مواجهات برية «صعبة» في جنوب لبنان... وإسرائيل تحاول تجنب الخسائر البشرية

مقتل أربعة جنود وسقوط قتلى وجرحى مدنيين في الجليل

جانب من الدمار في ضاحية بيروت الجنوبية التي شهدت ليلة عنيفة من القصف (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في ضاحية بيروت الجنوبية التي شهدت ليلة عنيفة من القصف (أ.ف.ب)
TT

مواجهات برية «صعبة» في جنوب لبنان... وإسرائيل تحاول تجنب الخسائر البشرية

جانب من الدمار في ضاحية بيروت الجنوبية التي شهدت ليلة عنيفة من القصف (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في ضاحية بيروت الجنوبية التي شهدت ليلة عنيفة من القصف (أ.ف.ب)

تحتدم المعركة البرية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي الذي يحاول التقدم عبر محاور عدّة، في حين تتسم مقاومة عناصر «حزب الله» بالصمود حتى الآن، ولا سيما مع تجنّب تل أبيب الزج بمزيد من الآليات والعدد الكبير في هذه المواجهة؛ خشية خسارة عدد كبير من عناصرها، الذين سقط منهم أربعة في جنوب لبنان، خلال الساعات الأخيرة، وفق ما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية ليرتفع العدد إلى نحو 14 خلال 24 ساعة.

هذا في وقت يتواصل فيه القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، التي عاشت ليلة وُصفت بأنها الأعنف، في حين استمر القصف على الجنوب، حيث سقط مزيد من القتلى والجرحى، مقابل مواصلة «حزب الله» قصفه شمال إسرائيل بالصواريخ، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بسقوط إصابات.

ويتحدث العميد المتقاعد والخبير العسكري حسن جوني عن المعركة البرية المستمرة في جنوب لبنان، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، واصفاً إياها بـ«الصعبة» على الطرفين. ويقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعركة البرية تشهد احتداماً في المواجهات، حيث هناك إصرار إسرائيلي على التوغّل البري، وصمود من «حزب الله»، والتركيز، اليوم، ينصبّ على محور العديسة - رب ثلاثين - الطيبة، وفي محيط عيتا الشعب.

ويوضح: «يحاول الجيش الإسرائيلي التوغل عبر محاولات متكررة للاختراق على خمسة محاور بهدف تشتيت قوات (حزب الله)، وتشتيت قدراتها النارية، لكن التركيز، اليوم، على الاتجاه الشرقي باتجاه بلدة الطيبة»، مضيفاً: «يحاول الجيش الإسرائيلي أن يضغط عسكرياً ليتقدم باتجاه بلدة الطيبة، حيث يلقى مقاومة شرسة من قبل (حزب الله)، ما يجعله يبدل في محاولات التقدم، كما فعل، قبل يومين، في محاولة الدخول عبر بلدة رب ثلاثين (إلى الطيبة)، ومن ثم عبر العديسة، لكنه قُوبل بمواجهة شرسة من قِبل عناصر (حزب الله)».

ويلفت جوني أيضاً إلى محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل باتجاه عيتا الشعب، والالتفاف عليها من جهة الغرب، وهو ما لم ينجح فيه حتى الآن، وتشهد مواجهات مباشرة بين الطرفين في موازاة تعرض البلدة لقصف وغارات جوية مكثفة، متوقفاً عن استعدادات الحزب اللافتة لهذه المواجهة على الأرض». ويصف معركة عيتا الشعب بـ«الصعبة على الطرفين»، مضيفاً: «لكن ثبات (حزب الله) يدل على قدرات ميدانية لافتة تمكنت، حتى الآن، من التصدي للتفوق العسكري الناري».

ويتوقف جوني عند نقطة عسكرية أساسية تسهم إلى حد كبير في هذا التوازن؛ وهو عدم اتخاذ الجيش الإسرائيلي قراراً بزج عدد كبير من الدبابات والآليات، خشية الاستهداف المباشر، «وهذه تشكل معضلة بالنسبة إليه، بحيث إن عدم إدخالها لن يمكّنه من التوغّل لمسافة بعيدة»، مضيفاً: «عليه أن يقبل بالخسائر البشرية إذا أراد أن يتابع تقدمه وتوغله، وبكل الأحوال إذا استطاع التوغل فسيكون في الداخل عرضة للاستهداف بشكل أكبر».

