تقرير: السنوار رفض عرضاً من الوسطاء العرب بمغادرة غزة

«وول ستريت جورنال»: إسرائيل قتلت رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» بإخراجه من الأنفاق

يحيى السنوار (رويترز)
يحيى السنوار (رويترز)
TT

تقرير: السنوار رفض عرضاً من الوسطاء العرب بمغادرة غزة

يحيى السنوار (رويترز)
يحيى السنوار (رويترز)

خلال مطاردة نشطاء حركة «حماس» في الأنفاق جنوب غزة، عثرت فرقة الكوماندوز 98 الإسرائيلية في فبراير (شباط) على مجمع يضم مطبخاً وأماكن نوم وحماماً بجدار من البلاط عليه صورة لغروب الشمس. ووفق تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، عدّت العملية آنذاك واحدة من عدة عمليات اقترب فيها الجنود الإسرائيليون من قادة الحركة قبل أن يفروا.

على مدى الأشهر التسعة التالية، ظل هدف إسرائيل الأول، رئيس المكتب السياسي للحركة ومهندس هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) يحيى السنوار، شبحاً في الظلام تحت الأرض.

كشفت الصحيفة أنه حتى قبل هجمات 7 أكتوبر، فكرت إسرائيل في قتل السنوار، الذي كان يُنظر إليه على أنه تهديد لأمنها القومي، وفقاً لأشخاص شاركوا في الخطط. وقالوا إن تل أبيب لم تعثر على اللحظة المناسبة أو سحبت عملياتها عندما اختلف المسؤولون حول طبيعة المهمة.

وبعد أن قتل مسلحو «حماس» 1200 شخص واختطفوا نحو 250 آخرين تبدل المشهد. وهكذا بدأت واحدة من أكبر العمليات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، بقيادة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، «شين بيت»، ونفذها الجيش الإسرائيلي بمساعدة من وكالات الاستخبارات الأميركية.

قوّض السنوار لأشهر البراعة التكنولوجية والاستخباراتية لإسرائيل وحلفائها. فقد استخدم اتصالات بدائية لا يمكن تعقبها، ولم يثق إلا في الأشخاص الأقرب إليه. كما كان السنوار يتولى قيادة أميال وأميال من الأنفاق تحت الأرض. عرض المفاوضون العرب على السنوار الهروب مقابل السماح لمصر بالتفاوض على إطلاق سراح الرهائن نيابة عن «حماس»، لكنه رفض. وتمسك بالأمل في أن يؤدي الصراع الذي أشعله إلى استدراج إيران وحليفها في لبنان، «حزب الله»، مما قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية ضد إسرائيل، وهو الاحتمال الذي لا يزال قائماً.

وقال السنوار للوسطاء العرب في رسالة لم يتم الإبلاغ عنها من قبلُ، بعد وقت قصير من بدء الحرب: «أنا لست تحت الحصار، أنا على أرض فلسطينية».

أسفر الصراع عن مقتل أكثر من 42 ألف شخص في غزة، وفقاً للسلطات الصحية في غزة، التي لا تذكر أرقامها عدد المقاتلين. في الأشهر التي تلت ذلك، اقترب الجيش الإسرائيلي من أنفاق «حماس» تحت الأرض، ودمر مجمعات الأنفاق الاستراتيجية.

وجدت الصحيفة أن هذا التكتيك أجبر السنوار على الظهور. ومع وجود عدد أقل من الأماكن للاختباء، أمضى مزيداً من الوقت فوق الأرض، في منطقة تل السلطان في رفح بجنوب غزة، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين ووسطاء عرب يتواصلون مع «حماس».

لم تكن إسرائيل تعرف موقع السنوار الدقيق، لكنها نشرت قوات لمطاردته هناك. في 16 أكتوبر، أدت استراتيجية إسرائيل لإخراج السنوار من الأنفاق إلى مقتله. يستند هذا التقرير إلى مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين وأميركيين ومسؤولين من «حماس» وعرب، فضلاً عن وثائق ومقاطع فيديو عثر عليها الجيش الإسرائيلي في غزة، إضافة إلى رسائل كتبها السنوار واتصالاته على مدى عام مع وسطاء عرب ومسؤولين من «حماس».

البحث عن السنوار

لسنوات كثيرة، كان قادة إسرائيل ينظرون إلى السنوار باعتباره شخصية لا تُشكل تهديداً وشيكاً لها. تغير ذلك في أواخر مايو (أيار) 2021 بعدما أطلقت «حماس» صواريخ على إسرائيل من غزة لعدة أيام، وردت إسرائيل بضربات جوية. اقترح بعض القادة الإسرائيليين قتل السنوار، الذي كان آنذاك رئيس جناح «حماس» في غزة، إلى جانب قائد «كتائب القسام» محمد ضيف. وأذن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمحاولات قتل الرجلين في غارات جوية، لكن الجهود باءت بالفشل.

