إسرائيل تشدد حصارها على «حزب الله» بإقفال المعابر البرّية

معبران من أصل ثلاثة يربطان لبنان بسوريا… والاقتصاد اللبناني الضحية الأولى

هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)
هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)
TT

إسرائيل تشدد حصارها على «حزب الله» بإقفال المعابر البرّية

هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)
هارب من الحرب بلبنان يحمل متاعه لاجتياز طريق معبر المصنع بعد استهدافه بغارة إسرائيلية الجمعة (أ.ب)

اقتربت إسرائيل من إحكام حصارها البرّي على لبنان بإغلاقها كل المعابر البرّية مع سوريا، باستثناء معبر العبوديّة الذي يربط شمال لبنان بمحافظة حمص السورية، بانتظار أن تتخذ إسرائيل قراراً مفاجئاً بإغلاقه كما فعلت قبل ساعات، حيث قصفت معبر القاع، وهو آخر معبر بين البقاع الغربي والأراضي السورية، وهذا ما تسبب بمنع عبور النازحين إلى الأراضي السورية، وفرض تحدّياً إضافياً على الاقتصاد اللبناني المنهك أصلاً، وضيّق الخيارات أمام شحن الصناعات والمنتجات الزراعية إلى الأسواق العالمية.

وأفاد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، بأن غارة إسرائيلية «استهدفت، صباح الجمعة، الجانب السوري من الحدود، وتسببت بقطع المعبر الثاني من إجمالي 3 معابر رئيسية». وقال حمية: «خرج معبر القاع من الخدمة، بعد غارة إسرائيلية في الأراضي السورية، على مسافة مئات الأمتار من مكتب الأمن السوري، والمعروف من الجانب السوري باسم معبر جوسيه»، لافتاً إلى أن الغارة «قطعت الطريق أمام حركة السيارات والشاحنات، ليكون هناك معبر واحد رئيسي بين البلدين قيد الخدمة».

قطع شرايين إمداد «حزب الله»

تأتي هذه الممارسات الإسرائيلية بذريعة قطع شرايين الإمداد، ومنع نقل الأسلحة والوسائل القتالية من سوريا إلى «حزب الله»، وتعدّ استكمالاً لحصار جوّي وبحري على الحزب، بعد أن منعت الطائرات الإيرانية والعراقية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، وأخضعت السفن التجارية القادمة إلى لبنان لتفتيش دقيق.

ورأى الخبير العسكري العميد يعرب صخر أن إقفال المعابر البرية «يندرج ضمن استراتيجية إسرائيلية تقضي بعزل لبنان عن سوريا». وأشار إلى أن «هذه الاستراتيجية بدأت بقطع المعابر غير الشرعية، ثم انتقلت إلى إقفال المعابر الشرعية، بدءاً بالمصنع ثم القاع، ويبقى معبر العبودية في شمال لبنان الذي اقترب موعد إقفاله على ما أعتقد».

وأكد العميد صخر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أهمية إقفال معبر القاع وقبله المصنع أنهما يوصلان البقاعين الأوسط والشمالي بمنطقة القلمون السوري، أي ريف دمشق الغربي، وهو ما يُعدُّ منطقة نفوذ الفرقة الرابعة في الجيش السوري التي يرأسها ماهر الأسد، وتتميز بعلاقاتها الوثيقة مع الميليشيات الإيرانية في لبنان وسوريا».

«العبودية» أيضاً مرشح للإقفال

وكان سلاح الجوّ الإسرائيلي قد قصف في الرابع من الشهر الحالي منطقة المصنع الحدودية في شرق لبنان، ما أدى إلى قطع المعبر الحدودي الرئيسي، بعدما كان عشرات الآلاف من اللبنانيين واللاجئين السوريين قد سلكوه هرباً من الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان. وقال الجيش الإسرائيلي حينها إنه «دمّر نفقاً تحت الحدود اللبنانية السورية، كان (حزب الله) يستخدمه لنقل كثير من الوسائل القتالية لاستخدامها في جنوب لبنان».

ولا يزال معبر العبودية الذي يربط شمال لبنان بريف حمص، الشريان البرّي الوحيد، ويعمل بكامل طاقته، لكن وسط حذرٍ شديد، لكون شمال لبنان منطقة غير خاضعة لنفوذ «حزب الله»، إلّا أن الخبير العسكري يعرب صخر، توقّع أن «يتم إقفاله في الأيام المقبلة، لأن الإسرائيلي يخشى قربه جغرافياً من مدينة الهرمل الواقعة في أقصى البقاع الشمالي والمتاخمة لمنطقة عكار في شمال لبنان». وأشار صخر إلى أنه «إذا عمدت إسرائيل إلى إقفال معبر العبودية، تكون قد أحكمت حصاراً بريّاً وجوياً وبحرياً على (حزب الله)»، مذكراً بأن «السفن الحربية الأميركية والفرنسية والبريطانية الموجودة في عرض البحر المتوسّط، تراقب بدّقة كل السفن التجارية المتجهة إلى الموانئ البحرية اللبنانية، بدءاً من قبرص وصولاً إلى حيفا»، مذكِّراً بوجود «مركز التجسس الغربي في قبرص، وهو الأكبر في المنطقة، الذي يزوّد إسرائيل بكل المعلومات اللازمة».