ويلفت جوني إلى محور جديد يعمل عليه الإسرائيلي، منذ ثلاثة أيام، في منطقة كفرشوبا بمزارع شبعا، لإشغال الحزب، ولفصل جبهة الجنوب عن الجولان في المستقبل، إذا تطورت الأمور أكثر، معبراً عن اعتقاده أن مهمة الفرقة، التي تعمل على هذه الجبهة، دفاعية أكثر منها هجومية.

ويحافظ «حزب الله» على موقفه، حيث لم تتقدم القوات الإسرائيلية أكثر من أربعة أو خمسة كيلومترات في لبنان، في أبعد نقطة، وفق ما نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤول لبناني، في حين وصف مسؤول في القوات الإسرائيلية «حزب الله» بـ«إنهم خصم قوي». وأشار، للوكالة نفسها، قائلاً: «إن مقاتلي (حزب الله) مدربون بشكل أفضل، وأكثر خبرة بعد القتال في سوريا، ومسلّحون بأسلحة أكثر تقدماً مما كانوا عليه في عام 2006، خلال حربهم الأخيرة مع إسرائيل».

وفي إطار هذه المواجهات البرية، التي يسجل بعضها في القرى اللبنانية، أعلن «حزب الله» أنه «استهدف دبابة ميركافا على أطراف بلدة مروحين في جنوب لبنان، بصاروخ موجّه، مما أدى إلى احتراقها وقتل وجرح طاقمها»، كما استهدف «تجمعاً لجنود إسرائيليين عند الأطراف الشرقية لبلدة عيترون بقذائف المدفعية»، إضافة إلى تجمع على أطراف مروحين بصاروخين موجهين، وأوقعوا فيه إصابات مؤكَّدة.

قصف متبادل وقتلى مدنيون وعسكريون في إسرائيل

واستمر القصف على جنوب لبنان، في موازاة استمرار إطلاق «حزب الله» صليات الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل، حيث أعلن سقوط قتلى وجرحى، كما نفّذ هجوماً جوياً بسِرب من المُسيرات الانقضاضية على موقع البغدادي، وأصابت أهدافها بدقة، وفق بيان له.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بمقتل أربعة جنود في لبنان، ووقوع إصابات في استهداف بلدة شوميرا بالجليل الغربي، ليعود بعدها ويعلن الحزب أنه استهدف جمعاً للقوات الإسرائيلية في ثكنة شوميرا بِصلية صاروخية.

وبعد الظهر، أفاد الجيش الإسرائيلي بمقتل شخصين في مجد الكروم بالجليل، على أثر سقوط شظايا صاروخ اعتراضي على صاروخ من لبنان، وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى إصابة سبعة أشخاص.

في المقابل، أعلن «حزب الله» سلسلة عمليات، مشيراً إلى أنه استهدف تجمعاً للقوات الإسرائيلية في مستعمرة المنارة، وآخر في مستعمرة المالكية، وموقع حبوشيت بِصليات صاروخية. وقال، في بيان آخر، إنه «في إطار ‏سلسلة عمليات خيبر، ورداً على الاعتداءات والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني، وبنداء (لبيك ‏يا نصر الله)، قصف مجاهدو المقاومة، الجمعة، قاعدة الكرمل (جنوب حيفا)، بصلية صاروخية نوعية». وأعلن «حزب الله» أن مقاتليه قصفوا مستعمرة كرمئيل، ومن ثم مدينة صفد المحتلة بِصلية صاروخية.

كما نفذوا هجوماً جوياً بِسرب من المُسيرات الانقضاضية على «قاعدة فيلون (مقر ومخازن طوارئ فرقتيْ 36 و210) شرق مدينة صفد، وأصابت أهدافها بدقة».

وفي جنوب لبنان، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن «عدداً من قرى القطاع الغربي في قضاء صور تعرضت، منذ الصباح، لغارات جوية ولقصف مدفعي عنيف استهدف قرى الضهيرة، وزبقين، وطير حرفا، وأطراف علما الشعب، ويارين، ومروحين، وصولاً إلى عيتا الشعب وراميا». كما قصفت المدفعية بقذائف فوسفورية المناطق الحدودية في القطاع الغربي أدت إلى اشتعال النيران بالأحراج وفي بساتين الزيتون، وتضرر أعداد من المنازل.

