النزوح ينعش أسواق طرابلس ومناطق جبل لبنان

التجار يعانون صعوبات في استيراد البضائع من الخارج

حركة ناشطة في سوق ساحة التل فر طرابلس بشمال لبنان (الشرق الأوسط)
حركة ناشطة في سوق ساحة التل فر طرابلس بشمال لبنان (الشرق الأوسط)
TT

النزوح ينعش أسواق طرابلس ومناطق جبل لبنان

حركة ناشطة في سوق ساحة التل فر طرابلس بشمال لبنان (الشرق الأوسط)
حركة ناشطة في سوق ساحة التل فر طرابلس بشمال لبنان (الشرق الأوسط)

في قلب مدينة طرابلس، حيث السوق الشعبي، بالقرب من ساحة التل، تدخل سيدة نازحة أحد محال الألبسة هناك، وتسأل عن سترة صوفية تقي من برد أكتوبر (تشرين الأول).

تقول السيدة لـ«الشرق الأوسط»: «نزحت إلى الفوار، في قضاء زغرتا، قبل شهر. حينها جلبت معي ثياباً صيفية، لكن درجات الحرارة باتت تنخفض جداً في الليل وعند ساعات الصباح الأولى، لذا أتيت اليوم إلى السوق لأشتري ثياباً شتوية».

وبات سوق طرابلس، وهو سوق شعبيّ تراثيّ يعود بناؤه لعدة قرون سابقة، مقصد النازحين، يأتون إليه من مناطق قريبة وبعيدة لشراء ما يحتاجونه من خضار وحلويات وملابس وحاجيات أساسيّة أخرى، بأسعار زهيدة. وهو في الأصل، يشكل قبلة أهالي المنطقة من أبناء الدخل المحدود والفقراء، وكذلك السياح، عرباً وأجانب، الذين يتجولون في شوارعه ويتذوقون مأكولاته الشعبيّة، مثل الكعكة الطرابلسية والمغربية، ويشترون حلويات لطالما ذاع صيتها.

متاجر الملابس شهدت إقبالاً ملحوظاً (الشرق الأوسط)

إقبال ملحوظ

يقول أحد أصحاب المحال التجاريّة لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد، لقد لمسنا إقبالاً ملحوظاً على شراء الألبسة، لكن أكثره كان على تخفيضات نهاية الموسم». ويضيف: «شراء الملابس ليس خياراً بالنسبة لنازحين كثر. هم مضطرون بسبب تبدل أحوال الطقس، من معتدل إلى بارد، ولأنهم أخرجوا معهم عند النزوح بضع حاجيات لم ولن تكفيهم في الأيام المقبلة».

ويروي التاجر حكايا الناس مع النازحين ممن قصدوه لشراء الملابس، ومآسي أصدقاء وأقارب له، منهم من دُمر بيته في بيروت، وآخر قتلته إسرائيل في غارة على مقر البلدية في منطقة النبطية (جنوب لبنان). ويقول: «نعيش تفاصيل الحرب اليوميّة من خلال وجوه الناس النازحة، التي تختلف ملامحها عمن يقصدوننا للتسوق من أهالي المنطقة هنا».

ويُحدثنا التاجر عمّا يعانيه التجار بالمقابل، من أزمات من نوع آخر، فيخبرنا عن البضاعة التي كان ينوي شحنها، وسفره المؤجل إلى تركيا، ويتساءل: «من يضمن لنا أن البضاعة التي نود شحنها ستصل إلى لبنان؟ وفي حال سافرت أنا، من يضمن لي أن المطار لن يتوقف عن تسيير رحلاته في حال حدوث أيّ تطور جديد؟ نحن في حرب مع عدو همجي ليست لديه أيّ خطوط حمر أو قيم إنسانيّة، وأنا لا أريد أن أبقى خارج البلاد».

ونسأله: «كيف يشتري التجار بضاعتهم؟»، فيقول: «أونلاين، ولكن ليس كما يجب، وبالتالي يبيع غالبيّة التجار اليوم ما توفر داخل مخازنهم». ويتابع: «تكلفة الحجز على متن الطائرة إلى تركيا وعلى لائحة الانتظار بلغت راهناً 650 دولاراً، في حين كانت في وقت سابق لا تتخطى 250 دولاراً».

خارج السوق

في أحد شوارع القبة، تحديداً شارع الجديد هناك، يقول أحد أصحاب المحال التجاريّة لـ«الشرق الأوسط»: «تضاعف المبيع لدي منذ نزحت العائلات اللبنانيّة مع بداية العدوان إلى المنطقة، خصوصاً وأنني أبيع حاجيات أساسية تحتاجها كل عائلة في أيّ منزل، مثل أدوات التنظيف وأدوات المطبخ وحاجيات أخرى كثيرة». ويضيف: «في هذه الفترة، زاد مدخولي بشكل ملحوظ».

وقد لمس التجار، كما الناس، ارتفاع الأسعار في طرابلس والشمال عموماً، مقارنة مع ما قبل العدوان، وهذا ما يؤكده صاحب متجر في القبة: «لقد ارتفعت أسعار الجملة علينا، ما اضطرنا حكماً لرفع الأسعار على الزبائن، ونحن نخاف من استمرار ارتفاعها طوال فترة النزوح والحرب»، علماً بأن أسعار السلع تختلف بين محل وآخر في الشارع نفسه، وكذلك بين منطقة وأخرى داخل طرابلس.