وأثار استهداف إسرائيل المعابر البرّية من الجهة السورية وليس داخل الأراضي اللبنانية علامات استفهام، ورأى العميد يعرب صخر أنها «تأتي ضمن خطّة تجنّب ضرب المنشآت الرسمية اللبنانية، ما دام تدميرها من الجانب السوري يؤدي غرضه»، لافتاً إلى أن «الغارات على الجانب السوري تُعدّ استكمالاً لقصف مراكز التصنيع العسكري ومخازن الأسلحة الإيرانية في الداخل السوري، وكأن تلّ أبيب تمهّد لمرحلة تصعيد في الأراضي السورية التي تصنّف خط الدفاع الثاني لإيران بعد (حزب الله)». وأضاف: «هذه ترجمة لسياسة إسرائيلية واضحة بضرب المنبع قبل ضرب المصبّ».

ضربة قاسية للاقتصاد اللبناني

إغلاق المعابر البرّية أرخى بثقله على الوضع الاقتصادي، وفاقم من وقع الأزمة. وأكد رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان الوزير السابق محمد شقير، أن «إقفال الحدود البرّية ولّد مشكلة كبيرة في عمليات تصدير المنتجات الصناعية والزراعية اللبنانية إلى الخارج». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مع إقفال المعابر البرّية لا يبقى أمامنا إلّا الشحن عبر البحر، وهذا يحتاج إلى وقت أطول وتكلفة أكبر». ونبّه شقير إلى أن «وقف التصدير عبر البرّ، سيؤدي حتماً إلى ضرب قطاع الشحن البرّي وتوقّف مئات شاحنات النقل البري عن العمل، ما يعني توقّف وسيلة العيش لدى أكثر من 10 آلاف عائلة لبنانية، عدا التوقّف النهائي لأسطول الشاحنات المبرّدة».

وأعرب شقير عن خشيته من أن تكون الحرب قد «أجهزت على الاقتصاد اللبنانية المنهك أساساً بسبب أزمة انهيار العملة الوطنية».

وعمّا إذا كان الشحن الجوي يمكن أن يقلل من حجم الأزمة، شدد رئيس الهيئات الاقتصادية على أن لبنان «يعاني مشكلة توقّف شركات الطيران المدني عن المجيء إلى لبنان». ولفت إلى أن «شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية هي الوحيدة التي ما زالت تعمل، وكانت تسيّر يومياً 18 طائرة، لكنها خفضت الآن العدد إلى 12 طائرة يومياً بسبب تراجع أعداد المسافرين، عدا أن الطائرات اللبنانية صغيرة الحجم مقارنة بالطائرات الإماراتية والقطرية وطيران الاتحاد وغيرها من الشركات العالمية، ولا إمكانية لتعويض هذا النقص بأي وسيلة أخرى».

إقفال المعابر يعوق فرار اللاجئين

من جهتها، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن الضربات الجوية الإسرائيلية، الليلة الماضية، على المعبر الحدودي الرئيسي مع سوريا «جعلت نقطة العبور الرئيسية من لبنان للبلد المجاور غير قادرة على العمل، ما يعوق محاولات اللاجئين للفرار من لبنان، حيث أصبح خُمس السكان نازحين داخلياً بالفعل».

وقالت رولا أمين، المتحدثة باسم المفوضية في عمان بالأردن، إنها «ليست على علم بتوجيه أي تحذير قبل الضربة التي وقعت على مسافة 500 متر من المعبر الحدودي الرئيسي». وأضافت أن «نحو 430 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا منذ بدء الحملة الإسرائيلية»، مشيرة إلى أن «الهجمات على المعابر الحدودية تشكل مصدر قلق كبيراً، فهي تقطع الطريق إلى بر الأمان أمام الفارين من الصراع».


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

نفّذت القوات الأسرائيلية أوسع اختراق بري داخل العمق اللبناني، منذ بدء الحرب، بوصولها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس، وفصل النبطية عن مرجعيون.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية تصاعد الدخان من مبنى انهار على أثر غارة جوية إسرائيلية على الشياح (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يشن غارات متتالية على ضاحية بيروت

شن الطيران الحربي الإسرائيلي، عصر الجمعة، سلسلة من الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفاً مناطق جديدة على تخوم الضاحية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».