وبعد الظهر، أفادت «الوكالة الوطنية» بغارة على تلة حمامص في سردة، مشيرة إلى أن الإسرائيليين يقومون بعمليات تفجير وتفخيخ لمنازل في بلدة كفركلا سُمع صداها في أرجاء الجنوب، وتصاعدت أعمدة الدخان بكثافة. كذلك نفّذ الطيران الإسرائيلي غارة على مبنى في بلدة خربة سلم، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين.

ليلة عنيفة على الضاحية الجنوبية

وساد الهدوء الحذِر ضاحية بيروت الجنوبية، خلال ساعات نهار الجمعة، بعد ليلة وُصفت بأنها كانت الأعنف.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطيران الحربي الإسرائيلي شنّ سلسلة غارات استهدفت الضاحية الجنوبية ليلاً، بدءاً من الشويفات العمروسية، مروراً بحارة حريك ومنطقة السان تيريز، وصولاً إلى محيط برج البراجنة، كان أعنفها في الشويفات العمروسية، حيث دمرت مبنيين وأشعلت حريقاً كبيراً، وغطّت سحب الدخان الأسود المنطقة، كما تسببت الغارة، التي استهدفت منطقة السانت تيريز، بانهيار مبنيين قرب المجلس الدستوري.

والجمعة، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن طائرات سلاح الجو الحربية، وبتوجيه استخباري دقيق، شنّت ليلاً غارات استهدفت عدة مواقع لإنتاج وسائل قتالية ومقرات تابعة لركن الاستخبارات ومنظومة الدفاع الجوي، التابعة لـ«حزب الله» في بيروت.


مقالات ذات صلة

بن غفير يصف وقف إطلاق النار مع «حزب الله» بأنه «خطأ تاريخي»

شؤون إقليمية إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة في القدس... 3 يناير 2023 (رويترز)

بن غفير يصف وقف إطلاق النار مع «حزب الله» بأنه «خطأ تاريخي»

قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، إنه سيعارض اتفاق وقف إطلاق النار مع «حزب الله»، ووصفه بأنه «خطأ تاريخي».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة نتنياهو يصلان إلى مطار سيدني في أستراليا 22 فبراير 2017 (رويترز)

زوجة نتنياهو تطلب اعتبارها ضحية لهجوم استهدف منزل العائلة

طلب محامي سارة نتنياهو - زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - من المحكمة الاعتراف بزوجة رئيس الوزراء كضحية لهجوم استهدف منزلهما في قيسارية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري سيارة إسعاف بموقع استهدفته غارة إسرائيلية في بيروت (رويترز)

تحليل إخباري خبراء لـ«الشرق الأوسط»: اتفاق وقف إطلاق النار لا يمنع عودة «حزب الله» إلى ما كان عليه

هل الاتفاق، الذي يبدو أنه جُزّئ بين «حزب الله» و«إسرائيل»، يعني أن يدَ «الحزب» العسكرية ستبقى طليقة في لبنان.

إيلي يوسف (واشنطن)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب متلفز للإعلان عن موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان (أ.ب) play-circle 00:30

نتنياهو: سنوافق على اتفاق وقف إطلاق النار

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الثلاثاء)، أن الحكومة الأمنية ستوافق هذا المساء على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، مع «حرية الحركة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)

المحكمة توافق على تأجيل شهادة نتنياهو 7 أيام

وافقت المحكمة المركزية في القدس على طلب نتنياهو بشكل جزئي، وقررت تأجيل بدء الاستماع لشهادته 7 أيام.

نظير مجلي (تل أبيب)

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

TT

المشهد الأخير لحرب إسرائيل على لبنان: تصعيد لرسم «صورة النصر»

صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
صورة للدخان الناجم عن 20 غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

يتسابق كل من «حزب الله» وإسرائيل لرسم صورة الانتصار أمام جمهوره في الساعات الأخيرة للحرب، فيحاول الطرفان تحقيق المكاسب العسكرية والمعنوية أمام جمهوره قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار المتوقع، ليبقى السؤال؛ لمن ستكون الطلقة الأخيرة في هذه الحرب التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى في لبنان ودمّرت آلاف المنازل وهجّرت أكثر من مليون نازح، معظمهم لا يعرف الوجهة التي سيسلكها بعد وقف آلة الحرب؟!