خلال السنة الماضية، وضعت إسرائيل كل الموارد المتاحة في البحث عن السنوار. فقد عمل جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) مع الجيش لمحاولة تحديد مكانه، وشكلت وكالة المخابرات المركزية الأميركية فريق عمل لتحليل المعلومات الاستخباراتية ومشاركتها مع إسرائيل، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. قام ضباط المخابرات بتحليل المعلومات التي تم جمعها من الفلسطينيين الذين تم استجوابهم في غزة، بالإضافة إلى المواد التي تم الاستيلاء عليها في مراكز قيادة «حماس».

نقل السنوار كثيراً من الرهائن المختطفين إلى الأنفاق تحت غزة. وأظهرت لقطات نشرها الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق السنوار وهو يأخذ زوجته وابنته وولديه - وهما يرتديان قمصان كرة القدم - إلى نفق في خان يونس، مسقط رأس السنوار.

قالت مارغريت موسى، وهي رهينة تبلغ من العمر 78 عاماً تم إطلاق سراحها، إن السنوار ظهر حيث كانت محتجزة تحت الأرض في خان يونس خلال الأيام الأولى من الحرب. وتذكرت أنه أخبر الأسرى أنه لا يقصد إيذاءهم، وأنهم كانوا بمثابة أوراق مساومة لتحرير السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

أنفاق خان يونس

بعد اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، بغارة إسرائيلية على بيروت في 2 يناير (كانون الثاني) بدأ السنوار في تغيير طريقة تواصله. فقد استخدم أسماء مستعارة ونقل الملاحظات فقط من خلال حفنة من المساعدين ومن خلال الرموز. اعتقل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) أقارب قادة «حماس» في غزة للاشتباه في قيامهم بأنشطة مسلحة، وقد قدموا معلومات استخباراتية عن السنوار.

خاضت القوات الإسرائيلية معارك مع عناصر «حماس» من أجل الدخول إلى الأنفاق في خان يونس. وأرسلت كلابا مزودة بكاميرات لشم البشر والعثور على القنابل أو الطائرات دون طيار العاملة في المساحات الجوفية. ووصلت القوات إلى أحد المجمعات تحت الأرض بعد لحظات من فرار السنوار، وكان قد ترك خلفه فنجان قهوة لا يزال ساخناً. وعثر الجيش على خزائن تحتوي على ما يعادل مليون دولار.

«رفض التنازلات»

توازياً، حاول الوسطاء العرب تسريع محادثات وقف إطلاق النار. وحث السنوار رفاقه في القيادة السياسية للحركة المتمركزة خارج غزة على رفض التنازلات. وقال السنوار في رسالة إن الخسائر البشرية الكبيرة بين المدنيين من شأنها أن تخلق ضغوطاً عالمية على إسرائيل. وفي مارس (آذار)، استولى الكوماندوز الإسرائيلي على مجمع آخر مرتبط بالسنوار. ووجدوا زياً عسكرياً وسترات ومدافع رشاشة ومناظير وحاسوباً محمولاً.

وفي رسالة أخرى قال السنوار إن «حماس» كانت لها اليد العليا في المفاوضات، مستشهداً بالانقسامات السياسية الداخلية داخل إسرائيل، والشقوق في ائتلاف نتنياهو في زمن الحرب، والضغوط الأميركية الزائدة لتخفيف المعاناة في غزة. وأضاف: «يتعين علينا المضي قدماً على المسار نفسه الذي بدأناه».

من الربيع إلى الصيف، بدا أن مطاردة السنوار قد توقفت. في يوليو (تموز)، تلقت إسرائيل معلومات استخباراتية تفيد بأن محمد ضيف قد خرج من الأنفاق. وقد قُتل في غارة جوية كبيرة في غرب خان يونس شملت ثماني قنابل تزن 2000 رطل. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قتلت إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة بصاروخ استهدف دار ضيافة يديره «الحرس الثوري» الإيراني في طهران.

