اتسعت المطالبات في إسرائيل باستغلال غياب رئيس حركة «حماس» يحيى السنوار، لتكثيف الجهود لأجل إنجاح صفقة تبادل الأسرى، التي يتم بموجبها وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من أسر «حماس» مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. وأجمعت أجهزة الأمن الإسرائيلية وأحزاب المعارضة والصحف وعائلات الرهائن على أن اغتيال السنوار خلق فرصة ثمينة لا يجوز إضاعتها لإنجاح الصفقة، وطالبت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالتوجه المخلص إلى المفاوضات بشأنها، سوياً مع الوسطاء الأميركيين والمصريين والقطريين. وبدأت هذه الجهود فور الإعلان رسمياً عن اغتيال السنوار، مساء الخميس، حيث طلب فريق التفاوض الإسرائيلي بقيادة رئيس «الموساد» دافيد بارنياع، ومعه رئيس الشاباك (المخابرات العامة)، رونين بار، وممثل الجيش الجنرال نتسان إلون، الاجتماع مع نتنياهو وأبلغوه أن لديهم معلومات تؤكد أن هذا هو أفضل وقت للتوصل إلى صفقة مع «حماس»، وأن مثل هذه الفرصة في الظروف الناشئة لن تعود بسهولة. وقد تبنّى وجهة النظر هذه جميع قادة أحزاب المعارضة، تقريباً: يائير لبيد وبيني غانتس وغادي آيزنكوت ويئير غولان.
وخرجت جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية بمقالات ولقاءات مع خبراء يؤكدون هذا التوجه، بما في ذلك بعض صحف اليمين. فكتبت «جيروزلم بوست»، اليمينية، أن «قتل السنوار يسجل كصورة انتصار كبير، كونه صاحب المذبحة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فقد تمت تصفية الحساب على أكمل وجه. وآن أوان الانتقال إلى الاستثمار». وكتب كبير المحللين السياسيين في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، قائلاً إن اغتيال السنوار واغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله «يستحقان تسجيلهما على أنهما ذروة الحرب. كما تمت تصفية معظم طبقة القيادة الثانية في كلتا المنظمتين. ولن يكون هناك مرشحون آخرون للتصفية. وتم تفكيك قدرات (حماس) العسكرية، وفقد (حزب الله) جزءاً كبيراً من قدراته القيادية والسيطرة. وثمة شكّ في إنجازات أكبر من هذه في المستقبل. والاستنتاج هو أن هذه هي النقطة الصحيحة لبدء عملية دبلوماسية. ولدى إسرائيل ما يمكن أن تقدمه: إنهاء الحرب في كلتا الجبهتين. ولديها ما ستحصل عليه: إعادة المخطوفين، نزع سلاح غزة، غياب (حماس) كقوة عسكرية وسلطوية، نزع السلاح في جنوب لبنان من قوات (حزب الله)، استئناف القرار 1701، استبدال يونيفيل بقوات أقوى، تأييد دولي لحقّ إسرائيل في توغل عسكري في غزة وجنوب لبنان إذا خُرقت الاتفاقيات».
وأضاف برنياع: «يوجد في قيادة الجيش الإسرائيلي تأييد واسع للسعي إلى إنهاء الحرب. وهي تأخذ بالحسبان أيضاً الثمن الباهظ الذي يوجبه القتال المتواصل بسقوط قتلى وجرحى إسرائيليين يومياً، وبضائقة الجيش في الموارد وتعلقه بإمدادات الذخيرة الأميركية». وأكد أن «القرار موجود بأيدي شخص واحد: بنيامين نتنياهو. والسؤال هو: إلى أين يريد التوجه الآن؟ هل يريد تحويل الإنجاز إلى اتفاقيات أم أنه يسعى إلى مواصلة الحرب في إحدى الجبهتين أو كلتيهما؟ وقد تحدث عن إعادة المخطوفين، وكذلك عن استمرار الحرب رغم أنهما متناقضان». وفي الصحيفة نفسها، كتب محلل الشؤون الاستخباراتية، رونين بيرغمان، وهو معلق الشؤون الإسرائيلية أيضاً في «نيويورك تايمز»، أن الاعتقاد لدى مسؤولين أمنيين إسرائيليين بشأن احتمالات اتفاق تبادل أسرى بعد اغتيال السنوار، هو أن «زعيماً جديداً لـ(حماس)، في الداخل أو الخارج، لن يتمكن من الموافقة، وبالتأكيد في المرحلة الأولى، على أقل مما وافق عليه السنوار». وأضاف أن «مسألة أخرى تقلق جداً رؤساء جهاز الأمن وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هو أن موت القائد من شأنه أن يؤدي في نهاية الأمر إلى تفكك سيطرة معينة في المنظمة، أو إلى أن تقرر الخلايا التي تحرس المخطوفين العمل وفق مشيئتها، وربما الانتقام من المخطوفين». وأشار بيرغمان إلى أنه ليس جميع الأسرى الإسرائيليين موجودين لدى «حماس»، وأن قسماً منهم بأيدي «حركة الجهاد الإسلامي» أو جهات مختلفة، «وعدم التوقيع فوراً على اتفاق وعدم دخول جهة بمقدورها السيطرة بشكل كبير إلى غزة، حتى لو كان هذا الأمر بالاشتراك مع (حماس)، من شأنه أن يؤدي إلى وجود عشرات (رون أراد)، وهو مساعد الطيار الذي اختفى خلال صراعات على السيطرة بين منظمات في لبنان».
وعدّ المحلل العسكري في صحيفة «يسرائيل هيوم»، يوآف ليمور، أنه «بغياب السنوار لا يوجد عنوان في غزة ولا في قطر. ويتعين على إسرائيل أن تبحث عن عنوان بديل في غزة أو قطر أو في أي مكان في العالم، وأن تكون أفكارها مبتكرة وسخية أيضاً بهدف التوصل إلى حل سريع للمشكلة الأكبر والأكثر إيلاماً». وأضاف أنه «حتى الأمس، كان بإمكان إسرائيل الادعاء أنها تواصل الحرب من أجل مطاردة السنوار، لكن الوضع تغير الآن. ورغم أن مقاتلي (حماس) سيبقون في غزة، لكن بالإمكان دفع حل أوسع يضع بديلاً سلطوياً واضحاً بغياب السنوار». ولكن أصحاب هذا الرأي يخشون من ردود فعل نتنياهو. وقال مسؤول أمني: «للأسف، أخشى أن تفعل الحكومة الإسرائيلية العكس تماماً. فتصريحات نتنياهو تجعلهم يشعرون بأن إسرائيل لا تعتزم التوصل إلى أي صفقة، وأن هذا وقت تشديد المواقف، وأن نتنياهو يرصد الأجواء ويعقد مداولات بادعاء تناول الموضوع، لكنه سيقول، مثلما فعل في الماضي عندما أراد المماطلة: «لا تعودوا إلى خطط سابقة، لماذا ينبغي الآن تعزيز قوتهم، بل ينبغي إضعاف موقفهم لأننا على موجة الانتصار. لكن الرغبة في هزيمة (حماس)، وركوب الموجة، وإقامة نظام جديد كما هو اسم العملية العسكرية (حرب الانبعاث) هو ما يشلّنا. وهذا لن يقود إلى صفقة».