وكانت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، التي أعلنها الأخير تحت عنوان «إسناد غزة» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 قد اتخذت منحى تصعيدياً في 23 سبتمبر (أيلول) 2024 بقرار من تل أبيب، لتتوسع وتشمل كل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، أي بشكل أساسي المناطق المحسوبة على «حزب الله» والطائفة الشيعية، واستمرت بالوتيرة نفسها لمدة أكثر من شهرين، قبل أن يبدأ العمل جدياً على وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين.

تصعيد متدرج وساعات صعبة على اللبنانيين

ومع بدء ملامح التوافق على الحلّ الذي يرتكز بشكل أساسي على قرار مجلس الأمن 1701، رفع الطرفان راية التصعيد في المشهد الأخير للحرب مستفيدين من الساعات الأخيرة «لتحقيق الإنجازات» العسكرية والسياسية.

ومنذ بدء الحديث عن تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، شهدت المواجهات تصعيداً غير مسبوق، بحيث ارتكبت إسرائيل مجزرة في منطقة البسطة القريبة من وسط بيروت، صباح السبت، أدت إلى مقتل 29 شخصاً، وكانت المواجهات أكثر حدّة يوم الأحد بإطلاق «حزب الله» أكثر من 300 صاروخ باتجاه مستوطنات الشمال حيث سُجل سقوط جرحى، ووصل منها إلى تل أبيب، معيداً بذلك تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في موازاة الغارات والقصف المتنقل بين الجنوب والبقاع والضاحية التي تعرضت ليلاً لزنار نار عبر استهدافها بأكثر من 11 غارة، ما أدى إلى دمار هائل في المباني.

كذلك، شهدت بلدة الخيام ليلة عنيفة، في استمرارٍ لمحاولة التوغل الإسرائيلية وتفخيخ الجيش للمنازل والأحياء.

وفيما استمر التصعيد يوم الاثنين بارتكاب إسرائيل عدداً من المجازر في البقاع والجنوب، عاش اللبنانيون ساعات صعبة على وقع المعلومات التي تشير إلى تحديد موعد وقف إطلاق النار، وشنّت سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية بعد إصدار أوامر إخلاء هي الأكبر من نوعها منذ بداية الحرب ، بحيث طال زنار نار 20 مبنى في الحدث وحارة حريك والغبيري وبرج البراجنة، وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 20 هدفاً إرهابياً خلال 120 ثانية.

 

الدخان يغطي سماء الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفت الثلاثاء بأكثر من 20 غارة (رويترز)

وفي الجنوب، حيث تدور مواجهات شرسة في محاولة الجيش الإسرائيلي التوغل إلى بلدة الخيام، نشر المتحدث باسمه صوراً لجنود قال إنها عند «نهر الليطاني»، وأشارت المعلومات إلى أن الجنود وصلوا إلى مجرى النهر من دير ميماس، التي دخلوا إليها قبل أيام .

وعلى وقع هذا التصعيد، بدأ الطرفان بترويج فكرة «الانتصار» أمام جمهورهما، فـ«حزب الله» ربط «التقدم في اتصالات وقف إطلاق النار بالصواريخ التي أطلقها السبت على تل أبيب ومستوطنات الشمال»، فيما يقول المسؤولون الإسرائيليون، في «رسالة طمأنة» لسكان الشمال الذين يتخوفون من وجود «حزب الله» على الحدود، إن الدولة العبرية ستتصرف بحزم عند أي خرق، مثل إعادة تسلح الحزب.

 

تحقيق آخر الأهداف لـ«إعلان النصر»

ويربط أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور عماد سلامة، التصعيد العسكري من قبل إسرائيل بالإسراع بتحقيق الأهداف المؤجلة قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما يحاول «حزب الله» عبر إطلاق الصواريخ أن يثبت أن قدراته العسكرية لا تزال قوية وأنه لم يهزم.

ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط»: «في اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، يسعى كل طرف إلى إعلان النصر كوسيلة أساسية لتسويق التسوية كمكسب، وليس كتنازل أو هزيمة، وهو يهدف إلى تعزيز شرعية الاتفاق أمام القواعد الشعبية والبيئة السياسية لكل طرف، ومحاولة جس النبض المحلي لقياس ردود الفعل وحجم المعارضة المحتملة»، مضيفاً: «هذه الديناميكية تجعل من إعلان النصر أداة تكتيكية لتهيئة الساحة الداخلية والتعامل مع أي تطورات في اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن وقف الحرب».

من هنا، يرى سلامة أن «هذا الأمر يعكس حاجة كل طرف لتعزيز مواقعه داخلياً ولجم الانتقادات والحفاظ على التأييد السياسي»، موضحاً: «بالنسبة لإسرائيل، يمكنها اعتبار إنجازاتها سبباً لإعلان النصر، حيث حققت أهدافاً عسكرية استراتيجية. منها تدمير البنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، واغتيال قياداته البارزة، ومنعه من الوجود الفاعل على الحدود مع إسرائيل. كما تمكنت من فصل المسار اللبناني عن القضية الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم الشمالية بأمان، ما يشير إلى تحقيق كامل أهداف حملتها العسكرية بنجاح. هذا الإعلان يعزز موقف الحكومة الإسرائيلية أمام المعارضة الداخلية ويظهر قوة الردع الإسرائيلية».

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فيقول سلامة: «سيصرّ على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها، حيث لم تتمكن من تدمير قوته العسكرية بالكامل أو وقف الهجمات الصاروخية والمسيرات. كما سيؤكد الحزب أنه نجح في التصدي لأي توغل إسرائيلي في الجنوب، وأجبر إسرائيل على التراجع دون تحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية»، مضيفاً: «بالنسبة لـ(حزب الله)، هذا الإعلان ضروري لترسيخ شرعيته أمام بيئته الحاضنة ومؤيديه، وللردّ على الانتقادات التي قد تطوله نتيجة الخسائر التي تكبدها خلال المواجهة»، ويؤكد: «في النهاية، إعلان النصر لكلا الطرفين يعكس أهمية تأطير الأحداث بما يخدم مواقفهما الداخلية والدولية».

الساعات والأيام الأخيرة لحرب «تموز 2006»

يبدو من الواضح أن سيناريو حرب «تموز 2006» يتكرر اليوم، حيث إنه قبيل أيام وساعات من اتفاق وقف إطلاق النار، صعّدت تل أبيب من عملياتها العسكرية، وأطلقت قبل يومين عملية برية حملت عنوان «تغيير اتجاه 11»، وتوغّل الجيش الإسرائيلي عبر إنزال جوي في بلدة الغندورية بقضاء بنت جبيل مقتحماً وادي الحجير، ومنها إلى منطقة جويا (شرق صور)، ما أدى إلى مواجهة شرسة من قبل «حزب الله». وأشارت المعلومات إلى تدمير الحزب 25 دبابة إسرائيلية، إضافة إلى سقوط عدد من الجرحى في صفوف العسكريين.

كذلك، عمدت إسرائيل إلى رمي القنابل العنقودية قبل انتهاء الحرب بيومين فقط بشكل عشوائي، على أهداف غير محددة، ما حال دون القدرة على الحصول على خرائط دقيقة لإزالتها.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة، أدت حتى عام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً، وجرح نحو 400 آخرين، أصيب كثير منهم بإعاقات وعمليات بتر لأقدامهم، وغالبيتهم فقدوا عيونهم وهم من المزارعين والرعاة.

وفي الساعات الأخيرة لإعلان وقف إطلاق النار، تكثّف القصف الجوي ليشمل بلدات عدة في الجنوب، مستهدفاً مباني وأحياء سكنية، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، فيما أمطرت المقاتلات الحربية الضاحية الجنوبية بوابل من الغارات حيث استهدفت ما يعرف بمجمع الإمام حسن السكني، المؤلف من 8 مبانٍ، بأكثر من 20 غارة خلال أقل من دقيقتين، ما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.

في المقابل، أطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه شمال إسرائيل، مستهدفاً عدداً من المستوطنات، منها حيفا وكريات شمونة ومسكاف عام.