في أوائل سبتمبر (أيلول)، عثر جنود إسرائيليون على 6 رهائن قتلى، من بينهم إسرائيلي أميركي، في نفق في حي تل السلطان في رفح. وفي مكان قريب، قال الجيش الإسرائيلي إنه عثر على آثار الحمض النووي للسنوار في غرفة تحت الأرض بها تلفزيون وأريكة. وبالنسبة لإسرائيل، كان هذا يعني أن السنوار لم يكن بعيداً. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون بأنه فر من خان يونس بعد أن دمر الإسرائيليون كثيراً من الأنفاق تحت المدينة.

وفي الشهر نفسه، اغتالت إسرائيل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت. بعد مقتل نصر الله ، نقل السنوار رسالة إلى القيادة السياسية للحركة خارج غزة. وقال إن «حماس» من المرجح أن تواجه ضغوطاً أكبر للتوصل إلى تسوية، ولكن لا ينبغي لها ذلك، وفقاً لوسطاء عرب.

بدأ السنوار في الاستعداد لاحتمال اغتياله، وقال إن إسرائيل من المرجح أن تقدم تنازلات لإنهاء الحرب بعد رحيله، مشيراً إلى أن «حماس» ستكون في موقف أقوى، وفقاً لوسطاء عرب مطلعين على رسائله. وقال الوسطاء إنه أوصى بأن تعين الحركة مجلساً من القادة لحكم وإدارة الانتقال بعد وفاته.

نهاية السنوار

في الأول من أكتوبر، شنت إيران هجوماً بالصواريخ الباليستية على إسرائيل رداً على الهجمات على «حزب الله». ووعدت إسرائيل بالرد. بدا أن الحرب الإقليمية التي كان يأمل السنوار أن تشتعل عندما شن هجمات السابع من أكتوبر أقرب من أي وقت مضى. بعد يومين من الهجوم الإيراني، استهدفت غارة جوية إسرائيلية مجمعاً تحت الأرض في شمال غزة، مما أسفر عن مقتل روحي مشتهى، أقرب المقربين من السنوار. أسس الرجلان قوة الأمن الداخلي للحركة في الثمانينيات، وتقاسما لاحقاً زنزانة في سجن إسرائيلي. في عام 2011، تم إطلاق سراحهما في تبادل للأسرى وترقيا معاً في صفوف «حماس».

كان مقتل مشتهى علامة على أن الإسرائيليين كانوا يقتربون من السنوار. وبحسب مسؤولين إسرائيليين وعرب، فإن استمرار إسرائيل في تعطيل شبكة أنفاق «حماس» أجبر السنوار على الخروج من الأنفاق، مما جعله أكثر عرضة للاغتيال. في 16 أكتوبر، رصدت مجموعة من الجنود الإسرائيليين ثلاثة من نشطاء «حماس» يحاولون المشي دون أن يراهم أحد. واشتبك الجنود في تبادل لإطلاق النار مع الرجال، الذين تفرقوا للاختباء في المباني التي تعرضت للقصف. وأطلق المسلحون الرصاص والقنابل اليدوية، مما أدى إلى إصابة جندي إسرائيلي واحد. فر أحد المسلحين إلى مبنى حيث أرسل الجنود طائرة استطلاع دون طيار. وفي مشهد تم التقاطه بالفيديو، جلس رجل على كرسي لفترة ثم ألقى كتلة من الخشب على الطائرة.

وأطلقت دبابة كانت ترافق الجنود النار على المبنى، فانهار. عاد جنود آخرون في صباح اليوم التالي. ووجدوا الرجل نصف مدفون تحت الأنقاض، يرتدي أحذية رياضية وملابس مدنية وسترة قتالية. كان يشبه السنوار، وتم استدعاء كبار القادة العسكريين في إسرائيل. وفي حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء، زار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الموقع. وعندئذ، أصبح واضحاً أن إسرائيل قتلت السنوار.


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة»: اختتام جولة تفاوض... وأخرى قريبة بحضور «حماس»

المشرق العربي فلسطينية تخطو يوم الاثنين فوق أنقاض منزل دمرته الغارات الإسرائيلية على بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: اختتام جولة تفاوض... وأخرى قريبة بحضور «حماس»

أعلن رئيس فريق التفاوض الإسرائيلي، دافيد برنياع، بعد عودته من الدوحة، أن هناك اتفاقاً على جولة مفاوضات قريباً حول وقف النار في غزة، بحضور جميع الأطراف.