الحركة في أحد شوارع طرابلس (الشرق الأوسط)

مناطق الجبل أيضاً

على امتداد مناطق النزوح، لا سيّما في المناطق الجبلية، مثل جبيل وعاليه والشوف وغيرها من المناطق، نشطت حركة البيع والشراء، ولو بنسب مختلفة، وفي قطاعات محددة، وهذا ما يؤكده عضو المجلس البلدي في عاليه فادي شهيب لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لقد نشطت حركة البيع والشراء في مدينة عاليه، خصوصاً وأن أعداد الناس المستأجرة في المنطقة كبيرة، وبالتالي فإن عائلات كثيرة احتاجت لشراء لوازمها الأساسية لها وللمنازل التي سكنتها، وكذلك هي اليوم تقوم بشراء الملابس بسبب تبدل الأحوال الجوية وانخفاض درجات الحرارة في المنطقة، وهي جبلية باردة».

أما القطاعات التي نشطت فهي «المأكولات والمواد الغذائية والملابس، تحديداً ذات الأسعار المقبولة، وبات عليها إقبال من قبل النازحين، بالإضافة إلى سكان المنطقة، فيما لم تنشط قطاعات تجاريّة أخرى ليست ضرورية لهم».

اللافت أيضاً أن القطاع التربوي كانت له حصته في المدينة، إذ يقول شهيب، وهو صاحب إحدى المكتبات، إن «حركة البيع في المكتبة زادت لسببين: الأول يتعلق بتدريس الأطفال أونلاين (عن بعد)، والثاني هو الترفيه عنهم من خلال الكتابة والرسم وتعليمهم معارف جديدة».

من جهتها، تؤكد نائب رئيس جمعية المستهلك في لبنان ندى نعمة لـ«الشرق الأوسط»، أن «النزوح انعكس إيجاباً على حركة السوق في مناطق جبلية مثل عالية وسوق الغرب وحتّى بشامون وعرمون، وفق ما لمسته الجمعية خلال الجولة التي قامت بها في الأيام الماضية، حتّى أن بعض التجار قالوا إن الإقبال على شراء السلع ليس له مثيل منذ افتتاح محالهم في البلدات المذكورة».

مشهد من أحد شوارع السوق في طرابلس (الشرق الأوسط)

الحاجات الضرورية فقط

هذا التحسن الذي لمسه التجار، لم يتبلور بعد في الأرقام والإحصاءات، إذ يقول رئيس غرفة التجارة في طرابلس ولبنان الشمالي توفيق دبوسي لـ«الشرق الأوسط»: «وفق التقارير التي وصلتنا، لا يبدو أن النزوح أثر بشكل كبير على الحركة الاقتصادية، وذلك بسبب ظروف النازحين الصعبة للغاية والإمكانات المحدودة والوضع النفسي والمعنوي الذي لا يسمح لغالبيتهم بالتسوق، وكذلك الأخذ في الاعتبار طول أمد الحرب، ما يجعلهم يتأنون في صرف السيولة التي يملكونها».

ويضيف: «لذا اقتصرت الحركة الاقتصادية راهناً على شراء الاحتياجات الضرورية للغاية، من قبل فئة من النازحين المقتدرة مادياً، وتمكنت من دفع تكلفة إيجار وحدات سكنية، في حين ينتظر غيرهم من النازحين المقيمين في مراكز الإيواء المساعدات التي ترسل إليهم».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

شؤون إقليمية جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (رويترز)

تقرير: إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي، اليوم (الاثنين)، نقلا عن مسؤول إسرائيلي بأن بلاده اتخذت قرارا بالمضي قدما نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي خلفهها صاروخ ل"حزب الله" في "بتاح تكفا" قرب تل أبيب أمس (أ.ف.ب)

بيروت ـــ تل أبيب... يوم الصواريخ والغارات

عاش لبنان وإسرائيل، أمس، يوماً عنيفاً من الغارات والصواريخ؛ إذ شنّت إسرائيل عشرات الغارات، بعضها على ضاحية بيروت الجنوبية وفي الجنوب حيث مسحت حياً بأكمله، في…

كارولين عاكوم (بيروت)
شؤون إقليمية نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض صاروخاً في مدينة نهاريا شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجومين بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلنت فصائل عراقية مسلحة، يوم أمس (الأحد)، مسؤوليتها عن هجومين بالمسيرات على مواقع في جنوب إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)

«حزب الله» يعلن تدمير 6 دبابات إسرائيلية في جنوب لبنان

أعلن «حزب الله» أنه دمر، الأحد، 6 دبابات «ميركافا» إسرائيلية في جنوب لبنان، 5 منها في بلدة البياضة الساحلية الاستراتيجية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
TT

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم الأحد، إن مصر قد تكون الأكثر تضرراً بالتصعيد الحالي في البحر الأحمر.

وأوضح الوزير، في مؤتمر صحافي بالكويت، إن «مزيداً من العسكرة في البحر الأحمر يضر ضرراً بالغاً بالتجارة العالمية والاقتصاد المصري»، وفقاً لوكالة «رويترز».

وتابع عبد العاطي: «خاصة أن هناك تراجعاً كبيراً في عائدات قناة السويس نتيجة التصعيد (غير المقبول) في البحر الأحمر».

وقال عبد العاطي إنه تحدث مع وزير خارجية الكويت عن الأوضاع «الكارثية» في البحر الأحمر والتصعيد الحالي، الذي يؤثر على حركة الملاحة الدولية.

وأضاف: «إذا كانت هناك جدية لمنع التصعيد، لا بد من معالجة جذور المشكلة وهي بطبيعة الحال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وأيضا على لبنان حتى لا نعطي الذريعة لأي طرف».

وأكد أن «الاستقرار أمر هام جداً ولن يتحقق الاستقرار إلا بمعالجة جذور المشكلة ووقف هذا العدوان الغاشم».

وتشن جماعة «الحوثي» اليمنية هجمات تستهدف السفن في مدخل البحر الأحمر تقول إنها ضد سفن متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.