«تفاوض بالنار» بين لبنان وإسرائيل... ونتنياهو يتجاهل الضغوط «لتحقيق أهداف الشمال»

القصف يلامس بيروت... وصواريخ «حزب الله» في محيط تل أبيب 4 مرات

استهداف مبنى في الغبيري على أطراف بيروت بغارة إسرائيلية (إ.ب.أ)
استهداف مبنى في الغبيري على أطراف بيروت بغارة إسرائيلية (إ.ب.أ)
TT

«تفاوض بالنار» بين لبنان وإسرائيل... ونتنياهو يتجاهل الضغوط «لتحقيق أهداف الشمال»

استهداف مبنى في الغبيري على أطراف بيروت بغارة إسرائيلية (إ.ب.أ)
استهداف مبنى في الغبيري على أطراف بيروت بغارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

يضغط كل من الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» بالنار؛ لتحسين الشروط التفاوضية إزاء الحرب القائمة في لبنان، حيث صعّدت إسرائيل استهدافاتها للضاحية الجنوبية من بيروت ولمدن حيوية في الجنوب، فيما كثّف «الحزب» رشقاته الصاروخية باتجاه تل أبيب وحيفا، بعد ساعات من زيارة المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إلى بيروت، التي ردّ عليها «الحزب» بالقول إن «ما لا يؤخذ إلا بالنار، لا يعطى بالسياسة».

وطرح الموفد الأميركي في بيروت حلاً كاملاً ومستداماً للأزمة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، قائماً على آليات لتطبيق القرار «1701»، رد عليه الجانب اللبناني بالتمسك بالقرار الذي جمّد التوتر الحدودي لمدة 17 عاماً. وكانت إسرائيل استبقت الزيارة برفع سقف شروطها ومطالبها الأمنية في المنطقة الحدودية، وهو ما رفضه «الحزب».

نتنياهو و«حزب الله»

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عزمه على «تحقيق الأهداف المرسومة في شمال البلاد»، مشدداً على أن «أي ضغوط محلية أو خارجية لن تؤثر على مسار العمليات». وأضاف خلال تصريحات له: «سكان الشمال سيعودون إلى ديارهم، وهذه مهمة التزمتُ بها، ولن أتنازل عنها مهما كانت التحديات».

صاروخ إسرائيلي يستهدف مبنى بمنطقة الغبيري قرب بيروت (أ.ب)

في المقابل، قال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله»، محمد عفيف، خلال مؤتمر صحافي، إنّ الأفكار التي طرحها هوكستين «لم تكن سوى استطلاع أولي بالنار لموقف المقاومة على وقع المجازر والدماء»، مضيفاً أنّ «ثقتنا بالرئيس نبيه بري تامة وكاملة، ونؤكد على موقفه القاطع: لا مفاوضات تحت النار، وما لا يؤخذ إلا بالنار لا يعطى بالسياسة». وفي رد على وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، من أنه «لا مفاوضات إلا تحت النار»، قال إن جواب «الحزب» هو: «النار بالنار، والدم بالدم، والحديد بالحديد». وتوعد بأن قصف الشمال والعمق الإسرائيلي «سوف يتواصل وتزداد قوته نوعاً وكمّاً مع الوقت»، وأوضح أنّ المعدل اليومي للعمليات الهجومية والدفاعية في تصاعد مستمر وصل إلى 25 عملية يومياً.

قصف محيط بيروت

ولجأت إسرائيل إلى النار للضغط على المفاوض اللبناني، حيث كثفت غاراتها الجوية على الضاحية عشية وصول هوكستين ليل الأحد، ووسعت غاراتها إلى محيط المستشفى الحكومي في بيروت، وساحل منطقة الأوزاعي بمحاذاة مدرج مطار بيروت، وشنت غارات أخرى في عمق الضاحية ليل الاثنين، فضلاً عن استهداف منطقة الغبيري التي تبعد أقل من كيلومتر واحد عن أحياء العاصمة اللبنانية ظهر الثلاثاء، إضافة إلى قصف مربعات سكنية بمدينة النبطية، والحوش على أطراف مدينة صور.

دمار ناتج عن غارة إسرائيلية استهدفت محيط «مستشفى رفيق الحريري» الحكومي على مدخل بيروت الجنوبي (رويترز)

وتعرضت مدينة النبطية «لأوسع عدوان جوي إسرائيلي»، وفق ما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، حيث نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي «زناراً نارياً من الغارات التي استهدفت (شارع المصارف) و(مفرق الراهبات) و(شارع حسن كامل الصباح)». وفي لحظات لا تتجاوز نصف الدقيقة، «دمر بالكامل كثيراً من المباني السكنية والتجارية وعشرات المحال التجارية والمقاهي، وبدا الشارع ساحة حرب مرعبة، وأوقف الردم والركام السير عليه، وارتفعت سحب الدخان والغبار في كل مكان». كما استهدف صباحاً عدداً من المجمعات السكنية والتجارية في حي كسار الزعتر، ودمرها بالكامل. أما في منطقة الحوش الواقعة شرق مدينة صور، فقد شن الطيران سلسلة غارات، بعد تحذيرات كان قد أصدرها الجيش الإسرائيلي. وقال إنه استهدف مقار لـ«الحزب».