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل في مدينة غزة (رويترز)

تحليل إخباري هل ينجح «المقترح المصري» في التوصل إلى «هدنة» بغزة؟

مقترح مصري جديد بشأن الهدنة في قطاع غزة، طرحته الرئاسة المصرية علناً، بعد ساعات من انطلاق جولة محادثات في الدوحة، وسط تضارب بشأن قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو: نأمل بمزيد من اتفاقات السلام مع الدول العربية بعد الحرب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، إنه يأمل في التوصل إلى مزيد من اتفاقات السلام مع دول عربية بمجرد انتهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي الجيش الإسرائيلي اعتقل نحو 100 من المشتبه في انتمائهم لـ«حماس» خلال مداهمة لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي: اعتقال نحو 100 من «حماس» في مستشفى بشمال غزة

قال الجيش الإسرائيلي اليوم (الاثنين) إن جنوده اعتقلوا نحو 100 من المشتبه في انتمائهم لحركة «حماس» خلال مداهمة لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (إ.ب.أ) play-circle 00:50

بريطانيا تتواصل مع إسرائيل وإيران لتجنب تصعيد «كارثي» في الشرق الأوسط

قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إنه تحدث هاتفياً إلى نظيريه الإسرائيلي والإيراني على نحو منفصل، الأحد، سعياً لتجنب تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية «كارثية».

«الشرق الأوسط» (لندن)

هل بدأ «حزب الله» يستعيد توازنه في مواجهة إسرائيل؟

عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

هل بدأ «حزب الله» يستعيد توازنه في مواجهة إسرائيل؟

عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

أكد مصدر سياسي لبناني على صلة وثيقة بـ«الثنائي الشيعي» («حزب الله» و«حركة أمل»)، لـ«الشرق الأوسط»، إشراف «خبراء» من «الحرس الثوري» على المعارك التي يخوضها الحزب في جنوب لبنان، لكنه نفى وجود مقاتلين إيرانيين.

ورداً على سؤال عن التقارير الغربية عن وجود متطوعين إيرانيين للقتال في لبنان، قال المصدر إن «لا أساس لكل ما يقال على هذا الصعيد». وسأل: «إذا كان هذا صحيحاً، فهل يُعقل أنه لم يسقط في المواجهة سوى مقاتلين من الثنائي الشيعي؟ ولو كان صحيحاً هل يمكن إخفاء مقتل أي إيراني في بلد يوجد على أرضه أجهزة مخابرات متعددة من كبرى الدول التي لا هم لبعضها سوى التقصي عن كل ما يتعلق بأنشطة الحزب وتتابع سير المعارك على أرض الجنوب؟».

لكنه أقر بوجود «خبراء» من «الحرس الثوري» الإيراني «يشرفون على سير المعارك، إلى جانب كبار القياديين العسكريين في الحزب». ويقول: «إننا لا نخفي أسماء الخبراء الذين قضوا أثناء وجودهم مع الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، وآخرين من قيادات الصف الأول في المقاومة الإسلامية أثناء قيام إسرائيل باغتيالهم».

وإشار ضمناً إلى تراجع فرص الحل السياسي، قائلاً إن «الكلمة الفصل تبقى أولاً وأخيراً للميدان، ما دام أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ماضٍ في تدميره وجرفه للبلدات الواقعة على طول الخط الأمامي قبالة الشمال الإسرائيلي؛ لفرض أمر واقع يتيح له السيطرة بالنار على جنوب الليطاني وامتداده إلى شماله، لتفريغ الجنوب من سكانه وتحويله أرضاً محروقة؛ بغية فرض شروطه لتطبيق القرار الدولي 1701».

ويكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «حزب الله» أجرى تقويماً للمسار العام لحربه مع إسرائيل، «وتمكنت قيادته العسكرية من تجاوز الأخطاء التي أدت إلى إحداث خلل في المواجهة، وبدأ يستعيد توازنه في الميدان، حيث تمكن في الأيام الأخيرة من الأسبوع الفائت من تحقيق تقدم تمثل بإلحاق خسائر غير مسبوقة بالجيش الإسرائيلي».

الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة مرجعيون (رويترز)

ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب «استطاع أيضاً تصحيح الخلل الناجم عن انقطاع التواصل بين غرفة عملياته المركزية وبين مجموعاته المنتشرة على امتداد خطوط المواجهة مع إسرائيل، وتمكن من تبديل معظم المجموعات المرابطة على خط المواجهة، بتطعيمها بوحدات من قوة الرضوان أدت إلى تحصين تموضعها في الخطوط الخلفية لخفض الخسائر البشرية المترتبة على اندلاع الحرب في أسابيعها الأولى».

