أصبح الطريق غير سالك أمام مستشفى جنين في الضفة الغربية المحتلة، بعدما دمّره الجيش الإسرائيلي خلال عملية مؤخراً، وبات التنقل بين أكوام الركام والطين صعباً على المرضى وسيارات الإسعاف، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
وقال مدير المستشفى وسام بكر: «من الصعب جداً على المرضى ومن الخطير أيضاً، الوصول إلى المستشفى أثناء الاشتباكات، وبالتالي لا يتمكن كثير من المرضى من الوصول»، لافتاً إلى أنه في غالب الأحيان تتمركز «آليات عسكرية أمام مدخل المستشفى».
وأضاف أن من بين المرضى من «يحتاجون إلى مراقبة منتظمة مثل مرضى غسل الكلى، والنساء الحوامل، ومن يحتاجون إلى علاج كيميائي»، علماً أن تأخر هؤلاء عن تلقي العلاج قد يهدد حياتهم.
وخلال عام، نفّذ الجيش الإسرائيلي عدة عمليات توغل وصفها بـ«عمليات لمكافحة الإرهاب»، في مخيم اللاجئين في مدينة جنين التي تعدّ معقلاً لفصائل فلسطينية مسلحة.
وقال عاملون في مجال الرعاية الصحية وسكان إن سيارات إسعاف تعرضت لنيران الجيش الإسرائيلي ولتفتيش منهجي.
وأكدوا أيضاً أن المنطقة المحيطة بالمستشفى العام طوّقت.
وقال حازم مصاروة، وهو سائق سيارة إسعاف منذ عقود في المخيم، إن ظروف عمله معقدة جداً.
وأفاد بأن العقبات ازدادت بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تاريخ الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» الفلسطينية على إسرائيل.
وتردّ إسرائيل بحملة قصف مدمّرة وعمليات برّية في قطاع غزة منذ ذلك الحين، بينما تفاقم الوضع في الضفة الغربية.
وأضاف مصاروة: «بعد 7 أكتوبر يغلق (الجيش الإسرائيلي) مداخل المستشفيات في كل مرة يدخل فيها» المنطقة. وأكد أن «هذا واقع» وبات أمراً «روتينياً».
وأكد أنه شهد وفاة شخصين بسبب نقص الرعاية خلال عام واحد في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة أيضاً، سجّل الهلال الأحمر الفلسطيني منذ عام «804 انتهاكات» لمهامه الطبية ووفاة 14 شخصاً «لأنهم مُنعوا من تلقي خدمات طبية طارئة كانوا يحتاجون إليها».
وقال الجيش الاسرائيلي، رداً على سؤال لوكالة «فرانس برس»، إن هذه روايات «كاذبة»، لافتاً إلى أن سيارات الإسعاف استخدمها «إرهابيون بشكل مسيء».
«بين الحياة والموت»
خلال ليلة 1 إلى 2 سبتمبر (أيلول)، وبينما كان الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات في المخيم منذ 10 أيام، كانت أميمة عوضين على وشك الولادة، قبل أن تتمكن سيارة إسعاف من الوصول واصطحابها من منزلها.
وجالت سيارة الإسعاف لمدة 4 ساعات، متّبعة أوامر وأوامر مضادة من الجيش الإسرائيلي، بينما كانت انقباضات الولادة تتواتر. وقالت أميمة إنها شعرت أنها «بين الحياة والموت». وأضافت: «سألت نفسي مراراً: من سيعتني بأطفالي؟».
ووصلت أخيراً إلى مستشفى خاص حيث أنجبت طفلها، لكن الأم والابن يعانيان من مضاعفات. وفي الحي الذي تسكن فيه أميمة، تضرر الطريق أيضاً جراء التوغلات، وتبدو آثار الرصاص على المباني. وعلى مسافة غير بعيدة، يحمل عدد قليل من الشباب بنادق «إم 16» ويقفون على مقربة من منازل مدمّرة.
وأكد ممرض في قسم الطوارئ أن «المرضى يدخلون المستشفى بأحذية غارقة بالطين الممزوج بالغبار». وفي الشارع، تنبعث روائح الصرف الصحي الكريهة من أنابيب تحت الأرض دمرتها جرافات.
وتساءلت نجاة، وهي زوجة أحد مرضى غسل الكلى: «هل يمكننا أن نعيش هكذا؟» متحدثة عن عدم تمكن زوجها من الحصول على العلاج بانتظام منذ عدة أشهر.
وقالت: «تواصل إسرائيل مهاجمة الضفة الغربية بالتوازي مع قطاع غزة، ليس بالسلاح فقط، ولكن أيضاً عبر منع الناس من الحصول على علاج». وأضافت: «قد يموت زوجي إذا لم يقم بغسل الكلى».
وأكد بكر أن المستشفى نظّم عمليات نقل مرضى إلى مستشفيات أخرى، ولا سيما نابلس (شمال)، وتقوم منظمات غير حكومية بتدريب بعض السكان على الإسعافات الأولية.
وغادرت أم أكرم مخيم جنين خلال عملية عسكرية، نهاية أغسطس (آب)، إذ لم ترغب أن تبقى ابنتها التي تعاني من ارتفاع في ضغط الدم «10 أيام من دون دواء».
وعندما عادت، وجدت منزلها «مقلوباً رأساً على عقب»، وأوضحت أن الجنود دخلوه. وأعربت عن أسفها لأن حديقتها تعرضت لحريق بعد انفجار، مؤكدة أنها دفعت هذا الثمن للحفاظ على صحة ابنتها.