تحول في مسار الحرب

وتمثل تلك الضربات تحولاً في مسار الحرب، وفي رقعة الاستهدافات التي وسعتها إسرائيل؛ لتكريس ضغط إضافي على المفاوض اللبناني. وقالت مصادر لبنانية مواكبة لتحولات القصف، إن «الضغط بالنار» لا يقتصر على توسعة رقعة الاستهدافات التي تقترب أكثر من بيروت وأحيائها المكتظة ومرافقها الحيوية، ومن ضمنها المستشفيات الواقعة على أطراف بيروت، بل يتمثل في «إيجاد آلية ضغط اجتماعي» إضافية على المفاوض اللبناني «من خلال موجات النزوح اليومية الناتجة عن إنذارات الإخلاء»؛ وكانت أبرزها يوم الأحد قرب مراكز «القرض الحسن»؛ المستهدفة منها وغير المستهدفة، والثانية ليل الاثنين من منطقة الأوزاعي المكتظة.

لحظة استهداف مبنى بمنطقة الغبيري على مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

قصف تل أبيب

في المقابل، يتبع «الحزب» الاستراتيجية نفسها، من خلال تكثيف الضربات باتجاه مدن حيوية في العمق الإسرائيلي؛ إذ بدا لافتاً، خلال أقل من 12 ساعة، إعلانه عن قصف محيط تل أبيب 4 مرات، فقد قال، في بيان صباح الثلاثاء، إنه استهدف «قبة نيريت» في ضواحي تل أبيب بـ«صواريخ نوعية»، كما أعلن عن استهداف قاعدة «غليلوت» التابعة لـ«وحدة الاستخبارات العسكرية 8200» في ‏ضواحي تل أبيب «بصلية صاروخية نوعية»، بعد استهداف مماثل للموقع نفسه مساء الاثنين. وتبنى قصف شركة «تاع» للصناعات العسكرية في ضواحي تل أبيب بـ«صواريخ نوعية». كما أعلن «الحزب» عن استهداف قاعدة «ستيلا ماريس» البحرية شمال غربي ‏حيفا بصلية صاروخية نوعية، وأطلق أخرى باتجاه مستعمرة حتسور، و«صلية صاروخية كبيرة باتجاه مستعمرة بيت هعميك».

وتتزامن توسعة مروحة القصف الصاروخي وفي الجنوب، مع اشتباكات ومعارك عسكرية بالمنطقة الحدودية، حيث يسعى الجيش الإسرائيلي إلى التوغل، فيما يعلن «الحزب» عن قصف تجمعاته على مداخل القرى وفي المواقع العسكرية الحدودية الملاصقة.

ويواصل الجيش الإسرائيلي تفجير المنازل في القرى والبلدات التي يدخل إليها، كان آخرها تفجير منازل في بلدة عيتا الشعب. وقالت مصادر مواكبة للعمليات العسكرية في الجنوب إن الجيش الإسرائيلي يدخل ليلاً إلى الأحياء في تلك القرى، وتعمل فرق الهندسة على تفخيخ المنازل، قبل أن ينسحب ويفجّرها في النهار.

وأفادت وسائل إعلام لبنانية بوقوع اشتباكات عنيفة على محور بلدة الطيبة، وهي قرية واقعة على الخط الثاني من الحدود خلف مركبا، إضافة إلى القتال على محاور أخرى قرب العديسة ورب تلاتين.


مقالات ذات صلة

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

المشرق العربي جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب)

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزاً للجيش اللبناني بالجنوب يمثل رسالة دموية مباشرة برفض مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية صورة لنتنياهو وماكرون خلال اجتماعهما بالقدس في أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

نتنياهو «ينتقم» من ماكرون في لبنان

سلسلة ممارسات فرنسية أزعجت إسرائيل في مقدمتها انضمام القاضي الفرنسي إلى بقية قضاة «الجنائية الدولية» ليصدروا بالإجماع قرار توقيف نتنياهو وغالانت.

المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت ذات طابع عسكري فقط؛ بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثل في ضرب منطقة أضحت بيئة مؤيدة لـ«حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

قتيل و18 جريحاً من الجيش اللبناني في قصف إسرائيلي على حاجز أمني

أفادت وسائل إعلام لبنانية اليوم (الأحد)، بإصابة عدد من العسكريين بعدما استهدفت إسرائيل حاجز العامرية الأمني على طريق الناقورة في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

TT

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ)

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأوضحت الوزارة في بيان أن 35 شخصاً قُتلوا، وأصيب 94 خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأكدت الوزارة أن هناك عدداً من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة للسكان في مناطق بأحد الأحياء الواقعة في شرق مدينة غزة؛ ما أدى إلى موجة نزوح جديدة، الأحد، في الوقت الذي أعلن فيه مسعفون فلسطينيون إصابة مدير مستشفى في غزة خلال هجوم بطائرة مسيَّرة إسرائيلية.

وفي منشور على منصة «إكس»، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة في حي الشجاعية، وعزا ذلك إلى القذائف الصاروخية التي يطلقها مسلحون فلسطينيون من تلك المنطقة الواقعة في شمال قطاع غزة. وأضاف المتحدث: «من أجل أمنكم، عليكم إخلاؤها فوراً جنوباً».

وأعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، السبت، وقالت إن الهجوم استهدف قاعدة للجيش الإسرائيلي على الحدود، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

أحدث موجة نزوح

أظهرت لقطات مصورة منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام فلسطينية سكاناً يغادرون حي الشجاعية على عربات تجرها حمير وعربات أخرى صغيرة، بينما كان آخرون يسيرون على الأقدام من بينهم أطفال.

وقال سكان ووسائل إعلام فلسطينية إن العائلات التي تعيش في المناطق المستهدفة بدأت في الفرار من منازلها منذ حلول الظلام، السبت، وحتى الساعات الأولى من صباح الأحد، وهي أحدث موجة نزوح منذ بدء الحرب قبل 13 شهراً.

وفي وسط قطاع غزة، قال مسؤولون في قطاع الصحة إن 10 فلسطينيين على الأقل قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية على مخيمي المغازي والبريج منذ الليلة الماضية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية بمقتل وإصابة عدد من الفلسطينيين، ظهر الأحد، في قصف إسرائيلي لمخيمي جباليا والنصيرات، في شمال ووسط قطاع غزة.

إصابة مدير مستشفى

في شمال غزة، حيث تعمل القوات الإسرائيلية منذ أوائل الشهر الماضي ضد مسلحي «حماس» الذين يحاولون إعادة تنظيم صفوفهم، قال مسؤولون بوزارة الصحة إن طائرة مسيرة إسرائيلية أسقطت قنابل على «مستشفى كمال عدوان»؛ ما أدى إلى إصابة مدير المستشفى حسام أبو صفية.

وقال أبو صفية في بيان مصور وزعته وزارة الصحة، الأحد: «لكن والله هذا شيء لن يوقفنا عن إكمال مسيرتنا الإنسانية، وسنبقى نقدم هذه الخدمة مهما كلفنا».

وأضاف من سريره في المستشفى: «(بيستهدفوا) الكل لكن والله هذا شيء لن يوقفنا... أنا أصبت وأنا في مكان عملي نحن نُضرب يومياً استهدفونا قبل هيك استهدفوا مكتبي وأمس 12 إصابة لأطبائنا العاملين وقبل قليل استهدفوني، ولكن هذا لن يثنينا سنبقى نقدم الخدمة».

وتقول القوات الإسرائيلية إن المسلحين يستخدمون المباني المدنية ومنها المباني السكنية والمستشفيات والمدارس غطاءً لعملياتهم. وتنفي «حماس» ذلك، وتتهم القوات الإسرائيلية باستهداف المناطق المأهولة بالسكان بشكل عشوائي.

نسف مئات المنازل

و«كمال عدوان» هو أحد المستشفيات الثلاثة في شمال غزة التي لا تزال بالكاد تعمل؛ إذ قالت وزارة الصحة إن القوات الإسرائيلية احتجزت وطردت الطاقم الطبي، ومنعت الإمدادات الطبية الطارئة والغذاء والوقود من الوصول إليهم.

وقالت إسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية إنها سهلت توصيل الإمدادات الطبية والوقود ونقل المرضى من مستشفيات شمال غزة بالتعاون مع وكالات دولية مثل منظمة الصحة العالمية.

وقال سكان في 3 بلدات محاصرة في شمال غزة، جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية نسفت مئات المنازل منذ تجدد العمليات في منطقة قالت إسرائيل قبل أشهر إنها جرى تطهيرها من المسلحين.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تبدو عازمة على إخلاء المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الشمالية لغزة، وهو اتهام تنفيه إسرائيل.