أسلحة صاروخية متقدمة

ويوضح أن القيادة العسكرية زوّدت مقاتليها «بأسلحة صاروخية متنوعة ومتقدمة؛ ليكون في وسع المجموعات المتقدمة على طول هذه الخطوط، التدخل في الوقت المناسب للتصدي لوحدات الكوماندوز الإسرائيلي لدى توغلها لاحتلال النقاط الاستراتيجية الواقعة على أطراف البلدات المطلة على نهر الليطاني، مؤكداً أن الحزب في تقويمه مسار المواجهة توصل إلى تبيان الثغرات وأوجد الحلول لها بما يسمح له بالتصدي لإسرائيل ووقف توغلها في عمق الجنوب».

 

عمال إنقاذ ينقلون مصاباً من موقع استهداف إسرائيلي في مدينة صور (أ.ف.ب)

ويلفت المصدر إلى أن «إعادة تموضع المجموعات تلازم مع إعادة انتشارها في مواقع محدثة على طول الخطوط الخلفية. ويؤكد أنه تم تدعيم خلاياها النائمة على نحو يسمح لها باستهداف معظم المستعمرات الإسرائيلية الواقعة على تماسٍ مباشر مع الحدود اللبنانية؛ ما يعني أن تدميرها وجرفها للبلدات الأمامية لم يمكّناها من الضغط على المقاومة لإخلاء مواقعها التي تبقيها تحت نارها».

تفعيل الخلايا النائمة

ويؤكد المصدر المقرب أن «الخلايا النائمة أعادت ترتيب صفوفها، وهي تحتفظ الآن بقوتها النارية وتنصب الكمائن المتقدمة وتزرع العبوات الناسفة للتصدي لقوات الكوماندوز الإسرائيلي ومنعها من التوغل في عمق الجنوب، وتتولى، في الوقت نفسه، إشغالها للتخفيف من اندفاعها إلى الخطوط الأمامية للبلدات الحدودية للحؤول دون سيطرتها على التلال والمرتفعات التي تطل على واديي السلوقي والحجير في أعالي بلدات العديسة والطيبة ومركبا ورب ثلاثين؛ كونها تطل على مجرى نهر الليطاني».

ويعترف المصدر بأن الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي «سجّلت ارتفاع منسوب المواجهة بين الحزب وإسرائيل على نحو يؤدي إلى تحقيق حالة محكومة بتوازن الردع، وهذا ما يؤكده تزايد عدد الإصابات في الجيش الإسرائيلي». ويقول إن مجموعات الحزب «تتحصن بدفاعات لا يمكن خرقها بسهولة، خصوصاً أن بعضها مفتوح على أنفاق لا تزال قائمة، رغم استخدامه قنابل من العيار الثقيل لتدميرها».

ويرى المصدر أن لجوء إسرائيل إلى توسيع تدميرها للبلدات الجنوبية الواقعة في شمال الليطاني، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع بكل أقضيته، مستهدفة البلدات ذات الغالبية الشيعية «يأتي للضغط على الحزب للتسليم بشروطها لتطبيق القرار 1701، إنما على طريقتها».

«ضرب قدرة الشيعة»

ويتوقف أمام «تمادي إسرائيل في استهدافها البنية الاقتصادية بتدميرها المؤسسات التجارية والصناعية وأجزاء كبيرة من المدن الكبرى ذات الغالبية الشيعية»، وهذا ما ينسحب على النبطية، وصور، والضاحية الجنوبية وبعلبك. ويقول إنها «تأتي في سياق مخطط إسرائيلي لضرب القدرة الاقتصادية للطائفة الشيعية، ولتكبير حجم النزوح منها إلى المناطق المختلطة لتأليب المضيفين على النازحين على نحو يؤدي إلى خلق إشكالات تصعب السيطرة عليها».

جنديان لبنانيان قرب موقع غارة إسرائيلية استهدفت حارة صيدا في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وعليه، لا تزال الحرب المشتعلة في الجنوب تتصدر ما عداها، وتبقى الكلمة حتى إشعار آخر للميدان، ما لم يحضر الوسيط الأميركي أموس هوكستين إلى بيروت قادماً من تل أبيب حاملاً في جعبته ما يدعو إلى التفاؤل، بخلاف المرات السابقة، بأن الطريق سالكة لإنهاء الحرب بالتوصل لوقف النار ونشر الجيش تمهيداً لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته، على قاعدة حصرية السلاح بالدولة اللبنانية.

فهل تبقى المواجهة قائمة بكل ما يترتب عليها من تداعيات ومفاعيل في الداخل اللبناني؛ ما يفتح الباب أمام اختبار مدى قدرة الحزب على الصمود في الميدان «بعد أن استعاد توازن الردع مع إسرائيل»؟ كما يقول المصدر نفسه.