إسرائيل» لوقف الحرب

يسود انطباع في لبنان مفاده أنه لا يوجد طريق لوقف الحرب الإسرائيلية البرية ضد «حزب الله»، في ظل غياب الحراك السياسي الجدي، إلا بارتفاع الخسائر في صفوف المهاجمين.

كارولين عاكوم (بيروت)
العالم العربي آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية ببيروت (أ.ف.ب)

مقتل 3 مسعفين بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 3 مسعفين من جمعية الرسالة التابعة لـ«حركة أمل»، الحليف الرئيسي لـ«حزب الله»، الأحد، في غارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز) play-circle 00:29

تقييم الخسائر الإسرائيلية يحدد مصير المعركة البرية على لبنان

يُسجَّل في الفترة الأخيرة سقوط قتلى للجيش الإسرائيلي على جبهة جنوب لبنان بشكل شبه يومي، في المعركة البرية التي تقترب من بلوغ شهرها الأول.

كارولين عاكوم (بيروت)
شمال افريقيا فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: جولة جديدة للوسطاء لبحث «المقترح المصغر»

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في القاهرة، الأحد، إن بلاده أطلقت مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة ليومين

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

5 قتلى بغارة إسرائيلية استهدفت مدينة صور في جنوب لبنان

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

5 قتلى بغارة إسرائيلية استهدفت مدينة صور في جنوب لبنان

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

أفادت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم الاثنين، بسقوط خمسة قتلى جراء غارة إسرائيلية استهدفت وسط مدينة صور في جنوب لبنان، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال مصور للوكالة إنه رأى مبنى سكنياً منهاراً بالكامل، بينما أزال آخرون الركام الذي يتصاعد منه الدخان.

وقُتل 21 شخصاً على الأقل، أمس، في غارات عدّة شنّتها إسرائيل على جنوب لبنان، حيث يقول الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف معاقل لـ«حزب الله».

من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، أن خمسة جنود «سقطوا في القتال»، أول من أمس، في جنوب لبنان، ليرتفع عدد الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا منذ بدء الهجوم البري في لبنان، في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 37 جندياً. وقال الجيش، في بيان، إنه «جرى السماح بنشر أسماء أربعة جنود سقطوا في القتال بجنوب لبنان»، موضحاً أن أربعة جنود آخرين أُصيبوا بجروح خطيرة في القتال. وأعلن، في وقت لاحق، مقتل جندي خامس في الظروف نفسها، دون أن يحدد ما إذا كان من بين الجرحى أم لا. وينتمي الجنود الخمسة وجميعهم من قوات الاحتياط، إلى الكتيبة نفسها.

وقضى في لبنان ما لا يقلّ عن 1620 شخصاً جرّاء النزاع، منذ 23 سبتمبر الماضي، وفق إحصاءات للوكالة تستند إلى أرقام وزارة الصحة.