الانتخابات البرلمانية في كردستان العراق: صراعات حزبية وتغيّرات مرتقبة

«المفوضية العليا» تؤكد على الشفافية

عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في دائرة انتخابية بإقليم كردستان الجمعة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)
عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في دائرة انتخابية بإقليم كردستان الجمعة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)
TT

الانتخابات البرلمانية في كردستان العراق: صراعات حزبية وتغيّرات مرتقبة

عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في دائرة انتخابية بإقليم كردستان الجمعة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)
عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في دائرة انتخابية بإقليم كردستان الجمعة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)

على الرغم من تطمينات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق بشأن مسار العملية الانتخابية لبرلمان إقليم كردستان، فإن التصويت الخاص بمنتسبي الأجهزة الأمنية أظهر مستوى حاداً من الاستقطاب الحزبي وتبادل الاتهامات.

ولا يزال الحزبان الكرديان الرئيسيان؛ «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة بافل طالباني، يهيمنان على الحياة الحزبية والسياسية في الإقليم، وسط صراعات حادة في مناطق نفوذهما التقليدية، مثل محافظات أربيل ودهوك والسليمانية.

وتتجه الأنظار إلى ما يمكن أن تفرزه انتخابات الإقليم البرلمانية من نتائج من شأنها إحداث اهتزاز في الخريطة السياسية داخل الإقليم، سواء في المحافظات التقليدية الثلاث، أو في مناطق نفوذ متنازع عليها مثل كركوك ونينوى.

وأكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، فضلاً عن استعدادها للتعامل مع كل الخروق وممارسات التزوير وإحالة المخالفين إلى القضاء. وتشرف المفوضية المستقلة على انتخابات الإقليم بطلب من الأحزاب السياسية بسبب فقدان الثقة بمفوضية الإقليم.

صورة نشرتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من زيارة وفد يضم أعضاءها لأحد مراكز التصويت الخاص بإقليم كردستان العراق الجمعة

تنافس متعدد الأبعاد

وأصبح موقف كلا الحزبين الرئيسيين أكثر صعوبة في التعامل مع بغداد، سواء على مستوى التمثيل البرلماني أو التشكيل الحكومي، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، وتأسيس ما يسمى بـ«ائتلاف إدارة الدولة» الذي يدعم الحكومة، ولكنه ينقسم سياسياً بين الفرقاء السياسيين. ولم تعد كلمة الكرد فيه موحدة، بل باتت شديدة الانقسام بين من يؤيد قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي، وهو الاتحاد الوطني الكردستاني، وبين من يدعم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في صراعه مع أطراف من ضمن قوى «الإطار التنسيقي»، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني.

إضافة إلى ذلك، فإن اختلال التوازن الحزبي والسياسي داخل الإقليم، الذي يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1992، قد تعمق أكثر بعد ظهور أحزاب وقوى سياسية جديدة، خاصة بعد الانشقاقات التي ضربت الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي انشقت عنه حركة التغيير وحزب الجيل الجديد.

ولا يزال الحزب الديمقراطي الكردستاني متماسكاً بفضل تركيبته القيادية ذات النزعة العشائرية، التي تعزز هيمنة قبيلة البارزانيين على كامل هيكله السياسي، إلا أن التحالفات مع الأطراف الأخرى في باقي مناطق العراق بدأت تتوسع على حساب نفوذه، بما في ذلك كركوك.

وعلى الرغم من أن كلا الحزبين يتفقان على عائدية كركوك إلى إقليم كردستان، بخلاف ما يراه العرب والتركمان وبعض المسيحيين، فإن المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بكركوك لم تُنفذ، رغم انتهاء المهلة الدستورية، نتيجة الخلافات السياسية بين مختلف الأطراف، بما في ذلك الأطراف الكردية نفسها. ففي آخر انتخابات لمجالس المحافظات في كركوك، التي تأجلت منذ عام 2005، أظهر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، تفوقه على خصمه «الديمقراطي الكردستاني» من حيث عدد المقاعد، مما أتاح له تشكيل مجلس المحافظة واختيار المحافظ بالتحالف مع العرب، وهو تحول سياسي خطير بين الحزبين. وليس هذا فحسب، بل إن محافظ كركوك، ريبوار طالباني، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، أعلن قبل يومين في تصريح سياسي أن حزبه تمكن من استعادة كركوك ويستعد لاستعادة أربيل.

بدأت محافظة نينوى أيضاً تشهد استقطاباً حزبياً من نوع آخر، يتمثل في طبيعة التحالفات السياسية العابرة للمكونات والعرقيات. على سبيل المثال، انقسم المسيحيون بين فريقين: فريق يؤيد الاتحاد الوطني الكردستاني، وآخر يتبنى توجهات الحزب الديمقراطي الكردستاني. هذا الانقسام يساهم في تعميق الفجوة بين الأحزاب ويزيد من تعقيد جهود التعاون بين القوى السياسية المختلفة.

عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في دائرة انتخابية بإقليم كردستان الجمعة (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات)

اهتزاز الخريطة

في هذا السياق، تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن تفرزه انتخابات الإقليم البرلمانية من نتائج قد تحدث اهتزازاً في الخريطة السياسية داخل الإقليم، سواء في المحافظات التقليدية الثلاث (أربيل، والسليمانية، ودهوك)، أو في مناطق النفوذ المتنازع عليها في محافظتي كركوك ونينوى. كما أن النفوذ السياسي بدأ يتراجع في بغداد نتيجة للصراعات الحزبية.

وأكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، التي تشرف على انتخابات الإقليم بطلب من الأحزاب السياسية بسبب فقدان الثقة بمفوضية الإقليم، أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، فضلاً عن استعدادها للتعامل مع جميع الخروق وممارسات التزوير وإحالة المخالفين إلى القضاء.

وبينما أكدت المفوضية عبر مؤتمر صحافي أن نسبة المشاركة في التصويت الخاص بلغت 70 في المائة، يتوقع المراقبون السياسيون نسبة مشاركة منخفضة نسبياً خلال الانتخابات العامة التي ستجرى يوم الأحد، رغم الحملات الانتخابية التي شهدت تصعيداً متبادلاً وتبادل اتهامات.

ويتنافس 1091 مرشحاً في إقليم كردستان من كلا الجنسين على 100 مقعد، منها خمسة «كوتا» للمكونات، بعد أن كانت 11 مقعداً؛ إذ جرى تقليصها بقرار من المحكمة الاتحادية العليا؛ أعلى سلطة قضائية في العراق.

وعدد المقاعد المخصصة للنساء، وفقاً لقانون الانتخابات، يجب أن يكون على الأقل 30 مقعداً. ويبلغ إجمالي عدد الناخبين في إقليم كردستان نحو 2.9 مليون ناخب، منهم 215.960 يحق لهم التصويت في الاقتراع الخاص، في حين سيصوت باقي الناخبين، والبالغ عددهم نحو 2.7 مليون، في الاقتراع العام يوم الأحد المقبل.

في هذا السياق، أعلنت قيادة العمليات المشتركة عن تأمين سير العملية الانتخابية في يومها الأول الخاص بالتصويت؛ إذ أوضح اللواء تحسين الخفاجي، الناطق الرسمي باسم العمليات المشتركة، أن «المقر المسيطر يشرف على 7 محافظات و12 مركزاً بواقع 5600 ناخب». كما أشار إلى أن العمليات المشتركة تنسق مع مفوضية الانتخابات، وتقدم جميع القدرات والإمكانات اللازمة، مع التواصل المستمر مع قيادة العمليات والشرطة في المحافظات.


مقالات ذات صلة

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام «منتدى السلام» في دهوك (شبكة روداو)

وزير الخارجية العراقي: تلقينا تهديدات إسرائيلية «واضحة»

قدّم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدّد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)

مفوضية اللاجئين في لبنان: الأسابيع الماضية الأكثر دموية وفداحة منذ عقود

رجل يحمل كلبه بينما يهرب الناس على الدراجات النارية بجوار المباني المتضررة في أعقاب غارة إسرائيلية على منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
رجل يحمل كلبه بينما يهرب الناس على الدراجات النارية بجوار المباني المتضررة في أعقاب غارة إسرائيلية على منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
TT

مفوضية اللاجئين في لبنان: الأسابيع الماضية الأكثر دموية وفداحة منذ عقود

رجل يحمل كلبه بينما يهرب الناس على الدراجات النارية بجوار المباني المتضررة في أعقاب غارة إسرائيلية على منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
رجل يحمل كلبه بينما يهرب الناس على الدراجات النارية بجوار المباني المتضررة في أعقاب غارة إسرائيلية على منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

حذّر ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في لبنان إيفو فرايسن، اليوم (الجمعة)، من أن الأسابيع الماضية هي «الأكثر دموية وفداحة منذ عقود» على لبنان والشعب اللبناني.

وأوضح فرايسن أن إسرائيل كثّفت غاراتها الجوية وتوغلاتها البرية، مما عمّق المأساة الإنسانية التي يعاني منها المدنيون.

وقال: «بعد انقضاء شهرين على تصاعد حدة الهجمات على البلاد، قُتل أكثر من 3500 شخص، وأصيب 15 ألفاً، حيث طالت تأثيراتها المباشرة ما يقدر بنحو 1.3 مليون شخص، وأجبرتهم على النزوح من منازلهم».

وطالب الممثل الأممي بالتوصل إلى وقف عاجل لإطلاق النار، وحث المجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب لبنان وتوفير التمويل اللازم بشكل عاجل لمساعدة جميع المتضررين، بما في ذلك الذين اضطروا للفرار إلى سوريا وخارجها.

وفيما يتعلق بسوريا، قال فرايسن إن إسرائيل زادت غاراتها الجوية، ما يشكّل مخاطر جسيمة على المدنيين وموظفي المفوضية وشركائها ومرافقها.

وحذّر ممثل المفوضية الأممية من أن الغارات الإسرائيلية بالقرب من المعابر الحدودية تعرض للخطر قدرة الأشخاص على الفرار من الصراع في لبنان، كما تؤثر في قدرة المفوضية على تقديم الدعم لمن هم بأمس الحاجة للمساعدة.